قيم التقدم: الحوار المتكافئ

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: عبر رحلتها الطويلة والشاقة، تعلّمت البشرية الدرس جيدا، وفهمت ان الصراع والاقتتال والتصادم، قيم أكل عليها الدهر وشرب، وهي طرق موغلة في الغباء، حيث تنتهي بالجميع الى الخسارة الفادحة، وتترك الدمار والتخلف علامات دالة على انتصار الجهل والتعصّب، وغياب الحكمة، وإهمال الحوار المتكافئ، وهو القيمة الاساسية التي يمكن من خلالها، أن يحافظ الانسان على قيمته وحقوقه وشخصيته المتوازنة، فردا كان او مجتمعا، شريطة أن تتوافر ارادة قوية ذكية ومستقلة، تدير الحوار بكفاءة تامة بينها وبين الآخر.

بعض الفلاسفة، وجدوا في القوة بديلا للحوار، ونادوا بالحرب والاقتتال، وارتكزت افكارهم على التطرف، فقد دعا بعضهم الى فرض الارادة والرأي بالقوة، وذهب بعضهم الى أن الوسيلة الوحيدة التي تحفظ كيان الانسان والمجتمع، هي استخدام القوة ضد الآخرين، واذلالهم، واجبارهم على الخضوع بالقوة، وقد قدم لنا التاريخ دروسا بالغة الاهمية في هذا المجال، واثبت معظم الوقائع الكبرى في هذا المجال، بأن القوة مهما عظمت، ستبقى في طريقها الى الضعف والاضمحلال والزوال، فكثير من الامم القوية التي فرضت هيمنتها على العالم اجمع، انطفأ حضورها مع الزمن، وماتت حضارتها، بسبب القوة المفرطة وضعف الحوار واهماله تحت وطأة الغرور والطيش والشعور بالعظمة.

من هنا تعلّم الانسان درسا مهما من حروبه الكثيرة التي خاضها ضد نفسه، ومن صراعاته الساخنة والباردة حول فرض الارادات، فعرف أن الحوار هو الوسيلة النبيلة التي يمكنها ان تحقق للجميع كرامتهم واهدافهم وتحمي حقوقهم، على أن يتحلى الحوار بشرط أساسي هو التكافؤ بين الاطراف المتحاورة، ونعني بالتكافؤ، تعادل الكفتين بين المتحاورين، أما اذا ظهرت حالة فرض الارادات، وحاول احد الاطراف أن يفرض رأيه ومنهجه ومقترحاته وافكاره بالقوة على الطرف الاخر، فإن قيمة الحوار هنا ستكون ضعيفة ولا تحقق النتائج المتوقعة حتى لو تم معالجة مشكلة ما بالحوار، والسبب هو غياب التكافؤ بين الاطراف المحاورة.

ولهذا نلاحظ أن مجتمعاتنا العربية والاسلامية تضعف فيها قيمة الحوار بعض الشيء، وتنظر للحوار على انه تعبير عن حالة ضعف وتراجع، في حين ترى المجتمعات المتطورة ان تحقيق الاهداف الصعبة بالحوار هو الطريقة الافضل، أما بلوغ مرحلة الحرب والاقتتال، فهو دليل على فشل المتحاورين في الاستخدام الجيد لقيمة الحوار، وغالبا ما تعود اسباب فشل الحوار، الى غياب التكافؤ ومحاولات فرض الارادات، وهو اسلوب لا يعبر عن وعي انساني متقدم، لانه ينتمي الى نوع من الغطرسة لم تعد روح العصر تتماشى معها او تستسيغها.

من الخطوات المهمة التي ينبغي القيام بها، والتشجيع عليها، أن تبادر الجهات المعنية في مجتمعاتنا، ونعني بها الجهات والمنظمات الرسمية والاهلية، الى زرع روح الحوار في نفوس الناس منذ بدايات النشوء، بمعنى من الافضل أن تنمو شخصية الطفل وتتشكل فيها منظومة قيم مجتمعية، من بينها اللجوء الى الحوار مع الاقران والوسط الذي يتحرك فيه الانسان، لحل المشكلات التي قد تظهر هنا او هناك، والابتعاد عن الصراع، واللجوء الى لغة هادئة واضحة يؤطرها الذوق والحس الانساني، لكي تؤدي مفعولها الصحيح لدى المتحاورين.

نعم فالحوار البنّاء يستدعي لغة هادئة وبعيدة عن الغموض ولا تسمح باللف والدوران، حتى تؤدي دورها التام في زرع الثقة بين الاطراف المتحاورة، وعندما يتعلم الطفل فن الحوار، سوف تنمو هذه القيمة وتحضر معه في مراحل حياته المتعددة، وتجعل سلوكه معتمدا على التحاور مع الاخرين بشكل تام، ومع نشر هذه القيمة المتطورة بين اكبر عدد من الناس والجماعات المتنوعة في المجتمع، سوف نلمس الاثر الكبير الذي تتركه قيمة الحوار المتكافئ على حياة المجتمع والافراد معا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 18/كانون الأول/2013 - 14/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م