ردهة العلاج الكيمياوي وحكايات المريضات بين اليأس والأمل

سرطان الثدي يشكل اعلى نسبة بين الإصابات

تحقيق: انتصار السعداوي

 

شبكة النبأ: بعد ان تعافيت من صدمة العملية الجراحية. صارت اصابتي بمرض السرطان حقيقة واضحة لاتقبل الشك وأصبح لزاما علي ان اتابع العلاج الكيماوي وأتحمل آثاره وكان تساقط شعري الكثيف هي الصدمة الثانية التي تواجهني بعد اخباري بمرض السرطان، وتتابعت الصدمات وكان آخرها اختلال بصري وضعف ذاكرتي ورغم اني غير متأكدة من شفائي الا اني متأكدة ان الله لايتخلى عني وعن اطفالي الذين اعيش من اجلهم.

لا أنكر يوما اني سئمت الحياة ولم اعد ارى بها غير اولادي. ورغم ضعفي وانهياري حين تجتاحني بعض الظروف والمشاكل الاجتماعية والعائلية الصعبة ولكن تبقى بداخلي روح متمرده تجعلني اتمسك بالحياة وتمنحني القوة كلما تذكرت ان الله إذا أحب عبدا ابتلاه. هذه هي قصة ام زهراء من محافظة الديوانية معلمة جامعية تأرجحت مشاعرها بين اليأس والأمل بالشفاء وبين الخوف والاطمئنان للعلاج الكيمياوي وهي تثق بممرضة الردهة التي تربت على مرفقها برفق للبحث عن وريد بصعوبة لزرق العلاج الكيمياوي، وتستقبل ردهة الكيمياوي في مدينة الحسين الطبية عشرات النساء المصابات بالسرطان أسبوعيا ويشكل سرطان الثدي النسبة الاكبر بينها بحسب الدكتور كرار الموسوي مدير الوحدة.

التمسك بالحياة

معاناة اخرى ترويها "شفاء 32سنه" موظفه غير متزوجة حيث تقول لـ(شبكة النبأ المعلوماتية) انها خضعت لعملية استئصال الثدي والعلاج الكيمياوي بثماني جرعات ولم تخبر أقربائها او زملاء العمل. وعندما أجرت العملية قالت انها ذاهبة الى دوله مجاورة للسياحة وكانت تستطيع الحصول على اجازة اعتيادية يوم واحد لحقن جرعة الكيمياوي وتعود للعمل مرة ثانية.

وتتابع بعد أربعة اشهر من العلاج الكيمياوي ذهبت الى ايران للعلاج بالأشعة واختلقت نفس العذر السابق، وكانت تساعدها في العمل موظفة خدمة تراعيها وتخدمها وتحفظ سرها، ولاتزال شفاء التي تتعاطى جرعات هرمونات المناعة والتي تبلغ 17 جرعة مصممة على كتمان سرها وتقول انها ستسافر ايضا الى لبنان لأجراء عملية تجميل بأقرب وقت ودون ان يعلم احد ايضا. كل هذا لان الشابة لازالت تتأمل بفرصة زواج وإنجاب طفل وإكمال حياتها.

فحوصات لا قيمة لها

"ام نزار 40 سنه" ام لستة ابناء تقول لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): زوجي مهندس يعمل في المحافظة وكنا نجمع مبلغا من المال وننوي شراء بيت جديد وتسجيل اولادي في كليات اهلية جيدة السمعة لضمان مستقبل علمي وعملي جيد لهم، عندما انتابتني الآلام المبرحة في ظهري وبعد عدة مراجعات اكتشف الاطباء وجود ورم صغير في (الضلع السائب) اجريت عملية جراحية لرفعه ولم يشخص الورم خبيث او حميد وبعد فترة ظهر الورم في ركبتي وساقي وأجريت عمليه ثانية وبدون تشخيص الورم ولهذا لم اقرر العلاج الكيمياوي من البداية.

 وتضيف "ام نزار" وعندما عاودتني الالام سافرت الى الهند مع زوجي واظهر فحص (البت سكان الاولي) وجود الورم الخبيث اصلا في الرحم وقد انتقل الى الأضلاع والساق. وكان الفحوصات ولسونارات التي اخذتها في العراق وفي ارقى المختبرات لا قيمة لها. وقرر الأطباء استئصال الرحم وعنقه والمبايض وجزء من القولون وخضعت الى جرعة كيمياوي واحده في الهند وأكملت الباقي في العراق لتكاليفه الباهظة التي تصل الى عشرة أضعاف سعره في العراق.

وتسترسل "ام نزار" في كشف معاناتها وتقول: مررت بجميع لصدمات ومراحل الخوف والكآبة والقلق والألم وتعافيت تماما وظهر شعري مجددا وتحسنت صحتي لكني لم اخضع للعلاج بالأشعة، فعاودني الالم وكشفت التحاليل الجديدة عن ظهوره مجددا وها انا اخوض جولة جديدة ومختلفة هذه المرة للعلاج الكيمياوي اقسى من الاولى بثمانية عشر جرعة وبعدها اخضع للعلاج بالأشعة وانتظر رحمة ربي بالشفاء او الموت فهو ارحم من الكيمياوي والأشعة ومبضع الجراح. وتضيف "ام نزار" بشجاعة صرفنا ماجمعناه من المال بعشر سنوات في عام واحد وسجلت اولادي الاثنين في كلية متواضعة لتقليل النفقات.وتنازل زوجي عن شراء بيت جديد وجميع عائلتي صارت تفكر بشيء واحد فقط هو الابتهال والدعاء لشفائي.

شر البلية

كانت جرعة الكيمياوي تتأخر قليلا على المريضات قبل اعدادها وخلطها وتحضيرها في صيدلية القسم، فتأتي المريضة منذ الصباح الباكر وتدخل ردهة العلاج الكيمياوي ويبدأ زرق العلاج الا بعد الحادية عشر تقريبا وبين الثامنة والحادية عشر تستمع المريضات الى حكايات بعضهن وتجاربهن مع الحزن والألم. حمدية من "عوفي" وهي منطقة ريفية بين الهندية وبابل روت قصة لاتخلو من الطرافة وشر البلية مايضحك وقالت: ان زوجها رفض رفضا قاطعا اجراء عملية استئصال كامل للثدي مما اضطر الجراح برفع الورم فقط وبعد العملية خضعت للعلاج الكيمياوي. لكنه لم يكن يسمح لي بأخذ الجرعات بانتظام لأنه كان يعتقد ان الكيمياوي حسب الحاجة، فعاودني الورم مرة ثانية فطلب مني الطبيب (بلوكات الفحص النسيجي) او ما يسمى بسلايدات الزرع لكي يعيد الفحص ويعرف درجة المرض وكان زوجي قد نصحني برميها في شباك الحمزة الشرقي حتى استعجل الشفاء وعندما اخبرت طبيبي بذلك قال لي وهو عصبي (اذهبي للحمزة الشرقي اذن لكي يجري لك العملية). حينها اضطررت لأخذ جرعة بمخدر موضعي لغرض إعادة الزرع.

والأغرب من هذا تتابع حمدية ان اهل زوجها يعتقدون ان مرضها معدي ويعتقدون اني اتصنع المرض ايضا حتى لا اخرج للعمل(الزرع) وبين الفترة والأخرى كان يهددني زوجي (يله طيبي بسرعة) حتى لايرميني بالبزل. هكذا كان يهددني. تختم كلامها بحسرة ودمعه مختنقة لولا طفلي الصغير ذو الثلاثة اعوام لفكرت بالانتحار.

كادر متخصص

في وحدة العلاج الكيمياوي التي تأسست منذ عامين فقط في مدينة الحسين الطبية يتلقى المرضى العلاج الكيمياوي بوسائل تكنلوجية حديثة وتعد لهم الجرعات على يد صيادلة وكيميائيين اكفاء وتعطى لهم الجرعات على يد ممرضات متدربات آخذات بنظر الاعتبار ان الحالة النفسية للمريض هي نصف العلاج. حيث تقول الكيمياوية "ليلى محمد سليم" مسؤولة الكادر التمريضي في القسم ان جميع الكوادر التمريضية والطبية يتلقون دورات علاج كيمياوي في بغداد والنجف قبل ممارسة هذا العمل ويتدربون على كيفية حل العلاج وكيفية التعامل مع المريض ودعمه نفسيا. وتستعين باستشارية الاسناد النفسي لمرضى الاورام عند حصول حالات مستعصية لان بعض المرضى حين يشعرون باليأس والاحباط يمتنعون عن اخذ العلاج وهؤلاء المرضى يحتاجون الى رعاية خاصة وصبر وتفهم.

الممرضة الفنية الشابة "سهام عادل" تقول لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): مريض السرطان ليس كبقية المرضى. ولأننا نقدر ان حالة المريض النفسية لها دور كبير في العلاج لهذا نتحمل عصبية ومزاجية المريضات بعض الاحيان وحين يتأخر العلاج ويشعرون بالملل ولان المرضى معروفين لدينا كونهم يترددون كل ثلاثة اسابيع ولمدة اربعة اشهر تكون مدة كافيه لنشوء علاقة ودية بيننا وبين المريض.

وتسأل المريضات عن الممرضات اذا غابت احداهن وأحيانا نجلس بقربها لنسمع منها مايشغلها وماتريد التحدث عنه من امورها الصحية والاجتماعية والنفسية وأكثر مايقلق المريضات هو تساقط الشعر ودائما نرى احدهما تسال الاخرى الاقدم منها في أي جرعة يتساقط الشعر؟؟. ومتى ينمو مرة ثانية وما شكله ونوعه.

ويتبادلن الأحاديث احيانا عن مرحلة العلاج بالإشعاع وعلاج المناعة وحبوب التوكسفين وغيرها وتنشا صداقات وعلاقات بين المريضات لتشابه الهموم والمواضيع بينهم؟ وتضيف "سهام" من يعمل في هذا القسم يتلمس كيف ان العراقيات متميزات ويتعاملن مع المرض بشجاعة لامثيل لها ونادرا ما نرى مريضة يائسة تماما من الشفاء حتى لو كان المرض في مراحله الاخيرة بل بالعكس الكل يؤمن بانه لايأس من رحمة الله، وتتابع عملي في هذا القسم جعلني شجاعة وقوية واستمد شجاعتي من المريضات. ويتكون الكادر التمريضي من 4 شباب و4 شابات للصباحي وعنصرين للمسائي و3 صيادلة متخصصون وطبيب اقدم اورام وممارسين عدد 3 يتواجدون اثناء الدوام.

ملاحظات مهمة

الدكتور "كرار الموسوي" اخصائي الاورام والعلاج الكيمياوي رئيس وحدة العلاج الكيمياوي في مستشفى الحسين العام يقول: ان سرطان الثدي هو تسلسل رقم واحد بعدد الإصابات ويأتي بعده سرطان المثانة الذي يصيب الرجال والنساء ثم يليه سرطان الرحم والمبيض عند النساء يليه القولون والرئة والبروستات والانسجة الرخوة والغدد اللمفاوية والدماغ وغيرها.

 ويضيف "الموسوي" لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): العلاج الكيمياوي في العراق علاج متطور جدا وهذا معترف باشهر المستشفيات في العالم وجميع العلاجات من مناشىء معروفة (سويسرية وألمانية وامريكية) وجميعها مجانية. وتستخدم أجهزة حديثة في اعطاء العلاجات غير متوفرة الا في كربلاء ومنها جهاز حساب السوائل وهو جهاز مهم يستخدم لتوقيت اعطاء العلاج وجهاز الاوكسيمتر والمونيتر فضلا عن الاجهزة الطبية العادية وهي (e.c.g) و(d.c). وتتوقف طريقة اعطاء العلاج الكيمياوي على حسب الأدوية التي وصفها الطبيب. بأحد الطرق الآتية:عن طريق الفم، بالحقن في العضل، بالحقن في الوريد، إبرة تحت الجلد، ودهن الجلد مباشرة.

ومن الممكن أيضاً أن تعطى في تجاويف الجسم في المثانة وفي السائل المحيط بالنخاع الشوكي والمخ، وبعد ان تتخذ المريضة قرار العلاج الكيماوي تزداد المخاوف والتساؤلات " هل سأفقد شعري؟" "هل سأصاب بالغثيان والقيء طوال الوقت؟" بالرغم من القلق الشديد تجد العديد من السيدات أن أول جلسة للعلاج الكيماوي ليست صعبة بالدرجة التي تخيلتها. وقد تنتهي الجلسة وهي تقول لنفسها هذا أسهل مما كنت أعتقد. وتشعر بعض السيدات بأعراض تشبه الأنفلونزا من حيث التعب، الغثيان، الإرهاف الدوار. بعد اخذ الجرعة إلا أن حدة بعض هذه الأعراض مثل القيء تعتمد على نوع العلاج الكيماوي المستخدم وعلى فعاليته وتركيزه وإن البعض قد يعانون لعدة أيام من الغثيان والقيء ولكن في هذه الايام هناك ادوية مسبقة تعطى للمريض قبل بدء ظهور الاعراض للتقليل من اعراضها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/كانون الثاني/2014 - 21/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م