ثقافة عربية.. من الاصالة والابداع الى التقليد والتكرار

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: من يتابع الاهتمامات العربية بالثقافة والابداع يجد ان هناك حاجة ماسة الى التغيير الذي قد يصل الى مستوى الثورة، فالواقع الثقافي والمثقف العربي (على الاغلب) لا يرضي الطموح، حيث التقليد والتكرار المشوه لكل شيء هو سيد الموقف، بينما تركت الاصالة والتميز والرؤية بعيداً.

ان المجتمعات التي تريد النهوض والتطور والمضي نحو الامام تحتاج الى مثقفين واعين يصنعون هذا التغيير ويخلقون التطور، فهم من يحدث الفرق، لكن الامر قد يكون معكوساً فيما لو خلت الساحة من هذه العينة وملئت من الجانب الاخر.

من المعروف ايضاً ان الثقافة لا تحدها حدود زمانية او مكانية، سريعة الانتشار لو كانت ذات قيمة حقيقية، لكن في الوقت ذاته، هناك معوقات قد تقف في وجه انتشار الثقافة وتبادل الأفكار بين الحضارات والأمم بل وحتى داخل المجتمع الواحد، لعل أهمها السياسة التي تخنق الأصوات الثقافية الساعية الى ممارسة التغيير وبث الوعي وكسر الجمود المجتمعي، وهذا الامر "بالتأكيد" يتعارض مع السياسة والقائمين عليها. كما نرى ذلك في التقرير الآتي.   

جوائز ومبدعين

فقد فاز الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي والسيناريست محفوظ عبد الرحمن وأستاذ الدراسات اليونانية مصطفى العبادي بجائزة النيل في مجالات الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية كما فاز الشاعر سيد حجاب بجائزة الدولة التقديرية للآداب، وحجازي من رواد الشعر الحر في مصر منذ الخمسينيات أما العبادي فهو عضو المجمع العلمي المصري ورئيس جمعية الآثار بالإسكندرية وشارك في اللجان التحضيرية لمشروع إحياء مكتبة الإسكندرية القديمة، وكتب عبد الرحمن سيناريو وحوار ثلاثة أفلام سينمائية هي (ناصر 56) و(حليم) وأنتجت له السينما العراقية عام 1981 فيلم (القادسية) من إخراج المصري صلاح أبو سيف كما كتب 10 مسرحيات أخرجها في القاهرة والكويت وسوريا وليبيا مخرجون منهم عبد الرحمن البابلي وصقر الرشود ومنصور المنصور وفؤاد الشطي ومحمد عبد المعطي هاشم ومحمد الخولي وسعد أردش وأحمد عبد الحليم، ويحصل كل فائز بجائزة النيل -كبرى الجوائز المصرية- على 400 ألف جنيه مصري (57 ألف دولار) أما قيمة جائزة الدولة التقديرية لكل فائز فتبلغ 200 ألف جنيه، وتمنح جوائز الدولة في يونيو حزيران سنويا من خلال التصويت السري لأعضاء المجلس الأعلى للثقافة لكن تأخر منحها هذا العام نظرا لانقسام المثقفين حول وزير الثقافة السابق الذي عين في مايو ايار الماضي وأدت قراراته بفصل بعض رؤساء الهيئات الثقافية إلى اعتصام المثقفين بمقر الوزارة في الخامس من يونيو ثم انضموا للمظاهرات الشعبية الحاشدة في 30 يونيو والتي أدت إلى عزل الرئيس السابق محمد مرسي في الثالث من يوليو تموز، ولم تلغ الجوائز منذ بداية منحها عام 1958 إلا عام 1967 بسبب الحرب مع إسرائيل، وفاز بجائزة الدولة التقديرية في الآداب كل من سيد حجاب والناقدة المسرحية نهاد صليحة والروائي سعيد سالم، ونال الجائزة نفسها في مجال الفنون كل من المخرج السينمائي داود عبد السيد والممثلة محسنة توفيق والتشكيلي أحمد نوار، وذهبت جائزة الدولة التقديرية في مجال العلوم الاجتماعية إلى كل من أستاذ التاريخ عاصم الدسوقي وأستاذ الاقتصاد جلال أمين وأستاذ علم النفس فيصل يونس وأستاذ علم الاجتماع محمد حافظ دياب، أما جائزة التفوق وقيمتها المادية 100 ألف جنيه فنالها في مجال الآداب كل من الروائي محمد ناجي والمترجم نسيم مجلي، ونال الجائزة في مجال الفنون كل من السيناريست كرم النجار والمخرج المسرحي عصام السيد وفي مجال العلوم الاجتماعية كل من حسن عماد مكاوي وصفي الدين خربوش. بحسب رويترز.

فيما فاز فلسطيني وعراقيان وثلاثة مغاربة بجوائز ابن بطوطة للأدب الجغرافي في دورتها التاسعة (2013-2014) والتي يمنحها (المركز العربي للأدب الجغرافي-ارتياد الآفاق) ومقره أبو ظبي ولندن سنويا في مجالات منها (تحقيق الرحلة) و(الدراسات) و(الرحلة المعاصرة) و(اليوميات)، ويمنح المركز جوائز ابن بطوطة سنويا منذ عام 2003، وفاز بالجوائز في الأعوام الماضية 61 باحثا ومبدعا عربيا وأجبنيا، وقال المركز في بيان إن الأعمال الفائزة اختيرت من بين 37 مخطوطة من 10 دول عربية والفائزون في الدورة الجديدة هم الفلسطيني تيسير خلف والعراقيان باسم فرات وشاكر نوري والمغاربة نور الدين شوبد وعبد العزيز الراشدي ومليكة نجيب، ونال جائزة تحقيق المخطوطات الفلسطيني تيسير خلف عن جمع وتحقيق (رحلات البطريرك ديونيسيوس التلمحري في عهد الخليفتين المأمون والمعتصم) وهو نص فريد حسب البيان الذي قال إن البطريرك السرياني ديونيسيوس التلمحري عاصر أربعة خلفاء من بني العباس وترك "الشهادة المعاصرة الوحيدة على الكثير من الوقائع والأحداث التاريخية المفصلية والتي دونت وقائعها في كتب التاريخ العربية نقلا عن روايات شفهية بعد عقود طويلة، "وأضاف البيان أن التلمحري قام بثلاث رحلات إلى بغداد ورحلتين إلى مصر "وأسهب في رحلتيه إلى مصر بذكر أوصاف الأماكن التي زارها وتحدث عن بعض العادات التي عاينها لدى المصريين، زودنا بمعلومات نادرة عن بعض الثائرين على الخلافة العباسية"، وفي فرع تحقيق المخطوطات أيضا فاز المغربي نور الدين شوبد عن تحقيق (الرحلة الحجازية) لأبي عبد الله محمد بن اطيب الشرقي الفاسي والرحلة التي لم يسبق تحقيقها من أمهات الرحلات المغربية إلى الحج في القرن الثامن عشر، وفي فرع الدراسات فازت المغربية مليكة نجيب عن كتابها (المرأة تمثلا وتمثيلا في الرحلة السفارية المغربية خلال القرنين 18 و19) وتتناول فيه مظاهر حضور المرأة في كتابات الرحالة إلى أوروبا في تلك الفترة للتوصل إلى أسباب تكريس دونية المرأة ومحاصرتها بين دهاليز التبعية والتهميش، وفي فرع اليوميات فاز الروائي العراقي شاكر نوري عن كتابه (بطاقة إقامة في برج بابل، يوميات باريس) والذي سجل فيه أكثر من ثلاثين عاما قضاها في باريس "متسلحا بثقافة عالية وبحث دؤوب وحياة استبطنت تلك المدينة التي شغلت الرحالة والمقيمين القريبين والبعيدين" حسب البيان.

وفي فرع الرحلة المعاصرة فاز المغربي عبد العزيز الراشدي عن كتابه (سندباد الصحراء، مشاهدات من جنيف وباريس والمنامة وعمان ودمشق والقاهرة وبيروت ومراكش ومدن أخرى) وهو يوميات كتبها "بلغة شعرية موحية وجذابة، تتدفق الأسئلة المضمرة في دهشة الكلام عما يرى الكاتب وما يسمع" عبر رحلاته في مدن لا يجمع بينها إلا الكاتب نفسه، وفي الفرع نفسه فاز العراقي باسم فرات عن كتابه (مسافر مقيم، عامان في أعماق الاكوادور) وفيه يروي الكاتب رحلته من العراق إلى الأردن ونيوزيلندا واليابان ولاوس وأخيرا إلى الاكوادور حيث أقام ثم دون هذه اليوميات التي "تنفتح بقارئها على فضاءات غير معهودة فلم يحدث أن دون شاعر أو كاتب عربي معاصر يوميات عن مغامرته في تلك الأصقاع"، وتكونت لجنة التحكيم من خمسة باحثين وأكاديميين هم المغربيان الطايع الحداوي وعبد النبي ذاكر والسوريون خلدون الشمعة ومفيد نجم ونوري الجراح، وقال راعي المركز العربي للأدب الجغرافي-ارتياد الآفاق وجائزته الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي في البيان إن مشروع (ارتياد الآفاق) رسخ أقدامه في أرض الثقافة العربية كمؤسسة عربية مستقلة وإن الجائزة "تثبت أنها مشروع تنويري عربي يستهدف إحياء الاهتمام بالأدب الجغرافي من خلال تحقيق المخطوطات العربية والإسلامية التي تنتمي إلى أدب الرحلة والأدب الجغرافي بصورة عامة" إضافة إلى تشجيع الأدباء والكتاب العرب على تدوين يومياتهم في السفر بهدف بناء جسر ثقافي بين المشرق والمغرب وبين العرب والعالم، وقال الشاعر السوري نوري الجراح المشرف على المركز وجائزته إن الأعمال الفائزة هذا العام تكشف عن "تعاظم في أهمية حقل أدب الرحلة العربي وتطور في مناهج البحث والتحقيق والإبداع" سواء النصوص التي أنجزها أجدادنا الرحالة والجغرافيون والعلماء وما ينجزه الأدباء المعاصرون، والمركز العربي للأدب الجغرافي مشروع ثقافي عربي مستقل غير ربحي وتأسس عام 2000، ويحمل شعار (جسر بين المشرق والمغرب وبين العرب والعالم) ويعنى بإحياء أدب الرحلة والأدب الجغرافي العربي والإسلامي، وينظم المركز سنويا ندوة عن أدب الرحلة في بلد عربي أو أجنبي واستضافت الندوة في السنوات الماضية عواصم منها الخرطوم والجزائر والرباط والدوحة والمنامة، وقال البيان إن الجوائز ستوزع في نوفمبر تشرين الثاني القادم في دبي في حفل خاص يقام بالتعاون مع مجلة دبي الثقافية في احتفالاتها السنوية ويرافق الاحتفال معرض لكتب الرحلة وندوة حول الاعمال الفائزة.

مخصصات ثقافية

على صعيد اخر طالب الشاعر الفلسطيني غسان زقطان الحائز على جائزة (غريفين) العالمية في دورتها الاخيرة السلطة الفلسطينية بزيادة المخصصات للثقافة ووضع خطة ثقافية، وقال زقطان "يجب اعادة النظر في هيكلة ودور المؤسسات الثقافية ووضع خطة ثقافية على الارض وليس على الورق مع اهمية تخصيص جزء معقول للثقافة من موازنة السلطة الفلسطينية التي تكاد لا تذكر في الوقت الحالي"، ويرى زقطان (55 عاما) الذي منحه الرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤخراً وسام الاستحقاق والتميز بعد حصوله على جائزة (غريفين) عن مجموعته الشعرية "كطائر من القش يتبعني" ان هناك جيلا جديدا من الشعراء الفلسطينيين الموهوبين يكاد يكون "اهم جيل في تاريخ الثقافة الفلسطينية"، ونقلت الوكالة الفلسطينية الرسمية عن عباس قوله خلال تقليده الوسام لزقطان "ان الثقافة والشعر والادب واحدة من ساحات نضالنا الوطني بالغ الاهمية وان المثقف الفلسطيني في مختلف مجالات الابداع لعب منذ بواكير الثورة الفلسطيينة دورا طليعيا ومميزا في ترسيخ صورة شعبنا الحضارية وعدالة نضاله"، وقال زقطان انه استكمل في عام 2008 مجموعته الشعرية التي فازت بالجائزة وترجمها الشاعر الفلسطيني المقيم في امريكا فادي جودة في عام 2012 وصمم غلاف النسخة الانجليزية الفنان الفلسطيني سليمان منصور، وتقاسم جودة الجائزة مع زقطان. وجودة صاحب خبرة كبيرة في الترجمة وقد ترجم مجموعة من اشعار الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، وقال زقطان ان لوحة الغلاف جزء لا يتجزأ من المجموعة وهي تمثل رسما لارض متشققة من العطش يظهر في وسطها طائر من الطين، وأضاف انه لم يتوقع الحصول على جائزة غريفين التي لا يتم الترشح لها وانما تقوم مؤسسة غريفين الكندية بمتابعة ما يصدر من مجموعات شعرية مكتوبة بالانجليزية او مترجمة لها، وتأسست جائزة غريفين في عام 2000 وزقطان هو اول شاعر عربي يفوز بها، وجاءت النسخة العربية لمجموعة غسان زقطان في 122 صفحة متوسطة القطع وبلوحة غلاف للفنان السوري نذير نبعة، وقد صدرت عن مؤسسة "الكوكب" المتفرعة عن دار رياض الريس للكتب والنشر، وقد وردت قصائد المجموعة تحت عناوين رئيسية هي "تعلات" و"وحدي وأمامي النهر" و"الغريب في ايقونته" و"كرم الروميات"، واشتمل كل عنوان على عدد من القصائد، وتمثل مجموعة "كطير من القش يتبعني" على ما يبدو وجوها متعددة لعالم واحد تطل في صور من الوحشة والوحدة والمغيب وتفيض بشعور دائم بفوات الأوان، وقال زقطان "انا شاعر فلسطيني وبالتالي الهم اليومي الانساني موجود في القصائد وبهذا انت تقترب من فلسطين انسانيا وحضاريا"، وتحمل هذه المجموعة الشعرية ذكرى خاصة لدى زقطان الذي قال "بعد ان انتهيت من كتابة هذه المجموعة فاجأني محمود درويش بأن اخذها الى المطبعة وعاد لى بأول نسخة منها والتي اهديتها اليه"، ويستعد زقطان لاصدار مجموعة شعرية جديدة بعد خمس سنوات من العمل عليها وقال انه لم يضع عنوان لها بعد. بحسب رويترز.

مجلة تراثية

الى ذلك وثق العدد الجديد من مجلة (ذاكرة مصر المعاصرة) السياق العام لتأسيس (جمعية الحمير المصرية) قبل أكثر من 80 عاما على يد المسرحي الرائد زكي طليمات حين أنشأ عام 1930 معهد الفنون المسرحية بهدف تمصير فن المسرح ولكن ضغوط الاحتلال البريطاني أغلقته فرد على ذلك بتأسيس هذه الجمعية بمشاركة مثقفين بارزين، وتقول المجلة إن تأسيس الجمعية لم يكن سلوكا طريفا بقدر ما كان رد فعل على تعنت سلطات الاحتلال التي خشيت عواقب تمصير المسرح إذ "أوعز (الاحتلال) إلى الملك فؤاد أن المعهد يمثل خطرا على حكمه لأنه عندما يتعلم المصريون كتابة المسرح سيخرجون إلى الناس بمسرحيات تشير إلى الفساد" فأصدر الملك قرارا بإغلاق المعهد، وتضيف المجلة وهي فصلية تصدرها مكتبة الإسكندرية أن طليمات (1894-1982) حين فشلت جهوده رأى أن يؤسس هذه الجمعية "لما يتميز به الحمار من صبر وطول بال وقوة على التحمل" وشاركه في تأسيس الجمعية شكري راغب مدير دار الأوبرا المصرية آنذاك، وتقول المجلة إن الجمعية التي انضم لها أدباء وفنانون "من أبرزهم طه حسين وعباس العقاد" وفي وقت لاحق الممثلة نادية لطفي تضم 30 ألف عضو من المصريين ولهم عدة ألقاب "فعند انضمام العضو للجمعية يلقب بالحرحور أي الجحش الصغير ثم يحصل على رتبة أعلى حسب مجهوده، وقد يظل العضو 20 عاما دون أن يحصل على اللقب وهو (حامل البردعة) أي (حمار كبير)، ولم يحصل على هذا اللقب سوى ثلاثة أعضاء هم زكي طليمات وشكري راغب والمرسي خفاجي رئيس الجمعية الحالي"، وتسجل المجلة أنه "بفضل جهود أعضاء الجمعية أعيد فتح المعهد" وواصل طليمات جهوده في تطوير فن التمثيل والتي شملت عدة دول عربية حيث تولى إدارة المسرح القومي المصري في الأربعينات كما أشرف على فرقة البلدية في تونس في الخمسينيات وأشرف على فرقة المسرح العربي بالكويت في مطلع الستينيات، وتضيف أن الجمعية كادت أن تغلق عام 1986 عند وفاة آخر أعضائها المؤسسين وهو السيناريست والمخرج والممثل السيد بدير (1915-1986) ولكن جهود وزير الصحة المصري الأسبق محمود محفوظ أسهمت في استمرارها، وتقول المجلة إن الجمعية واجهت منذ تأسيسها مشكلة عدم اعتراف الحكومة بها بسبب اسمها الذي اعتبرته "غير لائق ولا يوافق التقاليد" وأصاب الإحباط أعضاء الجمعية "وفقدوا أهم صفات الحمير وهي الصبر والتحمل وقرروا تغيير اسم الجمعية ليتسنى إشهارها"، وتقدم الجمعية خدمات مختلفة منها محو الأمية وتشجير الأحياء وإنشاء الحدائق واستصلاح الأراضي لتمليكها للشبان وتنظيم الرحلات الداخلية والخارجية ورعاية المرضى من خلال عيادات أطباء من أعضاء الجمعية كما تقدم الأجهزة الطبية الحديثة هدايا للمستشفيات الحكومية.

الموت يغيب المبدعين

حيث قال صديق للكاتب المصري المستشار محمد سعيد العشماوي صاحب الكتب المثيرة للجدل حول "الإسلام السياسي" وأول من أطلق هذا المصطلح إنه توفي في صمت حيث عاش وحيدا بدون زواج، وقال حاتم السروي إن العشماوي كان تعرض يوم الجمعة الماضي لأزمة صحية شديدة ونقل إلى مستشفى بالقاهرة ثم توفي مساءً، ولد العشماوي عام 1932 والتحق بالعمل القضائي وبلغ منصب رئيس محكمة استئناف القاهرة ومحكمة الجنايات ورئيس محكمة أمن الدولة العليا، وكان العشماوي من أوائل الكتاب المصريين الذين أعلنوا بصراحة مواجهة الأفكار الدينية المتطرفة ووضعته بعض الجماعات الإسلامية المتشددة على قوائم الاغتيال، وللعشماوي نحو 30 كتابا بالعربية والإنجليزية والفرنسية ومنها (الإسلام السياسي) و(أصول الشريعة) و(الخلافة الإسلامية) و(العقل في الإسلام) و(الأصول المصرية لليهودية) و(العقل في الإسلام) و(روح العدالة) و(تاريخ الوجودية في الفكر البشري) و(ضمير العصر) و(جوهر الإسلام) و(الشريعة الإسلامية والقانون المصري) و(الصراع الحضاري بين العرب وإسرائيل) و(مصر والحملة الفرنسية).

فيما توفي الشاعر المصري الكبير أحمد فؤاد نجم أحد أبرز شعراء العامية والذي عرف بأشعاره المناهضة ذات النقد اللاذع لحكومات مصرية متعاقبة، وولد نجم عام 1929 في إحدى قرى محافظة الشرقية بشمال البلاد، وبعد وفاة أبيه ألحقته الأسرة بملجأ خيري يوفر للأطفال اليتامى والفقراء الإعاشة ويدربهم على تعلم بعض الحرف اليدوية، وفي سيرته الذاتية التي حملت عنوان (الفاجومي) روى نجم أنه ظل بالملجأ تسع سنوات ثم عمل ببعض المهن إلى أن عين بوزارة المواصلات ثم قبض عليه عام 1960 بتهمة الاشتراك مع زميل له في تزوير أوراق رسمية وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات تعرف خلالها على معتقلين شيوعيين، وفي السجن استمع نجم إلى قصائد لشاعر العامية المصرية البارز فؤاد حداد الذي كان في معتقل آخر ضمن ماركسيين اعتقلهم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1959، وبدأ نجم كتابة الشعر عام 1961 في سن الثانية والثلاثين ولفتت موهبته انتباه مسؤولي السجن فنظموا له أمسيات شعرية ونشرت قصائده في مجلة كانت تصدرها مصلحة السجون، وجمع قصائد ديوانه الأول (من الحياة والسجن) وتقدم به إلى إحدى المسابقات فأوصت الدكتورة سهير القلماوي رئيسة المؤسسة المصرية للتأليف والنشر (الهيئة المصرية العامة للكتاب حاليا) بنشره وكتبت له مقدمة، ومنذ نهاية الستينيات شكل نجم مع الملحن والمطرب الشيخ إمام عيسى (1918-1995) ثنائيا مزعجا للسلطات المصرية وأدت تلك الأغاني إلى اعتقالهما في عهد عبد الناصر وكذلك في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وكانت أولى قصائده المزعجة تسخر من عبد الناصر والنظام والجيش بعد احتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء في حرب 1967 ويقول في بعض سطورها.."يا أهل مصر المحمية بالحرامية.. الفول كتير والطعمية والبر عمار/ وكفاية أسيادنا البعدا.. عايشين سعدا.. بفضل ناس تملا المعدة وتقول أشعار/ أشعار تمجد وتماين.. حتى الخاين.. وان شا الله يخربها مداين عبد الجبار" في إشارة إلى عبد الناصر.

وفي المقابل حكم على نجم بالسجن بتهمة السخرية من السادات حيث كان يقلد طريقته في إلقاء قصيدته (بيان هام) التي تشير إلى وصفه للسادات باسم كودي هو "شحاته المعسل"، والمعسل في مصر هو التبغ المستخدم في تدخين النرجيلة وتبدأ القصيدة بتقديم المذيع.. "نقدم إليكم ولا تقرفوش/ شحاته المعسل بدون الرتوش/ شبندر سماسرة بلاد العمار/ معمر جراسن للعب القمار/ وخارب مزارع وتاجر خضار/وعقبال أملتك أمير الجيوش/ ما تقدرش تنكر تقول ما اعرفوش/ ما تقدرش أيضا تقول ما اسمعوش/ شحاته المعسل حبيب القلوب/ يزيل البقع والهموم والكروب/ يأنفس يأفين يبلبع حبوب/ ويفضل يهلفط ولا تفهموش/ وتفهم ما تفهم دا ما يهمناش/ لأن انت فاهم وعامل طناش/ ح تنكر وتحلف ح أقول لك بلاش/ ح تتعب دماغنا وتتعب كمان"، وفي القصيدة نفسها يلقي شحاته المعسل بيانا مطولا يتضمن إشارة إلى محمد رضا بهلوي شاه إيران الراحل الذي كان صديق السادات.."أخويا الأمير بزرميط الإيراني/ بعت لي السنة دي عزمني ودعاني/ أنا قبلت طبعا ورحت العزومة/ وكانت وليمة ما تحصلش تاني/ ما شفتش هناك ناس بتحقد عليهم ولا ناس بتشتم فلان الفلاني/ لأنه اشترى عزبتين من شطارته وحكمة إدارته/ ح يطلع لي عيل بدون أي حاجة/ ويعمل لي فلحس ويقعد يحاسب/ دا حقد اشتراكي أنا ما اقبلوش/ ولو هو ابني أنا ما اعتقوش"، وبسبب هذه القصيدة حكم على نجم في مارس اذار 1978 بالحبس سنة مع الشغل والنفاذ بتهمتي إهانة رئيس الجمهورية وإثارة الفتن. وظل نجم هاربا من تنفيذ الحكم أكثر من ثلاث سنوات إلى أن قبض عليه أثناء حملة طالت 1536 مثقفا وصحفيا وسياسيا من رموز المعارضة في سبتمبر أيلول 1981.

وفي عام 1974 استقبل نجم خبر وصول الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون إلى مصر في أول زيارة لرئيس أمريكي للبلاد بقصيدتيه (حسبة برما بمناسبة زيارة ابن الهرمة) و(شرفت يا نيكسون بابا) التي يقول في بعض سطورها.. "شرفت يا نيكسون بابا يا بتاع الووترجيت/ عملوا لك قيمة وسيما سلاطين الفول والزيت/ فرشوا لك أوسع سكة من راس التين على مكة/ وهناك تنفد على عكا/ يقولوا عليك حجيت"، وتزوج نجم عدة مرات وأنجب من الكاتبة البارزة صافي ناز كاظم ابنته الكاتبة والناشطة السياسية نوارة نجم عام 1973، وصمت نجم عن الشعر السياسي سنوات طويلة ثم عاد إلى مشاغباته في نهاية حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك بقصائد ساخرة منها (ألف سلامة لضهر سيادتك) بعد أن أغشي على مبارك خلال إلقائه كلمة في مجلس الشعب في نوفمبر تشرين الثاني عام 2003 وأجريت له جراحة في الظهر في ألمانيا في يونيو حزيران عام 2004، ثم كتب (عريس الدولة) بعد إعلان خطوبة جمال مبارك عام 2006 ويقول في مقطعها الأخير.. "يا عريس الدولة افرح واتهنى/ ما احناش كارهينك لكن هارشينك/ ح تكمل دينك وتطلع دينا"، وفي نهاية أغسطس اب الماضي اختارت المجموعة العربية في النداء العالمي من أجل مكافحة الفقر نجم ليكون ناطقا في المحافل الدولية باسم فقراء العالم العربي وسفيرا لفقراء العالم إلى جانب الزعيم الإفريقي نلسون مانديلا، وقال نجم بمناسبة اختياره بسخريته المعتادة إنه سيشكل حكومة عالمية من وزرائها السيد المسيح وعلي بن أبي طالب القائل "لو كان الفقر رجلا لقتلته" وأبو ذر الغفاري القائل "إذا جاع أحد فلا أمان"، وشارك نجم في الانتفاضة الشعبية التي أنهت حكم مبارك في مطلع 2011 ثم كان من أشد المعارضين لحكم الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين والذي عزل في الثالث من يوليو تموز بعد احتجاجات حاشدة في عموم البلاد، وعن حياة نجم صدر عام 2007 كتاب (شاعر تكدير الأمن العام.. الملفات القضائية للشاعر أحمد فؤاد نجم.. دراسة ووثائق) لصلاح عيسى. كما أخرج عصام الشماع عام 2011 فيلم (الفاجومي) الذي يستعرض حياة نجم.

السياسة والثقافة

على صعيد متصل وبعد عودة رئيسة دار الأوبرا المصرية إلى منصبها أصدر وزير الثقافة المصري قرارا يعيد رئيسي الهيئة المصرية العامة للكتاب ودار الكتب إلى منصبيهما ليلغي بذلك قرارات الوزير السابق الذي أقال أغلب قيادات الوزارة، وكان علاء عبد العزيز وزير الثقافة السابق أقال في مايو ايار الماضي أغلب القيادات واستبدل بهم وجوها أخرى رآها المثقفون "أخونة للثقافة المصرية" وأعلنوا تأسيس (جبهة الدفاع عن الثقافة المصرية) للتصدي لمحاولات "هدم الثقافة والدفاع عن الحريات" ثم بدأوا اعتصاما مفتوحا بمقر الوزارة في الخامس من يونيو حزيران حتى سقوط حكم الرئيس السابق محمد مرسي، وتحددت مطالب الاعتصام بإقالة عبد العزيز وإلغاء كافة قراراته ثم تصاعدت بالمطالبة بإسقاط نظام مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وقالت وزارة الثقافة في بيان إن الوزير محمد صابر عرب أصدر قرار بانتداب أحمد مجاهد المدرس بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة عين شمس للعمل رئيسا لمجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب، وسبق ان تولى مجاهد المنصب من مايو ايار 2012 حتى اقالته في مايو الماضي، واضاف البيان ان الوزير انتدب ايضا عبد الناصر حسن العميد السابق لكلية الآداب بجامعة عين شمس للعمل رئيسا لمجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، وسبق ان تولى حسن المنصب في مايو 2012 ايضا حتى اقاله عبد العزيز، وكانت عازفة الفلوت إيناس عبد الدايم أول العائدين إلى مناصبهم، وكانت مرشحة بقوة لتولي وزارة الثقافة في أول حكومة بعد الاحتجاجات الحاشدة في 30 يونيو حزيران والتي أدت إلى عزل مرسي، وأشارت إيناس عبد الدايم الى تدخل قوى محافظة دينيا لاستبعادها من تولي الوزارة وقالت "قبلت المنصب وبلغت بالموافقة وبحلف اليمين، وقبل حلف اليمين حصلت محادثة وتفهمت جدا الوضع لأنه ما من شك أنه مازالت هناك بعض الضغوط الخارجية والداخلية" ورفضت الخوض في تفاصيل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23/كانون الأول/2013 - 19/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م