حيثيات ارهاب المشهد الاسلامي

الارهاب الفكرى لمدرسة السقيفة (1)

هلال آل فخرالدين

 

في البداية ان جل ما ارجوه من القارئ او المتصفح ان يعيرني عقله ويمنحني فهمه بعيدا عن التطرف وبمنأى عن التعصب لان كل ما اشير اليه هو من مصادر وصحاح السلف من غير رتوش او تقديس لقباب زائفة او لشخوص بشر خاطئة..

مما لاشك فيه ان مصادرة الثقافة والتراث او قمع الفكر وحرية التعبير لهي اشد مضاضة من ارهاب الذبح والتفجير لان فيها سلب الروح والعقل والحياة حيث طغى هذا المنهج المتطرف على مسيرة الاسلام منذ رحيل المصطفى (ص)، واشهار سيف الارهاب بوجه كل الصحابة وفي مسجد الرسول حيث كان البادرة الاولى والخطوة الاساسية التي اسست فيما بعد لكل الوان التطرف الثقافي والعقائدي بل والارهاب الفكري بكل صوره واعتى اشكاله حيث كانت الحلقة الاولى التي تبعتها حلقات اخرى متلاحقة من منع تدوين الحديث واحراقه الى التحجير على الصحابة وضربهم بالدرة الى حرق التراث الانساني وقمع الفكر والى تفشي الكذب في النصوص ونشوء المذاهب الى التطاحن فيما بينها وحرق تراث العلماء وهدم آثارهم وتدمير كنوز الامة وتفريقها والى تقهقرها في كافة المجالات واستفحال الاستبداد وانتشار التطرف والارهاب وقاد الى كل خطيئة وجريمة..

 ولازالت مناهجه الظلامية المتخلفة سارية في المشهد الاسلامي تنهش جسد الامة لحد عصرنا الحاضر !!التي غيرت وبكل قوة صورة ما كان عليه مسجد الرسول (ص) مهبطا للوحي وقاعدة للعبادة ومدرسة للامة وسراي للدولة ومركزا للعمليات العسكرية.. حيث لم يخبرنا التاريخ ان امتشق فيه احد سيف او جرد سنان في اشد ايام الرسالة خطرا واعظمها محنة.. حيث كان موئلا للرحمة والسلام والحوار حيث كانت تداعياتها على الرسالة الانسانية العقلية الخاتمة حتى وسمتها بالعنف ووسمتها بالتخلف وصورتها بالتسلط...!!

ابعاد ثورة الاسلام

كان انبثاق الاسلام ثورة حضارية ونهضة عقلية ونقلة اخلاقية شاملة على اعراف الانغلاق الجاهلي وتقاليد التخلف البدوي والتعصب القبلي، فقد جعلت الرسالة مبدأ التعددية والانفتاح والحرية واحترام الاخر والتأكيد على قيم المشتركات الانسانية وتحكيم منطق العقل واجالة الفكر وحق التعبير واختيار العقيدة واعتماد الثقافة والاخذ بفلسفة معينة والحث على طلب العلم وجعلها فريضة على كل مسلم ومسلمة والامر بطلب العلم ولو بالصين في مجتمع بدوي لايخرج افراده من دائرة مضاربهم ومحيط مدنهم لكلفة السفر وقلة وسائطه وصعوبة ظروفه ومشاق مساره ومخاطر مسالكه..!!..أصول رسالية وحضارية موجودة على مر العصور والأزمان. وهى عناصر أساسية وحيوية من عناصر بناء الانسان وقيام الانظمة الصالحة وتقدم المجتمعات البشرية والأمم المتمدنة وازدهارها وهى محاور حقيقية وعوامل فاعلة في مسيرة التعايش السلمى والرقى والتكامل البشري والبناء الحضاري في مختلف جوانب الحياة.

رحابة انفتاح الفكر في الرسالة الاسلامية

المعلوم ان الاسلام جاء ليس فقط مبشرا بالمعارف والعلوم بل اكد عليها وشجعها ولسعة فضاء انفتاح الاسلام وتسامحه الزم بهضم كافة الثقافات والفلسفات (الحكمة ضالة المؤمن يأخذها انا وجدها) كذلك لم يكن ضد الحضارات وكان يدعو الى الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة والعفو والسماحة حتى احترام الاعداء المشركين حيث جعل عبادتهم للأوثان (دين) قال تعالى: (لكم دينكم ولى دين) الكافرون: 6 وكان الرسول (ص) شخصيا يحاجج ويناظر الاخر رغم مزاعمه ومقولاته ويلزمه الحجه وبكل احترام حتى ليبلغ الامر بالحوار الرسالي الى القمة: (وانا او اياكم لعلى هدى او في ضلال مبين)24: سبأ

نظرة الاسلام للأديان السماوية

ان رسالة السماء تربية للبشر بفاضل الاخلاق وحكم الاقوال وسديد الافعال لاتشوبها شائبة لذلك يتضح الفكر السامي لنصوص الاسلام المقدسة في ابعاد منها اولا: الاسلام ينظر الى الاديان السماوية السابقة له بعين التقديس ويتناول دعوات الانبياء والمرسلين بالتبجيل وتنزيههم من الاباطيل والاساطير والغلو فالقران يعطي صورة صادقة لأدوار ومهام الانبياء في اممهم بعيدا عن التحريف والخرافات والمثالب التى طفحت بها اسفار الكتاب المقدس ولسنا الان بصدد ذكرها وتعدادها.. فقد حفل القران بسور كاملة تذكر اسماء الانبياء السابقين وتشيد باسرهم كنوح وابراهيم ويوسف ويونس وهود وال عمران ومريم وكذلك طفح بذاك انبياء كموسى وهارون وداود وسليمان وايوب.. وذكر الصالحين (اصحاب الكهف) حتى سورة باسم (الروم) أي نظام الامبراطورية الروماني لكونهم يمثلون اتباع الديانة النصرانية المسيحية ويفرح المسلمون بنصرهم على اعدائهم من الفرس لانهم على غير دين سماوى.

ثانيا: ان الاسلام ينظر بروح الموضوعية لكافة الانبياء (قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) {آل عمران/84}

ثالثا: افصح القران ان امر اتباع الديانات المختلفة راجع الى الله هو الذي يحكم فيهم قال تعالى: (إن الذين ءامنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد) الحج: 17

رابعا: وضع الاسلام منهجا تربويا متوازنا في حوار اهل الاديان بالحكمة والمجادلة بالتي هي احسن قال تعالى: (وجادلهم بالتي هي احسن) النحل: 125

خامسا: الاسلام يدعو اتباع الاديان السماوية للأخذ بالمشتركات وعلى راسها التوحيد قال تعالى: (قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولانشرك به شيئا ولاينخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقالوا آشهدوا بأنا مسلمون)ال عمران: 64

سادسا: الاسلام لايتعامل مع الاديان من نظرة فوقية او احكاما مسبقة او تفويض الهى او فروض او طعون بل من منظور شفافية الاخلاق هو ارقى ما تصل اليه الانسانية في حوارها مع الاخر قال تعالى: (وانا أو اياكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين)سباء: 24 (قل ان ضللت فإنما اضل على نفسي) سبأ: 50 الى غيرها من الابعاد الرسالية والاساليب الحضارية والنظرات الإيجابية.

سابعا: تبجيل الاسلام للكتب السماوية السابقة قال تعالى: (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولاتشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)المائدة: 44وقال تعالى: (وقفينا على اثرهم بعيسى ابن مريم مصداقا لما بين يديه من التوراة واتيناه الانجيل فيه هدى ونور مصدقالمابين يديه من التوراة وهدى وموعظ للمتقيتن)المائدة: 46

افاق تسامح وانفتاح النبي (ص) مع معتنقي الاديان

من المعلوم ان النبي(ص) اسس كينونة المجتمع الاسلامي واقامة دولته في المدينة وحيث تكشف النصوص انفتاح النبي (ص) على اليهود في بداية هجرته فكتب اول دستور (وثيقة) بين المسلمين وبين اليهود تنظم العلاقة بين الطرفين للعيش المشترك حيث سمحت لليهود من ممارسة انشطتهم الدينية وطقوسهم العبادية ودروسهم العقائدية وغيرها في مؤسساتهم ومدارسهم وبيعهم جنبا الى جنب مع الديانة الجديدة ولم يصادر كتبهم او يحرقها رغم ما اشار اليه القران من تحريف للتوراة وضلال الاحبار وكيدهم للرسول (ص).

تواتر روايات السلف بمخالطة عمر لليهود

ذكرت مصادر التفسير والصحاح والسنن والمسانيد ومدونات الصحابة ومصادر التاريخ ان عمر ابن الخطاب كان كثيرا ما يتردد على مدارس اليهود في المدينة ويحضر فيها ويأخذ من احبارها. اخرج اصحاب الصحاح عن عمر قال: انطلقت فانتسخت كتابا من أهل الكتاب ثم جئت به في أدم فقال رسول الله (ص): ماهذا في يدك ياعمر ؟ فقلت: يارسول الله كتاب نسخته لنزداد علما إلى علمنا) أخرجه ابو يعلي وابن المنذر وابن ابي حاتم والعقيلي ونصر المقدسي كما في كنز العمال للهندي ج1 ص94وعبد الرزاق نقلا عن حياة الصحابة للكندهلوي ج2 ص124 و125

احترام النبي(ص) لنصارى نجران

تذكر المصادران النبي(ص) كان يستقبل وفود المشركين في مسجده وعند قدوم وفد نصارى نجران الى المدينة انزلهم وضيفهم في مسجد قبا واستقبلهم في مسجده الشريف وفرش لهم ردائه وكان يكلمهم بكل ادب ويحاورهم بكل احترام كما... لكنهم اصروا على عنادهم وطلبوا محاججة النبي (ص) ومعارضته حتى دعاهم الى المباهلة الى الله لحسم الحوار فيما بين الطرفين علما ان غرض المباهلة إعلاء الحق وإزهاق الباطل وإقامة الحجة على من استكبر على الحق. وهي مذكورة في الآية المعروفة باسم آية المباهلة: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَإذِبِينَ)العمران: 61

سبب النزول

تجمع المصادر ان سبب نزول الآية هو قدوم وفد نصارى نجران المدينة ومجادلتهم رسولَ الله حول المسيح عيسى بن مريم. و قال الامام الزمخشري في تفسير الكشاف في تفسير قوله تعالى: (فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ...) فأتى رسول الله (ص) و قد غدا محتضنا الحسين، آخذا بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها، وهو يقول(ص): (ذا أنا دعوت فأَمّنوا) فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى لأرى و جوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا و لا يبقى على وجه الأرض نصارى إلى يوم القيامة...و هناك العشرات من كتب التفسير و الحديث ذكرت أن آية المباهلة نزلت في عترة النبي لا غير، ولا مجال هنا لذكرها. حيث روى البخاري في صحيحه عن حذيفة بن اليمان قوله: (جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله (ص)يريدان أن يُلاعناه، فقال أحدُهما لصاحبه: لا تفعل فوالله لئن كان نبياً فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا. قالا: نا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلاً أميناً).

آراء العلمــاء في المباهلة

وقد ذكر الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث: (وفيها مشروعية مباهلة المخالف إذا أصر بعد ظهور الحجة، وقد دعا ابن عباس إلى ذلك ثم الأوزاعي، ووقع ذلك لجماعة من العلماء ومما عُرفَ بالتجربة أن من باهَل وكان مبطلاً لا تمضي عليه سنة من يوم المباهلة، ووَقَعَ لي ذلك مع شخص كان يتعصب لبعض الملاحدة ؛ فلم يقُم بعدها غير شهرين.)

قال الإمام ابن القيم: إن السنة في مجادلة أهل الباطل إذا قامت عليهم حجة الله، ولم يرجعوا، بل أصروا على العناد، أن يدعوهم إلى المباهلة، وقد أمر الله، بذلك رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يقُل: إن ذلك ليس لأمتك من بعدك. ودعا إليها ابنُ عمه عبد الله بن عباس، من أنكر عليه بعض مسائل الفروع، ولم يُنكر عليه الصحابة، ودعا إليه الأوزاعي سفيان الثوري في مسألة رفع اليدين، ولم يُنكَر عليه ذلك، وهذا من تمام الحجة.

(فمشروعية المباهلة ليست خاصة بالنبي، بل هي للأمة، ومما يدخل في ما أٌمرنا بالتأسي به فيه من أمور الدين. فمباهلة أهل الباطل أمر مشروع، غير أنه لا يُصار إليه إلا مع الجزم بصحة ما عليه المباهل وصدقه فيه، وترتب مصلحة شرعية على المباهلة كإقامة الحجة، وليس لأمر من أمور الدنيا).و نظراً لخطورة الدعوة إلى المباهلة أو قبول الدعوة إليها فالأولى عدم التوسع في هذا الباب، والاحتراز مما قد يترتب على المباهلة من مفاسد كتعلق العوام بأحد المتباهلين، أو إظهار باطل لم يكن ليظهر لولاها، أو إصابة المباهل الصادق بالرياء أو غير ذلك من المفاسد.

احترام الرسول للفكر وللتراث

ومما تحفل به المصادر الاسلامية وتجمع عليه السيرة العطرة للرسول(ص) في تعامله مع شرائح الاحبار والرهبان والحكماء حيث كانت سجيته الاحترام والحوار بالحكمة والموعظة الحسنة (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) النحل: 125 وكان خلقه العظيم ان يتحلى بالصبر والصدر الواسع حتى مع المنافقين والحاقدين والمشركين قائلا (اللهم اغفر لقومي) بهذه الروحية العالية والاخلاق الرفيعة استطاع ان يؤلف بين طغام الاعراب واجلاف البداوة ليكون منهم امة تدعوا الى الخير وتأمر بالمعروف وتقود العالم..!!! ومن منطلقات انسانية وروح رسالية تعامل الرسول (ص) مع كتب التراث حتى وان كانت لأعدائه الالداء والتقليديين اليهود من حفظ تراثهم من العبث او الحرق والتلف حرصا منه على التراث وعدم جرح مشاعر الاخرين فلم يكن من عادة المسلمين والعرب حرق المكتبات ففي أثناء غزوة يهود خيبر لنقضهم عقد الصحيفة في العام السابع الهجري في عام‏628‏ وبعد انتصار الرسول والمسلمين على سلام بن مشكم زعيم خيبر كان من الغنائم صحائف التوراة وكتب اليهود أمر الرسول بتسليمها إلي يهود خيبر‏!

تناقض الذهنية المنغلقة والمفاهيم الرسالية

مما لامشاحة فيه ان سلوكيات الفرد نابعة من اسلوب تربيته ومناخات بيئته ومناهج دراسته وابعاد ثقافته وافاق افكاره في رسم خارطة بنيته العقلية ومقدرته الفكرية وعمق معرفته وصحيح تحليلاته من خلال تعامله مع افاق المعرفة والمدارس الثقافية وفضاء الفنون ومقدار انفتاحه ورحابة صدره واحترامه للفكر وتقييم نتاج العقول وابداع العلماء ومبتكرات المبدعين وقرائح الفنانين.. حيث تبرز العبقريات والاجتهادات والابداعات والعطاءات المعرفية في رحاب ارهاصات التلاقح العلمي والفكري والثقافي في الاجواء الحضارية المتنوعة والثقافات المتعددة حيث الغنى والثراء الثقافي والفلسفي والأدبي. والاسلام يؤكد على التفكر في ملكوت السموات والارض ويحض على طلب العلم واعمال العقل والفهم الصحيح المبتني على المعرفة والدليل لا المستند الى التقليد وما كان عليه الاجداد..لذلك امر الشرع باستعمال العقل واجالة التفكير في نصوص قرآنية كثيرة كقوله تعالى: (وما يعقلها إلا العالمون) و(لقوم يعقلون)و(لقوم يتفكرون) و(افلاينظرون) و(افلا يعقلون)فذكر الالباب: (فقد أوتي خيرا وما يذكر إلا أؤلوا الالباب)البقرة: 69 وقرن الله سبحانه اسمه مع العلماء: (لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائم بالقسط)ال عمران: 18وذكر العقول والنظر والتفكير مثل هذه الالفاظ الدالة على اجالة العقل كثيرة وقد ذم الله تعالى المتحجرين الجاهلين المقلدين: (قالوا حسبنا ما وجدنا ءاباءنا) المائدة 104 وقوله تعالى: (إنا وجدنا ءاباءنا على امة وإنا على اثرهم مقتدون)الزخرف 23 (قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه ءاباءنا) لقمان: 21وذم الذين لايستعملون عقلهم: (صم بكم عمي فهم لايعقلون)..بل هم كالبهائم (اؤلئك كالانعام بل هم اضل أؤلئك هم الغافلون)الاعراف: 179(انهم إكالانعام بل هم اضل سبيلا)الفرقان: 44

جذور الارهاب الفكري والثقافي في الاسلام

ان جذور التخلف الجاهلي ظلت سارية في البيئة الاسلامية منذ بداية الخلافة والى زمن خلفاء جهلة بالخصوص حيث كان المنهج في التعامل مع شرائح الحكماء والعلماء والمفكرين التائقة للمعرفة وفك الغاز الطبيعة وتفهم ما لدى الامم من علوم وفلسفات وتراث وحضارة في البلدان المفتوحة ومعرفة حقائق القران وتفسير متشابهة لأجل تحصين الرسالة من الهرطقات والرد على الاشكاليات ان يقرع ويضرب وينفى..فكان تصدي السلطة لهؤلاء وبكل حزم وشدة وعنف ان اوقفوا مد التدبر في متشابه القران ومعرفة ماعند الامم من معارف وعلوم والتلاقح الحضاري والاثراء المعرفي...

وحيث استفحل ذلك المنحى التقهقري المنغلق يقوده سلفيون وبدعم خلفاء لانهم علموا ان مناهج الانفتاح الفكري ستقود الى ابعاد وارهاصات في الوعي وحرية الفكر والتعبير وفك طلاسم التقليد والتبعية وبالتالي ستقود الى مطالب تحررية وخروج على هيمنة وتسلط الطغاة.. فكان سبب تنامي الموجة السلفية تشجيع واسناد خلفاء جهلة فحصلت ردة علمية ومعرفية كبرى ومحاربة للفكر والعقل وبكل تطرف وعنف وعلى بعدين:

البعد الاول: حصل في عصر الخليفة الجاهل المعتصم العباسي بجلبه للاتراك البدو المتخلفين وتجنيدهم فيالق عسكرية وتمكينهم حيث تدخلوا في كل مناحي الحياة العلمية وحجروا على العلماء وتدخلوا حتى في السياسة بانقلابهم على الخلافة وجعلها العوبة بايديهم.

البعد الثاني: كان بتقريب الخليفة المتخلف المتهتك المتوكل العباسي للسلفية الحنبلية واسنادهم ماديا ومعنويا في حربهم الارهابية حيال العلم والعلماء حيث عاثوا فسادا فكريا رهيبا بمصادرتهم للعقل والتحجير على العلم واغلاق ابواب الاجتهاد وهذا ما سنبحثه لاحقا..حيث تؤكد روايات السلف ما ارتكبه الخلفاء من ارهاب وقمع فكري رهيب على الامة لازالت تعيش تداعياته التقهقرية لحد اليوم...!!

فترة قبسات الاستنارة

ان فترة ظهور شخصية انسانية علمية عالمية واعية كالامام علي (ع)وفي محيط ثقافي وحضاري تنوعي عريق زمن خلافته في حاضرة العراق (الكوفة) لتمثله الانفتاح والتسامح ورحابة صدر في حوار اهل الاديان واصحاب الفلسفات والثقافات وباسلوب موضوعي وشفاف في تفنيدا مقولاتهم بحجج وبراهين عقلية وادلة فلسفية على صحيح العقيدة ومفاهيم الدين على غير ماتعرف عليه السلف ضمن دائرة الفهم الديني او النقلي فكان اسلوبا مشبعا بالمنطق العقلي والدليل العلمي وهذا ما طفح به نهج البلاغة مما تسبب بالتشكيك به وانه منحول وليس للامام علي لما فيه من ابعاد معرفية وافاق فلسفية غير متعارفة ولا مألوفة لدى الصحابة لكون الامام علي باب علم النبي (ص)فجرها وفتقها حتى اصبحت سبيلا وملجأ ومنهجا لمن جاء من بعده في النهل منها والارتواء من معينها والسير في خطاها واقتفاء اثارها.. انطلاقا من هذا الفهم نجد ان ائمة اهل البيت بسبب علمهم الواسع بتاريخ الرسالات الالهية ومبانيها وفهمهم العميق المستوعب للرسالة الاسلامية وفهمهم للمذاهب الوضعية والافكار الفلسفية لذلك قاموا بعمل ممنهج تميزوا به وهو احياء معالم التاريخ الالهي سواء من الرسالات السابقة او الرسالة الاسلامية او محاورة اصحاب المدارس الاسلامية او مناظرة الحكماء واصحاب المقولات والهرطقات وبكل احترام وسعة صدر بتبيان الحق ورد شبهاتهم وابطال مغالطاتهم..وان الائمة منال محمد بدورهم الهموا هذه العلوم والافكار لتلامذة مدرستهم بان يحاوروا الاخر بالدليل والحجة امثال ابان بن تغلب ويونس بن عبد الرحمان ومؤمن الطاق.

الشيخان وحرق الحديث الشريف والتحجير على الصحابة !!

فكانت اول طامة وافدح بادرة ان تحرق نصوص الحديث الشريف في عهد ابي بكر في سابقة غير معهودة ولتمتد بعد ذلك في النهي عن رواية السنة ليتفشى الكذب فيه والى احراق المصاحف لتطمس معالم التفسير حيث تجمع مصادر السلف على ماقام به ابو بكر من حرق مصنفات الحديث انظر تذكرة الحفاظ للذهبي وكذلك منعه روايته انظر رواية ابن ابي مليكة حيث أحرق ابو بكر الحديث وتثبت المصادر انه حرق خمسمائة حديث نبوي شريف بالنار.. والنهى من رواية السنة قائلا: لا تحدثوا عن رسول الله شيئا فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم القرآن فاحلوا حلاله وحرموا حرامه..!!

واقتفى عمر ابن الخطاب اثر ابي بكر بمنع رواية الحديث وحتى التحجير على الصحابة واجبرهم على الاقامة في المدينة كي لايبثوا السنة في الامة وكل هذه الطامات لازالت تبرر لعمر ويشكر عليها وان كانت هي من اكثر مصائب تفشى الكذب والاختلاف في السنة وظهور المذاهب وكثرة البدع...!!! ففي خلافة عمر جمع الرواة من الصحابة، ابن مسعود وابا حذيفة وابا الدرداء وعقبة بن عامر وقال: (ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول اللــه في الآفاق ؟ أقيموا عندى واللــه لا تفارقونى ما عشت). وفى رواية اخرى ان عمر حبس ابن مسعود وابا الدرداء وقال: (اكثرتم الحديث عن رسول اللــه). ثم أطلقهم عثمان فيما بعد. وقال عُمرلأبى هُريرة: (لتتركن الحديث عن رسول اللــه أو لألحقنك بأرض دوس) وفي رواية اخرى (الى ارض القردة). وقد سافر جماعة من الصحابة فى عهد عُمر للعراق فقال لهم عُمر وهو يودعهم: (أتدرون لم مشيت معكم؟ قالوا لا، قال إنكم لتأتون بلدة لأهلها دوى بالقرآن كدوى النحل فلا تصدوهم بالأحاديث فقال: (إنى كنت أريد أن أكتب السُنن وانى ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كُتبا فاكبواعليها وتركوا كتاب اللــه، وانى واللــه لا اشوب كتاب اللــه بشيء أبدا.) الاسلام بين الدولة الدينية والمدنية ص114(كان عمر بن الخطاب يحجر على الصحابة رواية الحديث عن رسول الله (ص) وهذه مسالة معروفة كتب فيها كل من دون شيئا من تاريخ السنه-لما قدم قرظه بن كعب وهو صحابي إلى الكوفة قالوا: حدثنا، قال: نهانا عمر عن الحديث)انظر جامع بيان العلم رواه الدارمي والبيهقي في سننهما، ومن نهاهم عمر عن الحديث عن رسول الله (ص)عبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء).

احراق عمر للحديث الشريف

أحرق عمر بن الخطاب صُحُفا جُمعت فيها أحاديث الرسول (ص)على ما ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى: (إن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها، فلما أتوه بها، أمر بتحريقها ثم قال مثناة كمثناة أهل الكتاب) ج 5، ص 102 وروى القاسم ان عمر جمع ما كُتب من أحاديث فأحرقها وقال (واللــه لا أجعلها مثناة كمثناة أهل الكتاب، إنه قرآن فحسب) وروى القاسم ان عمر جمع ما كُتب من أحاديث فأحرقها وقال (واللــه لا أجعلها مثناة كمثناة أهل الكتاب، إنه قرآن فحسب).

ولم يجرأ أبوهريرة على الرواية فى عصر عُمر، ولكن بعد موت عُمر طفا ابوهُريرة للسطح واخذ فى الرواية ويعترف قائلا: (إنى محدثكم بأحاديث لو حدثت بها زمن عُمر لضربنى بالدُرة). وقال (ما كُنا نستطيع ان نقول قال رسول اللــه حتى قُبض – أى مات – عُمر). ثم إستمر يقول: (اكنت محدثكم بهذه الأحاديث وعُمر حى ؟ أما واللــه إذن لأيقنت أن الدُرة ستباشر ظهرى، فإن عُمر كان يقول: (إشتغلوا بالقرآن فإن القرآن كلام اللــه) اليس كلام رسول الله (ص)كلام الله الذي لاينطق عن الهوى؟!

السنة نصف الوحي

ان السنة هي الموضحة والمبينة والشارحة للكتاب فمن دونها يبهم ومن اقصائها لايفهم.. لكن رغم اعترافهم بقول النبي (ص): (ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه) وما كان (ص) يوصي به اصحابه ويؤكده عليهم من تدوين حديثه لان لايصدر منه (ص) الا الحق..ف ي الرد على من كان يطعن بشرعية حديثه (ص)من المنافقين حيث تجمع مصادر السلف من طعن بعض الصحابة بحديثه (ص) في حياته فقد ذكروا ان عبدالله بن عمر وابن العاص سأل النبي(ص) من تشكيك وطعن بعض الصحابة بشرعية حديثه (ص) فقال له (ص): (اكتب فوالله لايصدر مني الا الحق..!) وهذا ما تؤكده مصادر السلف نفسها.. فقد سأله عبد الله بن عمرو ابن العاص ايكتب حديثه فاشار النبي (ص) الى شفتيه وقال لعبدالله: (اكتب فولذي بعثني بالحق لايخرج من هاتين الا الحق) او (حدثوا ولا حرج) مسند احمد والخطيب البغدادي في تقييد العلم عن النبي(ص) وذلك لقوله عزوجل (وما ينطق عن الهوى *ان هو إلا وحى يوحى) النجم: 3-4 وعلى الاطلاق فلم يكن صحيحاً ما زوروه من نهى النبي (ص) عن كتابة السنة، وانه (ص) اكد بتدوينها كما دون القرآن، ولا يمكن أن يدع نصف ما أوحي إليه بين الناس بغير كتابة، ولا يكون حينئذ قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة كاملة إلى أهلها، ولماذا ترك الصحابة نصف الوحي ولم يدونوه، فبإهمالهم له يصبحون جميعاً من الآثمين " أضواء على السنة المحمدية.

ونرجع ونؤكد انه لم يهمل من الصحابة من كان قادرا على الكتابة من كتابة الحديث النبوي بدليل ان ابن ابي قحافة نفسه جمع ماكتبه من احاديث عن النبي(ص) فاحرقها من رواية السيدة عائشة كما احرق ماجمعه الصحابة من احاديث.. وانه لولا نهي عمر من رواية وتدوين الحديث لما بلغ الكذب به الى ارقام فلكية وكلا يزور ويكذب حسب هواه.. وهنا سؤال خطير يستحق النظر والتمحيص وهو لماذا منع ابن الخطاب تدوين وبث الحديث الشريف وفي المقابل فسح المجال امام مسلمة اهل الكتاب من نشر الاسرائيليات والخرافات وحتى القص في المسجد النبوي الشريف بل وجلوس ابن الخطاب تحت منبر كعب الاحبار اليهودي وهو مشغوفا ومتفاعلا بمروياته قائلا له: حدثنا ياكعب وخوفنا ياكعب ؟؟!!انظر حلية الاولياء لابي نعيم الاصفهاني وغيره من مصادر السلف المعتبرة..حيث تفشت الاساطير والاسرائيليات في التراث الاسلامي حتى بلغ انه لايميز بينها وبين الحديث النبوي بل اصبح الحديث الصحيح كالشعرة البيضاء في جلد الثور الاسود كما قال الاوزاعي انظر كتاب شيخ المضيرة للشيخ ابو رية.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 27/كانون الثاني/2014 - 25/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م