سكان العالم... بين التغييرات الديموغرافية والتحديات المستقبلية

 

شبكة النبأ: توفير البيانات السكانية اصبحت مطلب مهم وضروري في معظـم دول العالـم، التي تسعى اليوم الى اعتماد الدراسات والأرقام والبيانات السكانية التي يتم الحصول عليها من مصادر مختلفة، لأجل اعداد الخطط المستقبلية وتلافي المشاكل والأزمات والتحديات المتوقعة كما يقول بعض المتخصصين، وعلم السكان أو الدراسات السكانية كما تشير بعض المصادر هو فرع من علم الاجتماع والجغرافيا البشرية، يقوم على دراسة علمية لخصائص السكان المتمثلة في الحجم والتوزيع والكثافة والتركيب والأعراق ومكونات النمو (الإنجاب والوفيات والهجرة) ونسب الأمراض، والحالات الاقتصادية والاجتماعية، ونسب الأعمار والجنس، ومستوى الدخل، وغير ذلك. وتمثل الدراسات السكانية طريقة لفهم المجتمع البشري، فبالإضافة إلى تحققها من عدد البشر في منطقة معينة، تحدد سبب زيادة أو نقصان هذا العدد عن الإحصائية السابقة وتفسر هذا الأمر. كما تقدر الدراسات الميول المستقبلية لحدوث تغيير سكاني.

وفي هذا الشأن فقد اظهر تقرير للأمم المتحدة ان عدد سكان العالم البالغ حاليا 7,2 مليارات نسمة يتوقع ان يصل الى 8,1 مليارات العام 2025 و الى 9,6 مليارات في 2050 و 10,9 مليارات في 2100. وهؤلاء السكان يتقدمون سريعا في السن. فعدد الاشخاص الذين هم فوق سن الستين سيزيد ثلاث مرات بحلول العام 2100 منتقلا من 841 مليونا في الوقت الراهن الى مليارين في 2050 ونحو ثلاثة مليارات في 2100.

وهذا التطور سيكون اشد وطأة في الدول النامية بسبب تراجع الخصوبة وارتفاع الاجل المتوقع (81 عاما قرابة العام 2095 في مقابل 89 في الدول الغنية). اما نسبة المسنين في الدول النامية فستنتقل من 9% الآن الى 19% في 2050 و27% في 2100 (في مقابل 22% من الاطفال دون سن الخامسة عشرة). اما الاشخاص الذين هم فوق سن الثمانين فسيزيد عددهم سبع مرات بحلول نهاية القرن الحالي ليصل الى 830 مليونا في مقابل 120 مليونا راهنا وسيكون ثلثاهم من سكان الدول النامية.

وقد تمت مراجعة هذه الارقام لرفعها مقارنة بالأرقام السابقة العائدة الى 2010 بسبب ارتفاع الخصوبة في افريقيا جنوب الصحراء على ما افاد جون ويلموث مدير شؤون السكان في دائرة الشؤون اقتصادية والاجتماعية في الامم المتحدة. وكانت الارقام السابقة تشير الى ان عدد سكان العالم سيصل الى 9,3 مليارات نسمة في 2050 و10,1 مليارات في 2100.

وجاء في التقرير الذي حمل عنوان "افاق السكان في العالم مراجعة للعام 2012" ان افريقيا ستساهم بنصف الزيادة الطارئة على عدد السكان في العالم مع انتقال عدد سكانها من 1,1 مليار نسمة الى 2,4 مليار في 2050 و 4,2 مليارات في 2100. ويتوقع ان ينمو عدد سكان بقية مناطق العالم بنسبة 10% فقط بين 2013 و2100 في حين ان عدد سكان اوروبا سيتراجع بنسبة 14%. فغالبية دول اوروبا لا يمكنها تجديد سكانها مع 1,5 طفل لكل امرأة راهنا بشكل وسطي.

ويفترض ان تتجاوز الهند الصين في عدد السكان ف حدود العام 2028 مع 1,45 مليار نسمة وستواصل نموها لتصل الى 1,5 مليار نسمة في 2100 في مقابل 1,1 مليار نسمة للصين. وقبل العام 2050 سيزيد عدد سكان نيجيريا عن عدد سكان الولايات المتحدة على ان يصبح موازيا لعدد سكان الصين بحلول نهاية القرن الحالي. بحسب فرانس برس.

ويفترض ان تتجاوز دول عدة، افريقية خصوصا، عتبة مئتي مليون نسمة قبل 2100 وبينها باكستان وتنزانيا وجمهورية الكونغو الديموقراطية واثيوبيا واوغندا والنيجر. في المقابل ستشهد اكثر من عشر دول غالبيتها من اوروبا الوسطى تراجعا يزيد عن 15% بحلول العام 2050. اما بيلاروسيا وبلغاريا وكرواتيا وكوبا وجورجيا ولاتفيا وليتوانيا ومولدوفا وروسيا واوكرانيا فهي تشهد اليوم اضعف اجل متوقع لمواطنيها بين كل الدول المتطورة مع اقل من 70 عاما. اما بالنسبة للهجرة فتذكر الدراسة بين الدول المضيفة الرئيسية خلال الفترة الممتدة بين عامي 2010 و2050 كلا من الولايات المتحدة (مليون مهاجر سنويا بشكل وسطي) وكندا (205 الاف) و بريطانيا (175 الفا) واستراليا (150 الفا) و ايطاليا (131 الفا) وروسيا (127 الفا) وفرنسا (106 الاف) و اسبانيا (102 الف).

ألمانيا وايران

في السياق ذاته يعد تقدم السكان في العمر بمثابة نقطة ضعف ألمانيا التي تشهد معدل خصوبة هو من الأدنى في العالم ومتوسط عمر هو من الأكثر ارتفاعا. وألمانيا هي البلد الذي يضم أكبر نسبة من السكان في أوروبا مع 80,5 مليون نسمة وهي الاقتصاد الأول على الصعيد الأوروبي، لكن من المتوقع أن يخسر البلد هذين اللقبين بحلول منتصف القرن.

ففي عام 2060، قد ينخفض عدد السكان في ألمانيا إلى نحو 70 مليون نسمة، بحسب مكتب الاحصاءات "ديستاتيس"، لتصبح البلاد خلف بريطانيا وفرنسا اللتين تقدمتا عليها أصلا منذ بضع سنوات من حيث عدد الولادات. وبات اليوم متوسط العمر في ألمانيا يناهز الثالثة والأربعين، ويتوقع أن يرتفع إلى السابعة والأربعين في عام 2030. ويعزى ذلك إلى انخفاض مستوى الخصوبة في أوساط الألمان إلى نحو 1,36 طفل للمرأة الواحدة، ما يضع البلاد في مؤخرة الدول الصناعية على هذا الصعيد منذ حوالى 40 عاما.

وشرح ستيفان سيفرت المتخصص لدى معهد برلين للسكان والتنمية أن "حكومة ألمانيا الغربية لم تبذل طوال عقود أي مجهود لحث العائلات على الأنجاب، كردة فعل على سياسات الرايخ الثالث". وابتداء من السبعينيات، أصبح المزيد من النساء المثقفات في ألمانيا الغربية يتخلين عن فكرة إنجاب الأطفال لتكريس الوقت لمسيرتهن المهنية. وتضاف حواجز ثقافية إلى نقص البنى التحتية المخصصة للأطفال، من قبيل دور الحضانة. فمن غير المستحب في ألمانيا أن تولي المرأة عناية أطفالها لآخرين كي تزاول مهنتها.

أما ألمانيا الشرقية، فهي كانت تسجل معدلات خصوبة أفضل بقليل تتراوح بين 1,7 و1,8 طفل للمرأة الواحدة في عهد النظام الشيوعي الذي كان يشجع الولادات من خلال دعم العائلات وتخصيص دور حضانة للأطفال. لكن بعد سقوط جدار برلين، تراجعت نسبة الولادات تراجعا شديدا وبات معدل الخصوبة يساوي تقريبا ذلك المسجل في الشق الغربي من البلاد.

ومنذ حوالى عشر سنوات، تسعى الحكومة إلى زيادة نسبة الولادات بواسطة سلسلة من التدابير، من قبيل تقديم عطلة للأهل مدتها سنة كاملة يدفع خلالها 66% من الراتب وضمان حل لحضانة الأطفال (مثل دور الحضانة أو المربيات) ابتداء من سنتهم الأولى. لكن هذه التدابير لم تؤت بثمارها. فهي، في الأحوال جميعها، أتت في وقت متأخر لتوقف الانخفاض السريع في اليد العاملة وازدياد عدد الكبار في السن اللذين قد يؤثرا سلبا على التوازنات الاقتصادية. بحسب فرانس برس.

ولفت ستيفان سيفرت إلى أن "معدل عمر اليد العاملة يتراوح اليوم بين 45 و 49 عاما وهو سيرتفع في عام 2020 إلى ما بين 55 و 59 عاما ليتراوح في عام 2030 بين 60 و 64 عاما". وبات ينبغي على الألمان أن يعملوا حتى سن أكبر، وقد تم تأخير سن التقاعد حتى السابعة والستين. وبغية التعويض عن انخفاض عدد اليد العاملة، فتحت ألمانيا أبوابها للمهاجرين. وقد ازداد عدد السكان بنسبة 0,2% بفضل وفود المهاجرين. وفي ظل الأزمة، باتت البلاد مقصدا لشباب أوروبا الجنوبية، لكن السلطات تسعى أيضا إلى تسهيل هجرة العمال الكفوئين من قارات أخرى.

من جانب اخر وبعد نجاحها في خفض معدل المواليد لمدة عقدين، تبحث إيران حاليا عن زيادة عدد المواليد للمساعدة على التغلب على مشكلة ارتفاع سن الإيرانيين، حيث يتم منح عملة ذهبية للعائلات ذات المواليد الجدد. ورغم ذلك يرى خبراء أنه من الصعب تشجيع الإيرانيين على الإنجاب بكثرة في اقتصاد يئن تحت وطأة العقوبات الاقتصادية الغربية وتضخم يصل إلى 36%.

ونقلت صحيفة التيليغراف البريطانية عن محمد جلال عباسي رئيس قسم التركيبات السكانية في جامعة طهران "عملة ذهبية لن تغير من حسابات الأزواج. العديد من الإيرانيين يفضلون مواصلة دراستهم وعدم الزواج. ومع ارتفاع تكاليف الحياة وعدم القدرة على شراء منزل، يفضل الكثيرون تأجيل فكرة الزواج". وبلغ معدل المواليد في إيران بعد الثورة الإسلامية عام 1979 رقما قياسيا أكثر من ثلاثة أطفال لكل أسرة وهو من أكثر المعدلات المرتفعة في شتى أنحاء العالم.

وبحلول عام 1990، توقع الخبراء أن يصل عدد سكان إيران إلى 140 مليون شخص، إذا لم يتم معالجة هذا المعدل. وتتبني إيران بعدها سياسة الحد من المواليد. وانخفض معدل المواليد في إيران بشكل كبير ووصل 1.8 طفل لكل أسرة حيث يبلغ عدد سكان إيران 77 مليون شخص. ويحذر الخبراء من أن هذا الاتجاه أصبح غير ناجح ، حيث يشيرون إلى أن معدل زيادة السكان في البلاد قد يصل إلى الصفر خلال السنوات العشرين القادمة إذا لم يتم تغيير هذا الاتجاه.

الولايات المتحدة

على صعيد متصل اظهرت دراسة ان الولايات المتحدة متأخرة عن بلدان متطورة أخرى في مجال الصحة ومعدل العمر المتوقع مع أنها البلد الذي يتكبد على الفرد الواحد أعلى النفقات في مجال الصحة. وتسلط الدراسة التي ارتكزت على بيانات من 34 بلدا الضوء على ان الولايات المتحدة تنفق على الفرد مثلا مرتين اكثر من فرنسا. وبالتالي، تراجعت الولايات المتحدة من المرتبة العشرين الى المرتبة السابعة والعشرين، فيما احتلت فرنسا المرتبة التاسعة وسجل معدل العمر المتوقع فيها 80,9 سنة للرجال والنساء معا. وقال كريستوفر موراي وهو احد معدي الدراسة ان "الولايات المتحدة تنفق اكثر من بقية البلدان على العناية الطبية وهي رائدة في مجال الابحاث الصحية، لكن ذلك لا يساهم في تحسن صحة سكانها".

ومع ان الاميركيين يعيشون اليوم اطول مما كانوا يعيشون قبل 20 سنة، اي حتى 78,2 سنة (75,2 سنة في العام 1990)، ادت النتائج الجيدة التي سجلتها بلدان متطورة اخرى الى تراجع الولايات المتحدة الى المرتبة السابعة والعشرين. ولا تزال اليابان تحتل المرتبة الاولى في العالم من ناحية معدل العمر المتوقع الذي بلغ 82,6 سنة في العام 2010 بعد ان كان 79,1 سنة فقط في العام 1990.

واوضحت الدراسة انه مع ان الاميركيين يعيشون اليوم لمدة اطول مما مضى، الا انهم يعانون مزيدا من المشاكل الصحية، ابرزها آلام الظهر والاكتئاب. واوضح موراي ان "البلاد بذلت جهودا كبيرة للحد من الوفيات المبكرة الناجمة عن النوبات القلبية، لكنها لا تزال متأخرة عن بلدان متطورة اخرى في اوروبا واسيا وغيرهما في ما يتعلق بسرطان الرئة والمضاعفات التي ترافق الولادة قبل الاوان وامراض اخرى". بحسب فرانس برس.

وبينت دراسة اخرى اجرتها جامعة واشنطن ان الاميركيين يمارسون اليوم الرياضة اكثر مما كانوا يمارسونها قبل 10 سنوات، لكن البدانة لا تزال تشهد ارتفاعا. وقال طبيب القلب روبرت روسنسون "علينا ان نأخذ خيارات افضل في ما يتعلق باسلوب حياتنا اليومي، بما في ذلك تسحين عاداتنا الغذائية".

الصين

الى جانب ذلك وفي مدينة شنغماي الصينية، عانى المعمرون الحروب والجوع ولا يزال الكثيرون منهم يعيشون في بيوت من الاسمنت بلا تدفئة ويجنون بضعة دولارات في اليوم لكن ما يعزيهم هو أن معدل العمر المتوقع لديهم يعتبر من الأعلى في العالم. وتتألف شنغماي من سلسلة من القرى تكثر فيها بساتين الليمون في جزيرة هاينان الاستوائية في أقصى جنوب الصين. ومن بين سكان شنغماي البالغ عددهم 560 الف نسمة، أكثر من مئتي شخص تخطوا المئة من العمر. وتعتبر هذه النسبة من أعلى النسب في العالم. وثلاثة على الأقل من بينهم تخطوا 110 سنوات، علما أن عدد هؤلاء المعمرين لا يتعدى 400 في العالم أجمع.

لي ايزهو هي واحدة من هؤلاء المعمرين. ولدت في العام 1900، قبل 11 سنة من سقوط الامبراطور الصيني الاخير، وهي تغادر كل يوم غرفتها الصغيرة المؤلفة من جدران اسمنتية لتشاهد البط يدور حول المزرعة العائلية. وعندما ترى غرباء يقتربون من منزلها، تسأل أقرباءها "من هؤلاء". وقد طرحت السؤال عينه عندما أتى مسؤولون في أحد الأيام ليقدموا إليها لوحة تكريمية تقديرا لعمرها المديد تحصل بفضلها على 500 يوان شهريا (63 يورو) ومتابعة طبية مجانية.

وتتشارك شنغماي بعض السمات مع مناطق أخرى في العالم يكثر فيها المعمرون، مثل كوبا واليابان وكوستا ريكا، أبرزها أهمية العائلة وأسلوب حياة يتطلب مجهودا جسديا وحمية غذائية قائمة على الفاكهة والخضار. وعلى مر السنين، حافظ معظم سكان شنغماي على نشاطهم الرئيسي ألا وهو زراعة الحقول. ويقول وانغ كايلو البالغ من العمر 86 عاما "لم أمارس الرياضة يوما، باستثناء العمل الشاق في الحقل".

وقد يكون دور الزراعة الأساسي في الحياة اليومية عامل رئيسي في طول عمر السكان، على حد قول جينيفر هولداواي المسؤولة عن برنامج حول الصين أطلقه المجلس الاميركي لأبحاث العلوم الاجتماعية، التي تشرح أن "الصناعة قليلة هنا والمناخ جميل وهناك وفرة في الخضار والفاكهة والتربة غنية طبيعيا بالسيلينيوم". وتضيف ان الانسان الذي يعيش في بيئة مماثلة لا يحتاج الى الكثير كي يشعر بالراحة. كل ما يلزمه هو منزل بسيط وناموسية وبضعة كراس من الخيزران واشخاص كثر ليعيش بجانبهم.

ويجمع الخبراء على أن المناطق التي يكثر فيها المعمرون في العالم نادرا ما تتقاطع مع المناطق التي يكثر فيها الاغنياء. ويعزي السكان صحتهم الممتازة إلى فوائد الكحول. فتقول امرأة تبلغ من العمر 104 سنوات انها تشرب كل يوم بضع كؤوس من مشروب كحولي محلي مؤلف من الحبوب. ويتفق العلماء على ان الحياة الاجتماعية تساهم في اطالة عمر الانسان. وهذا ما لاحظوه في شنغماي حيث يجتمع الكبار في السن كل صباح لشرب الشاي ويلعب الرجال الورق بينما تتحدث النساء مع بعضهن البعض او يستمعن الى تسجيلات اوبرالية قديمة. بحسب فرانس برس.

واظهرت دراسة ان طول عمر سكان شنغماي يعزى الى حبهم للعمل وسخائهم وميلهم الى النوم والاستيقاظ باكرا. وتجمع المدينة سكانها المعمرين كي يغنوا معا أو يمشوا أمام وسائل الاعلام لترويج المنطقة. ويأمل المطورون العقاريون ايضا جذب متقاعدين من كل انحاء الصين الى شنغماي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 19/كانون الثاني/2014 - 17/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م