الحجة لصالح تحسين الحكم

بيتر ماندلسون

 

في دراسة أجريت مؤخراً بواسطة شبكة مجالس الأجندة العالمية التابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي جاءت الحكومة في مرتبة أدنى من الشركات ووسائل الإعلام من حيث القدرة على الاستجابة للتحديات العالمية. وهذا مفهوم على أحد المستويات نظراً لهذا العدد الهائل من التحديات التي تواجه الحكومات فضلاً عن الافتقار إلى الحلول الطويلة الأجل للعديد من المشاكل. ولكن على مستوى آخر، تنطوي محاولة تقييم الحكومة إلى جانب الشركات ووسائل الإعلام على تضليل جوهري: فليس هناك أي قطاع يعمل على ذلك النطاق من المسؤولية والمساءلة الذي تتحمله الحكومات.

فالشركات تقرر لنفسها أين تستثمر وتنمو. ووسائل الإعلام تنغمس في دورة إخبارية سريعة الحركة. أما الحكومات فإنها لا تتمتع بهذا النوع من الترف. فهي لا تستطيع ببساطة أن تحزم أمتعتها وترحل عندما تواجه خسائر أو تمل من ممارسة ما. ويتعين على الحكومات أن تظل باقية ــ وأن تنظف الفوضى التي تخلفها أطراف غيرها غالبا. بل وقد تتمكن حتى من إدخال تحسينات في الأوقات الطيبة.

والمشكلة بالنسبة للحكومات في أكثر الأحيان هي أنها في محاولتها لتلبية الاحتياجات الفردية والأسرية والوطنية المتضاربة غالباً والتوفيق بينها انحدرت قدرتها على تسليم النتائج بكفاءة وفعالية. ونتيجة لهذا تراجعت الثقة في الحكومات.

قبل انعقاد قمة الأجندة العالمية للمنتدى الاقتصادي العالمي في أبو ظبي في الشهر الماضي، أمضيت أسبوعاً في الهند. وقد اشتكى أغلب من تحدثت معهم من أوجه القصور التي تعيب الحكومة، وهم يرون أن الحكومة على المستوى الفيدرالي ومستوى الولايات كانت دوماً بطيئة وغير حاسمة وفاسدة وبلا خيال وقصيرة النظر ــ أي أنها في العموم عديمة القيمة.

من السهل أن تكون الشركات راغبة في إزاحة الحكومة من طريقها، وأن توجه وسائل الإعلام أصابع الاتهام وأن تضخم الأحداث من دون الكثير من التحليل المتعمق ــ أو حتى تفهم الواقع في بعض الأحيان. صحيح أن الهند قد لا تكون أفضل دعاية للديمقراطية في بعض النواحي، نظراً لصعوبة اتخاذ قرارات طويلة الأجل وتنفيذها من دون أن يصدمها ــ ويخرجها عن مسارها في كثير من الأحيان ــ الرأي العام المتقبل وأصحاب المصالح الخاصة.

ولكن البديل ــ الحكم الدكتاتوري وليس حكم القانون ــ هو احتمال الأكثر شرا. وليس هناك العديد من المشاكل في الحكم في الهند التي يعجز التمويل الحكومي عن حلها. ففي نهاية المطاف، عندما تتطلب خدمة ديمقراطية كبيرة الحجم دعاية انتخابية لا تتوقف، وعندما يعتمد الساسة بالتالي على التبرعات المالية، فمن المحتم أن ينحرف الحكم عن الطريق السوي.

والواقع أن قدرة الحكومات على الاستجابة للتحديات العالمية تُعَد مشكلة أكثر عموما. فقد أسفرت العولمة ــ تفكيك الحدود الوطنية وتكامل الاقتصادات عبر القارات ــ عن مطالب متزايدة العدد والحجم من الحكومات، في نفس الوقت الذي تراجعت فيه قدرتها على تقديم الأجوبة. وبعبارة أخرى، أصبح الطلب على الحكومات يتجاوز العرض.

وقد جعلت العولمة العديد من الناس يشعرون بقدر أعظم من الافتقار إلى الأمان والاحتياج إلى الدعم من قِبَل الحكومات لمساعدتهم في التغلب على الضغوط المفروضة على سبل معايشهم وجودة حياتهم. ولكن أغلب الاستجابات السياسية المطلوبة لتلبية طلب الناس على المزيد من الأمن أصبحت خارج نطاق وقدرة الحكومات الوطنية، وخاصة عندما تحاول هذه الحكومات تلبية هذه الاحتياجات منفردة.

ولهذا السبب فقد أدركت البلدان الأوروبية منذ فترة طويلة الفوائد المترتبة على تجميع ثِقَلها وقدراتها من خلال الاتحاد الأوروبي. وبرغم أن الاتحاد الأوروبي بعيد عن الكمال، فإنه لا يزال يمثل الاستجابة الأفضل للعولمة حتى الآن بين كل المجموعات الموسعة من البلدان. والواقع أن الحكومات التي تعمل بشكل تعاوني أفضل من الحكومات التي تعمل بشكل منفصل ــ أو ما هو أسوأ، ضد بعضها البعض.

ونحن نعيش في عالم متعدد الأقطاب على نحو متزايد، حيث تعمل الاقتصادات الناشئة الكبرى ومجتمعاتها الكثيفة السكان على تحويل الساحة الدولية. ولكن من ناحية أخرى، أصبحت الأطر المتعددة الأطراف في انحدار، وهو ما من شأنه أن يقوض القدرة على إضفاء المغزى والتماسك على هذا العالم.

ولنتأمل هنا النظام التجاري العالمي ومحوره الأساسي، منظمة التجارة العالمية. منذ وفاة جولة الدوحة، انحدرت بشكل حاد مكانة منظمة التجارة العالمية باعتبارها منتدى تفاوضي متعدد الأطراف، ولم ينقذها جزئياً إلا الاتفاق الأخير في بالي. ومن الضروري بعد بالي أن نفكر بجدية في المرحلة التالية من منظمة التجارة العالمية ودورها في النظام التجاري العالمي. والواقع أن المؤسسات المالية الدولية الكبرى ــ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير وبنوك التنمية الإقليمية ــ أصبحت مضطرة الآن إلى العمل بجدية لكي تجعل نفسها صالحة للقرن الحادي والعشرين. كما أصبحت سلطة الأمم المتحدة منهكة بالية.

وإلى أن نتمكن من عكس اتجاه انحدار التعددية، فإن قدرة الحكومات على الاستجابة للتحديات العالمية لن تتحسن. وبوسع الشركات ووسائل الإعلام أن تأن وتشكو، ولكن الإجابة على العديد من المشاكل الكبرى في العالم تتلخص في المزيد من الحوكمة ــ أو الحوكمة الأفضل على الأقل ــ وليس الإقلال منها. والعرض الأفضل من الحوكمة يعمل على تلبية تدفق الطلب عليها.

كان رونالد ريجان يصر على أن "الحكومة ليست الحل لمشكلتنا؛ بل الحكومة هي المشكلة". واليوم أصبحنا نعرف أفضل من هذا: فإن لم تكن الحكومة جزءاً من الحل، فإن مشاكلنا سوف تزداد حجما.

* مفوض الاتحاد الأوروبي الأسبق للتجارة والوزير السابق الحكومة البريطانية، وعضو في مجلس الأجندة العالمية للمنتدى الاقتصادي العالمي حول مستقبل الحكومة

http://www.project-syndicate.org

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 31/كانون الأول/2013 - 27/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م