مفتاح التغيير والاصنام الفكرية

في ملتقى النبأ الأسبوعي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: استضاف ملتقى النبأ الأسبوعي، الدكتور رشيد بن عيسى، الخبير الجزائري السابق في اليونسكو، في جلسة حوار مفتوحة على الكثير من قضايا السياسة والثقافة، وأيضا الذاكرة المشرعة على احداث وشخصيات عاصرها في الجزائر او خلال اقامته في فرنسا او تنقله في الكثير من بلدان العالم..

في الشأن السياسي لبلده الجزائر، يقدم رؤية ثاقبة لوضع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يراه عاجزا عن التصرف واتخاذ القرارات رغم تدهور حالته الصحية، ويعزو ذلك العجز الى وجود ما يسميه (الحزب الفرنسي) والذين يحيطون بالرئيس الجزائري ويتقلدون مناصب رفيعة في الدولة الجزائرية..

و(حزب فرنسا) تسمية مجازية لكن لواقع حال، فليس هناك من حزب رسمي تحت هذا المسمي في الجزائر، الا ان المنتمين لهذا الحزب والذين صنعتهم فرنسا من خلال تاريخها الاستعماري في الجزائر، والذين حملوا هذا الإرث الاستعماري، يدافعون عنه، تبعا لتشابك مصالحهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع المحتل الفرنسي حتى بعد رحيله، هؤلاء هم الحكام الفعليون الذين يمتلكون مقاليد الحكم ومفاتيحه في الجزائر..

وهو نفس الحزب الذي عمل على إزاحة الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين عن السلطة، والتي ترجح الكثير من الروايات اغتياله بواسطة السم، وحاولوا أيضا إزاحة المفكر الجزائري المعروف مالك بن نبي عن طريقهم، والذي يعتبر الدكتور رشيد احد تلامذته والذي رافقه لعشر سنوات من حياته..

لا يقتصر التأثير الفرنسي على الجزائر وحدها، بل هو يشمل الكثير من بلدان افريقيا التي كانت خاضعة لاحتلاله، وحتى بعد استقلال تلك البلدان استمرت علاقة التبعية والاستتباع..

يعرج رشيد بن عيسى على سنوات الاقتتال الأهلي في الجزائر، والتي عرفت ب (حرب العشرية السوداء) وهو الصراع المسلح الذي قام بين النظام الجزائري وفصائل متعددة تتبنى أفكار موالية للجبهة الإسلامية للإنقاذ والإسلام السياسي، منها الجماعة الإسلامية المسلحة والحركة الإسلامية المسلحة والجبهة الإسلامية للجهاد المسلح والجيش الإسلامي للإنقاذ وهو الجناح المسلح للجبهة الإسلامية للإنقاذ. بدأ الصراع في يناير عام 1992 عقب إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية لعام 1991 في الجزائر، والتي حققت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ فوزا مؤكدا مما حدا بالجيش الجزائري التدخل لالغاء الانتخابات التشريعية في البلاد مخافة من فوز الإسلاميين فيها، وهو يتفق مع الكثيرين من الكتاب والباحثين والشهود الذين يرون ان السلطات الجزائرية وخاصة مخابراتها هي من قامت بعمليات القتل والذبح لخلق صورة مرعبة للعدو الذي تحاربه في عقول الناس، وهم جماعات الإسلام السياسي التي فازت بالانتخابات.

يعيد رشيد بن عيسى ما حدث الى قدرة تلك الأجهزة القمعية على ما أسماه بصناعة الأكاذيب او الاساطير مثلما فعل اليهود مع اسطورة (الهولوكوست)، وبالتالي احاطة تلك الأسطورة بعوامل التقديس وموانع الاقتراب من إعادة النظر فيها، من خلال قوانين رادعة ولوبيات ضغط موجودة في كل المواقع.. ويذكر مثلا قريبا حول منع احد اشهر الكوميديين الفرنسيين من تقديم عروضه المسرحية بعد ان انتقد اليهود في عرض سابق.. وهو مدعاة للسخرية في بلد مثل فرنسا ترفع شعار الحريات والديمقراطية وحقوق الانسان..

في حديثه يذكّر بمحاكمة الفيلسوف الفرنسي (روجيه غارودي) وكان صديقا له، والذي حوكم بتهمة (معاداة السامية) والتي يعرفها باننا (منع إعادة النظر في الهولوكوست)، ويراه اسطورة اسستها السياسة الإسرائيلية لابتزاز العالم من خلال وخز الضمير او تأنيبه..

في حديثه عن اللغات العالمية المعروفة، وهو الذي يجيد اكثر من ثماني لغات منها، يعتبر اللغة العربية هي اللغة الام لكل لغات العالم ويسميها باللغة القديمة، والتي كانت لغة رسمية حتى لفارس قبل ميلاد السيد المسيح بثلاثة قرون.

وعن سهولة اللغة العربية يذكر موقفا في زيارته لليابان ولقائه بأحد الأصدقاء اليابانيين حيث قال له: استطيع ان اعلمك اللغة العربية بخمس دقائق.. كم ستحتاج لتعليمي اللغة اليابانية؟.

والتي يتعلم الطفل الياباني وحتى المرحلة الثالثة من تعليمه الابتدائي، مائتان وخمسون كلمة فقط وذلك لصعوبتها البالغة وكثرة تشعبات الأفعال والاشتقاقات فيها..

يسأله الشيخ مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ عن رايه بمحمد اركون، والذي يعتبره الحداثيون العرب استاذهم ومعلمهم.. يسميه سعيد بن رشيد ب(المؤلفة جيوبهم) والذي ارتضى ان يكون صدى لكل ما هو مستعار من ثقافة الغرب..

فـ (أركون والحديث) لبن رشيد، هو العملة المزورة لكل المرجعيات الفرنسية التي نشأ المصطلح الحداثوي في بيئتها. وهو تزوير فاضح يكتشفه كل من يجيد الفرنسية، وقراءة حداثتها بلغتها.. لكن اركون صدق انه مفكر إسلامي يريد تصحيح الإسلام من داخله كما يدعي في اطروحاته، وهو الذي تعلم في مدارس الارساليات المسيحية التبشيرية، ولم يزر مسجدا لاكثر من عشرين عاما، وهي ملاحظة يذكرها على لسانه، وقد اثارت سخرية عدد من الجزائريين حين التقى بهم اركون في احد مساجد فرنسا..

يسخر سعيد بن رشيد من الضجة التي رافقت طرح شعار (حوار الحضارات) وهو الحوار الذي دعت اليه الكثير من النخب والفاعليات العربية والمسلمة.. ووجه السخرية كما يشرح، اننا لا نمتلك حضارة فاعلة في وقتنا الراهن، نعم ، كنا نمتلك ذلك في ماض بعيد.. لكننا في الحاضر والمستقبل امام حضارة واحدة نستعير منها كل شيء ولا نقدم بالمقابل أي شيء...

عن المجتمعات الغربية يرى ضيف الملتقى، انها تعيش مساحة واسعة من الفراغ، فراغ الايمان والتعطش له، وهي مجتمعات تملك كل شيء الا هذا الايمان بفكرة سامية متعالية، تعوض عن فقدانها بواقع القوة والتي لا تمتلك غيرها..

لهذا نجد تقبلا للاسلام في تلك المجتمعات، واهتماما بجلال الدين الرومي المتصوف الإيراني المعروف..

الفراغ والبحث عن ايمان تجده حتى في السياسة، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لايتردد من التصريح بانه حام للارثوذكسية امام رؤساء الغرب الذين ليس لديهم ما يحمونه.. ويذكر أيضا إشارة بابا الفاتيكان في احدى عظاته الأخيرة للرب الأعلى او العالمي، وهي المرة الأولى التي يشير فيها البابا الى مثل هذه الفكرة.. وقبله بوش الابن وتنفيذه لسياسات اليمين المسيحي المتصهين، والذي له قاعدة واسعة من المؤمنين يبلغ عددهم حوالي السبعمائة مليون نسمة، والذين يؤمنون بنهاية العالم عبر صراعهم في المعركة الأخيرة مع الإسلام والمسلمين وهو مايسمى ب (هرمجديون)..

من واقع عمله في المنظمات الدولية لسنوات عديدة، يعتقد الدكتور سعيد بن رشيد، بان تلك المنظمات بكافة اهتماماتها تخضع للسياسة وتجاذباتها، والتي تميل دائما في كفتها لصالح الأقوياء في عالم اليوم..

في جميع حديث الضيف الجزائري عن الإسلام والمسلمين وعن الغرب وثقافته، تلمس هذا الحضور الطاغي، لاسم مالك بن نبي وافكاره التي نادى بها من اجل تخليص المسلمين من واقعهم..

فمشكلات المسلمين هي مشكلات الأفكار، والتي تجاذبتهم ذات اليمين وذات الشمال، بحثا عن وعد بالخلاص، الذي هو اقرب ما يكون بايديهم، لكنهم لا يرونه ولا يشعرون به..

هذا الوعد هو ما يسميه الضيف ب (المفتاح) الموجود لدينا وهو الإسلام بجميع ما حث عليه ونادى به من قيم ومبادئ الهية سامية، ضلّ المسلمون في طرق الوصول اليها، مأخوذين تارة بافكار (المؤلفة جيوبهم) او تحريض (وعاظ السلاطين) او (دعاة الفتنة) بين الشيعة والسنة، الذين يؤسسون اساطيرهم في عقول الأعراب الذين لا مكان لهم من الإعراب في عالم اليوم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/كانون الثاني/2014 - 11/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م