النظافة مسؤولية تضامنية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ثمة مفردات عندما تطرق السمع، يرتاح لها الانسان، وتبعث في نفسه الحس بالذوق والجمال والنظام، من هذه المفردات (النظافة)، فعندما يُقال هذا الرجل نظيف، أو هذه المرأة نظيفة، فسرعان ما تتشكل صورة راقية عن هذا الكائن النظيف، ولا يتعلق الأمر بالنظافة الخارجية له، بل يمتد هذا التوصيف الى شخصيته، فيُقال أن فلانا نظيف القلب، وأن تلك المرأة نقية السريرة، وأنها نظيفة في المظهر والجوهر.

إذاً النظافة ليست مظهر خارجي فحسب، إنما هي شخصية كاملة، تظهر في السلوك والافعال وطرق التفكير والتعامل مع الاخرين، ومع الانشطة اليومية المختلفة في البيت، ودائرة العمل، والمحيط المدرسي، والشارع العام والمقهى والساحات العامة، واماكن التجمعات وما شابه، النظافة تصبح في هذه الحالة منظومة متكاملة، يرتكز عليها السلوك الفردي والجمعي معا، فالمجتمع النظيف، هو حاصل جمع الافراد الذين ينتمون لذلك المجتمع، والنظافة لا يمكن ان تكون من مسؤولية الجهات الحكومية المعنية وحدها، بل هي مسؤولية فردية وجماعية، تخص كل فرد من افراد المجتمع، بل اذا لم يتعاون الفرد في مجال النظافة ويتعلم كيف يتعامل مع هذا الجانب الحيوي، ويعتاد على السلوك الصحيح في هذا الخصوص، فإن الجهات الخدمية الرسمية او الاهلية، من المستحيل عليها ان تنهض بأعباء النظافة العامة والخاصة.

في الواقع هناك نوعان من النظافة، منها ما يتعلق بالانسان الفرد، اي نظافته الشخصية، ومنها ما يتعلق بالنظافة العامة، أي نظافة المدن والاحياء السكنية والشوارع والحدائق والساحات العامة وسواها، وفي كلتا الحالتين يكون الانسان مسؤولا عن هذين النوعين من النظافة، ومن الخطأ أن تُرمى المسؤولية على الجهات الخدمية الحكومية وحدها، لهذا قامت الدول والمجتمعات المتطورة بتشريع وسن قوانين رادعة وفورية، تضمن السلوك البشري الفردي والجمعي الصحيح فيما يتعلق بالنظافة، فهناك غرامات فورية لكل من يرمي الاوساخ في غير الاماكن المخصصة لها، وهناك ردع مباشر لكل من يحاول ان يتعامل باستهتار او لامبالاة مع قضية النظافة في البلدان المتطورة، ولا يقتصر الامر على جماعة او فئة دون غيرها، فالجميع خاضعون لقوانين النظافة، ولا مجال للتساهل فيها.

لذلك لا يصح للمواطن ان يطالب الجهات الخدمية بالقيام بدورها في ازالة الاوساخ وما شابه، في حين هو نفسه لم يلتزم في هذا الامر، ويتعامل بعشوائية في رمي الفضلات والاوساخ، بل هناك ظاهرة واضحة للعيان، نتابعها ونراها في كل يوم بل في كل ساعة في شوارعنا، عندما ترمى الاوساخ من نوافذ السيارات وهي مسرعة في الطرق العامة، و هناك من يرمي القناني الفارغة في الشارع، ولا يرميها في حاوية الاوساخ التي لا تبعد عنه اكثر من متر واحد!، إن هذا السلوك الشائع بين افرد المجتمع العراقي، يدل على عدم الشعور بالمسؤولية ازاء النظافة، وأن هذا السلوك ينم عن خطأ جسيم في المجتمع، يبدأ من البيت، حيث يتعلم ويعتاد الاطفال على رمي الاوساخ والفضلات بشكل عشوائي، ولا يهتمون اطلاقا بقضية النظافة، والسبب يتحمله الاباء والامهات بشكل تام، لان الطفل يتعلم السلوك من حاضنته الاولى العائلة، وهو ينظر كيف يتصرف ابوه وامه فيتصرف مثلهما تماما، وعندما ينشأ الطفل في عائلة لا تهتم في النظافة، فانه لن يكون نظيفا، وسوف تنتقل هذه الصفة والسلوك الى عائلته عندما يكبر، فينجب اطفالا لا يهتمون بالنظافة الشخصية او العامة.

لذلك يجب أن يتحمل الفرد دوره في بث ونشر السلوك النظيف، كي تصبح حياتنا كلها نظيفة، خاصة ان الحديث الشريف ينص على ان (النظافة من الايمان)، بمعنى ان الانسان المؤمن هو الانسان النظيف أما الانسان غير النظيف فهو غير مؤمن حتى لو التزم بالدين، لان الدين ليس اداء الفرائض فقط بل النظافة جوهر الدين، فضلا عن العرف الذي يركز على أهمية السلوك النظيف، علما ان العلم النفسي الحديث يربط بين نظافة الفرد ونظافة سلوكه، وتعامله مع الاخرين، اي هناك ترابط بين نظافة الجسد والقلب، لهذا فمسؤولية الفرد ازاء النظافة مهمة جدا بل جوهرية، لانها تقود الى نظافة المجتمع بصورة جماعية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 29/كانون الأول/2013 - 25/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م