مشاريع التغيير ومشكلة حرق المراحل..

البحرين والسعودية مثالاً

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: من يقرأ هذا المقال، وهو جالس في العراق، ربما لا يعد نفسه معنياً به، فقد تحقق التغيير السياسي وحصلت الأكثرية الشيعية على ما كانت تنشده خلال عقود طويلة من الزمن، وهو صناعة القرار، وذلك في ظل نظام سياسي له صمام أمان من الديكتاتورية اسمه "الديمقراطية". بيد إن الجالس في البحرين والسعودية، فالحقيقة انه يقف على صفيح ساخن، حيث كل استحقاقات التغيير متوفرة، إلا الآليات والتطبيق على الأرض. ولا فرق في كون الشيعة في البحرين أكثرية، وفي السعودية أقلية، فمسيرة التغيير في هذين البلدين تعترضها عقبات كأداء، جزء منها يتعلق بالنظام الحاكم والمنظومة الاقليمية والدولية المحيطة به، والجزء الآخر يتعلق بالوضع الداخلي.

 بالنسبة لما يتعلق بالعامل الخارجي، لا شأن لنا به، فمن غير المعقول أن نناقش الاسباب التي تدعو لعدم مساندة العواصم الغربية المعنية لمسألة التغيير في الخليج.

أما ما يتعلق بالداخل الخليجي وما نحن بصدده، فنجد من الضرورة بمكان البحث في أفضل الطرق واكثرها نجاحاً وتحقيقاً للهدف المنشود، ثم الاستفادة من التجارب الموجودة في غير ساحة قريبة من الخليج.

لقد كتب الكثير عن التغيير السياسي الذي شهدته البلاد العربية بما يسمى بـ "الربيع العربي"، وناقشوا فيها أسباب عدم توصل الجماهير العربية الى اهدافها المنشودة، وما كانت تطمح اليه خلال حقبة الديكتاتورية، حيث الكبت والقمع ومصادرة الحريات.

ومن الآراء المطروحة؛ بروز نزعة "حرق المراحل" لدى الثوار وأهل التغيير في هذه البلدان. ففي الوقت كان من المفترض ان ينطلق التغيير من قواعد رصينة وجذور ثقافية وحضارية، اختصروا الطريق نحو قصر الرئاسة أو كرسي الحكم، واستهدفوا شخص الحاكم، فكانت شعارات "الشعب يريد إسقاط النظام"، وهو كناية من الجماهير الى الشخص الحاكم، الذي يمثل النظام الحاكم برمته. وعندما صار الهمّ سياسياً، فان "التسييس" صبغ التصرفات والمواقف من البديل القادم، فبدلاً من أن يكون الحديث عن البناء الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، توجه الحديث، بل والصراع على السلطة والحكم. ورغم أن الكثير توسموا خيراً بمسار التغيير في مصر وتونس على وجه التحديد، كون المتصدين كانوا من الاسلاميين، ولهم باع في التنظير ورسم خارطة طريق التغيير منذ عقود من الزمن، بيد ان المحصلة النهائية كانت المضي في غير الطريق المرسوم على الخارطة، حيث عمت مصر وتونس حالة الكراهية والتمييز، ويمكن الاشارة الى حادثة استشهاد الشيخ حسن شحاتة بطريقة مفجعة على يد متطرفين مصريين.

المشكلة في هذين البلدين، وايضاً في كل من ليبيا واليمن، أن الاستحقاق السياسي في عملية التغيير تغلّب على الاستحقاق الثقافي، بمعنى أن المثقف، بعناوينه المتعددة، كأن يكون كاتباً أو اعلامياً او مفكراً او عالم دين أو وأو أكاديمي، سيتلون بلون التوجهات والميول السياسية، ويغضّ الطرف عن كل الطروحات الثقافية والفكرية والبرامج التي ضمتها الكتب والكراسات خلال سنوات النضال والعمل التنظيمي، العلني منه والسري.

وربما من أهم دعائم هذه الطروحات والافكار، أن تعيش المجتمعات السلم والاستقرار والتعايش. فاذا كنّا نلاحظ هذه السمة في الحالة الاجتماعية في ظل الديكتاتوريات العربية، إذ لا وجود للتمييز الطائفي او القومي او العرقي، فمن الأجدر أن تكون الجماعات الاسلامية الممثلة لضمير الشعب وهويته، أن تكون الاقرب الى تحقيق هذا الهدف.

بينما الملاحظ أن الشعوب كانت تعيش هذا الجو، بسبب حاجة الحاكم الأوحد الى الاستقرار الأمني لئلا تتسبب الاضطرابات الاجتماعية باهتزاز في كرسي الحكم، وفي المرحلة الراهنة ، وقد ضحت الشعوب العربية من أجل التغيير، إلا انها لم تر تحقيق الاهداف السياسية بشكله الصحيح، وفي الوقت نفسه سقطت في مستنقع الاضطرابات الطائفية والاجتماعية والسياسية. والنتيجة افتقاد شعوب "الربيع العربي" للاستقرار والوئام.

وبنظرة خاطفة على المعطيات السياسية والاجتماعية في كل من البحرين والسعودية، نجد أن كل الاستحقاقات تشير الى ضرورة التغيير السياسي في أنظمة حكم قبلية وعائلية تتشبث بنمط فاسد للحكم، حتى وإن كان بثمن أرواح ومصائر الناس. لكن هل هذا بالضرورة يعد الطريق الذي يجب ان تسلكه الجماهير وقادتها، كما لو أنهم ينتظرون اللحظة المناسبة لسقوط الحكام الذين مضى تاريخ صلاحيتهم؟

المراقبون والمهتمون بأمر التغيير في المنطقة، يعولون كثيراً على نجاح التجربة في كل من السعودية والبحرين، كونهما يمثلان ساحة بِكْر – إن صح التعبير- لم تقع الواقعة ويحصل التغيير الكبير بعد، وحتى الآن من الناحية الواقعية، تشير منظمات انسانية وأطراف دولية على استحقاق التغيير في البلدين، وأن هنالك قمع وتمييز وعدم احترام لحقوق الانسان، بشكل أو بآخر. والأهم من هذا، عدم وجود أي ملاحظة أو نقطة سلبية على المعارضة، الامر الذي يجب الاستفادة منه بأفضل ما يكون في تحديد مسار التغيير الشامل بما يضمن الاستقرار و الامن ، ولا يدفع البلاد الى ما انزلقت اليه بلاد أخرى، وأن يكون التغيير وفق قواعد رصينة ومتجذرة تكسب التأييد الداخلي والخارجي، ومثالنا في ذلك الثورة الايرانية، التي انطلقت داخلياً، ومن عمق المجتمع الايراني، فبلغ صداها الآفاق، وفرضت نفسها على العالم، فكسبت التأييد من جميع دول العالم، حتى الولايات المتحدة، مع علم العواصم الغربية آنذاك بهوية التغيير في ايران ومن كان يقود هذا التغيير.

ولكن لنلاحظ التجربة العراقية، ففي الوقت الذي كان يفترض ان يكون التغيير داخلياً، نظراً لخزين المعارضة والرفض والصدام طيلة عقود من الزمن، إلا ان التغيير جاء من الخارج جاهزاً، ومن أهم وأبرز سلبيات هذا التغيير إهمال قضايا اساسية في الجانب الثقافي لصالح قضايا سياسية مثل المشاركة في الانتخابات، بينما أهملت نزعة العنف والقسوة المتفشية في شرائح من المجتمع العراقي. وعندما تكون المصلحة السياسية هي الأهم، فان هذه القسوة الميل الى العنف والعدوانية، يمثل سلاحاً جاهزاً بيد الجماعات السياسية ذات التوجهات الطائفية والأيديولوجية، والنتيجة كما نراها اليوم.

من هنا؛ هناك اعتقاد واسع لدى المتابعين بأن البحرين والسعودية بإمكانهما تحقيق أفضل النتائج والاهداف عندما يكون المسير نحو التماسك الاجتماعي والتغيير الثقافي، واستبدال ظواهر من قبيل العنف والتمييز والكراهية لدى بعض الناس في المجتمع هناك، الى استبصار بحقيقة التعايش وضرورتها، كونها الوسيلة الفضلى للعبور الى مرحلة التغيير الشامل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 12/كانون الثاني/2014 - 10/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م