هل الجدال حول إيران سيؤدي إلى حدوث انشقاق بين إسرائيل والولايات المتحدة؟

روبرت ساتلوف

 

تبدأ إسرائيل عام 2014 بمواجهة لحظة ديكنزية حقاً [تلك التي وصفها الروائي الانكليزي تشارلز ديكنز بأنها] - تتمتع بأفضل الأوقات بينما تحدق وترى أنها في أسوأ الأوقات.

وبما أن الحمض النووي اليهودي يميل إلى إبراز الجانب السلبي، دعونا نركز أولاً على الجانب الإيجابي وهو: المرونة المدهشة التي أظهرتها إسرائيل في ظل المحنة الاقتصادية العالمية والهدوء الملحوظ الذي واجهت فيه إسرائيل الفوضى الإقليمية التي تحوم حولها.

أولاً، الاقتصاد: إذا شملت ذكرياتك المبكرة عن إسرائيل، كذكرياتي، رحلات متذمرة للمصارف التي تحاكي في منظومتها الطراز السوفيتي لشراء ما يكفي من عملة الشيقل لاجتياز الليل، خوفاً من أن يفقد الاستثمار نصف قيمته قبل شروق الشمس، فمن المذهل أن نفكر بأن لدى إسرائيل اليوم إحدى أقوى العملات في العالم. وهذا هو انعكاس للمعجزة الاقتصادية في إسرائيل. وفي هذا الصدد، كان سفير إسرائيل السابق لدى الولايات المتحدة مايكل أورين مولعاً بالإشارة إلى أن هذه المعجزة تمتد لتشمل مفاخر وإنجازات من نوع الوقاحة التكنولوجية وريادة الأعمال كتصدير النبيذ إلى فرنسا والكافيار إلى روسيا. وفي الصيف الماضي، تبوأت إسرائيل أعلى مكانة ثقافية في الحضارة الغربية عندما تم اختيار نوع من أكلة الحمص المطحون ذو علامة تجارية إسرائيلية كغمس رسمي لـ "الرابطة الوطنية الأمريكية لكرة القدم".

ثانياً، الاستقرار: لم تخلص إسرائيل كلية من احتجاجات الشوارع التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط والكثير من بقية دول العالم خلال العامين الماضيين. فقد أقام عشرات الآلاف من الناس خيم في مدن إسرائيلية أيضاً. ولكن هناك فرقاً حقيقياً وهو أن الاحتجاجات التي اندلعت في القاهرة وحلب وتونس وكييف حول القضايا الأساسية المتعلقة بالحياة والموت والحرية، وقعت في إسرائيل حول أسعار العقارات والتكلفة العالية للجبنة البيضاء الطرية.

وفي الواقع، وعلى نفس القدر من الأهمية التي يشكلها الجدار الأمني الحاجز الذي شيدته إسرائيل للمساعدة على منع الهجمات الإرهابية، يبدو أن لديها نوعاً من الجدار السياسي الحاجز ضد عدم اليقين من الخارج. وعلى الرغم من أن الفوضى قد أصبحت الطبيعة الجديدة في أكبر دولتين على حدود إسرائيل هما مصر وسوريا، إلا أنها لم تؤثر على الاستقرار في الأراضي التي هي "تقريباً خارج" إسرائيل - الدائرة المقربة من إسرائيل، أي الضفة الغربية والأردن. وحتى أنه ينبغي على المشككين المتصلبين أن يلاحظوا أن احتمالات تحقيق تقدم في المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين هي اليوم أكبر من أي وقت مضى خلال عقد من الزمن، على الرغم من أن العقبات التي تحول دون تحقيق انفراجة حقيقية ما زالت متأصلة. وهناك العديد من السيناريوهات التي يمكن أن تتحول فيها، بطبيعة الحال، هذه الصورة الوردية نسبياً إلى ظلام، ولكن ذلك لم يحدث بعد. وهذا الهدوء لافتاً للنظر في قلب عاصفة الشرق الأوسط.

وإذاً، الخبر السار هو جيد حقاً. ومع ذلك، فالخبر السيئ، هو حقاً حقاً سيئ - على الأقل، يمكن أن يكون سيئاً. وكل ذلك يتعلق في النهاية بايران وأمريكا.

ويقول المدافعون عن الاتفاق النووي المعروف بـ  "الخطوة الأولى" - الذي تم التوصل إليه بين إيران وتحالف مكون من دول بقيادة الولايات المتحدة - بأنه أوقف عقارب الساعة المتعلقة بالتقدم النووي الإيراني من أجل إعطاء فرصة للدبلوماسية لكي تحد من البرنامج بصورة تامة، وبالتالي تحرّم إيران من القدرة على أن تصبح دولة على عتبة إنتاج سلاح نووي. ويقول منتقدو الاتفاق أن إدارة أوباما قد أهدرت أقصى ضغط  لديها مقابل حصولها على أدنى نتيجة، الأمر الذي ترك التحالف الدولي يتمتع بنفوذ أقل لفرض اتفاق شامل، يغلق الباب حقاً أمام إمكانية نجاح إيران في صنع قنبلة نووية. وعلى الرغم من أن متحدثي الإدارة الأمريكية هاجموا - بشكل معيب، من وجهة نظري - النوايا الحسنة للنقاد، إلا أنه يمكن لعقلاء الناس أن يختلفوا حول ذلك. إنني أأمل أن يكون مؤيدو الاتفاق على حق؛ لكنني أشك في ذلك. ومع هذا، فالأمر الذي لا جدال فيه هو أن مسيرة إيران نحو الحصول على نفوذ إقليمي تسير على قدم وساق - ففي سوريا، تكسب انتصاراً مذهلاً من خلال شراكتها مع «حزب الله» وبشار "الجزار" الأسد؛ وفي العراق، يزداد نفوذها في أعقاب خروج القوات الأمريكية؛ وحتى في الخليج، فإن بعض القادة المحليين يرون الكتابة على الحائط، ويحاولون تأمين رهاناتهم. ومع ذلك، لا يمكن لإسرائيل أن تؤمن رهاناتها - فعلاقتها مع أمريكا أمراً مهماً للغاية.

ومن باب التذكير الواجب: كانت هناك دائماً خلافات بين واشنطن والقدس، وبعضها عميقة حقاً. فبين عامي 1948 و 1967، عارضت أمريكا توسع إسرائيل خارج الحدود المتوخاة في قرار التقسيم الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة. ولم تعترف أمريكا أبداً بالقدس كعاصمة إسرائيل، على الرغم من طلبات إسرائيل المتكررة. وحتى أن البلدين اختلفا في بعض الأحيان حول سبب عدم إحراز تقدم نحو السلام - هل هو احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية أم رفض العرب الاعتراف بشرعية الدولة اليهودية؟ وعلى الرغم من كل هذا، فقد وجدتا أمريكا وإسرائيل سبلاً لبناء شراكة أصبحت موضع حسد بلدان في جميع أنحاء العالم.

ولكن نظراً لعمق الانقسام بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن إيران، فقد تواجه هذه الشراكة في 2014 تجربتها الأشد حدة من أي وقت مضى. وقد مرت عقود (1982) منذ أن عارض رئيس وزراء إسرائيلي بصورة مباشرة جداً مبادرة دبلوماسية من قبل الرئيس الأمريكي. وقد مرت فترة أطول (1956) منذ أن صرح رئيس أمريكي علناً وبشكل قاطع أنه، وليس رئيس وزراء إسرائيل، يعرف ما الذي يخدم مصالح إسرائيل على النحو الأفضل.

وفي التطلع إلى المستقبل، فإن حتى الرئيس أوباما لم يمنح احتمالات تزيد عن 50 في المائة لنجاح الدبلوماسيين الأمريكيين في التوصل إلى اتفاق شامل مع إيران. ومن المرجح أن يكون البديل لذلك هو تمديد الاتفاق المؤقت، الأمر الذي سيثير أزمة أعمق مع إسرائيل. ويمكن أن يسفر ذلك عن زيادة احتمالات شن هجوم عسكري إسرائيلي من جانب واحد على المواقع النووية الإيرانية، الأمر الذي سيؤدي إلى معاناة العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل من أضرار جانبية ضخمة. وحيث تحتاج إسرائيل إلى دعم أمريكي عند انقشاع الغبار، فقد لا يصلح القول بأن ذلك جاء في أسوأ الأوقات، لكنه يقترب منه.

لذلك دعونا نأمل رؤية دبلوماسيون أمريكيون في عام 2014 وهم يسحبون "أرنب نووي من القبعة" يكون على شكل اتفاق نهائي مع إيران يتفهم قلق إسرائيل، ويخصص هذه اللحظة من الأزمة لفصول من بعض كتب التاريخ المستقبلية. وإلا فسيكون في تفكير الإسرائيليين ما هو أكثر من سعر الجبنة البيضاء الطرية.

* روبرت ساتلوف هو المدير التنفيذي لمعهد واشنطن

http://www.washingtoninstitute.org/

......................................

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 5/كانون الثاني/2014 - 3/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م