تقلبات المناخ ومعادلة توازن الطقس

 لمواجهة الأخطار الطبيعية

 

شبكة النبأ: لا تزال ظاهرة التغير المناخي من أبرز واهم التحديات التي تواجه دول العالم، فقد تسببت هذه الظاهرة المتفاقمة بسبب الأنشطة البشرية المتزايدة في حدوث تغيرات خطيرة يصعب السيطرة عليها في الوقت الحاضر، منها ارتفاع درجات الحرارة التي ازدادت بشكل كبير في السنوات السابقة وهو ما قد تترتب عليه الكثير من النتائج الكارثية التي ستؤثر على ملايين البشر، وتقلص مخزون الغذاء العالمي، وارتفاع مستوى مياه البحار كما يقول بعض الخبراء، الذين اكدوا على ضرورة إيجاد خطط دولية سريعة الهدف منها التصدي ومعالجة هذه الظاهرة الخطيرة، وفي هذا الشأن فقد احتل العام 2013 المرتبة الرابعة بين السنوات الاكثر حرا منذ بدء تدوين سجلات الحرارة في العام 1880 ما يؤكد ميل العالم الى الاحترار على المدى الطويل على ما ذكرت الوكالة الاميركية للمحيطات والاجواء (نوا).

وبلغ متوسط الحرارة على اليابسة والمحيطات مجتمعة، 14,52 درجة مئوية اي 0,62 درجة اعلى من متوسطها في القرن العشرين (13,9 درجة) على ما اوضح التقرير السنوي لنوا. وارتفع متوسط حرارة العالم 0,06 درجة في كل عقد بين عامي 1880 و2013 و0,15 درجة كل عشر سنوات خلال السنوات الخمسين الاخيرة (1964-2013). وكان العام 2013 السنة السابعة والثلاثين على التوالي التي كان فيها متوسط الحرارة اعلى من متوسطها في القرن العشرين.

وكل سنوات القرن الحادي والعشرين (2001-2013) هي من اكثر 15 سنة حرا في العالم منذ العام 1880. اما السنوات الثلاث الاكثر حرا في السجلات فهي 2010 و2005 و1998 على ما افادت وكالة نوا. وفي حين ان الجزء الاكبر من العالم سجل العام الماضي درجات حرارة فاقت المتوسط فان بعض مناطق وسط الولايات المتحدة وشرق المحيط الهادئ اميركا الجنوبية كانت ابرد من المعدل.

الى جانب ذلك قال علماء إن متوسط درجة حرارة الأرض استمر في الارتفاع خلال عام 2013 رغم الاختلافات الموسمية والإقليمية بما في ذلك ذوبان الغطاء الجليدي في منطقة القطب الشمالي وتزايد الجليد بشكل كبير في نصف الكرة الأرضية الجنوبي. وقالت إدارة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا) إن متوسط درجة حرارة الأرض في عام 2013 بلغ 14.6 درجة مئوية ليتساوى معه في عامي 2006 و2009 كسابع أدفأ عام منذ عام 1880 عندما بدأ تسجيل الأحوال المناخية للأرض.

وباستخدام نفس البيانات ولكن بعملية تحليلية مختلفة قالت الإدارة الوطنية الأمريكية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي إن متوسط درجة حرارة الأرض خلال عام 2013 بلغ 14.5 درجة مئوية ليصبح وفقا لتقديرات الإدارة رابع أدفأ عام. وبدأت درجة حرارة الأرض في الارتفاع بنهاية الستينات وهي ظاهرة جرى ربطها بانبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.

وقالت إدارة الطيران والفضاء (ناسا) إن كمية ثاني اكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض أعلى الآن من أي وقت مضى خلال 800 ألف عام ماضية. وبلغت مستويات ثاني اكسيد الكربون 285 جزءا في المليون في عام 1880 وفي عام 1960 بلغت 315 جزءا في المليون وفي عام 2013 زادت عن 400 جزء في المليون. والعلاقة بين انبعاث الغازات ودرجة حرارة الأرض معقد.

وتوضح بيانات إدارة الطيران والفضاء (ناسا) والإدارة الوطنية الأمريكية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي أن في عام 2013 على سبيل المثال سجلت الولايات المتحدة الموسم الثاني والأربعين كأدفأ موسم في تاريخها في حين كان العام الماضي هو أدفأ عام في استراليا. ويمثل الجليد في المناطق القطبية أحجية أخرى اذ قال علماء إن الجليد في القطب الشمالي استمر في التراجع في حين زاد بشكل قياسي في النصف الجنوبي من الكرة الارضية.

من جانب اخر كان العام 2013 الأشد حرا في أستراليا مع موجات حر طويلة بصورة غير اعتيادية وحرائق حرجية كبيرة، بحسب ما كشف المكتب الأسترالي للأرصاد الجوية. وجاء في بيان صادر عن المكتب أن "العام 2013 كان العام الأشد حرا منذ البدء بجمع المعطيات في هذا الشأن سنة 1910". وكان صيف 2012 - 2013 الأشد حرا مع موجة حر مطولة بين الحادي والثلاثين من كانون الأول/ديسمبر 2012 والتاسع عشر من كانون الثاني/يناير 2013 عندما انخفضت الحرارة للمرة الأولى دون 45 درجة مئوية. وكانت الحرارة طوال السنة أعلى ب 1,2 درجة مئوية من المعدلات المسجلة عموما. بحسب فرانس برس.

وذكر المكتب الأسترالي للأرصاد الجوية بـأن ولاية تسمانيا شهدت حرائق كبيرة في بداية العام 2013، حالها حال منطقة سيدني حيث "شبت أسوأ حرائق منذ العام 1968 على الأقل" في فترة لاحقة من السنة. وقد اضطر المكتب هذا العام إلى إضافة ألوان جديدة إلى سلم درجات الحرارة الذي يعتمده للإشارة إلى درجات الحرارة القياسية. ولفت العلماء أيضا إلى أن الحرارة ارتفعت بشدة هذا العام في غياب ظاهرة النينيو التي تتسبب عادة بموجات جفاف وحر في أستراليا.

دفء المحيط القطبي

في السياق ذاته قال علماء إن ذوبان الجليد والثلوج في المحيط القطبي الشمالي مرتبط بتفاقم موجات الحر الصيفية وهطول الامطار الغزيرة على بعد ألوف الكيلومترات جنوبا في اوروبا والولايات المتحدة ومناطق أخرى مما يسلط الضوء على مدى التهديد الناجم عن ارتفاع درجة حرارة الأرض. وحذر العلماء في تقريرهم الذي عارضه خبراء آخرون ووصفوه بأنه غير مكتمل من تغيرات مناخية حادة على نحو متزايد في "أجزاء واسعة من امريكا الشمالية وأوربا وآسيا حيث سيتضرر مليارات البشر."

وهذه الدراسة جزء من جهد يهدف لتحديد كيفية تأثير التغيرات المناخية على تواتر موجات الطقس المتطرف من الجفاف إلى الفيضانات. وتريد الحكومات أن تعرف الاتجاهات للتخطيط لكل شيء من إمدادات المياه وحتى المحاصيل الزراعية. لكن المعلومات بشأن دفء المحيط القطبي الشمالي لم تستقر بعد.

وكتب خبراء في الصين والولايات المتحدة في مجلة متخصصة في تغير المناخ أنهم لم يتمكنوا من الجزم بشكل قاطع بأن دفء المحيط القطبي الشمالي يتسبب في مزيد من تطرف الطقس او العكس. لكنهم قالوا إنهم توصلوا إلى أدلة على وجود علاقة بين الاثنين. وقال التقرير إن ارتفاع درجات الحرارة فوق الثلج على اليابسة وفوق جليد البحر في المحيط القطبي الشمالي تؤدي إلى تغيير في الضغط الجوي والرياح. بحسب رويترز.

وأضافت المجلة إن هذه التغيرات أعطت فسحة من الوقت لتطور موجات الطقس المتطرف مثل موجة حر في روسيا في عام 2010 وموجات جفاف في الولايات المتحدة والصين في 2011 و2012 أو أمطار صيفية غزيرة تسببت في فيضانات في بريطانيا في عام 2012. وقال كبير الباحثين المشاركين في الدراسة كيونج تانج من الأكاديمية الصينية للعلوم "تدعم الدراسة الادلة على ان ذوبان ثلوج المحيط القطبي الشمالي له عواقب واسعة النطاق على الناس الذين يعيشون على خطوط العرض المتوسطة." وتقلصت ثلوج البحر في المحيط القطبي الشمالي إلى منسوب قياسي في عام 2012 وتقول هيئة علماء المناخ في الأمم المتحدة إنها قد تختفي في فصول الصيف بحلول عام 2050 مع زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

الى جانب ذلك ستؤدي ظاهرة بطيئة جدا معروفة بارتفاع اشراق الشمس الى تبخر المحيطات واختفاء المياه عن سطح الارض بعد قرابة المليار سنة على ما توقعت دراسة نشرت في مجلة "نيتشر". هذه المحاكاة التي اجراها فريق فرنسي من مختبر الارصاد الجوية الدينامية يرجئ توقعات سابقة "بمئات ملايين من السنوات" على ما اوضح المركز الوطني للبحث العلمي (سي ان ار اس) في بيان.

لكن هذا التطور المتوقع في مناخ الارض على سلم الازمنة الجيولوجية لا علاقة له بالاحترار المناخي الذي يسببه الانسان. فالسبب في ذلك هو الاشعاع الشمسي. وفي هذا الاطار سترتفع حرارة الارض في مئات ملايين السنوات المقبلة مما يؤدي الى ارتفاع كبير في الاحترار المناخي. وستبدأ المحيطات بالغليان وستزيد ظاهرة مفعول الدفيئة بشكل كبير. وتفيد توقعات الباحثين ان عملية الانتقال هذه ستحصل بعد قرابة المليار سنة. وكانت عمليات محاكاة سابقة توقعت ان تتحول الارض الى كوكب زهرة جديد بعد 150 مليون سنة فقط.

انطلاقة المناخ

على صعيد متصل حدّد فريق الأبحاث في جامعة هاواي مانوا النقاط التي سوف تصل إليها درجات الحرارة لتشكل "انطلاقة المناخ" في المستقبل. وانطلاقة المناخ هذه هي عند التوقع بأن يكون متوسط درجة الحرارة في مكان ما في أبرد سنة له وما بعد ذلك أعلى من متوسط درجة الحرارة في سنته الأشد سخونة بين الأعوام 1860 و2005. وأنشأ فريق الأبحاث في جامعة هاوايي - مانوا مؤشرًا للمواقع في سائر أنحاء العالم لتسجيل السنوات التي ستجتاز فيها المدن عبر العالم عتبة انطلاقة المناخ هذه.

واستنادًا إلى واضعي الدراسة، فإن احتساب متوسط درجة الحرارة لجميع المواقع المختلفة يشير إلى أن سنة 2047 سوف تكون السنة التي سيصبح فيها المناخ مختلفًا بصورة جذرية. وقال المؤلف الرئيسي للدراسة كاميلو مورا، من قسم الجغرافيا في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة هاوايي، إن "النتائج شكلت صدمة لنا. فبغض النظر عن السيناريو، فإن هذه التغيرات ستحصل في وقت قريب. ففي جيلي، سوف يكون المناخ الذي اعتدنا عليه شيئًا من الماضي."

واستنادًا إلى الباحثين سوف تصبح أدنى الانخفاضات الشهرية في درجات الحرارة في غضون 35 سنوات أكثر سخونة من تلك التي نتصورها اليوم. وكما هو الحال بالنسبة لاحتساب أي متوسط، فإن الحالات المتطرفة في انطلاقة المناخ سوف تحدث على جانبي العام 2047، في وقت مبكر ومتأخر منه. وستكون المناطق الاستوائية في العالم هي الأولى التي ستواجه درجات الحرارة المرتفعة التي لا سابق لها، وإنها كما يقول الباحثون، ستكون صعبة على وجه الخصوص على العالم الطبيعي.

فالأنواع الحياتية الاستوائية ستكون غير معتادة على مثل هذا التقلب في المناخ الذي يعاني منه أولئك الذين يعيشون عبر فصول الصيف الحارة وفصول الشتاء الباردة في كل عام. ولهذا السبب، من الممكن أن تكون الأنواع الحياتية الاستوائية أكثر تعرضًا لتغيرات طفيفة نسبيًا، مما يلحق الضرر بالتنوع البيولوجي. وقد وجدت الدراسة التي أجرتها جامعة هاوايي - مانوا أن نقطة انطلاقة المناخ قد يكون لها آثار صعبة على إمدادات الغذاء والمياه، والأداء الاقتصادي، وتفشي الأمراض.

وبدوره، أشار رايان لونجمان، المشارك في إعداد الدراسة، إلى أن "نتائجنا تشير إلى أن أولى البلدان التي ستتأثر من المناخ غير المسبوق هي تلك التي تملك أقل قدرة على مواجهة نتائجها." وفي حين أن البيانات قد تجعل الإنسان العادي يستحضر المشاهد من أفلام الكوارث، فإن العلم يكشف عن بدائل لها. فكلما ازدادت الخطوات المتخذة الآن للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ومن ثم إبطاء مسار ارتفاع درجات حرارة المناخ توفر المزيد من الوقت للبشر والنباتات والحيوانات للتكيف والاستعداد لعيش حياة في بيئة مختلفة.

إن توقعات المناخ المعقدة التي يقدمها العلماء الآن تنظر بعين الاعتبار إلى درجات مستويات الانبعاثات، وتحتسب أفضل وأسوأ الاحتمالات. وفيما يتعلق بحصول انطلاقة المناخ في المناطق الاستوائية، فإن أفضل سيناريو يشير إلى أنه سيؤثر على حياة بليون نسمة. لكن من الممكن أن تتأثر خمسة بلايين نسمة بصورة سلبية وفق سيناريو أسوأ الحالات.

ومن ناحيتها، رأت جين لوبشينكو، عالمة البيئة البحرية في جامعة ولاية أوريغون، والمديرة السابقة لإدارة المحيطات والغلاف الجوي، إن التقرير "يعتمد على أعمال اجريت سابقًا إلا أنه يضع العواقب البيولوجية والبشرية تحت نقطة من التركيز أشد وضوحًا، إذ إنه يربط النقاط بين نماذج المناخ وتأثيراتها على التنوع البيولوجي بطريقة جديدة ومثيرة."

تهدف خطة العمل من أجل المناخ التي أعلنت عنها حكومة الرئيس أوباما في وقت سابق إلى تسريع العمل حول خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتعزيز كفاءة استهلاك الطاقة وتطوير الاستخدام على نطاق واسع لمصادر الطاقة غير الكربونية المستدامة في مختلف قطاعات الاقتصاد. كما تركز الخطة بالكامل على ضرورة التحرك بسرعة من أجل تقليل نسبة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وإبطاء وتيرة ارتفاع درجة حرارة الأرض على النحو المحدد في أسوأ السيناريوهات المحتملة.

وكان الرئيس أوباما قد أكد عند الإعلان عن الخطة، مشيرًا بسخرية إلى الذين ما زالوا يلقون ظلالاً من الشك على علم تغير المناخ، "لم يعد لدينا وقت لاجتماع ما يسمى بالجمعية التي ترى أن الأرض مسطحة". إذ إن الأغلبية الساحقة من علماء المناخ تتفق على أن الغلاف الجوي والمحيطات تزداد سخونة، وتؤكد نسبة 95 بالمئة منهم أن النشاط البشري هو الذي يدفع هذا التغيير.

تمثل مجموعة العمل للجنة الحكومات الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) الفريق الأكثر خبرة في العالم الذي يدرس هذه المسألة، وهي تضم علماء من 195 بلدًا. أصدرت اللجنة أحدث توقعاتها في أواخر أيلول/سبتمبر حيث وجدت أن "ارتفاع درجات الحرارة في النظام المناخي لا لبس حوله".

ومن خلال استقاء المعلومات من ملايين المشاهدات للغلاف الجوي والمحيطات والاستشهاد بأكثر من 9 آلاف بحث علمي نشر سابقًا، فإن تقرير لجنة الحكومات الدولية المعنية بتغير المناخ يتوقع أن ترتفع درجات الحرارة السطحية العالمية في نهاية القرن الحادي والعشرين بمعدل درجتين مئويتين أعلى مما كانت عليه في بداية القرن العشرين.

ويؤكد الخبراء أن تلطيف تلك الزيادة أمر ممكن. وتشارك الولايات المتحدة مع أكثر من 30 دولة أخرى والمفوضية الأوروبية في تحالف المناخ والهواء النظيف للحد من ملوثات المناخ القصيرة الأمد. ويلتزم التحالف باتخاذ إجراءات يمكن أن تقلل من درجة الاحتباس الحراري بنسبة 0.5 درجة مئوية بحلول العام 2050.

تركز هذه الخطة على إجراء تخفيضات كبيرة بسرعة للملوثات القصيرة الأجل، التي تبقى لمدة أقصر في الغلاف الجوي. وأظهر البحث أن الانخفاضات الحادة في انبعاثات غاز الميثان وإنتاج السخام سوف تساعد في وقف ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي. تهدف خطة العمل من أجل المناخ الأميركية إلى الحد من انبعاثات الكربون في البلاد بنسبة 3 مليون طن متري بحلول العام 2030، وهي كمية تعادل الانبعاثات التي يولدها إنتاج الكهرباء لمدة سنة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 26/كانون الثاني/2014 - 24/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م