حروب العالم.. دوافع تافهة ونتائج ظالمة

باسم حسين الزيدي

  

شبكة النبأ: لا يمكن ان تصف الحرب ودائرتها أكثر مما وصفها الرئيس الأمريكي الأسبق جون كيندي بانها "تضع حدً للإنسانية" او الفيلسوف الصيني منسيوس "ليس ثمة حرب عادلة"، "لا تظن أبدا أن الحرب، مهما كانت ضرورية أو مبررة، ليست جريمة" كما قال الكاتب الشهير ارنست همنغواي.

ولا يمكن ان نتأمل يوم أجمل من يوم الخلاص منها كما تمنت ذلك الشاعرة الأمريكية إيفا ميريام، وحلمت ان يأتي يوماً بلا حروب "بيوم يسألني فيه طفلي، أمي، ماذا تعني كلمة "حروب"؟

لكن كل هذا يندرج في إطار التمني والرجاء في تحقيق هذا الامر، الواقع هو ما يهمنا، وهو يتحدث بلغة مغايرة لعالم الرجاء والامل، فالحروب وآثامها واثارها المدمرة والمهلكة "للحرث والنسل" أكبر من الوصف والحد.

العالم قد يبدوا جميل ومريح وهادي بدون الحروب وما تتسبب به ارتداداتها اللاحقة، لكن المصالح والدوافع والخفايا، مضاف اليها النزعة الشريرة التي تتملك اغلب صناع القرار في تمرير وتزييف الكثير من الأمور، لا تدع مجالاً للإنسانية ان تستعيد عافيتها وتفكيرها بجدوى الحروب التي أكد الجميع ان الجميع خاسر فيها.

البعض حاول نسيان الماضي وحروبه العالمية والتشبث بالحاضر املاً في مستقبل أفضل، البعض الاخر حول ساحات الحروب الى ساحات للسياحة والفائدة الاقتصادية، فيما عكف اخرون على التاريخ والأبحاث والدراسات من اجل الفائدة العلمية، ولكن تبقى الجرائم والماسي التي سطرت خلال الحروب ماثلة امام انظار أصحابها من دون ان تنساها او تستفيد في تحويلها الى عبرة لمن يعتبر.

مأسي الحروب

فقد اخر نقل فيتنامي في الثانية والثمانين ونجله البالغ 42 عاما يبدو انهما عاشا على مدى اربعين عاما في الادغال في وسط البلاد، الى البلدة التي فرا منها خلال حرب فيتنام على ما ذكرت الصحف الرسمية، واظهرت مشاهد بثها التلفزيون المحلي الرجلين النحيلين جدا وهما ينقلان رغما عنهما فيما الوالد ممد على حمالة.

وفي مطلع السبعينات فر هو فان ثانه الذي كان عضوا في ميليشيا شيوعية من بلدته بعد وفاة والدته واثنين من اطفاله خلال غارة جوية اميركية على ما اوضحت صحيفة "توي تري"، وقد اصحب معه نجله هو فان لانغ الذي كان يبلغ سنتين من العمر، وشوهد الرجلان اخيرا في غابة مقاطعة كوانغ نغاي من قبل سكان في المنطقة ابلغوا السلطات بذلك على ما اضافت الصحيفة، واوضحت انه تم العثور عليهما "وهما يقيمان في كوخ يرتفع خمسة أمتار عن الارض".

واوضحت الصحيفة انها حصلت على المعلومات من النجل الاصغر للرجل الذي كان في شهره الثالث عند وقوع الغارة الاميركية وهو كان يعرف بمكان وجودهما منذ فترة طويلة ويزورهما مرة في السنة، وقالت الصحيفة الالكترونية "دان تري" نقلا عن السلطات المحلية انه حاول في العام 2004 ان يعيد والده وشقيقه الى ديارهما، لكنهما رفضا البقاء طويلا "مفضلين الحياة المستقلة على الحياة التقليدية للعائلات الفيتنامية".

ويبدو ان الرجلين كانا يقتاتان من الفاكهة والذرة التي يزرعانها. وهما ينطقان بكلمات قليلة من لهجة اقلية كور الأثنية، وأعرب اقاربهم والسلطات عن قلقهم من امكانية الرجل ونجله على التكيف مع الحياة العصرية خصوصا الابن الذي لم يعرف الا حياة الادغال، ويعالج الوالد راهنا في مركز صحي محلي فيما يقيم ابنه مع بعض الاقارب.

الحرب سخيفة

بدوره يحمل توني فاكارو (90 عاما) الذي التقط عندما كان جنديا بسيطا، ما لا يقل عن ألف صورة حول تحرير اوروبا انطلاقا من شواطئ النورماندي وصولا الى برلين، رسالة وحيدة في الامس واليوم مفادها "ان الحرب سخيفة".

يقول الجندي السابق الذي لا يزال يتمتع بعينين ثاقبتين "التقطت هذه الصور لاظهر الحرب على حقيقتها، لأظهر انها شيء سلبي، لا تطوعوا ابدا للمشاركة في حرب!، هذه هي رسالتي الى الشباب، الى السذج"، وسيعرض حوالي مئة من اعماله في نصب كاين في الربيع للمقبل في إطار الذكرى السبعين للإنزال الحليف. بحسب فرانس برس.

ويؤكد المقاتل السابق انه كان "ينبغي" بطبيعة الحال التخلص من هتلر لكن " انظروا هنا الى هذه الجثة المنزوعة الذراعين والرجلين، لم يبق من الرأس الا الشفة السفلى، الصدر غائب كليا، هذه هي الحرب" معلقا على كتالوغ صور أحد معارضه، ويعود اخر معرض له في فرنسا الى العام 2010، وقد كرمته بعد ذلك مؤسسة "فيلي برانت هاوس" في برلين.

ويرى مدير النصب "لقد التقط صورا أفضل من تلك التي التقطها" روبرت كابا اول مصور محترف ينزل الى شواطئ اوماها بيتش ومؤسس وكالة "ماغنوم" بعد ذلك، وبصفته جنديا كان فاكارو في قلب المعركة من دون ان يكون مصورا رسميا، ويضيف ستيفان غريمالدي انه "كان يمتع بنظرة نضرة" لأنه لم يكن محترفا، عند نزوله في منتصف حزيران/يونيو 1944 الى اوماها بيتش لم يكن توني فاكارو الا عضوا سابقا مواظبا في نادي التصوير في مدرسته.

ويروي فاكارو الايطالي الاصل الذي فر من الفاشية في بدايات الحرب العالمية الثانية متوجها الى الولايات المتحدة "عندما قتلت اول الماني، بكيت، رميت بندقيتي ارضا وقطعت مسافة كيلومتر تقريبا ولجأت الى حفرة وقلت في قرارة نفسي "لو بقيت هنا يا توني ستكون خائنا لبقية حياتك وربما يعدمونك"، لذا عدت الى مكاني وعاودت إطلاق النار".

وشكل "التحقيق" الذي اجراه مصور الحرب المرتجل بموافقة الضابط المسؤول عنه، نضالا بحد ذاته، فالجندي البالغ 21 عاما كان يجد بصعوبة متاجر لبيع افلام كوداك او اغفا وكان يظهر افلامه في خوذات الجنود.

وعلى مدى 300 يوم من اوماها بيتش الى برلين مرورا ببروكسل، التقط توني فاكارو كل ما وقع عليه من الخوف في النظرات والجثث الممزوجة بالتراب او بالثلوج، وكان الصور تجمع احيانا بين الجمال والفظاعة، فهنا جثة ترقد الى جانب صور احبائها فيما تقبع في حفرة جثة امرأة تعرضت للاغتصاب، وهناك رزم ارسلتها عائلات اميركية بمناسبة عيد الميلاد بعد وفاة الاشخاص المرسلة إليهم، ويروي الجندي الذي أصبح بعد ذلك مصورا محترفا والتقط صورا لبيكاسو بعد سنوات طويلة "لقد اعطيناها الى الالمان الفقراء والى البلجيكيين".

وتتعارض شهادته مع صور الفرح العارم التي تمثل عادة التحرير، الا توني فاكارو صور الفرحة أيضا، فصورة "قبلة التحرير" في 14 آب/اغسطس 1944 في سان برياك بين جندي اميركي وصبية وسط رقصة سكان البلدة، هي أشهر صوره، ويقول هذا الرجل الانيق الذي تلازمه الة التصوير من طراز "لايكا" العائدة الى ما بعد الحرب العالمية الثانية كظله "انها الامل، فهي تظهر ان البشرية يمكنها ايقاف الحرب".

وتقول دارلين غرامينغا الناشطة في مجموعات ضد الحرب انه ينبغي في الدرجة الاولى التركيز على نوعية التعليم الذي يتلقاه الاطفال، كي يفتح لهم باب النجاح في المستقبل، لا ان يعيشوا في فقر لا يخرجهم منه سوى الدخول الى الجيش، لكن القومندان في قوات البحرية مايك توكر يؤكد ان اكاديمية ريكوفر لا تفعل ذلك على الاطلاق، وان هدفها الاساسي هو تحضير الفتيان للدخول الى الجامعات.

اعلان حروب افتراضية

في سياق متصل كشفت ملفات سرية بريطانية، أذنت بنشرها مؤخراً دائرة المحفوظات الوطنية في لندن أن الحكومة البريطانية كانت أعدت خطاباً للملكة اليزابيث الثانية، تدعو فيه البريطانيين للصلاة والبقاء «موحدين» حال نشوب حرب عالمية ثالثة بالأسلحة النووية.

ونقلت الملفات أن الخطاب الافتراضي للملكة وصف التهديد الذي واجهته بريطانيا في أوج الحرب الباردة في ربيع عام 1983 أنه «كان أكبر من أي شيء آخر في التاريخ»، لكن الملكة لم تسجله، وأظهرت الملفات التي توثّق فيها الحكومة البريطانية الأحداث الداخلية والخارجية (تصدرها عادة بعد مرور 30 عاماً من وقوعها)، أن خطاب الملكة كان من المقرر أن يتم بثه بعد تسجيله، في الرابع من آذار(مارس) 1983 لإعداد البلاد وتمهيدها لمحنة الحرب العالمية الثالثة.

وتقول ملكة بريطانيا في الخطاب الافتراضي: «أهوال الحرب لا يمكن أن تبدو بعيدة أثناء تقاسمي وعائلتي فرحتنا بعيد الميلاد مع العائلة المتنامية في منظمة الكومنويلث، والآن ومع انتشار جنون الحرب مرة أخرى عبر العالم، يتعين على العالم وعلى بلدنا الشجاع الاستعداد مرة أخرى من أجل البقاء في مواجهة المخاطر الكبيرة». بحسب يونايتد برس.

وتضيف: «لم أكن أتخيل ممارسة هذا الواجب الرسمي والفظيع يوما ما، ولكن أياً كانت الأهوال التي تنتظرنا جميعاً، فإن الصفات التي ساعدت على الحفاظ على حريتنا سليمة مرتين من قبل (في إشارة إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية) خلال هذا القرن الحزين ستكون مرة أخرى مصدر قوتنا»، وتخاطب الملكة اليزابيث الثانية البريطانيين، قائلة: «إذا ظلت الأسر متحدة وحازمة وتقدّم المأوى للذين يعيشون وحدهم ومن دون وقاية، فإن بلدنا سيبقى ولا يمكن كسره».

فيما كان رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل يتخوف ان تعلن فرنسا الحرب على بريطانيا في العام 1940، بحسب ما تظهر برقية أرسلها آنذاك الى حكام المستعمرات بيعت في مزاد في لندن، ويعود تاريخ هذه البرقية الى الرابع من تموز/يوليو من العام 1940، وقد ارسلت غداة هجوم بريطاني كبير على اسطول فرنسي قبالة سواحل الجزائر.

وتحمل البرقية سمة "سري"، وقد نشرتها أخيرا مجلة تايمز، وفيها يبرر تشرشل هذا الهجوم بالقول "في الثالث من تموز/يوليو، اتخذت قطع البحرية البريطانية مواقعها في سواحل وهران، وطلبت من البحرية الفرنسية ان تتخذ اجراءات تحول دون سقوط السفن الفرنسية بيد الالمان"، وتضيف البرقية "رفض الفرنسيون اتخاذ هذا الاجراء، فوقعت عملية كبيرة اسفرت عن خسائر فرنسية فادحة ناسف لها، لا يمكن ان نقدر العواقب، ولكن يجب اتخاذ كل الاجراءات اللازمة في حال أعلن الفرنسيون الحرب علينا".

وأسفر الهجوم عن مقتل 1300 من رجال البحرية الفرنسية، وغرق عدد من السفن. وتزامن مع اعلان فرنسا هدنة مع الالمان، وبيعت البرقية بمبلغ 2500 دولار، علما ان سعرها التقديري كان 300 دولار.

جنود وجرائم

على صعيد اخر أظهرت الإحصاءات البريطانية أن عدد الجنود البريطانيين الذين انتحروا خلال العام الماضي، يزيد عن عدد الجنود الذين قتلوا خلال العمليات العسكرية في أفغانستان، خلال نفس الفترة، وقال برنامج بانوراما الذي تذيعه قناة بي بي سي إن خمسين جنديا سابقا قد قاموا بقتل أنفسهم خلال 2012 بينما بلغ عدد الجنود القتلى خلال العمليات في أفغانستان 44 جنديا، ونقل البرنامج عن أسر الجنود الذين انتحروا إن الجنود لم يتلقوا دعما كافيا من الجيش بعد عودتهم من أفغانستان والعراق.

من جانبها أعلنت وزارة الدفاع البريطانية أن موقفها كان دائما يعتبر أن كل حالة انتحار بين الجنود السابقين تعتبر مأساة في حد ذاتها، وأكد برنامج بانوراما أن الاحصاءات توضح أن عدد الجنود العاملين في الجيش البريطاني والذين يعانون من "اضطرابات ما بعد الصدمة العصبية" قد تضاعف خلال السنوات الثلاث السابقة بين الجنود العائدين من الخدمة في أفغانستان، يذكر أن لبريطانيا نحو 9 آلاف جندي يتمركزون حاليا في الأراضي الأفغانية ومن المقرر أن يتم سحب كل هذه القوات بنهاية عام 2014.

فيما كشفت وزارة الدفاع البريطانية ان 29 شخصا من المدرجين في قوائم "مرتكبي الاعتداءات الجنسية" يعملون في صفوف القوات المسلحة، وقالت وزيرة الدفاع انا سوبري امام البرلمان "هناك 29 عسكريا في الخدمة ضمن قوائم مرتكبي الاعتداءات الجنسية"، جاء ذلك اثناء رد الوزيرة على اسئلة النواب حول معلومات بثتها القناة الرابعة في اذار/مارس الماضي، وكانت المحطة نقلت عن ضابطة سابقة في قوات الاحتياط انها اجبرت على وقف ملاحقات قضائية بحق عسكريين اثنين ارتكبا اعتداءات جنسية.

من جهة أخرى حصلت ثلاث جنديات يخدمن في سلاح الجو الملكي البريطاني على تعويضات مالية، بعد أن اشتكين تعرضهن لإصابات نجمت عن إجبارهن على السير مثل زملائهن الذكور في الاستعراضات العسكرية، وقالت صحيفة «ميل أون صندي»، إن وزارة الدفاع البريطانية دفعت تعويضات مقدارها 100 ألف جنيه إسترليني لكل واحدة من الجنديات الثلاث، بعد أن ادعين بأن السير إلى جانب الجنود الذكور الأطول قامة في الاستعراضات العسكرية المتكررة أرغمهن على توسيع خطواتهن، ما عرضهن لإصابات في العمود الفقري والحوض، وأضافت أن الجنديات البريطانيات الثلاث حصلن على تعويضات مالية فاقت تعويض الجنود المصابين بجروح خطيرة في أفغانستان، بعد معركة قانونية مريرة امتدت خمس سنوات.

معركة الامم

في المقابل يستعيد الاف من الاشخاص يأتون من كل ارجاء اوروبا "معركة الامم" في لايبزيغ (شرق المانيا) التي تعد موقعة مهمة جدا في حروب نابليون وهزيمة كبيرة لهذا الامبراطور الفرنسي قبل 200 عام، وامام 30 ألف مشاهد، يقدم هذا العرض التاريخي بمشاركة ستة الاف من الشغوفين بالتاريخ، مستعيداً القتال الذي دار في مثل هذه الايام من العام 1813، في واحدة من أشرس معارك القرن التاسع عشر في اوروبا.

حينذاك، اجتمعت ممالك اوروبا وامبراطورياتها ضد نابليون في هذه المعركة، من النمسا وبروسيا وروسيا والسويد وبريطانيا، وانتصرت عليه في معركة لايبزيغ الحاسمة، التي كانت بداية انحسار القوات الفرنسية من خارج فرنسا، ولا سيما بعد الكارثة التي مني بها نابليون في حملته على روسيا.

قتل في هذه المعركة 100 ألف جندي من أصل 600 ألف شاركوا فيها بين السادس عشر والتاسع عشر من تشرين الاول/اكتوبر 1813، ومع ان هذه المعركة تؤرخ لنزاع اوروبي دام، الا ان استعادتها تجري في ظروف اخرى، وبهدف "المصالحة" بين هذه الشعوب، بحسب ما يقول الالماني ميكايل كوته، عضو جمعية "صراع الامم" التي تنظم هذا العرض.

ويؤدي دور نابليون محام من باريس في السادسة والاربعين من عمره يدعى فرانك سامسون، وهو يلعب هذا الدور منذ العام 2005، وعلى غرار كل المشاركين في العرض، يؤدي سامسون المولع بتاريخ القرن التاسع عشر دوره من دون مقابل، ويقول "في بعض الاحيان يعرضون علي ان اتقاضى اجرا، لكن هذا النشاط بالنسبة لي هو للترفيه".

ويرتدي سامسون زيا امبراطوريا تبلغ كلفته بين ألف يورو و1500. ويقول ان زي المارشالات أغلى بكثير وقد يصل الى عشرة الاف يورو، ويسعى سامسون الى اتقان دوره، فيتمرن على لغة كورسيكا اللغة الام لنابليون منذ سنة ونصف السنة، ويتدرب سامسون منذ سبع سنوات على ركوب الخيل، اما المهارات التمثيلية فهو يتقنها بحكم عمله كمحام، كما يقول.

ويشدد على ان اتقان اداء دور نابليون يفرض ان "يكون المرء عصبي المزاج ومتوترا، وان يتنقل بسرعة من مكان لآخر مجبرا ضباطه على اللحاق به"، والشيء الوحيد الذي ينغص على سامسون فرحته هو انه اطول من نابليون بسنتيمترين اثنين، ويرى ميكايل كوته ان استعادة المعارك في عروض حية ينجح في "احياء التاريخ" أكثر بكثير من "المتاحف التي يغطيها الغبار". بحسب فرانس برس.

وما زالت المانيا تحتفل حتى الآن بذكرى معركة لايبزيغ التي كانت بشيرا بانتهاء الهيمنة الفرنسية على أراضيها، وقد تحولت هذه الموقعة الى "اسطورة وطنية" بحسب تعبير مارتن شولتز رئيس البرلمان الاوروبي الذي سيلقي خطابا بالمناسبة في المدينة، بعد معركة لايبزينغ، واصلت المانيا التي كانت مؤلفة من امارات صغيرة، طريقها نحو الوحدة، واتمتها في العام 1871 مع اعلان الامبراطورية الالمانية بعد معركة ثانية هزمت فيها فرنسا.

الحرب والسياحة

الى ذلك وفي كل عام، مع اقتراب الذكرى السبعين للإنزال الاميركي الشهير الذي ساهم في قلب معادلة الحرب العالمية الثانية، تستعد منطقة نورماندي الفرنسية لاستضافة خمسة ملايين سائح من "سياح الذاكرة" سنويا، لكن بعض الأكاديميين يتخوفون من ان تتحول المنطقة إلى مدينة ترفيهية، من قبيل "ديزني لاند".

وقال رافايل شوفوا المستشار في المجلس المحلي لكاين "ينبغي تطوير السياحة بحلول العام 2014، حتى تكون منطقة نورماندي أفضل وجهة سياحية لتخليد ذكرى الحرب العالمية الثانية"، وحوض نورماندي الذي شهد خلال الحرب العالمية الثانية عمليات إنزال الحلفاء في السادس من حزيران/يونيو من العام 1944 يضم أكبر عدد من المواقع التاريخية في فرنسا، وتدر السياحة التاريخية في هذا الشاطئ 1,5 مليار يورو سنويا، وتؤمن 24 ألف فرصة عمل.

وقال المسؤول المحلي في المنطقة لوران بوفيه "في هذه الاوقات الصعبة، علينا ان نضع في قلب اولوياتنا تحويل نورماندي الى مقصد للسلام"، وشكلت معركة نورماندي منعطفا في الحرب العالمية الثانية واحد العوامل الحاسمة في قلب مسار الحرب وبداية الطريق نحو هزيمة المانيا النازية وحلفائها في دول المحور.

وسيكون السادس من حزيران/يونيو 2014 آخر احتفال مئوي للحرب يحضره قدامى محاربين، وتسعى فرنسا اليوم الى جذب السياح الذين ليسوا على علاقة مباشرة بتلك الاحداث التي وقعت في الاربعينيات من القرن الماضي، ولهذه الغاية، يقام 160 حدثا قبل الذكرى المئوية لنهاية معركة نورماندي في آب/اغسطس.

ويأمل المجلس المحلي ان يوقع عقدا في مطلع العام 2014 مع السلطات، لتنسيق المبادرات الخاصة والعامة في هذا الإطار، ومن المنتظر ان يصدر في نيسان/ابريل "دليل معركة نورماندي"، ويمكن تحميله مجانا عبر الانترنت على مدى ستة أشهر.

وقال ستيفان غريمالدي مدير متحف "ميموريال دو كاين" التاريخي الذي يزوره أكثر من 380 ألف شخص سنويا "في العام 2014، يتوقع البعض ان يكون لدينا سبعة ملايين الى ثمانية ملايين زائر في نورماندي، ولكن في العام 2015 سيكون الوضع صعبا، ليس بالنسبة لنا، ولكن لمواقع كثيرة في المنطقة".

ويرى غريمالدي انه ينبغي "التكيف مع متطلبات الشباب، واستخدام وسائلهم مثل فيسبوك، وتحويل الموقع الى مكان حي"، ويضيف "ينبغي ان نعد شيئا ذا نوعية عالية"، ويطالب رافايل شوفوا بإعداد "رزمات عروض تتضمن المتاحف والفنادق" وجذب مختلف الجنسيات الى هذا المكان ولا سيما الالمان.

ويدعو كريستيان مانتي المدير العام لمجموعة "آتو فرانس" التي تساعد السلطات المحلية في مهمتها الى اتباع اسلوب ترويجي شبيه بذلك المعتمد في منتزه "ديزني لاند" للإعلان والترويج عن كل تقدم يحققه في مشروعه قبل اتمامه، لكن هذا تماما ما يقلق عالم الاجتماع جان ايف بوريسسه، فهو يخشى أن تتحول منطقة نورماندي من مكان شاهد على موقعة تاريخية كبيرة ذات مدلولات إلى مدينة ترفيهية تشبه "ديزني لاند".

ويقول "يمكن أن تقع هنا أخطاء كالتي تحصل في أي مكان"، مشيرا الى ان بعض المتاجر تبيع ازياء ومقتنيات تحمل علم النازية والعلم الاميركي جنبا الى جنب، وتعرض احيانا مقتنيات تنطوي على رموز او عبارات معادية للسامية، تبيعها على باب معسكرات النازية التي تحولت الى مواقع سياحية، واضافة إلى هذا الاستاذ الجامعي، يتخوف عدد من المؤرخين والأكاديميين من ان تتراجع السياحة التاريخية على حساب هذا المسار الترويجي التجاري.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 25/كانون الثاني/2014 - 23/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م