الرهان على حزب الله في سوريا

الحرب في سوريا تتحول مابين حزب الله "والجهاديين"

جاسم محمد

 

علقت الولايات المتحدة الأمريكية في 11 ديسمبر2013، تقديم المساعدات غير القتالية للمعارضة السورية بعد سقوط مقر قيادة الجيش السوري الحر في باب الهوى عند الحدود التركية السورية. وفي أعقاب ذلك، أعلنت مصادر دبلوماسية أميركية منتصف شهر ديسمبر2013، بأن محادثات جنيف لا تشترط خروج بشار الاسد من السلطة، بسبب إتساع نفوذ القاعدة وغيرها من التنظيمات الجهادية بعد استيلائها على مستودعات أسلحة للجيش السوري الحر قرب حدود تركيا مطلع شهر ديسمبر 2013.

إن إبعاد الأسد سيؤدي الى سيطرة القاعدة والتنظيمات الجهادية. وانضمت بريطانيا الى الولايات المتحدة في خطوتها، وصرح متحدث باسم السفارة البريطانية في أنقرة قائلا: "ليست لدينا أية خطط لتسليم أية معدات طالما بقي الوضع غير واضح. ان إدارة أوباما تعتزم دعم تحالف سوري معارض موسع، يضم مجموعات إسلامية، شرط عدم ارتباطها بالقاعدة وموافقتها على دعم محادثات جنيف المقبلة. إن ادارة أوباما تعمل على اكثر من خيار في الحرب في سوريا. ففي الوقت الذي تتفاوض به مع الاسد، فهي تفتح قنوات اتصالات مع التنظيمات الجهادية، ماعدا القاعدة والنصرة وهذا يعني ان هذه التنظيمات ممكن ان تستخدمها واشنطن لصالحها بإتجاه خلق قوة عسكرية لضرب القاعدة وفي نفس الوقت تمثل ورقة ضغط على حكومة الاسد، تلوح بها لفرض شروطها في المفاوضات.

اميركا تفتح قنوات خلفية مع النظام السوري

 تركز سياسة الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوربي، الان على إيجاد طرق من شأنها تحدد توسع انتشار الجهاديين خارج سوريا وعودة البعض منها الى اوربا. هذا القلق دفع واشنطن التعاون السري مع بشار الاسد للحصول من خلاله على المعلومات التي تملكها دمشق حول قيادات التنظيم وتفاصيل اخرى عن المقاتلين الاجانب. ولم تخفي واشنطن سياستها في الاشهر الاخيرة بإعلان تعاونها الإستخباري مع الاسد من اجل ايجاد كماشة اميركية سورية ضد القاعدة والتنظيمات الجهادية. وهذا يعني ان اجتماعات جنيف ان تحققت سوف تناقش كيفية القضاء على الجهاديين في سوريا، أكثر من تغيير النظام، وهذا لم يعد سرا.

اميركا والسعودية تقاطع سياسات

كان رئيس المخابرات السعودية الامير بندر بن سلطان ال سعود قد أعلن في شهر أكتوبر 2013 أن الرياض ستقلص تعاونها مع الولايات المتحدة، من أجل تسليح وتدريب معارضين سوريين. وسخر الأمير تركي الفيصل في تصريحاته من سياسات أوباما في سوريا في اعقاب الاتفاق الأميركي الروسي حول الكيميائي في سوريا. وفي تصريح أخر الى الامير محمد بن نواف السفير السعودي لدى بريطانيا نقلا عن صحيفة الديلي تلغراف بنسختها البريطانية في 19 ديسمبر 2013 بقلم "ديفيد بلير" قال:" لقد اتخذت الولايات المتحدة "قرارا خطيرا" باستثناء المملكة السعودية من الدبلوماسية إتجاه ايران (..).

وقد عبرت السعودية عن غضبها علنا حول استثنائها من تلك الدبلوماسية والتقرب من ايران. وكانت ردود افعال لمسؤولين سعوديين اخرين عبروا عن غضبهم إزاء ادارة اوباما ووصفتها بانها عمليات "خلف الكواليس" بعيدا عن الرياض، كون التحالف الاميركي السعودي. التطورات الجديدة في المنطقة، إتفاق الملف النووي الاميركي الإيراني والاتفاق الاميركي الروسي في سوريا، اعاد رسم خارطة الشرق الاوسط بالكامل. هذان الاتفاقان غيرا ايضا، رسم خارطة تحالفات التنظيمات "الجهادية" في سوريا. فقد انفردت "داعش" والنصرة عن الجبهة الاسلامية الجديدة، واندفعت السعودية كثيرا بتسريع تسليح الجبهة الإسلامية، التقارير اشارت ان الرياض كانت جادة بتسليح الجبهة الاسلامية بأسلحة غير تقليدية وفتاكة تتضمن صواريخ ارض جو وصواريخ حرارية لتستهدف الطيران السوري.

مخاطر الاسلام السياسي على الأمن

 إن الخلافات مابين السعودية وايران هي خلافات مذهبية، وكلاهما يتحملان بعض مايدور في المنطقة من صراعات. وهذا يعكس تداعيات تجيير المذهب والطائفية في الحروب التي تشهدها المنطقة والعالم ومنها سوريا. الاسلام السياسي في المنطقة، بدأ يتراجع بعد ان أشعل المنطقة بحروب وصراعات عدة، فلايمكن استثناء السعودية الوهابية وايران الشيعية ومحورهما ابدا. وهذا ما يتطلب من النخب السياسية والمعنيين بصناعة القرار في دول المنطقة ان يكونوا بدرجة من الوعي السياسي ليكون الولاء الى الوطن وليس الى الطائفية التي زادت المنطقة تشرذما وتقسيما. إن شعار الاسلام" هو الحل ومشروع" الخلافة الاسلامية الافتراضية" التي تطرحه القاعدة والاخوان واحزاب الاسلام السياسي، لم تجلب للمنطقة غير الحروب والصراعات المفتوحة.

كماشة معركة القلمون

المشهد السياسي في المنطقة في سوريا لم يكن اقل سخونة وشدة عن بدأ معركة القلمون والاستعدادات لها نوفمبر 2013، هذه المعركة هي استمرار الى معركة القصير التاريخية الفاصلة، لكن القلمون ستكون اوسع واكبر من حيث القوات التي تشترك في هذه المعركة ونوعية الأسلحة. التضاريس في هذه المنطقة، تجعل طرفي الصراع أن تعتمد تكتيك قتالي ولوجستي مختلف عن معركة القصير، رغم انها تدور مابين ذات الاطراف: النظام السوري والى جنبه حزب الله والتنظيمات الجهادية، أي الجبهة الإسلامية وكذلك مشاركة فصائل من النصرة وداعش بالدرجة الثانية.

الجبهة الإسلامية انحصرت بدون خيار بعد القصير في القلمون عند السلسلة الشرقية الى بلدة عرسال اللبنانية. الجهاديون يتوزعون على شكل خلايا صغيرة وليست تنظيمات ضمن تكتيك جديد يتماشى مع تضاريس المنطقة الجبلية، مهمتها قطع الطريق الرئيسي للامدادات ومنع تقدم القوات الحكومية الى القلمون. التقارير الاستخبارية، ذكرت ان الجبهة الإسلامية استعانت بخبرات من مقاتلي طالبان، كون الاخيرة قاتلت طويلا في جبال "تورو بورا" ووزيرستان. الجماعات الاسلامية تنظر الى معركة القصير، بانها المعركة المصيرية. أما عسكريا، فيمكن اعتبارها بانها المعركة الفاصلة والأخيرة في سوريا بين النظام السوري وحزب الله من جهة والقاعدة والجهاديين من جهة اخرى. الخاسر في هذه المعركة يخسر الحرب. الجهاديون يتوعدون حزب الله في هذه المواجهة، ضمن تداعيات خسارتهم في القصير، فهي معركة ثأر مع حزب الله وليس مع بشار الاسد.

السعودية حزب الله، اعلان حرب

الجبهة الإسلامية مدعومة بكتائب النصرة و"داعش" الاكثر تطرفا، تتوعد الى نقل المعركة الى المدن الشيعية والعلوية في سوريا ولبنان في حال تعرض مواقعهم المدنية الى اي هجوم. التقارير الاستخبارية كشفت إن غالبية سكان القلمون وضواحيها مثل يبرود، تركت مناطقها الى عرسال اللبنانية، واصبحت بيوتهم مقرات الى كتائب وفصائل جهادية، وكذلك بالنسبة لبعض المدن العلوية والشيعية غير المحاصرة في سوريا. أما قراءة حزب الله الى مايجري في سوريا، فقد كانت مبكرة جدا، وكان اشتراكه مباشرة في حرب القصير واعلانه ذلك قائما على" مبدأ حرب تمنع حروب اخرى"، او الدفاع عن المصير. لقد أدرك حسن نصر الله، ان مايجري في سوريا لم يكن إستهداف الظلم السوري، المطلوب هو دم حزب الله في لبنان! ماتقوم به السعودية الان من جهود وخطوات تدعم بها اشعال فتيل الحرب في سوريا، تكشف عن نواياها العدائية الى خصمها الشيعي حزب الله في لبنان اكثر من حزب الله في سوريا. السعودية تراهن على إسقاط حزب الله في لبنان، وليس في سوريا. فبعد ان نفضت السعودية يدها من الدور الاميركي المشارك في سوريا، لم تتردد بالاعلان عن غضبها واستعدادها بالمضي بمفردها في حرب معلنة ومفتوحة الى جانب الجبهة الاسلامية "الجهادية". لقد اعلن الطرفان الحرب ميدانيا، بعد ان كانت حرب باردة وغير واضحة الاهداف وتحت مسميات الشراكة الدولية وتحت باب الديمقراطية وتغير نظام الاسد. السعودية تراهن على رأس حسن نصر الله وليس الاسد.

المواجهة مابين حزب الله و"الجهاديين"

السيد حسن نصر الله يتحدث دائما في معطيات وارقام ويميل الى لغة الاستخبار والتحقيقات اكثر من لغة السياسة. الخطوة الاهم والأخطر هو قرار حزب الله نقل المعركة من الداخل اللبناني ضد القاعدة والجهاديين الى الخارج اللبناني، بينما القاعدة والجهاديين تريدان نقلها الى داخل المدن اللبنانية خاصة طرابلس والبقاع وعرسال الحدودية، من خلال نقل السيارات المفخخة من مدينة القلمون عبر السلسلة الشرقية. هي حرب مواجهة مابين حزب الله و"الجهاديين" وجها لوجه. ربما كان دور حزب الله غير واضحا قبل هذا اليوم الى اطراف اقليمية ودولية والى وسائل الاعلام، اليوم هنالك خيار وهو الحرب أو السلم، واصبح واضحا ان الرياض تراهن على الحرب المفتوحة.

إن قرار حزب الله ومشاركته في حرب القلمون هي الاصعب والاخطر من دور قوات بشار في سوريا، حزب الله نقل مقاتليه عند خطوط التماس مابين حزب الله والجبهة الاسلامية في النقاط الفاصلة مابين عرسال اللبنانية والقلمون السورية ليكون مقاتلي الجبهة الاسلامية والنصرة و"داعش" بين كماشة القوات السورية من ريف دمشق والقلمون وبين كتائب حزب الله من الخلف عند عرسال.

ان الدور الذي يلعبه حزب الله الان هو انقاذ لبنان من فوضى جهادية محتملة في لبنان. مخطط "الجهاديين" في لبنان هو فتح لبنان على مصراعيه في حرب عشوائية مذهبية، ومن المرجح ان عمليات التفخيخ السيارات واستهداف السفارة الايرانية في بيروت صف شهر نوفمبر 2013 من بين تلك المحاولات.

استهداف لبنان بعد سوريا

اليوم لايوجد خيار الى اللبنانيين غير دعم الحكومة الشرعية لإنقاذ لبنان. من كان يعتقد ان الحرب في لبنان ستكون على شاكلة التبانة وجبل محسن في لبنان خاطئ تماما، ستكون فوضى اوسع من الفوضى السورية، هو خيار مابين الحرب والسلم. المشهد الدولي الان يميل الى الاتفاقات الدولية والاقليمية لتضيق الخناق امام تنظيمات القاعدة والجهاديين في المنطقة، وهي فرصة بعد التغيير النوعي الظاهري في تحالفات المنطقة. وربما كانت نتائج الفوضى في ليبيا بعد الاطاحة بالقذافي احد اسباب الدوافع وراء تغيير الموقف او السياسة الخارجية الاميركية، التي تدعو الى الحوار والمهادنة، ولو كانت مرحلية. لكن الجهاديين والاطراف الداعمة والممولة اخذت قرار الحرب المفتوحة ضد حزب الله.

أما تصريحات حسن نصر الله في 21 ديسمبر 2013 وتناقلتها وسائل الاعلام فكانت قد اثارت القلق عند خصومه ابرزها السعودية والجبهة الاسلامية من الجهاديين التي تدعمها. لقد اكتفى نصر الله بالإيحاء قائلا: "يبدو ان هناك في مكان ما من الاقليم من وصل الى مرحلة أخذ البلد الى التفجير نتيجة حقده وغضبه وفشله". لا يقول مثل هذا الكلام من دون سند استخباراتي. المحور الممتد من موسكو الى بيروت عبر طهران ودمشق يتحدث عن خطر حقيقي في لبنان. شبح التفجير والإغتيالات قد لا يبقى عند هذا الحد. امين عام حزب الله يصوب كلامه نحو السعودية.

اميركا تفتح قنوات اتصال مع الجبهة الإسلامية

تلقت القوات الجديدة المعارضة للنظام السوري تدريباتها على أيدي الأمريكيين وقد دخلت مرحلة العمل الفعلي في الداخل السوري إنطلاقا من جنوب سوريا ـدرعا. الخطوة الاميركية هذه جائت من خلال اتباعها إستراتيجية ادخال الكورد وبعض تشكيلات الجيش السوري الحر ومتطوعين اخرين ضمن هيكلية جيش قريب من الجيش النظامي، بالتزامن مع جهود اميركا وقيادات الجيش السوري الحر بمواجهة وتحييد الجهاديين ومحاولاتها بعقد محادثات مع الجبهة الاسلامية الجديدة.

وكانت وزارة الخارجية الاميركية تخطط اجراء لقاءات مع بعض قيادات الجبهة الإسلامية الجديدة السورية في 16 ديسمبر 2013، لكن تصريحات المبعوث الاميركي روبرت فورد، اشارت رفض قيادات الجبهة للقاء السفير فورد في تركيا. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية جين ساكي في ذات اليوم " قد يلتقي مسؤولون من وزارة الخارجية مع ممثلين للجبهة الإسلامية التابعة للقاعدة هذا الأسبوع". وأضافت أن ذلك لا يعني تغيرا في الدعم الاميركي للائتلاف الوطني السوري الذي يمثل المعارضة السياسية المعتدلة. وكانت واشنطن قد فتحت ممرات اتصال خلفية مع القيادة السورية في دمشق بحجة التفاهم والتشاور حول خطط محاربة القاعدة في سورية".

إن تصريحات السفير فورد برفض قيادات الجبهة الاسلامية، ربما جاءت بطلب من تلك القيادات بابقاء المفاوضات او الحوار سريا، لكي لاتفقد الاخيرة مصداقيتها. لقد باتت سياسة مهادنة الخصوم وفتح الحوار أبرز معالم سياسة اوباما، وهذه الخطوة سبق ان اتبعتها واشنطن في محادثاتها مع طالبان الدوحة عام 2013. الخلافات والحرب السياسية السعودية الاميركية، يبدو انها تتجه الى المواجهة الميدانية بالوكالة في سوريا. الاقتتال الطائفي يتصاعد في سورية حيث تقاتل تنظيمات " جهادية " ضد نظام بشار الاسد بينما يتدفق مقاتلون شيعة للقتال الى جانب النظام وحماية المراقد الشيعية ليثير الصراع انقساما طائفيا في المنطقة ويرسم خارطة مذهبية جديدة.

* باحث في مكافحة الارهاب والاستخبار

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 28/كانون الأول/2013 - 24/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م