قيم التقدم: نأكل لنعيش

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: عندما نتأمل المراحل التي قطعها الانسان، من حياة الغاب الى حياة القرية العالمية، وحياة الانتاج التقاني المذهل، والرفاهية غير المسبوقة، سوف نقرّ بأن الامم والمجتمعات المتقدمة، هي تلك التي لم تضع الطعام وأشكاله ونماذجه هدفا لها إلا بقدر متطلبات البقاء على قيد الحياة، حتى الرفاهية التي تتحقق الآن للشعوب المتطورة، لم تكن هدفها الاول، بل قدمت هذه الشعوب ما يلزم من الجهد والكد والعمل والذكاء والسهر والأموال، لتحقق أولا نجاحات في العلم والسياسة والاقتصاد والاجتماع والطب وسواه، بمعنى أنها لم تكن تسعى الى الرفاهية قبل الفكر، ولم يكن الطعام وتنوعيه غاية لها، على الرغم من ان الرفاهية ومذاق الطعام الافضل ومظاهر الترف، من الاهداف التي تسعى إليها (وحققتها) الشعوب المتقدمة، لكنها في حقيقة الامر قطعت اشواطا مهمة وصعبة من الجهد المبذول في مجالات العلم والتطور، قبل أن تنشغل بالرفاهية أو مذاق الطعام ونوعه وأصنافه!.

إن المجتمع الذي يهتم بالأكل ومذاقه ونوعه أولا، ستنطبق عليه المقولة المعروفة التي تقول (نحن نعيش لنأكل)، لكن العكس تماما هو المطلوب، لذا من قيم التقدم المهمة أن نأكل لنعيش ونبدع ونتطور، وليس العكس، ولعلنا نلاحظ في واقعنا الراهن مؤشرات تشي بأننا شعب يهتم بالأكل أكثر من الفكر، ويبدو أننا نلهث وراء أنواع الطعام الفاخرة، أكثر من بحثنا عن الكتب التي تكتنز الأفكار القيمة وتحث على التقدم والابداع في ميادين الحياة كافة، كذلك ثمة ظواهر كثيرة تنتشر بيننا، وتظهر بوضوح في واقعنا، كلها تشير الى أننا لا نمنح الفكر والتجديد والتغيير من الاهتمام، كما نمنح ذلك للأكل!!، فهل تحولنا الى شعب يعيش ليأكل؟ وهل أصبح الطعام ومذاقه اللذيذ هدفنا؟ وهل صرنا مجتمعا مستهلكا فقط، لا يعني له الانتاج والتطور شيئا؟.

 إن هذه الاسئلة التي نطرحها على انفسنا، ليس الغرض منها الانتقاص من قيمة الفرد او الدولة او المجتمع، ولكنها نوع من التنبيه الى ظاهرة باتت واضحة، وتشكل خطرا جوهريا على الدولة والمجتمع، إننا اصبحنا مجتمعا استهلاكيا بالكامل، فعندما نلقي نظرة متفحصة ودقيقة على السلع المستوردة والتي غصّت بها أسواقنا (و بطوننا)، سوف نصاب بالصدمة حقا، لأننا صرنا مستهلكين فقط، لا نصنع شيئا في البلد (من ابرة الخياط الى السيارة والطائرة)، إننا نصدر النفط، ونحصل على مليارات الدولارات، ثم نستهلك ونأكل من دون أن ننتج شيئا، ولو اننا لا نملك النفط، لأصبح حالنا حال الصومال من حيث المجاعة التي تصيبها وتصيب دول افريقية عديدة، هل نحن نغالي في كلامنا هذا، أم أننا نتحدث عن واقع نعيشه فعلا؟، كل هذا يحدث لنا لأننا (شعب يعيش ليأكل، وليس يأكل ليعيش)، فأين قيمة الانتاج، ولماذا لا ندرك قيمة أن نأكل من اجل الابداع؟!.

نحن إذاً نسير في اتجاه خاطئ، عندما لا نعبأ بقيمة الانتاج قبل الاستهلاك، وقيمة (نأكل لنعيش)، ولا (نعيش كي نأكل)، ولابد أن نتحول الى مجتمع منتج، ولابد للفرد العراقي أن يغادر منطقة النمط الاستهلاكي الذي يجعل منه، كائنا فائضا على الحياة، وليس منتجا لها، ومساهما في تطويرها، كما كانوا اجدادنا، منتجين قبل أن يكونوا مستهلكين، علما أنهم لم تتوفر لهم الفرص والقدرات والاموال التي توفرت للاجيال الراهنة!!.

إن قيمة (نأكل لنعيش)، تمنحنا فرصة لاستعادة دورنا الانساني في صناعة الحياة، حتى لا نبقى مستهلكين فقط، نبيع النفط ونأكل من دون أن نبدع ونطور افكارنا ونسعى لتغيير حياتنا نحو الافضل، مهمة الشعب وقادته اولا، توظيف قيمة (نأكل لنعيش) بالصورة الصحيحة، وعلى الحكومة المركزية والحكومات المحلية والنخب كافة، نقل المجتمع من النمط الاستهلاكي الخطير، الى حقول الانتاج والتقدم والاستقرار، وهذا أمر ممكن بالإرادة والتخطيط المختص والتنفيذ الدقيق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 15/كانون الثاني/2014 - 13/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م