عمليات عسكرية ضد "داعش" في العراق

بيانٌ أميركي ضد داعش والنصرة

جاسم محمد

 

أصدرت الولايات المتحدة في 23 ديسمبر 2013 بيان ضد داعش هو الأول من نوعه، فالبيان الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية دعا بكل وضوحٍ دول المنطقة إلى اتخاذ إجراءاتٍ عمليةٍ لمراقبة تمويل وتجنيد تنظيم داعش وجبهة النصرة ولمنع تسرب المقاتلين الأجانب إلى سورية ووصف داعش بالعدو المشترك يمثل موقفاً أميركياً لافتاً مما يجري في العراق وسورية.

اشارت مصادر امنية بإن هناك معلومات عن قيام تنظيم "داعش" بإدخال مئات الانتحاريين من دول عربية واسيوية الى العراق لتنفيذ عمليات ارهابية، واشارت المعلومات الى ان هؤلاء الانتحاريين يجري تدريبهم في معسكرات بمحافظتي نينوى والانبار. ويسعى تنظيم "داعش" والقاعدة في العراق إلى فرض سيطرتهما على مناطق غرب العراق وشماله الغربي القريب من الحدود السورية. ويرى الخبراء أن "داعش" بصدد إقامة "إمارة" لهم في الأنبار ونينوى. وأفادت مصادر أمنية إن "داعش" نجحت بفرض سيطرتها على مناطق أبو رسن والدهل الواقعة على حدود الأنبار ونينوى خاصة مع حلول الليل. وشهدت محافظة الانبار يوم 21 ديسمبر 2013 مقتل 16 عسكرياً من الفرقة السابعة اثناء مداهمتهم وكراً تابعا لتنظيم القاعدة في منطقة الحسينيات ضمن وادي حوران 420 كم غرب الانبار.

عملية عسكرية واسعة

شنت قيادة القوات البرية العراقية شهر مايس 2013 عملية الشبح في صحراء الانبار لمطاردة القاعدة. وكانت تستهدف منطقة الكيلو 90، الذي يربط العراق بالأردن وسوريا، لتعقب المسلحين، التي تنشط فيها الجماعات المسلحة وكثفت عمليات الجزيرة انتشارها على الحدود العراقية السورية 640 كيلومتراً بدءاً من منفذ الوليد في الأنبار الى ربيعة في الموصل. وانطلقت في محافظة الانبار يوم 26 اكتوبر 2015، عمليات "اسود العراق" العسكرية لمطاردة تنظيم القاعدة في الصحراء الغربية، فيما أعلنت الحكومة العراقية تدمير معسكر كامل لما يسمى بدولة العراق والشام.

 صحراء الانبار ملاذ للقاعدة

تعد محافظة الأنبار جزءاً من هضبة الجزيرة العربية، سطحها متموج تظهر عليه بعض التلال الصغيرة وعدد كبير من الوديان مثل وادي حوران ونظراً لانحدار أراضيها وفقر نباتها الطبيعي فهي معرضة للتعرية الشديدة. يصل أعلى ارتفاع للهضبة الغربية بالقرب من الحدود الأردنية إلى ما يزيد على 800 متراً فوق مستوى سطح البحر وتنخفض في مناطق الحبانية إلى 75 متراً فوق مستوى سطح البحر. يقطع نهر الفرات طريقه في الهضبة الغربية والتي تنحدر صخورها تدريجياً باتجاه منخفضات الثرثار والحبانية والرزازة.

 كانت المنطقة الغربية في اعقاب الغزو الاميركي للعراق 2003 حاضنة وملاذ الى تنظيم القاعدة ثم " الدولة الاسلامية في العراق والشام " والى تنظيمات "جهادية" اخرى حتى عام 2006 لتقاتل عشائر الانبار تنظيم القاعدة وتخرجه من مناطقها، لكن بقيت المنطقة الغربية تمثل ملاذا جغرافيا أحاديا لما يسمى بالدولة الاسلامية في العراق والشام. وكشفت نتائج التحقيقات مع مقاتلي القاعدة في ألعراق، بأن هنالك معسكرات تدريب تقام للمقاتلين، خاصة عند الحدود السورية من جهة محافظة الانبار ومن الشمال عند منطقة البو كمال.

شهدت صحراء الانبار نشاط ابو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في العراق ـ الجهاد والتوحيد ومقتله في 2006 ومقتل خليفته ابو ايوب وابو عمر البغدادي زعيم تنظيم ما يسمى دولة العراق الإسلامية في 2010 جنوب غرب مدينة تكريت 170 كم شمال بغداد. وقال المحلل باترك كوك بورن " ان تطورات مثل اضعاف قبضة الحكومة في الانبار والتركيز على بلدات ومدن الفرات لم يتم الابلاغ عنها بشكل صحيح"، وان هجمات القاعدة عادت مرة اخرى في الفلوجة فيما تقوم ما تسمى بالدولة الاسلامية بفرض اتاوات على الجميع من البقال الى شركات الهاتف النقال وشركات المقاولات في مدينة الموصل شمال العراق وقد وصلت التقديرات الى حصولها على عائدات بلغت ثمانية ملايين دولار شهريا.

تركيا بوابة دخول القاعدة

إشارة إلى تقرير "ألبي بي سي" في 7 ديسمبر 2013 فان مقاتلي القاعدة خاصة الأجانب يستخدمون منازل آمنة في جنوب تركيا تمهيداً للعبور إلى سورية، وان أن طريقة الدخول أمست أكثر تنظيماً من السابق. وقال مسؤول عن إدارة أحد المنازل الآمنة ويقع قرب بلدة ريحاني الحدودية إن نحو 150 شخصاً من بينهم 20 بريطانياً إستخدموا منزله في غضون ثلاثة اشهر فقط. وأوضح صاحب المنزل أن عناصر القاعدة عادة ما يقضون يوماً أو اثنين في المنزل قبل العبور إلى سورية وفي طريق العودة يستخدمون المنزل مرة أخرى انتظاراً لرحلات العودة إلى أوطانهم. المصادر الدبلوماسية السورية تقول بأنّ تركيا استقبلت إرهابيين من ليبيا والشيشان وكازاخستان وغيرها من الدول ودرّبتهم في معسكرات خاصة.

التوصيات تشير الى ايجاد اتفاقات ثنائية واقليمية للضغط على تركيا بسد منافذها مع سوريا وايقاف سياستها بدعم التنظيمات الجهادية. إن ايجاد ضغوط سياسية على تركيا، سوف يعمل على خفض منسوب العمليات القاعدية في العراق وكذلك في سوريا. الدور التركي في المنطقة خلال " الثورات العربية" كان سلبيا للغاية ينبغي مواجهته.

اليعربية

إن احد أهداف داعش بالسيطرة على المنافذ الحدودية في العراق وسوريا ومع الحدود التركية، تأتي من إستراتيجية، حصولها على الامدادات اللوجستية والموارد المالية وخنق بقية التنظيمات. اليعربية ممكن ان يكون ممرا هاما الى"داعش" لمرور وادخال الانتحاريين والمقاتلين الى العراق. هذا الممر يعتبر اكثر اهمية من بقية المعابر. إن لبلدة اليعربية أهمية عسكرية في التنقل والحركة. لقد تمكنت لجان حماية الأكراد في ديسمبر 2013 من طرد "الدولة الاسلامية في العراق والشام" من بلدة رأس العين ذات الاغلبية الكردية الواقعة شمالي سوريا قرب الحدود التركية. واشتبكت داعش مع القوات العراقية عند الحدود في اعقاب ذلك، ربما لأيجاد منفذ للعودة الى الاراضي العراقية خلف منفذ اليعربية.

تمويل القاعدة

التمويل يعتبر اساس عمل تنظيم القاعدة و"الجهاديين"، التقارير الإستخبارية تعطي تفاصيل حول أهمية التمويل، فالجهاديون والمقاتلون الذين يتطوعون للقتال يختارون الفصائل الأكثر تنظيما والاكثر دفعا وتسلحا. على سبيل المثال أن "الدولة الإسلامية في العراق والشام" استطاعت اجتياح التنظيمات الاخرى الجهادية في العراق والشام بسبب ما تتمتع به من امتيازات مالية وتسلح، هذا دفع الكثير من الألوية والكتائب بالقتال تحت رايتها بعد ان كانت تقاتل تحت رايات اخرى منها الجيش الحر. كذلك في العراق بسبب ما يتمتع به تنظيم "داعش" من شراسة وامكانيات تمويل مرتفعة جدا تمكنه ان يقوم بتفجير عشرات السيارات يوميا، ساعد على حصوله على مجندين، مقاتلين جدد مستغلة البطالة والاوضاع الاقتصادية. يعتبر التمويل اساس عمل الجماعات المسلحة، بعض النظريات تقول "إنعدام التمويل يعني إيقاف الإرهاب" وهذا يعني ضروري معرفة مصادر التمويل لتنظيم "داعش".

القاعدة اليوم اقوى

يقول مسؤولون أميركيون ان اعلان الانتصار بعد مقتل اسامة بن لادن كان سابقا لأوانه معتبرين ان تنظيم القاعدة الذي يدعم الحرب في سوريا هو اليوم اقوى واخطر من اي وقت مضى. فان التنظيم قد قوي واجتذب اتباعا في الشرق الاوسط وافريقيا وما زال يهدد اوروبا واميركا. الجنرال المتقاعد في البحرية جيمس ماتيس يقول في كلمة القاها خلال ندوة نظمها مركز جيمستاون للدراسات، ان "تنظيم القاعدة يتسم بالمرونة وقادر على التأقلم. فرغم تلقي قادته ضربات موجعة لكنه ما زال ينتشر، وهو يستفيد من عدد متزايد من المناطق". اما الصراع في سوريا فقد منح القاعدة و" الجهاديين" مناخ جيد للتناسل والتوسع والتدريب، ربما لم تظهر نتائجه بعد، لكن بعد أشهر اي بعودة المقاتلين الى دولهم سيشكلون تهديدا خطيرا للامن. هؤلاء اكتسبوا خبرة قتالية كبيرة ابرزها التفخيخ وفنون القتال، وهذا يعني ممكن ان تستفيد القاعدة من خبراتهم في سوح قاعدية اخرى مستقبلا. لقد كشفت التحقيقات مع معتقلي القاعدة، بأنهم يتفقوا على وسائل تواصل اجتماعي، خاصة ان اغلبهم من الشباب ويجيد لغة الانترنيت والتواصل الاجتماعي اكثر من الجيل الاول. وهذا يعني إن إستمرار الحرب في سوريا، يخلق مقاتلون جدد.

خيارات القاعدة

إن العملية الواسعة التي تجريها القوات العراقية في 22 ديسمبر 2012، لم تكمن الاولى فقد سبقتها عمليات واسعة ابرزها عملية الشبح في شهر مايس 2013 وعملية اسود العراق في اكتوبر 2013. وهي خطوة بالاتجاه الصحيح. العمليات العسكرية الواسعة خاصة اذا كانت مفاجأة وسريعة ممكن ان تمكن القوات العراقية من الحصول على المعلومات وعلى الوثائق السرية. وهذه الوثائق والمعلومات لاتقل اهمية عن مسك قيادات التنظيم. صحراء الانبار تستخدمها القاعدة بسبب وعورتها، ماقبل هذه العملية تقارير معلوماتية ذكرت بان داعش تسيطر على 40% من الصحراء، وسط غياب السلطة.

 القاعدة تتبع إستراتيجية مسك الارض والثانية الكر والفر. فهي تعتمد الكر والفر في العراق في هذه المرحلة. هي تختار الاهداف وتقوم بضربها وتحدد الاهداف والتوقيت. وتعتمد القاعدة في ارهاب خصومها مبدأ الرعب والصدمة لتحقيق اهداف غزواتها او عملياتها العسكرية. ان مراجعة عمليات القاعدة في العراق وبقية دول المنطقة باتت معروفة من خلال التفجير المزدوج واندفاع انتحاريين "الأنغماسيين" بأحزمة ناسفة الى داخل الهدف. اما الخيار الثاني، فهو إعلان الإمارة ومسك الأرض، هذا الخيار يكون دائما في حالات الغياب التام الكلي الى السلطة. تنظيم القاعدة و"داعش" هو تنظيم انتهازي يستغل غياب السلطة، ويختفي امام العمليات العسكرية. هذا التكتيك معروف عن القاعدة في اغلب المناطق التي تشهد مواجهة وحرب مع القاعدة. فهي أعلنت امارتها على سبيل المثال في الرقة ـ احدى محافظات سوريا لكن لم تستطيع اعلان ولايتها في محافظات اخرى رغم وجودها ووجود كتابها. إعلان الدولة الافتراضية يتوجب على التنظيم إقامة المحاكم الشرعية، والسيطرة على ادارة المحافظة وتكون هي المسؤولة عن توفير المواد الغذائية والخدمات. القاعدة، داعش ربما عملها الشعبوي اقل من انصار الشريعة والنصرة. أنصار الشريعة تحاول التغلغل في المجتمعات من خلال توفير الحماية والمحاكم والخدمات والمواد الغذائية. لذا ما تناقلته الاخبار ووسائل الاعلام حول اعلان داعش امارتها الاسلامية في صلاح الدين خلال هذه الفترة هو احتمال ضعيف جدا لعدم تمكنها من مسك الامن، رغم تراجع الامن في العراق. لذا هي تتبع الكر والفر في العراق في هذه المرحلة.

التوصيات في تنفيذ العمليات الواسعة، هو المحافظة على إمساك الارض وتمكين السلطة والحوكمة فيها مابعد انتهاء العمليات الواسعة. تميل القاعدة وداعش على تنفيذ عدد من العمليات العسكرية في مراكز المدن والمحافظات خلال العمليات العسكرية الواسعة من اجل تخفيف الضغط عنها وارباك القوات الحكومية. إن مواجهة الارهاب اصبح مسؤولية دولية واخلاقية، لذا محاربة الارهاب في العراق يتطلب الدعم والتنسيق الاقليمي والدولي في مجال الخبرات والاستخبارات والمعلومات اكثر من الجهد العسكري. إن صحراء الانبار اثبتت بأنها بيئة خصبة بسبب تضاربيها الجغرافية، التي تستغلها القاعدة، بالاضافة لذلك فأن "داعش" والتنظيمات "الجهادية" الاخرى لديها امتدادات قبلية في المنطقة ولديها علاقات قديمة منذ عام 2003 تحاول القاعدة الاستفادة منها. وهذا مايتطلب من الحكومة القيام بمشروع متكامل اقتصادي تنموي للمستقبل البعيد بالتوازي مع العمليات العسكرية الواسعة، لدعم الأمن الوطني.

* باحث في مكافحة الارهاب والاستخبارات

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 30/كانون الأول/2013 - 26/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م