حين يتحول الدين الى شركة عابرة للقارات

هادي جلو مرعي

 

كان الإسلام حلم الفقراء، وتحول الى نصير لهم في معركة الكرامة. إنتصرت المسيحية على لؤم رجال الدين اليهود المتحالفين مع الوثنية الرومانية (يدعون الى الله، ويحاولون صلب نبي). كانوا يعرفون بوثنية الدولة الرومانية، وكان عليهم وفقا لمايمتلكون من علوم التوراة أن لايتحالفوا مع الرومان ضد يسوع حتى وأن أنكروا نبوته لأنه كان يدعو بدعوتهم وهي الوحدانية الخالصة، لكنهم إستأثروا بالسلطة والجاه ونسوا الله ودورهم التنويري الذي حولوه الى ظلام دامس عم الشرق وصنعوا الصليب لتعذيب وقتل المسيح المضمخ بالعذابات.

 تحولت المسيحية الى مشروع مختلف، وحين خرج الرجل المؤمن مكسيم من كهف فيلادلفيا ليشتري للفتية الطعام من المدينة الوثنية التي فروا منها قبل ثلاثة قرون وجد كل شيء قد تغير، وإن المسيحية التي نادوا بها وفروا من أجلها، وعاشوا في الكهف تحولت الى شركة عابرة للقارات باحثة عن الهيمنة، ولم يبق منها شيء، بينما الصلبان في كل مكان وثياب الرهبان كأنها ثياب مهرجان، والسياسيون يعبثون بإسم الدين بحياة الفقراء ويسلبونهم كرامتهم وهم صامتون لايحركون شفاههم بكلمة إعتراض.

بعد أعوام قليلة على وفاته، قال رجل كان مصاحبا لنبي الإسلام، والله ما أرى فيكم من دين محمد شيئا ! كان ذلك نتاج صراع بين البداوة وقيمها التسلطية القاهرة، والإسلام بوصفه حلا لمشكلة الإنسان مع نفسه. لكن الأمور تغيرت بسرعة، فالتعاليم الدينية تصطدم في الأساس بحزمة من السلوكيات والأفكار التسلطية، وتكون هيمنته مؤقتة نتيجة خوف الطرف الآخر الذي ينتظر الفرصة لينقض على تلك القيم ويلغيها، أو يطوعها لصالحه، وفي الغالب يكون التطويع هو الحل الأنسب لأن المجتمع المحافظ هو مجتمع رجال الدين المتنفذين المدعومين من الفقراء وهم الكثرة الكاثرة والخاسرة على الدوام، فيكون التجار ورجال السياسة وأصحاب السلطة الزمنية في إضطرار دائم للإنحناء في مواجهة العاصفة، وترى الحاكم يصلي ويتحدث في شؤون الدين ويلاطف العلماء لكنه يخادعهم في قراراته ومواقفه ويحاول إستمالتهم، فإذا وجد منهم تمردا إنقض عليهم كالأسد ومزقهم وشتت شملهم.

القيم البدوية تتمثل في (القوة، والقهر، وغلبة الرجال، والركون الى المصالح والنفوذ) فهي نتاج بيئة قاهرة تسلطية تحتاج القوة لدوام الوجود منذ نشأ أهل البادية وهم يبحثون عن الماء والكلأ لحيواناتهم، ويكون ترويضهم صعبا للغاية، فإذا تمكنوا من مسايرة الدين ورجاله فإنهم حين يملكون لايرحمون حتى وإن عاشوا في القصور، ولبسوا الوثير وجالسوا العلماء والشعراء، لأنهم يريدون هؤلاء لتوظيفهم وتمكينهم لا للتعلم منهم وإكتساب المعرفة..

للأسف فقد إنتصرت قيم البداوة على الدين، و في أحسن الأحوال تركته مطواعا، وغالب الفتاوى والتعليمات والأحكام الشرعية متأثرة بتلك القيم، وصار المشتغلون بالدين يطوعون الناس وحتى المتحضرين ليكونوا بدوا ويستسلموا للأمر الواقع. تحول الإسلام من نصرة الفقراء الى قوة قاهرة بيد الساسة والمتنفذين والأغنياء.

 يالها من هزيمة.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 30/كانون الأول/2013 - 26/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م