المستشفيات .. سوء الإدارة والإهمال يفاقم من معاناة الفقراء

 

شبكة النبأ: على الرغم من التطور العلمي الهائل الذي يشهده عالم الطب والجراحة لاتزال بعض المؤسسات الصحية في العديد من دول العالم، تعانى الكثير المشاكل والسلبيات والأخطاء ولأسباب كثيرة منها ما يتعلق بقلة الدعم المالي وسوء الإدارة، هذا بالإضافة الى التعقيدات والعراقيل الروتينية التي تفرضها بعض القوانين الخاصة التي أسهمت وبشكل مباشر بازدياد معاناة المرضى البسطاء الذين اصبحو خارج اهتمام تلك المؤسسات كما يقول بعض أصحاب الاختصاص، وفيما يخص بعض تلك المشاكل والأخطاء الطبية فقد أثار مقطع فيديو نشر على الإنترنت ويظهر فريقاً طبياً في مولدوفا يجري عملية جراحية بواسطة مثقاب، فضيحة في هذا البلد الذي يعتبر من بلدان الاتحاد السوفياتي السابق الأكثر فقراً.

وشرح الجراح نيكولاي كوركا الذي أجرى الجراحة لمراهق في مستشفى للأطفال في العاصمة شيسيناو أن الطاقم الطبي مضطر إلى استخدام هذا النوع من المعدات بسبب عجز المستشفى عن تحمل كلفة المعدات الطبية الملائمة. وقال "كان علينا ثقب مرفق المراهق، وفعلنا ذلك، وهذا النوع من المثاقيب لديه مشكلة واحدة وهي صعوبة تعقيمه". وأكد أنه يستخدم هو وزملاؤه المثاقيب المخصصة لأعمال الصيانة لأن المستشفى لا يشتري المعدات الطبية اللازمة.

وبعد نشر مقطع الفيديو على الإنترنت، بثته كل المحطات التلفزيونية في البلاد، ما أثار رد فعل من الحكومة. فأعلن وزير الصحة أن "المستشفى تلقى ثلاثة مثاقيب طبية جديدة"، وأضاف "لا أفهم لما يستخدمون هذا النوع من المعدات". وطلب رئيس الحكومة إجراء جردة بالمعدات الموجودة في كل المستشفيات وشراء المعدات اللازمة، مطالباً معاقبة المذنبين في حال الضرورة. وأكد كبير الأطباء في المستشفى أن الفريق الطبي صور مقطع الفيديو المذكور ونشره بهدف تشويه سمعته.

الى جانب ذلك لقي 38 شخصا مصرعهم في حريق اندلع بمستشفى للامراض العقلية في منطقة موسكو، وهي كارثة جديدة في سلسلة الحرائق الماساوية التي شهدتها السنوات الاخيرة. والمبنى وهو واحد من اربعة مبان تابعة لمستشفى الامراض العقلية رقم 14 بالقرب من بلدة رامنسكي على بعد 100 كلم شمال موسكو، مصنوع من الخشب ويعود الى العام 1952.

واعلنت وزارة الاحوال الطارئة ان 38 مريضا كانوا في الغرف وقت وقوع الحادث. وكان ثلاثة عناصر من الفريق الطبي موجودين ايضا في المستشفى، كما ذكرت وزارة الاوضاع الطارئة. وقد نجا ثلاثة اشخاص فقط هم مريضان وممرضة. وامر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ببذل كل الجهود "لتوضيح اسباب وظروف"، كما قال الكرملين.

وافاد عناصر من اجهزة الاغاثة لوكالات الانباء ان المرضى كانوا تحت تاثير منوم قوي وماتوا دون ان يتمكنوا من النهوض او الهرب. لكن مصدرا في قوات الامن اكد في تصريح لوكالة انباء ايتار-تاس ان المرضى كانوا في الواقع مقيدين في اسرتهم. واضاف هذا المصدر ان "معظمهم كان مصابا بانفصام حاد، لذلك كانوا يقيدونهم في اسرتهم". وكررت التلفزيونات الرسمية هذه المعلومة التي لم يؤكدها مصدر رسمي.

وكان رئيس المستشفى اكد في وقت سابق انه كان من الصعب التعامل مع المرضى "المصابين بأمراض مزمنة". وذكرت لجنة التحقيق في بيان انها طلبت اجراء عمليات تشريح وتحاليل متعلقة بالسموم على الضحايا لتحديد "قدراتهم على مغادرة المستشفى بأنفسهم". وقال المصدر نفسه ان النار انطلقت من كنبة في غرفة التلفزيون.

وكانت الممرضة الليلية قامت بجولة في الساعة الاولى صباحا ثم ابلغتها صفارات الانذار باندلاع حريق في الساعة الثانية صباحا. وقال متحدث باسم عمال الانقاذ "عندما خرجت الممرضة الى الممر، انتشرت النار بسرعة. ولم تتمكن إلا من اخراج مريضين هما امرأة ورجل". وتطرح هذه المأساة مسألة السلامة في هذا النوع من المؤسسات في روسيا بعد سلسلة من الاحداث الدامية في السنوات الاخيرة.

وتطرح ايضا مسألة فعالية اعمال الاغاثة خارج كبرى المدن الروسية. وقال رئيس جهاز الاطفاء في منطقة موسكو فاديم بيلوفوشين ان "الفريق الاول ان عناصر الاطفاء وصل بعد ساعة وست دقائق من الانذار". واضاف ان اقرب ثكنة لعناصر الاطفاء تبعد 50 كلم عن المستشفى، واضطر عمال الانقاذ الى سلوك طريق ثانوي فأضاعوا نصف ساعة بسبب اغلاق معبر يجتاز القناة في هذا الفصل من السنة.

وذكرت لجنة التحقيق في بيان ان تحقيقا حول "انتهاك معايير السلامة من الحريق" قد بدأ. وتبحث اللجنة في كل الفرضيات المتعلقة بأسباب الحريق، ومنها سوء حالة وضع الاسلاك الكهربائية او حصول حريق مفتعل. وفي كانون الاول/ديسمبر 2006، تسبب حريق في مركز لمعالجة المدمنين في مقتل 45 امرأة في موسكو. واسفرت حرائق اندلعت في دور للمتقاعدين عن 23 قتيلا في 2009، وعن 32 و63 قتيلا فقي 2007.

أرواح تزهق

من جانب اخر احتشد آلاف البوسنيين أمام البرلمان لتشييع رضيعة تبلغ من العمر ثلاثة أشهر ماتت لأنها لم تخضع لجراحة في الوقت المناسب إذ حال خلاف برلماني دون استخراج جواز سفر لها. والرضيعة برينا حميدوفيتش أولى ضحايا خلاف سياسي حول أرقام الهوية وهو الأمر الذي وحد البوسنيين احتجاجا على شلل المؤسسات الذي أعاق إصلاحات ما بعد الصراع وعطل الطريق إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي.

وتجمع الناس بعد احتجاجات استمرت لأيام في سراييفو وبلدات أخرى بعد أن فشل النواب في الاتفاق على قانون جديد لأرقام الهوية. ونتيجة للخلاف لم يسجل المواليد منذ فبراير شباط لذا فإنهم محرمون من استخراج جوازات سفر أو بطاقات علاج طبي. ولم يحمل المحتجون هذه المرة لافتات ولا ملصقات لكنهم شكلوا حلقة من الشموع التي وضعوها على الأرض حول البرلمان ووقفوا أو ساروا في صمت.

وقال والدا الرضيعة إن الوقت الذي أهدروه في إقناع شرطة الحدود الصربية بالسماح بدخولها دون جواز سفر حتى تدخل مستشفى في بلجراد كلفها حياتها. وقال امير حميدوفيتش والد الرضيعة "اضطررنا لنقلها عبر الحدود بطريقة غير قانونية رغم السماح لها قانونا بالسفر لأسباب صحية طارئة."

وعندما دخلت االمستشفى في بلجراد في نهاية الأمر رفضت سلطات البوسنة دفع تكاليف الجراحة. وعلى الرغم من موافقة أطباء صرب على إجراء الجراحة فإن الرضيعة أصيبت بعدوى وتوفيت. وقال حميدوفيتش وهو عاطل يبلغ من العمر 31 عاما "ربما كانت لديها فرصة للبقاء على قيد الحياة لكن هذا مثال واضح على عدم اهتمام الدولة بمواطنيها."

من جانب اخر سيسمح لأسرة طفلة تبلغ من العمر 13 عاما أعلنت وفاتها اكلينيكا بعد مضاعفات إثر جراحة لاستئصال اللوزتين بنقل الطفلة إلى مستشفى آخر دون رفعها من على جهاز التنفس الصناعي حتى يستمر قلبها والرئتان في العمل. وقال سام سينجر المتحدث باسم المستشفى إنه جرى الاتفاق بين مستشفى الأطفال ومركز الأبحاث في اوكلاند وأسرة جاهي مكماث بالسماح بنقل الطفلة إذا تمكنت الأسرة من تحقيق ذلك عندما ينقضي الموعد المحدد لابقائها على جهاز التنفس الصناعي.

وكانت مكماث دخلت مستشفى الأطفال لاستئصال اللوزتين إلا أنها بعد الجراحة بدأت تنزف بشكل كبير وتعرضت لسكتة قلبية وتورم في المخ. وأعلن المستشفى وفاتها اكلينيكا بعد ثلاثة أيام واعتزم رفعها من على جهاز التنفس الصناعي إلا أن عائلتها لجأت للمحكمة لابقائها على الجهاز. واكتسبت القضية اهتماما دوليا. بحسب رويترز.

وكرر سينجر موقف المستشفى بأن الأطباء سيرفعون مكماث من على جهاز التنفس الصناعي إلا إذا كان هناك حكم من المحكمة يحول دون ذلك. وذكر الجانبان أنه حتى تنقل الطفلة يجب أن توفر عائلتها وسيلة نقل وتعثر على مكان آخر مستعد لاستقبالها. وقال مسؤولو المستشفى إنهم ومسؤولون في قطاع الصحة يحققون لمعرفة كيف أدت جراحة عادية إلى وفاة الطفلة وأضافوا أنهم يتفهمون مأساة الأسرة.

عيادات غير مرخصة

على صعيد متصل لا تجد العاملة الصينية المهاجرة تشانغ شويفانغ (29 عاما) ملاذا أفضل من كوخ صغير على جانب أحد شوارع بكين مضاء بمصباح كهربائي واحد للحصول على الرعاية الطبية. ونظرا لعدم اعتراف الدولة بها كواحدة من سكان بكين لا تتمتع تشانغ بحق الحصول على خدمات الرعاية الصحية الرخيصة في المستشفيات الحكومية في الوقت الذي يبعد فيه مسقط رأسها مسافة كبيرة للغاية عن سكنها إلى حد يتعذر معه الاستفادة من مزايا التأمين الصحي هناك.

وشأنها شأن الملايين من العمال المهاجرين الذين تعتمد عليهم الصين في ازدهارها الاقتصادي تضطر تشانغ عند مرضها إلى اللجوء للعيادات غير المرخصة التي تعرف "بالعيادات السوداء" وهي عيادات بائسة تفتقر إلى التنظيم توجد عادة في الشوارع الضيقة والأزقة الخلفية. هذه القضية تسلط الضوء على طبيعة النظام الصحي المترهل في الصين والمؤلف من مستويين وتثير جدلا ساخنا بشأن كيفية إصلاح نظام التسجيل السكني الذي يعرف باسم "هوكو" وهو إحدى الركائز الأساسية في سياسة الحكومة منذ عقود ويقنن التمييز بين سكان الحضر والريف.

وقسم نظام هوكو الذي يرجع تاريخه إلى عام 1958 سكان الصين البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة على أساس الإقامة في الريف والحضر ومنع الكثيرين من الصينيين المسجلين في الريف الذين يقارب عددهم 800 مليون نسمة من الإقامة في المدن والتمتع بنظام الرعاية والخدمات الأساسية الحضرية.

وتعهدت الحكومة الجديدة في الصين بتغيير هذا النظام الذي يفرق بين سكان البلاد بإجراء إصلاحات تهدف إلى تحقيق قدر أكبر من المساواة في تقاسم مزايا النمو الاقتصادي الصيني والنمو الذي يعتمد على الاستهلاك. وتعهد رئيس الوزراء الجديد لي كه تشيانغ في أول مؤتمر صحفي له في وقت سابق بالمضي قدما في الإصلاحات لتضييق الفجوة بين سكان الريف والحضر في الصين ومن بينها منح العمال المهاجرين الحق في الحصول على التأمين الصحي بما يحقق قدرا أكبر من المساواة.

ولم يتم الإعلان عن أي تفاصيل حتى الآن لتظل العيادات السوداء هي الملاذ الأخير الذي يمكن العمال المهاجرين من تحمل تكاليف العلاج. وتقول تشانغ شو خبيرة الصحة في مكتب البنك الدولي في بكين "التأمين الصحي وغيره من التأمينات الاجتماعية مرتبطة ارتباطا شديدا بنظام هوكو. أعتقد أن توفير تأمين صحي أفضل يعد حافزا لإصلاح نظام هوكو." بحسب رويترز.

تشير البيانات الرسمية إلى أن حكومة بكين تغلق نحو ألف عيادة من العيادات السوداء سنويا منذ عام 2010 . ورغم ذلك تعاود الكثير من هذه العيادات العمل مجددا في نفس المكان بعد أيام قليلة من إغلاقها. وبينما لم تنشر الصين قط أعداد العيادات غير المرخصة فإن جميع وسائل الإعلام الرسمية تقريبا تكشف عن حالات وفاة في هذه المراكز الصحية التي تفتقر للتنظيم.

المرضى والمستشفيات

في السياق ذاته لم يصدق نيرانجان لال باتهاك ما سمعه من طبيب عرض عليه أن يداوي آلامه في القلب مجانا... لكن بعد خمس سنوات، اكتشفت عائلة هذا الحارس البالغ من العمر 72 عاما أن المستشفى كان يستعين به لاختبار دواء جديد ضد اضطرابات القلق. ففي الهند حيث يتعذر على ملايين السكان دفع تكاليف العلاجات الطبية، يشكل الفقراء فريسة سهلة للمجموعات الصيدلانية الهندية والأجنبية التي ترغب في إجراء تجارب سريرية وتوكل مجموعات أبحاث قليلة الذمة وغير منظمة تنفيذها.

وأخبر ألوك باتهاك قريب نيرانجان "قيل لنا إن عمنا سيعالج بعلاج خاص". وأضاف "كان الطبيب يؤكد لنا أنه ليس علينا دفع فلس واحد مقابل العلاج، لكن الشرط الوحيد كان ألا نشتري الدواء من الصيدلية إذا انقطعنا منه، بل أن نلجأ إليه". وقد أدخل العجوز إلى المستشفى، وتقدمت عائلته بشكوى إلى المحكمة العليا، مؤكدة أن الدواء الذي تناوله كان "اتوباكسار" من تصنيع المجموعة الصيدلانية اليابانية "إساي"، وهو يوصف لمكافحة اضطرابات القلق.

وبحسب عائلة نيرانجان التي تحظى بدعم من منظمة "سواشتيا أدهيكار مانش" المتخصصة في الحقوق الصحية، لم يكن المريض ليقبل بالخضوع لهذا الاختبار لو علم بشأنه. وقد أدى الدواء إلى تدهور قدراته العقلية واصابته بالخرف. وكشف قريبه والدمعة في عينه "بالكاد يعرفنا اليوم، وقد انتهت حياته ونسفت آمالنا برؤيته سعيدا وفي صحة جيدة".

وقد خاضت عائلة نيرانجان هذا النزاع القضائي، شأنها شأن عشرات العائلات التي تقدمت بشكاوى إلى السلطات القضائية للتنديد بالتجارب السريرية غير الشرعية. ويشكل فقراء كثيرون في الهند فئران تجارب لاختبارات الأدوية التي تقوم بها، من دون علمهم، شركات هندية أو متعددة الجنسيات وتوكلها إلى مؤسسات بحثية غير منظمة، على ما كشفت المنظمات غير الحكومية.

وأكدت رئيسة الجمعية الهندية للأبحاث السريرية أن "التجارب السريرية في الهند تمتثل، كما هي الحال في أنحاء العالم أجمع، للمعايير عينها التي تحدد كيفية إجرائها وتحرص على ضمان سلامة المرضى". ويعتبر إجراء التجارب السريرية خطوة إلزامية ومكلفة جدا بالنسبة إلى المجموعات الصيدلانية التي ينبغي عليها أن تثبت للهيئات الناظمة أن عقاقيرها قابلة للتسويق ولا تؤدي إلى أعراض جانبية خطيرة.

وقد أكد اتحاد المجموعات الصيدلانية في الهند أن هذه الأخيرة تقتصد 60% من التكاليف المرتبطة بالتجارب عندما تجري اختباراتها في الهند. وقد شهدت سوق الأبحاث الطبية في هذا البلد الناشئ ارتفاعا بنسبة 12,1% خلال الفترة 2010 - 2011، وسجلت رقم أعمال قدره 485 مليون دولار (376 مليون يورو)، بحسب تقرير صادر عن مجموعة الأبحاث "فروست أند سوليفن".

ووفق التوقعات المقدمة في هذا التقرير من المرتقب أن يبلغ رقم أعمال هذا القطاع المليار دولار بحلول العام 2016. وكشف أموليا نيدهي المتخصص في الحقوق الصحية أن المجموعات الصيدلانية تستفيد من نقص النظم الصارمة. وذكر بأن "القوانين متشددة جدا في الولايات المتحدة وأوروبا. أما الهند فهي أقل تشددا في ما يخص التجارب السريرية". وبموجب القانون، ينبغي ان يحصل كل مريض يخضع لتجارب سريرية على نسخة من الملف الخاص بالدواء قيد الاختبار وأخرى من تصريح إقامة هذه التجارب.

لكن، في أحيان كثيرة، لا يذكر على الادوية أن هذه الأخيرة لا تزال قيد التجربة، ويستخدم الفقراء كحقل تجارب، على حد قول أموليا نيدهي. وفي ظل الانتقادات المتزايدة، تقوم الحكومة بتعديل قانون قديم بشأن الأدوية لتشدد الالتزامات المفروضة على المجموعات وتنشئ لجان أخلاقيات تتولى الإشراف على التجارب. ولم تحدد بعد أي مهلة زمنية لدخول القانون حيز التنفيذ.

على صعيد متصل فأول سلسلة من المستشفيات "المنخفضة التكلفة" لو كوست في الهند المقامة في بيوت جاهزة والتي يتحول فيها الزوار الى ممرضين موقتين والتي يحلم مؤسسها ان يقدم فيها عمليات جراحة قلب تكلف 800 دولار. ويقول الطبيب ديفي شيتي الذي اسس شبكة "نارايانا هرودايالايا" الخاصة من المستشفيات في جنوب الهند "النظام الصحي اليوم يوفر خدمات هائلة. فيمكن معالجة كل الامراض تقريبا، وفي حال استحال شفاء المريض فان هذه الخدمات تساعده على ان يعيش بطريقة افضل".

الا ان طبيب القلب هذا وهو من الاشهر في العالم يتساءل "ما هي نسبة الاشخاص في العالم الذين لديهم القدرة المادية؟ فبعد قرن على اول عملية قلب لا يزال اقل من 10% من سكان العالم قادرين على الحصول عليها في حال الحاجة". و"نارايانا هرودايالايا" (معبد القلب) المعروفة بانها "مصنع القلوب" في بانغالور افتتحت العام 2001 وتحمل الرقم القياسي في اكبر عدد من عمليات القلب في العالم (30 عملية في اليوم) وهي تريد الان ان تذهب ابعد من ذلك من خلال خفض الكلفة في مستشفياتها الجديدة.

والمستشفى الاول الذي رأى النور في هذا الاطار مبنى من طابق واحد في ميسور على بعد ساعتين بالسيارة من بنغالور. وقد بني المستشفى بكلفة 400 مليون روبية (7,4 ملايين دولار) وهو يضم خمس غرف عمليات متخصصة بالقلب والدماغ والكلى. ويقول شيتي الذي كان يعد الام تيريزا بين مرضاه "قرب ستانفورد (في الولايات المتحدة) يبنون مستشفى يضم 200 الى 300 سرير. سينفقون على الارجح اكثر من 600 مليون دولار عليه". ويلخص قائلا "هدفنا هو بناء المستشفى وتجهيزه بكلفة ستة ملايين دولار في غضون ستة اشهر".

والتكييف يقتصر على غرف العمليات واقسام العناية الفائقة. اما تهوئة الغرف في هذه المنطقة الحارة والرطبة من الهند، فيؤمن عبر نوافذ كبيرة. الاقارب والاصدقاء الذين يأتون لزيارة المرضى يحصلون على تدريب سريع من اربع ساعات ليتكمنوا في حال الضرورة ان يغيروا ضمادات او القيام بمهام عادة ما تكون من مسؤولية الممرضين. على الصعيد الهندسي يرفض شيتي تصميم المستشفيات بطوابق عدة التي تتطلب اساسات مكلفة ودعائم فولاذية فضلا عن المصاعد الكهربائية والمعدات المضادة للحريق.

وسيلي مستشفى ميسور مستشفيات اخرى من النوع ذاته في مدينتي بوبانسوار وسيليغوري في شرق البلاد. وفي مستشفى بنغالور تكلف عملية في القلب بشكل وسطي 1800 دولار في مقابل عشرات الاف الدولار في الولايات المتحدة. وعلى غالبية المرضى ان يدفعوا اكثر من ذلك الا ان بعض المرضى الفقراء يعالجون مجانا. ونجاح هذا النظام الاستشفائي جعل من شيتي رجلا غنيا وضمن له شهرة عالمية..

في قاعة الانتظار المكتظة تتنظر عائلات اتت من كل انحاء جنوب آسيا لكي يستقبلها الجراح الذين يقسم وقته بين المواعيد وغرف العمليات. ويقول رانجان باتاشاريا وهو موظف قطع الفي كيلومتر بالقطار من شمال الهند لكي يعاين الجراح زوجته المريضة "رأيناه على التلفزيون ولمسنا التزامه حيال الفقراء والطبقات الوسطى مثلنا". ويتعامل مع المزودين كما السوبرماركت فكل التجهيزات المكلفة مثل الصمامات الاصطناعية تشترى بالجملة.

وتبدأ العلميات الجراحية في الصباح الباكر وتتنهي عند هبوط الليل على مدى ستة ايام في الاسبوع على غرار شركات الطيران "المنخفضة التكلفة" التي تسعى الى الاستفادة الى اقصى الحدود من اسطولها من خلال تسيير اكبر عدد من الرحلات. والجراح الذي درس في بريطانيا يشمئز من زملائه الغربيين الذي يجرون عمليات قليلة في الاسبوع. اما كل طبيب في فريقه فيجري اربع عمليات في اليوم احيانا بمعاش يقل بنسبة 25% عما يتقاضاه جراح له خبرة في الغرب. ويقول "تبين لنا انه كلما زاد عدد العمليات كلما كانت النتائج افضل وكلما تراجعت الكلفة".

وتشكل النفقات العامة في مجال الصحة في الهند 4 % من اجمالي الناتج المحلي اي اقل من نسبتها في افغانستان على ما تفيد منظمة الصحة العالمية. ومع غياب التأمين الخاص و"انهيار" نظام الصحة العام في هذا البلد الناشئ البالغ عدد سكانه 1,2 مليار نسمة على ما يقول وزير التنمية الريفية الهندي، يؤمن الافراد حوالى 70% من نفقات الصحة. وفي هذا الاطار هل يشكل شيتي رجل اعمال حذقا او محسنا كبيرا؟ وهو يبت بالامر قائلا "اعتبر ان الاحسان غير قابل للمد. اذا اعطينا شيئا بالمجان لن يكون لدينا المال بعد فترة وعلى اي حال الناس لا يقبلون ان تكون الامور مجانية". بحسب فرانس برس.

ويأمل ان تتمكن شبكته من المستشفيات التي تضم راهنا ستة الاف سرير في 17 عيادة، من توفير 30 الف سرير في غضون خمس سنوات. ويختم قائلا "السياسات الحالية والاستراتيجيات التي لدينا (كعاملين في مجال الصحة في العالم) سيئة. ولو كانت جيدة لكنا تمكن من تغطية 90% من سكان العالم".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/كانون الثاني/2014 - 11/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م