تداعيات اللهجة الأمريكية غير المؤكدة في الشرق الأوسط

جيمس جيفري

 

تمر العراق [حاليا] في مأزق حاسم. فقد أدى تهديد تنظيم «القاعدة» - الذي يتمكن من العمل كقوة عسكرية شبه تقليدية - إلى الاستيلاء على أجزاء كبيرة من غرب العراق، بما فيها أجزاء من الرمادي والفلوجة، وهما اثنتان من المدن الرئيسية في محافظة الأنبار. وفي حين أن الحرب الجامحة في سوريا المجاورة هي السبب الرئيسي لنمو «القاعدة» في العراق - فصيل يطلق على نفسه اسم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - إلا أن الإجراءات الحاقدة التي تتبعها حكومة المالكي تجاه العرب السنة قد ساهمت في ذلك.

وفي الأيام الأخيرة، أسفرت تقارير إخبارية عن تعاون قبائل سنية في الأنبار بصورة غير منتظمة مع حكومة بغداد ضد تنظيم «القاعدة»، وأدت إلى تسريع وتيرة المساعدات العسكرية والمخابرات الأمريكية، إلى إعطاء أسباب للأمل. ولكن بعد ذلك جاء المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يوم الأحد. وعلى الرغم من أن الوزير تحدث عن المخاطر الناجمة عن إحراز تنظيم «القاعدة» تقدم في العراق والتدابير المضادة التي تتخذها الولايات المتحدة، إلا أنه قال ما لا يقل عن أربع مرات أن هذه المعركة لا تخص الولايات المتحدة بل العراقيين. إن هذا التصريح، إلى جانب الحرمان الفوري للاقتراح الذي لا يطرحه أحد - بأن الولايات المتحدة تنشر قوات على الأرض - يضعف جميع الالتزامات الجيدة التي تعهد بها الوزير.

ويقيناً إن كلمات وزير الخارجية الأمريكي لم تكن مطَمْئنة جداً لا لرجال القبائل السنية التي تأمل الولايات المتحدة أن يقاتلوا قوات «القاعدة» المتشددة، ولا حتى لحكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، شريك واشنطن، على الرغم من جميع النواقص التي تعتريه. ويملك العراق مئات الآلاف من الجنود، المسلحين بسخاء من قبل الولايات المتحدة، وبعضهم مدربين تدريباً جيداً وذوي خبرة في القتال. ولكنهم لا يحتاجون فقط  إلى "المضاعفات" - أي المزيد من الطائرات بدون طيار وصواريخ جو أرض دقيقة واستخبارات وبعض التدريبات العلاجية في عمليات مكافحة الإرهاب والتنسيق - الأمريكية التي ألمح الوزير بأنه سيتم إرسالها، ولكنهم بحاجة أيضاً إلى الدعم المعنوي. والسؤال هو كيف سيرد المالكي، الشيعي، لتحذيرات الولايات المتحدة بأن يتّبع مساراً مختلفاً مع العراقيين العرب السنة إذا بذلت واشنطن جهداً للتأكيد على أن هذه هي معركته، وليست معركتها؟

ومن ناحية السياسة الواقعية البحتة، إن هذه هي معركة واشنطن. فمن الواضح أن عدم الاستقرار في العراق مع اجتياح تنظيم «القاعدة» للمنطقة الغربية هي ليست في مصلحة الولايات المتحدة إذا أرادت واشنطن قيام شرق أوسط هادئ ووطن آمن. ولا إذا كانت تأمل أن ترى العراق يقوم بمسؤولياته بصورة فعالة من خلال تصدير 6 ملايين برميل من النفط يومياً كما تقدر "وكالة الطاقة الدولية" بأن بإمكان العراق أن يوفرها للأسواق العالمية بحلول عام 2020.

وكما هو الحال في كثير من الأحيان في منطقة الشرق الأوسط، تتخذ إدارة أوباما الإجراءات الصحيحة. ولكن، كما يحدث غالباً في هذه المنطقة أيضاً، تتكلم الإدارة الأمريكية بلهجة تكتنفها الغموض، وعلى ما يبدو أنها تشير للجميع بأن أهم أولوياتها هو عدم انخراط الولايات المتحدة في أي نوع من الاشتباك العسكري - حيث أنها لا تريد فقط تجنب مواجهة فيتنام جديدة بل حتى شن غارة جديدة باستعمال صواريخ كروز، أو وجود عسكري صغير ومستمر في أفغانستان، أو إيفاد بضع عشرات من الخبراء الأمريكيين لمكافحة الإرهاب من القوات النظامية لتقديم المشورة للعراقيين حول كيفية القضاء على تنظيم «القاعدة» في الفلوجة. وكانت النتيجة انهيار غير عادي لمصداقية الولايات المتحدة في المنطقة على الرغم من العديد من الخطوات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية والتي تستحق الثناء.

ومن أجل التحلي بالإنصاف، فإن المشكلة الأساسية - تركيز حصري على الجوانب السياسية ووسائل الإعلام المحلية تجاه أي تحرك في السياسة الخارجية - ليست فريدة من نوعها لهذه الإدارة. ففي هذه الحالة وفي حالات أخرى مؤخراً - مثل التناقض الذي جاء في خطاب الرئيس الأمريكي في أيلول/سبتمبر حول سوريا ودور الولايات المتحدة التاريخي في الأمن العالمي، وتعبيره عن قلقه، في مقابلة في شهر حزيران/يونيو الماضي، عن منحدر زلق إذا ما قررت الولايات المتحدة القيام بعمل عسكري في سوريا - يبدو أن الهدف هو تحصين الإدارة الأمريكية من الانتقادات التي تقول بأنها "لم تنهي المهمة" ضد عدو معين أو أنها تتحرك في الاتجاه المعاكس لسياستها المتمثلة بـ "إنهاء حروب أمريكا." وكما كان عليه الحال مع الإدارات السابقة، إن الشيء الذي يفتقر إليه هذا التركيز هو التعاطف مع التأثير الناجم عما تقوله الولايات المتحدة إلى الأجانب - حلفاء واشنطن وشركائها وخصومها في جميع أنحاء العالم. فهم أيضاً جمهور، والحلفاء والشركاء "يسحبون أرجلهم"، بدءاً من رفضهم قبول مقاعد في مجلس الأمن الدولي إلى انتقاداتهم لسياسات الولايات المتحدة في مؤتمرات صحفية في تل أبيب. وسوف تستمر الفوضى في تهديد الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأماكن أخرى إلى أن يتغير هذا التركيز.

* جيمس جيفري هو زميل زائر مميز في معهد واشنطن. وقد شغل منصب سفير الولايات المتحدة في العراق خلال إدارة أوباما

http://www.washingtoninstitute.org/

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 11/كانون الثاني/2014 - 9/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م