الشباب وتسطيح الثقافة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: لا شك في أننا جميعا مسؤولون عن شريحة الشباب، أعني الآباء والمعلمين والتدريسيين والاكاديميين، والمسؤولين الحكوميين، كلنا معا نخضع لقضية أساسية تتعلق برعاية الشباب، وكل ما يتعلق بحياتهم، لاسيما الثقافة التي ينهلون منها افكارهم، ومن ثم تحول هذه الافكار الى سلوك ونشاط يظهر في الحياة العامة، استنادا الى نوع ودرجة عمق الجوهر الثقافي الذي استند إليه الشاب، واعتمده في القيام بمسؤولياته في محيط العمل والدراسة والعائلة وغيرها.

وما يجعل المسؤولية اكبر واكثر اتساعا وصعوبة، هو تطور حياتنا الراهنة وتعدد خياراتها، لاسيما بعد التطورات الكبيرة التي حدثت في مجال وسائل الاعلام والاتصالات كافة، ولعلنا نكتشف ذلك بوضوح، عندما نلقي نظرة متفحصة على شباب (الفيس بوك)، ومواقع التواصل الاخرى، فضلا عن اجهزة الهواتف (الذكية)، وقدرتها على السيطرة التامة على تفكير و وقت الشاب في الوقت الراهن.

إن الشباب في واقع الامر يتعرضون لتجربة صعبة وقاسية، تنطوي على مخاطر كبيرة، إذا لم يتم التعامل مع هذه المرحلة بعلمية، وحذر ومتابعة يومية بل في كل آن، ومن بوادر هذه المخاطر، تلك الاهداف المكشوفة التي تسعى الى تسطيح ثقافة الشباب عبر الفيس بوك وسواه من وسائل الاتصال، وبغض النظر عمن يقف وراء نشر ثقافة التسطيح بين اوساط الشباب، لكن الهدف الاهم والاسمى يتمثل بالخطوات التي يتم تقديمها للشباب، وأعني الجهات الحكومية التي تتعلق اعمالها ووظائفها بالشباب (كوزارة الشباب والرياضة ومؤسساتها ودوائرها كافة)، كذلك مؤسسات التعليم العالي و وزارة التربية، فضلا عن المنظمات الثقافية التي تهتم بشؤون الشباب.

تُرى هل يتم ترك شريحة الشباب تتخبط في هذا الواقع المحفوف بالضياع، وهل نترك هذه الشريحة تخوض في المخاطر الشائكة، لعالم الانفتاح الفاضح في شبكة الانترنيت، ووسائل الاتصال والاعلام كافة، وهي تختصر الثقافات كلها وتقارب بين العادات والافكار والتقليد الاعمى، ثم كيف يمكننا الموازنة بين قضية الاستفادة من وسائل الاتصال وتفادي اضرارها الخطيرة على الشباب؟.

إن قضية المنع لم تعد مجدية في عالم اليوم، ولا تتسق مع التطورات العلمية والحياتية للشعوب، كما أن العالم يتطور بقفزات مضطردة، في مجال الاعلام المفتوح على الكل، وتلاقح الثقافات، فلم تعد وسيلة المنع والرصد طريقة مجدية، لحماية الشباب من المخاطر التي قد تصيبهم، ولكن من الخطأ أن تبقى ثقافة الفيس بوك الشبابية بهذا المستوى الركيك، حيث الحوارات السوقية، والكلمات التي لا تليق بالظهور على الملأ، وسوى ذلك من العلامات والاشارات التي تدل على تسطيح الثقافة المعتمدة من قبل الشباب في الفيس بوك و وسائل الاتصال الاخرى.

إذاً فالمنع ليس هو الحل، ولم يبق أمام الجهات المعنية كافة، سوى الارتفاع بمستوى (الثقافة الفيسبوكية) أو ثقافة مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال، ورفع قدرات الشباب على كيفية التعامل السليم مع مواقع الاتصال والموبايل وغيره، بل لابد من متابعة وتوجيه حتى المراهقين، الذين أخذوا يتسللون بقوة الى هذه المواقع، لاسيما أن خدمة الاسماء والصور المستعارة وسبل التخفي متوفرة لهم، لهذا فإن قضية المنع لم تعد مجدية، كما انها لا تصب في صالح الشباب او المجتمع.

إن الخطوات المدروسة جيدا، لتعميق مستوى التعامل مع الفيس بوك من لدن الشباب، هو الحل المتاح وليس المنع، على أن يتم ذلك وفق خطط يضعها متخصصون، وتنفذها المؤسسات والمنظمات المعنية، وتشترك مؤسسات التعليم والتدريس في ذلك، فضلا عن جهد العوائل نفسها، من اجل رفع مستوى الشباب بخصوص استثمار وسائل الاتصال والتواصل كافة، ونشر ثقافة التحاور وفق الافكار والمفردات اللائقة، وحث الشباب على الابتعاد عن الاستخدامات المسيئة للحوار والكلمات معا، فضلا عن اهمية الاستفادة من ثقافات الشعوب الجيدة، والاطلاع على ما يحدث من تطورات هائلة في العالم، كل هذا يعمل على تنمية افكار ومواهب وقدرات الشباب، ولا شك أن هذا الامر يتطلب جهودا كبيرة ومنتظمة، لكنها غير قابلة للتأجيل في كل الاحوال، بسبب انتشار ظاهرة تسطيح الثقافة في الفيس بوك وسواه من مواقع التواصل والاتصال.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 21/كانون الثاني/2014 - 19/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م