الشيعة في باكستان... تصاعد مسلسل الاستهداف المذهبي

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: ان مسلسل استهداف المسلمين الشيعة على مر التاريخ ليس بالأمر الجديد ولا المستغرب، فقتل الرضع والأطفال والنساء بطرق وحشية، وقطع الرؤوس، واكل الاكباد، إضافة الى السجون والتعذيب والتهجير، هو نهج استهدف كل من تشيع او شك في امر تشيعه منذ تعاقب الحكومات الاموية والعباسية، وما تلاها، في مختلف البلاد التي يتواجد فيها المسلمين، وحتى الوقت الحاضر بنفس القسوة والاستهداف وان اختلفت الحجج والذرائع التي يبرر بها قتلهم.

في دراسة تخصصية حديثة قام بها مركز "ليو فورم" البريطاني للأديان العام الماضي، ذكر ان المسلمين الشيعة ارتفع عددهم إلى أكثر من 400 مليون نسمة، ليشكلوا ربع المسلمين في العالم البالغ عددهم مليار و600 مليون نسمة، كما ذكر ان الشيعة ينتشرون في 198 دولة حول العالم، وهم يشكلون نسب مهمة من سكان العديد من الدول، ففي إيران هم الغالبية بـ 80 مليون، الهند 74 مليون، باكستان 46 مليون، تركيا 33 مليون، العراق 26 مليون، اليمن 12 مليون، أفغانستان 10 مليون الى اخر القائمة.

بين الماضي والحاضر المجدولان في استهداف الشيعة ورميهم بالموت من كل مكان، كانت باكستان وولاياتها المنكوبة وشوارعها الممتلئة بجثث متفحمة من مواطنيها الشيعة في عشرات الحوادث الإرهابية التي طالتهم من حركات متطرفة جاهدت وتاجرت بدمائهم لسنوات طويلة، تروي حكايتها ايضاً. 

عسكر جنقوي، طالبان، القاعدة، فيلق الصحابة، شبكة حقاني، كلها وغيرها، جماعات إرهابية وجدت لها في باكستان ملاذ امن بسبب الظروف السياسية التي تحكم البلاد ومجاملة الحكومة للجهاديين من اجل اجندات خارجية كما يشير معظم الخبراء، سيما وان تلك الجماعات المتطرفة وجدت التمويل والدعم المالي القوي والمباركة الدينية من شيوخ السلفية والحكومات الوهابية الغنية والمنتشرة في الشرق الأوسط والتي تدفع الأموال الطائلة للحركات المتطرفة والأفكار الطائفية.

وقد استمر تعرض شيعة باكستان للقتل الممنهج منذ سبعينات القرن الماضي بعد قيام الثورة في الجارة إيران والخوف من انتشار التشيع نحوها، حيث شكلت فصائل قتالية بصبغة مذهبية استهدفت الشيعة في مناطق تواجدهم في شمال باكستان مثل بلوتشستان وكلكت وكويتا ولاهور ومولتان وجهنك وفيصل آباد وكراچي واسلام آباد وحيدر آباد وغيرها.

ومع تنامي الفكر التكفيري للحركات الجهادية المتطرفة والتي استهدفت المذاهب والديانات التي تخالف عقيدتها وافكارها المتشددة كانت لشيعة باكستان نصيبها الوافي من القتل والاعتداءات الدموية التي راح ضحيتها الالاف وسط صمت دولي وحكومي غريب.

هجمات متواصلة

فقد قتل ما لا يقل عن ثلاثة اشخاص واصيب نحو 30 اخرين بجروح في باكستان في تفجيرات استهدفت الاقلية الشيعية التي كانت تحيي ذكرى اربعينية الامام الحسين، حسبما افادت السلطات الباكستانية، وانفجرت قنبلتان بالقرب من أحد المساجد الشيعية في منطقة اورانجي تاون في مدينة كراتشي الاقتصادية، التي يسكنها نحو 20 مليون نسمة وتعاني موجة من اعمال العنف.

وقال تشودري الاسد وهو مسؤول رفيع في الشرطة المحلية ان "القنبلتين انفجرتا بفارق زمني قصير، وكان الانفجار الثاني أكثر دموية"، وقال مصدر في مستشفى عباسي شهيد، حيث نقل الضحايا ان "ثلاثة اشخاص قتلوا بالانفجارين في حين بلغ عدد الجرحى 30 شخصا".

وقالت شرطة كراتشي ان تفجيرا ثالثا وقع في حي نوميش شورانجي لدى مرور أحد المواكب الشيعية دون ان يؤدي الى وقوع ضحايا.

وشددت السلطات الباكستانية الاجراءات الامنية في المدن الرئيسية بمناسبة احياء ذكرى اربعينية الامام الحسين لدى الاقلية الشيعية، وفي روالبندي، احدى ضواحي العاصمة إسلام اباد، مازال الوضع متوترا حيث يحاول متطرفون سنة التعرض لأفراد من الاقلية الشيعية بعد اشتباكات دامية بين الجانبين الشهر الماضي. بحسب فرانس برس.

ومنذ مطلع العام الحالي قتل أكثر من 400 شخص من الاقلية الشيعية في باكستان، التي تمثل حوالي 20% من سكان هذا البلد البالغ عددهم الاجمالي 180 مليون نسمة والذي يشهد اعتداءات دامية ينفذ معظمها متمردو حركة طالبان الذين يقاتلون قوات الامن بالرغم من العرض الذي قدمته لهم اسلام اباد بالتفاوض من اجل السلام.

اغتيال امام جامع

في سياق متصل اغتال مسلحون مجهولون أحد ائمة الاقلية الشيعية في لاهور، ثاني مدينة في باكستان، في اخر فصول العنف الطائفي الذي تشهده البلاد كما اعلنت السلطات، وقتل الامام ناصر عباس الاحد برصاص مسلحين بعد القاء خطبته امام تجمع في لاهور عاصمة اقليم البنجاب (وسط) الاكثر اكتظاظا بالسكان في البلاد.

وقال المسؤول الكبير في الشرطة المحلية رانا عبد الجبار ان "المهاجمين فتحا النار على سيارته ولاذا بالفرار على متن دراجة نارية، انها عملية اغتيال محددة الهدف" فيما اشارت وسائل الاعلام الى اصابة السائق والحارس الشخصي للإمام، وقد تظاهر العديد من الشيعة مساءً امام أحد أبرز مستشفيات المدينة وامام مقر حاكم الاقليم كما قالت الشرطة المحلية.

وفي الاسابيع الماضية اغتيل مسؤولون اخرون من الشيعة في لاهور وكراتشي (جنوب) العاصمة الاقتصادية للبلاد التي شهدت موجة اعمال عنف.

طالبان تستهدف الشيعة

من جانبها اعلنت حركة طالبان الباكستانية مسؤوليتها عن الاعتداء الذي استهدف الاقلية الشيعية وأسفر عن ستة قتلى و35 جريحا في كراتشي، ويؤكد التورط المتزايد لحلفاء القاعدة في اعمال العنف المذهبية التي تعصف بالبلاد.

وقال شهيد الله شهيد المتحدث باسم حركة طالبان الباكستانية، أبرز مجموعة اسلامية متمردة في البلاد، لوكالة فرانس برس في اتصال هاتفي من مكان مجهول، "قمنا به حتى ننتقم لأعمال العنف في روالبندي".

وقد وقع الاعتداء في نهاية يوم من التظاهرات السلمية حتى الان بدعوة وجهها عدد كبير من المجموعات السنية للاحتجاج على المواجهات بين الشيعة والسنة التي اسفرت عن 11 قتيلا في روالبندي قرب العاصمة اسلام اباد.

وتدين حركة طالبان الباكستانية التي انشئت في 2007 بالولاء لتنظيم القاعدة واعلنت الحرب على الحكومة الباكستانية للتنديد بتحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وزادت منذ ذلك الحين الهجمات في انحاء البلاد وقتلت الاف الاشخاص.

وحركة طالبان الباكستانية التي تنتمي الى الاسلام السني على غرار اكثرية الشعب الباكستاني، قريبة ايضا من مجموعات مثل عسكر جنقوي المعروفة بهجماتها الدامية ضد الاقليات الدينية بدءا بالشيعة.

واعمال العنف بين السنة والشيعة ليست جديدة في باكستان، لكن الاعتداءات التي تستهدف الشيعة تزايدت في السنتين الماضيتين في باكستان بتأثير من هذه المجموعات المتصلة بالقاعدة على غرار بلدان مسلمة اخرى، بدءا بالعراق.

وقال مسؤول في شرطة كراتشي جويد اودو ان "ستة اشخاص على الاقل بينهم اربعة من الشيعة قد قتلوا واصيب 35 آخرون".

وهذه الحصيلة ترفع الى أكثر من عشرين (بما فيها المواجهات في روالبندي) عدد القتلى في اعمال عنف طائفية منذ ثمانية ايام في باكستان، وبلغ 20 الفا اجمالي المشاركين في جميع انحاء البلاد في التظاهرات التي كانت سلمية حتى اعتداء كراتشي.

مثال شهم

من جانب اخر خلدت باكستان ذكرى صبي في الخامسة عشرة من عمره يدعى اعتزاز حسن قتل مؤخراً عندما تصدى لانتحاري استهدف مدرسته في منطقة هانغو، وكان اعتزاز وسط أصدقائه خارج مدرسته عندما رصدوا شخصا يرتدي سترة ناسفة.

وقال ابن عمه مدثر حسن بانغش لبي بي سي إنه (اعتزاز) لم يكترث لمناشدة أصدقائه له بالتوقف بعد أن قرر مواجهة الانتحاري محاولا الإمساك به في نفس اللحظة التي هم فيها الانتحاري بتفجير سترته الناسفة، وسرعان ما تداولت وسائل التواصل الاجتماعي قصة اعتزاز وأشادت بشجاعته.

كما راجت نداءات تطالب بمنحه أعلى وسام شرف عسكري يمنح لكل من يضحي بنفسه من أجل الوطن، وقال الصحفي نسيم زهرة في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر "نعتقد نحن كمواطنين أنه ينبغي لدولة باكستان أن تمنح وسام الشجاعة للشهيد اعتزاز".

ومنحت السلطات الباكستانية اعلى وسام شجاعة للشهيد اعتزاز ضحى بحياته ليمنع انتحاريا من تفجير مدرسته منقذا بذلك مئات الطلاب.

وقع الحادث في منطقة هانغو التي يغلب عليها الشيعة في شمال غرب باكستان، وقالت تقارير إعلامية إنه تزامن تنفيذ الهجوم مع وجود نحو ألفي طالب.

وقال بانغش عليم مقبول "ابن عمي ضحى بحياته من أجل إنقاذ مدرسته ومئات الطلبة وزملائه في المدرسة"، وأضاف "أراد الانتحاري أن يدمر المدرسة ويفتك بطلبتها، ومنعه ابن عمي من تنفيذ هذا الدمار"، ووصف بانغش تسلسل الأحداث بناء على ما قاله له شهود عيان من المدرسة، مضيفا أن أصدقائه حثوه (اعتزاز) على عدم مواجهة الانتحاري، لكنه تجاهل مناشدتهم وقرر مواجهة الرجل بنية درء تنفيذ مخططه.

من جهته تقول أسرته إنه بدلا من التركيز على الحزن لوفاة ابنهم، يرغبون في إعزاز مشاعر الفخر بما حدث، وأضاف بانغش "قال لهم (سأذهب لمنعه، إنه يعتزم قتل أصدقائي)، وكان يرغب في الإمساك بهذا الانتحاري ومنعه في ذات الوقت الذي هم فيه الانتحاري بتفجير نفسه مما أسفر عن مقتل ابن عمي"، وتقول أسرته إنه بدلا من التركيز على الحزن لوفاة ابنهم، يرغبون في إعزاز مشاعر الفخر بما حدث.

قال بانغش إن الناس في المنطقة يرغبون في أن تمنح الحكومة وساما لاعتزاز تقديرا لشجاعته مقارنة بمالالا يوسف زاي، وهي ناشطة دأبت على دعوة زميلاتها لمواصلة مشوارهن التعليمي وتعرضت قبل عام لإطلاق نار من مسلحين من حركة طالبان، وهي مقارنة لاقت صدى طيب على مواقع التواصل الاجتماعي.

وعلى موقع التواصل الاجتماعي تويتر لجأ المستخدمون إلى تخليد ذكرى اعتزاز باستخدام اسمه في (هاشتاج) خاص به، أسوة بشخصيات أخرى مثل مالالا وضحية حادث الاغتصاب في دلهي الذي أذكى موجة غضب حادة في الرأي العام الهندي وأدى إلى تغيير قوانين الاغتصاب في البلاد.

ووصفت الباكستانية ملالا يوسفزاي التي نجت من هجوم لطالبان بسبب دعوتها لتعليم البنات، اعتزاز بانه "شجاع وباسل".

وقالت السفيرة الباكستانية السابقة لدى الولايات المتحدة شيري رحمن في تغريده على حسابها "الشهيد اعتزاز حسن فخر باكستان، وأقل ما يجب هو منحه ميدالية، فهو صبي أخر يمتلك شجاعة رائعة"، وتقع هانغو على مقربة من مناطق قبلية شبه ذاتية الحكم في باكستان تعج بوجود حركة طالبان وتنظيم القاعدة كما تعتبر منطقة شهيرة بأعمال العنف الطائفية التي تستهدف المسلمين الشيعة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 14/كانون الثاني/2014 - 12/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م