أخلاقيات التغيير.. الحوار واللاعنف

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الإنصات فن غائب في حياتنا، وهو الدعامة الثانية لفن الكلام..

الجميع يريد ان يتكلم، ولا احد من هؤلاء يكلف نفسه محاولة الاصغاء..

الحكومات في مجتمعاتنا تتكلم، وعلى الاخرين تنفيذ اوامرها الواردة في كلامها دون نقاش حولها، او دون انصات متعقل لما تقول..

المعارضة لتلك الحكومات أيضا تتكلم وعلى الحكومة وقواعدها أيضا تنفيذ طلباتها وما تراه مناسبا لها نيابة عما تراه تلك القواعد..

حتى على مستوى شؤون المجتمع الأخرى، في المنزل او المدرسة او المعمل او الدائرة الحكومية، الأوامر بصيغ كلامية متعددة، ولا مجال لممارسة فن الانصات، فالضجيج اعلى من كل لحظة سكون او تأمل في ما قيل او يقال.

بغياب فن الإنصات في حياتنا لا نستطيع ان نرتقي الى مرحلة أخرى، هي الاستماع الذي يتدبر ويتأمل ما ننصت له، لغياب حضور القلب والعقل، وهو أيضا ما يمنع من انتقال الكلام من مجرد التحدث الى مستوى اخر وهو الحوار.

حين اتحاور مع الاخرين فاني أقوم بعملية الاستماع لهم في الوقت نفسه، ولا يعود هناك ثمة كبت او حرمان من التعبير عما يريد الاخرون قوله..وهو كبت يولد ارتدادات في الذات المنصتة غير المستمعة، اخطرها هو العنف كوسيلة اسكات للمتكلم..

ما هو منشأ العنف، والذي هو اقصى درجة من درجات التعبير عن المكبوت داخل الذات المكبوتة والمعنفة والعنيفة؟.

(في أجواء الكبت والإرهاب والاستبداد والديكتاتورية تنمو الاتجاهات المتطرفة والحركات التدميرية). كما يعبر المرجع الديني السيد صادق الشيرازي.

انه يحدد منشأ العنف في كتاب المختارات من دروسه ومحاضراته والذي يحمل عنوان (من عبق المرجعية) بانها: (الجهل والعصبية - الفهم الخاطئ للدين - الاستبداد والديكتاتورية - الحرمان الاجتماعي - الظلم من قبل الحكومات والافراد - غلق قنوات الحوار البناء او ضيق هذه القنوات)..

كل محدد من تلك المحددات منشأه هو غياب ثقافة الحوار بين أي طرفين فاعلين في المجتمع، لا يجد ان غير العنف تعبيرا عن هذه الازمة، ازمة غياب الحوار ومعرفة ما يريده كل طرف من الطرفين.

الغياب للحوار يعوق المعرفة والتعصب لجهلها، وهو أيضا يقود خطواتنا الى فهم متبلد وخاطئ للدين وما يتعلق به من قضايا دنيوية او اخروية، تهيئ التربة الصالحة لظهور الاستبداد في مجتمعاتنا التي لا تستمع الى أصوات المحرومين والمقهورين، ونتبادل الأدوار، ظالمين ومظلومين، في دورة من العنف الذي يتنقل من جهة الى أخرى.

في طرحه للبديل، بديل العنف والكبت، يؤكد المرجع السيد صادق الشيرازي على إمكانية الاستدارة والانتقال من حالة نتلبسها وتتلبسنا في مجتمعاتنا، الى حالة اخرى وهي اللاعنف من خلال كشف وتفسير وتوضيح (ان العنف نار تحرق الكل ولا تستثني أحدا، وبيان مضار العنف النفسية والاجتماعية والدينية)، والكشف والتفسير والتوضيح لا يكفي، بل يجب ان يقترن بخطوات أخرى تسير الى جنب الكشف أولا والذي يقوم به الحوار الواعي والجاد والمسؤول، البدائل التي يقترحها المرجع الشيرازي هي:

(توفير الحرية للمجتمع - إرساء دعائم العدالة الاجتماعية - توفير الفرص للجميع - إعطاء حقوق الفقراء والمحرومين - الرقابة الاجتماعية - قيام الأنظمة العامة التي تحمي المجتمع من حاملي راية العنف - فتح قنوات الحوار البناء بين الافراد والتجمعات)..

أعمدة الانتقال السبعة من حالة العنف الى نقيضه، تتطلب الالتفات الى الثقافة المجتمعية التي تجعل من العنف سيد الميدان، إضافة الى التربية، تربية الافراد في منازلهم، فـ (العنف ثقافة كما انه تربية، ولعل دور التربية في العنف لا يقل عن دور الثقافة) كما كتب السيد صادق الشيرازي..

الثقافة والتربية، تستند على ثلاث قوائم رئيسية يقسمها السيد صادق الشيرازي الى: (العائلة - المحيط الاجتماعي - النظام الحاكم) والتي يرى ان لها عظيم الأثر  (في اذكاء حالة العنف في النفوس، واشعال جذوة العنف في المجتمع)..

الإصلاح والتغيير المجتمعي، مع إمكانية تحققه، لا يتأسس الا على / وعبر الحوار، حتى في حالات الاختلاف القصوى بين الحكومات والمعارضة، مع السماح بالتصعيد لكنه التصعيد السلمي، كما في المظاهرات والاضرابات التي تجعل من كل ممانعة حكومية قابلة للتراجع، يقول السيد صادق الشيرازي: (أسلوب الحوار أولا، والمظاهرات والاضرابات السلمية ثانيا، هي الاجدى والاحمد عاقبة في السعي الى الإصلاح والتغيير، وفي التاريخ البعيد كما في التاريخ القريب، نماذج كثيرة تؤيد ذلك).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 26/كانون الثاني/2014 - 24/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م