ما مستقبل البحرين والمنطقة في المرحلة الأخطر؟

علي ال غراش

 

في عام 2014 م. سيشهد الوضع في المنطقة العربية وبالخصوص في الخليج حراكا سياسيا يدار من قبل الدول المؤثرة التي تسعى لحل الازمات القائمة ومنها الأزمة في البحرين والتي تعتبر المحطة الأسخن حاليا ولا سيّما بعد الاتفاق بين الدول ذات النفوذ كالدول الغربية وخصوصا (أمريكا) وايران على حل الملفات العالقة بينهما، وبعد التوافق المبرم حول الملف النووي الايراني، والازمات المشتعلة في المنطقة ومنها الأزمة السورية، والتي شهدت تطورات كبيرة لافتة بعد موافقة القوى السورية على الحضور المكثف في جنيف 2.

المشهد السياسي في دول الخليج شهد حضورا وتطورات مثيرة، خلال شهر ديسمبر 2013م. حيث برزت الخلافات بين دول الخليج إلى العلن مباشرة، وأصبحت حديث الساعة، إذ فجر وزير خارجية عمان مفاجأة من العيار الثقيل، عبر التصريح عن رفض سلطنة عمان الدخول في الاتحاد الخليجي المزعم الاعلان عنه في قمة مجلس التعاون، ورفضها للعملة الخليجية الموحدة، والتلويح بالانسحاب من دول المجلس، وقد قبل ذلك الاعلان العماني الصريح - أكثر دول الخليج تحفظا وصمتا والبعد عن التدخل في شؤون الاخرين - من قبل السعودية الدولة الأكبر والوصي على دول الخليج بردة فعل قوية، حيث شن الاعلام السعودي حملة ضد عمان، وشاركه في ذلك أصغر الدول الخليجية البحرين في ذلك، إذ إن حكومة البحرين أكثر الدول حماسا ودعما وتشجيعا وتأييدا للاتحاد الخليجي، بسبب الظروف والتحديات التي يواجهها النظام البحريني، وعجزه على مواجهة الثورة الشعبية البحرينية التي انطلقت في 14 فبراير 2011م.

تبرز البحرين حاليا في واجهة الأحداث، وقد ظهر النظام البحريني في أضعف حالته حاليا، في ظل رغبته الجامحة بالاتحاد مع دول الخليج، أو بشكل ثنائي، للحصول على الدعم الكامل، والخروج من الحرج الدولي عبر استعانته بجيوش وقوات عسكرية خارجية (كالجيش السعودي) للدفاع عن نظامه من حراك شعبه الثائر ضده!!.

البحرين تشهد صراع إرادات بين السلطة الحاكمة والمعارضة، إذ يقوم النظام الحاكم بفرض قوته عبر اجهزته الأمنية وشن حملات واسعة من الاعتقالات في صفوف النشطاء والتعذيب كما اشارت المؤسسات الحقوقية، إضافة إلى حملات التخويف والترهيب والترغيب، وسياسة الحرب الاعلامية، واستدعاء سفرائه في العالم وتوجيههم لمواجهة الحملات الدولية ضد نظامه، وإقامة مؤتمرات للحوار، والاستماتة لإقامة فعاليات سياسية أو رياضية أو فنية وغيرها على أرض البحرين لتلميع صورته،.. لاسيما بعد الانتقادات اللاذعة والتي وجهتها المؤسسات والهيئات الدولية حول سجل حقوق الإنسان في البحرين وتحميل نظام البحرين المسؤولية كاملة.

كل هذه الأمور أحرجت الدول الغربية الصامتة حول نظام البحرين طوال الفترة الماضية، إذ كل ما فعلته الدول الغربية هو محاولات نصح النظام لتقديم التنازلات لإنقاذ نفسه، ونتيجة عدم نجاح النظام في إيجاد الحلول، تم تدويل الملف البحريني و تحولت البحرين إلى قضية بيد الدول القوية للمساومة عليها بحسب مصالحها، وهذه حقيقة واضحة وبينة يعلم بها معظم المهتمين والمتابعين للشأن البحريني والمنطقة.

النظام البحريني يحاول فرض إرادته على الشعب بالقوة الأمنية والمال، ومع اقتراب تدخل الدول الكبرى للضغط عليه - أي النظام - من جهة وعلى القوى السياسية البحرينية المعارضة من جهة اخرى، بقي النظام متمسكا بخيار فرض قوته العسكرية والأمنية على الأرض، ليجعل من ذلك ورقة للمساومة، مستخدما عدة أدوات في ذلك منها أعتقال أكبر عدد من المعتقلين والملاحقات كإصراره على ابقاء النشطاء الحقوقيين في السجون مثل: الحقوقي البارز على المستوى الدولي عبدالهادي الخواجة (المحكوم بالمؤبد)، والناشط الحقوقي نبيل رجب ( رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان، ويعتبر المدير الاقليمي لمنظمة فرونت لاين في منطقة الشرق الاوسط)، كما تم مؤخرا اعتقال حسين جواد (رئيس الجمعية البحرينية الاوربية لحقوق الانسان)، وهذا الأخير يقبع والده في سجون نظام ال خليفة منذ أكثر من عامين، ومازال صامدا رغم كبر سنه، إضافة إلى سجن مهدي ابوذيب (رئيس نقابة المعلمين)، والطبيب المشهور غسان ضيف وغيرهم من العلماء والنشطاء والثوار.

وإستمرار سلطة البحرين حكومة البحرين في اعتقال قادة التيارات السياسية للمانعة، منهم الأستاذ حسن مشيمع أمين عام "حركة حق" حركة اسلامية وطنية، والدكتور ابراهيم شريف رئيس جمعية "وعد" العلمانية، و الاستاذ عبدالوهاب حسين أمين عام تيار "الوفاء الاسلامي"، والشيخ محمد علي المحفوظ أمين عام جمعية "أمل" وأبرز قيادات التيار الرسالي، إضافة إلى الدكتور عبدالجليل السنكيس، والشيخ عبدالجليل المقداد، ومحمد حبيب المقداد، وعبدالهادي المخوضر، وسعيد النوري، وميرزا المحروس، ومحمد حسن محمد جواد، وصلاح الخواجة، وغيرهم من القادة والرموز الذين مازالوا يقضون احكاما بالاعدام و بالسجن المؤبد وفترات طويلة، إضافة إلى اعتقال وتعذيب وسجن العديد من حرائر البحرين الشريفات مثل زينب الخواجة، نفيسة العصفور، وريحانة الموسوي، وغيرهن ممن تعرضن للتعذيب والانتهاكات، حسب ما وكالات الانباء والمؤسسات الدولية الحقوقية.

والاعتداءات على النساء كما حدث لوالدة المعتقل المحكوم بـ عشر سنوات (ام قيس) من قبل رجال السلطة، والتي أدت إلى اعلان الزعيم البحريني آية الله الشيخ عيسى قاسم مجدددا دعوته للدفع عن الأعراض والدماء حتى لو بالأرواح، وعبر عن موقفه الرافض بقوله: "المؤمن تهون عليه نفسه عندما يتعرض عرضه وشرفه ودينه للاعتداء". وأدى ذلك الى أعطى دفعة جديدة للشعب بالحراك والثورة أكثر وأكثر، وهذا ما أغضب سلطة البحرين ال خليفية ودفعهم لإتهام الشيخ قاسم بالتحريض. واخر مسلسل تلك الملاحقات الأمنية كانت لـلأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الاسلامي الشيخ علي سلمان، ومنعه من السفر بحجة التحريض، مما يعني إن النظام أصيب بالعمى وفقدان البوصلة وإعتقال كل من لا يخضع له.

ومع تطور الأحداث في البحرين وعلى الساحة الدولية، أشارت أخبار عن تشكيل تحالف جديد لقوى الممانعة وهي: حركة حق، تيار الوفاء، تيار العمل الرسالي، حركة خلاص، حركة البحرين، اٍتلاف 14 فبراير. وذلك في إشارة من قبل هذا التيار " الممانعة" على تأكيد حضوره وتأثيره على مجريات الأحداث في الساحة البحرينية، ومواصلة الحراك ضد النظام الحاكم في البحرين، وتسجيل موقفا يقوي من أوراقها في التسوية القادمة.

تيار " الممانعة" ارتفعت اسهمه في الساحة البحرينية، بعد قيام نظام ال خليفة بأعتقال والتحقيق مع الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامي الشيخ علي سلمان، مما يعني خسارة النظام أقوى الأصوات لبعض الجمعيات الأساسية البحرينية ومنها جمعية الوفاق التي تعمل جاهدة للدخول في حوار جدي مع النظام في محاولة للبحث عن حلول توافقية مقبولة من قبل الدول الغربية و مقبولة من ايران وقد يتقبلها النظام السعودي، وهذه الجمعيات ستعمل على تهيئة الأرضية للدخول في الانتخابات القادمة 2014م. حيث عرضت الوفاق في بيان صدر 2 ديسمبر عن مبادرة لتحريك الحوار لخروج البلاد من الأزمة عبر خارطة طريق واضحة ومجدولة، على أن يبادر النظام بالإفراج عن المعتقلين ووقف التحريض الإعلامي والتصعيد الأمني.

النظام البحريني يدرك مدى حساسية الموقف وخطورة وضعه، والتغيرات التي تشهدها المنطقة، عبر الاتفاق الامريكي الغربي مع ايران، واهتزاز مجلس التعاون الخليجي ورفض عمان لفكرة الاتحاد الخليجي، والتهديد بالانسحاب، بينما السعودية الدولة - التي تعتمد عليها حكومة البحرين في الصمود عبر المساعدات المالية والدعم السياسي والحماية العسكرية - تعاني من ازمات سياسة داخلية وخارجية بعد الفشل الذريع في سوريا، والتهميش الامريكي للدور السعودي، ولهذا النظام البحريني، في موقف صعب كما يرى المتابعون والمحللون، الذين يرون ضرورة أن يقوم النظام البحريني بالاسراع لتحقيق مطالب الشعب البحريني، وأن تكون هناك إرادة حقيقة للتغيير بعد فشل سياسة الترويج الإعلامي للحوار الوطني العقيم، والأساليب البوليسية، لتحقيق مكاسب على الأرض لفرض قوته في الحوار والتفاوض، وتقديمه حلول عبر الإفراج عن المعتقلين وإيقاف الالة البوليسية.

البحرين أمام تحديات كبيرة والنظام هو الأضعف والشعب هو القوة الأقوى المؤثرة على الأرض، ومن المهم الان أن يعرف الشعب البحراني، انه يعيش في زمن الثورات وصعود نجم إرادة الشعوب، فالشعوب في هذه المرحلة هي الأقوى، ولهذا عليه أن يستثمر هذه المرحلة لفرض إراته، والمطلوب أن يعمل الجميع لانقاذ البلد عبر حل سياسي الكل يخضع لإرادة الأمة البحرينية، واختيار النظام لتحكم الأكثرية عبر التصويت، ومعاقبة من قاموا بانتهاكات ضد الإنسانية الفترة الماضية، وإعادة الحق إلى أهله.

شعب البحرين من أكثر شعوب المنطقة العربية حراكا، إذ يقوم بثورة شعبية كل عقد من الزمن، وهو مع الدولة الوطنية وعاشق للعدالة والديمقراطية والحرية والقانون والنظام وحب العلم والتطور والبناء والإعمار ورفض الظلم والدكتاتورية والاستبداد، ولهذا يستحق أن يحصل على تغيير حقيقي يساوي التضحيات الكبرى، والدعم من الشعوب الأخرى وبالخصوص العربية.

 ويرى المتابعون لتطورات البحرين ان على الشعب البحريني ان يكون واعيا بما يدور، وأن يستفيد من تجاربه السابقة في حراكه مع النظام، ومن تجارب الشعوب في مقاومة الظلم والاستبداد، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين". كمال قال نبينا الرسول الاعظم (ص)؛ ويقول بعض الحكماء: "من جرب المجرب حلت به الندامة" وللشعب البحريني تجارب في الثورة والتضحية، وتجارب بالاتفاق مع النظام.

ولهذا بعض التيارات البحرينية تتسأل لماذا الإصرار على تكرار التجارب السابقة؟!.

كما على الحكومة البحرينية، إدراك ان العالم تغير والشعوب في المنطقة تغيرت، وقد حان الوقت للتغيير بما يريد الشعب، ولهذا لابد من المبادرة الوطنية للاستماع وتفهم مطالب الشعب قبل فوات الاوان، والاستفادة من تجارب الأنظمة التي سقطت في تونس ومصر وليبيا واليمن.. التي أعلنت في نهاية المطاف عن تفهمها لمطالب الشعب، ولكن متى...؟.

الجمعيات السياسية البحرينية تتعرض لضغوط كبيرة من جهات عديدة للتفاوض مع النظام، وسيكون هناك ضغوط هائلة على النظام لتقديم تنازلات حقيقية، والضغوط ستزداد لفرض الحل السياسي كما سيحدث في سوريا.

هل سيتمكن الشعب البحريني في زمن ثورات الشعوب، والاهتمام الدولي بالقضية البحرينية، من تحقيق أهدافه وإرادته بالتغيير، لبناء وطن لكافة المواطنين، وطن قائم على العدالة والقانون والنظام والحرية والديمقراطية، وهل سيبادر النظام بتقديم التنازلات لتكون البحرين انموذجا في المنطقة؛ أمَ سيحدث العكس وستتحول البحرين إلى ساحة صراع وتجاذب لقوى الكبار في المنطقة والعالم، وبؤرة غير مستقرة في المنطقة وتهدد الدول والشعوب..، وهذا ما لا نريده ولا يريده اي محب للبحرين وشعبه وللعدالة والحرية والسلام؟.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9/كانون الثاني/2014 - 7/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م