انتهاكات العمالة في الخليج.. تعسف مورث منذ القدم

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: ما بين العمالة والمهن تجد تداخل عجيب لحرفة اللغة في وصف معانيها ومرادفاتها، المهنة تجمع بين طياتها الامتهان والضعف والابتذال الى جانب الحرفة والحذاقة والمهارة، العمالة من اجرة العامل وحرفته الى جانب معناها القريب من التجسس والتأمر.

اللغة لسان حال لنتاج مجتمع يعتمد على موروثاته وبيئته، قد يمجد "هذه الموروث" أشياء ويذم أخرى في تناقض يوضح التأثير الذي تمارسه هذه السلطة.

العرب عامة والخليج خاصة لا يبتعدون كثيراً عن هذا الصورة، ولعل ما اثير مؤخراً من انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان الأجنبي العامل في دول الخليج والطريقة التي تعاملت بها الدولة معهم يكشف مدى القسوة والعنف غير المبرر ضدهم، ويوضح ما درج عليه القوم من التعامل مع المهنة والاجير.

الاحترام والتقدير هو العنوان الذي يجب ان تنطوي تحته العلاقة بين الاجير ورب العامل، فالجهد مقابل المال لا يعني إهانة العامل والتسلط عليه او تحقيره بسبب العمل وطبيعة المهنة، ولكن هذا الامر تجده بعيداً عن التطبيق في (السعودية وقطر)، حيث المثال الأبرز الذي تجسده الانتهاكات ضد العمالة الوافدة من الدول الفقيرة والمنهكة اقتصادياً، كما نرى ذلك في التقرير الآتي.

نظام الكفالة

حيث تجسد قضية لاعب كرة القدم الفرنسي الجزائري زاهر بلونيس الذي عجز طوال سنة عن مغادرة قطر بسبب عدم حصوله على اذن بالخروج، الجدل حول نظام الكفالة المعتمد في دول الخليج والذي يمكن ان يضع العمال الاجانب تحت رحمة ارباب العمل، ويتعرض نظام الكفالة لانتقادات قاسية من المنظمات الحقوقية التي تصفه بانه شكل من اشكال العبودية الحديثة، فيما يتخذ هذا النظام اشكاله القصوى في السعودية وقطر حيث يتعين على الاجانب الحصول على موافقة الكفيل للحصول على اذن بالخروج من البلاد، وقال جيمس لينش من منظمة العفو الدولية ان نظام الكفالة "يحفز التجاوزات والاستغلال"، كما يسمح نظام الكفالة بتفشي ظاهرة الاتجار بالتاشيرات من قبل الكفلاء المواطنين، مع العلم ان الاجانب يشكلون حوالى نصف سكان دول مجلس التعاون الخليجي البالغ عددهم 47 مليون نسمة، وقال لينش "اذا ما اكتشف العامل الاجنبي انه خدع بالنسبة لشروط عمله بعد توظيفه، او اذا وجد انه يعاني من ظروف عمل واقامة يشوبها الاستغلال من قبل رب العمل"، ليس بامكانه تغيير عمله من دون موافقة الكفيل، وفي السعودية وقطر، يتعين على العامل الاجنبي الحصول على موافقة الكفيل لاستصدار اذن بالخروج في كل مرة يرغب فيها بمغادرة البلاد، ووصف لينش المتخصص في موضوع العمالة في دول الخليج، هذا التدبير بانه "يمكن ان يعرض الشخص لاستغلال خطير"، وظل بلونيس عالقا في قطر لفترة طويلة بسبب رفض كفيله اي النادي الذي كان يعمل فيه، اعطاءه الاذن لمغادرة البلاد وذلك بسبب خلاف مع النادي حول الراتب، وبحسب محامي بلونيس، فقد اضطر هذا الاخير لتوقيع رسالة "تسريح مبكر" ليتمكن من السفر الى فرنسا حيث ينوي مقاضاة كفيله، واذا كانت حالة بلونيس حظيت باهتمام اعلامي كبير، الا ان الكثيرين يعانون في صمت، وقال الفلسطيني الموظف في السعودية محمود عبدالرحيم "شقيقتي الصغرى توفيت في غزة الصيف الماضي، ولم اتمكن من الحصول على تاشيرة خروج وعودة في الوقت المناسب للمشاركة في التشييع". بحسب فرانس برس.

وقال لينش ان "تاثير نظام الكفالة يكون اكثر خطورة للذين يعملون في وظائف برواتب منخفضة والذين يواجهون صعوبة في المطالبة بحقوقهم" مشيرا بشكل خاص الى العمال في قطاع الانشاءات وخدم المنازل، وهم يشكلون جزءا كبيرا من العمال الوافدين في الخليج وغالبيتهم من آسيا، وقال لينش "ان خدم المنازل معرضون لاكبر مخاطر بالنسبة للاستغلال لانهم في معظم دول مجلس التعاون الخليجي لا تشملهم احكام قانون العمل"، ونددت منظمة هيومن راتيس ووتش مؤخرا باقدام الكفلاء على مصادرة جوازات سفر خدامهم وعلى احتجاز رواتب مستحقة او على اجبارهم على العمل، وفي السعودية، واكد الناشط المدافع عن حقوق الانسان وليد ابوالخير في تصريحاته ان نظام الكفالة هو "نظام رق جديد"، ودعا الى "الغاء هذا النظام بشكل كامل او تطبيق مبدا المعاملة بالمثل"، ويواجه عدد كبير من الوافدين صعوبات ناجمة عن احكام نظام الكفالة تحول دون نجاحهم في تسوية اوضاعهم القانونية في المملكة التي تنفذ حملة ضد المقيمين بشكل غير شرعي منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وقد اطلقت هذه الحملة بعد انتهاء فترة سماح لتسوية اوضاع العمال الذين يقيمون بشكل غير شرعي او الذين يعملون لدى جهة غير كفيلهم، والبحرين هي الدولة الخليجية الوحيدة التي الغت نظام الكفالة، الا ان دولا خليجية اخرى اتخذت تدابير لتحسين ظروف العمال، وذلك خصوصا بسبب ضغط المنظمات الحقوقية، ففي الامارات كما في الكويت، يحظر القانون على ارباب العمل منع موظفيهم من مغادرة البلاد الا في حال وجود قرار من المحكمة، كما يحظر الاحتفاظ بجوازات سفر الموظفين او احتجاز رواتبهم، بحسب ما اكد ناشطون حقوقيون، وقال محمد سالم الكعبي من جمعية الامارات لحقوق الانسان انه في الامارات "يمكن للعامل الاجنبي ان يغير كفيله ضمن شروط"، من جهته، قال محمد الحميدي مدير الجمعية الكويتية لحقوق الانسان ان الكويت تعتمد تدبيرا مشابها الا ان "دول الخليج لا تحترم الاتفاقات الدولية التي وقعت عليها حول حماية العمال".

الترحيل القسري

فيما تواصل السلطات السعودية المعنية عمليات ترحيل العمالة الاجنبية المخالفة لنظام الاقامة والعمل بعد اربعة اسابيع من بدء الحملات الامنية التي تتخللها احتجاجات في بعض الأحيان، واعلنت شرطة جدة ان عددا من الاثيوبيين القابعين في مركز مخصص لايوائهم في منطقة الشميسي بين مكة وجدة خرجوا الى الطريق السريع، واضافت ان قوات الطوارئ في الشرطة تمكنت من اعادتهم الى المركز بعد حوالى ساعتين من دون وقوع اصابات او اعتقالات، يذكر ان اعمال شغب وقعت في حي منفوحة الشعبي في الرياض قبل اسابيع مع بدء الحملات الامنية للتفتيش عن العمالة الاجنبية المخالفة ما ادى الى سقوط قتلى وجرحى في صفوف الاثيوبيين، وقد اعلنت السلطات المعنية قبل اسبوع عن ترحيل اكثر من 56 الف مخالف لنظام الاقامة والعمل بعد ثلاثة اسابيع من بدء الحملات، في حين كان عدد الذين نقلوا الى مراكز مخصصة بانتظار انتهاء اجراءاتهم حوالى 83 الفا، واشارت الى ان غالبية المرحلين من اثيوبيا، ويذكر ان الاف الاثيوبيين سلموا انفسهم في اعقاب اعمال شغب ومواجهات ادت الى مقتل ثلاثة منهم في منفوحة، معقلهم الرئيسي في الرياض، وتكررت اعمال الشغب التي تخللتها مواجهات منذ انطلاق حملات الدهم عن العمالة الاجنبية المخالفة، وكان وزير الخارجية الاثيوبي دينا مفتي اعلن اعادة اكثر من 50 الفا من الذين يعملون في السعودية، وقال "توقعنا رقما اساسيا من 10 الاف شخص، لكن العدد لم يكف عن الارتفاع" موضحا انه بات يتوقع اعادة 80 الف شخص في الاجمال، وقد ابدى مواطنون ومقيمون تذمرهم من ان الحملة أدت الى قصور في بعض الخدمات خصوصا وتزامن ذلك مع ارتفاع في الأسعار، وبدأت السعودية بطرد العمال الاجانب المخالفين لنظام الاقامة والعمل بعد انقضاء مهلة سبعة اشهر منحتها لهم لتسوية اوضاعهم او مغادرة المملكة، وفي هذا السياق، غادر حوالى مليون عامل اجنبي مخالف المملكة منذ مطلع العام الحالي، يشار الى وجود ما لا يقل عن تسعة ملايين وافد في المملكة تشغل غالبيتهم العظمى وظائف برواتب متدنية للغاية لا يقبلها السعوديون، وافادت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الاثيوبية ان معظم المهاجرين من اثيوبيا نساء، وتقدر عدد الاثيوبيات الباحثات عن عمل في الخارج خلال 2012 بنحو 200 الف، وافادت منظمة العمل الدولية ان المهاجرين الاثيوبيين في الشرق الاوسط يتعرضوا الى عنف جسدي ومعنوي وظروف عمل مشينة ويتقاضون رواتب بخسة ويتعرضون الى التمييز.

ودعا ملك السعودية عبد الله الاجهزة الامنية الى تطبيق الانظمة بحق العمالة الاجنبية المخالفة "حفاظا على امن الوطن" فيما اعلن مصدر رسمي ان اعداد المرحلين بلغت اكثر من ستين الفا في أسبوعين، ونقل وزير الداخلية الامير محمد بن نايف خلال اجتماع للجهات المشاركة في الحملة الأمنية لتطبيق نظام الإقامة، عن الملك تاكيده ضرورة "الاستمرار في هذه الحملات وعدم ربطها بمدة محددة حفاظا على امن الوطن ومقدراته"، كما طلب "تطبيق ما تقضي به الأنظمة والتعليمات بحق مخالفي نظامي العمل والإقامة والمتسللين حتى يتم تصحيح الوضع بشكل نهائي"، واشاد الملك ب"الجهود التي يبذلها رجال الأمن والجهات الحكومية الأخرى المساندة لتطبيق النظام بحق المخالفين وما أسفرت عنه من نتائج إيجابية ملموسة"، من جهة اخرى، اشار مصدر رسمي الى ان نتائج الحملات اسفرت عن "ترحيل ما يزيد عن ستين ألفا من مخالفي نظام الإقامة والعمل مع معالجة أوضاع أعداد أخرى من المتواجدين في مراكز الإيواء تمهيدا لترحيلهم". بحسب فرانس برس.

وتواجه السعودية تحديا كبيرا متمثلا في كيفية ترحيل نحو مليون عامل غير قانوني في أرجاء المملكة، ومنذ بدء أكبر حملة أمنية تستهدف المخالفين لقوانين الإقامة من مختلف الجنسيات مطلع الشهر الجاري (نوفمبر/تشرين ثان)، تلاحق السعودية اتهامات بانتهاكات لحقوق الإنسان، خدمة الهاوسا في بي بي سي، الموجهة للناطقين بلغة الهوسا في شرق إفريقيا، تحدثت عبر الهاتف مع أحد العاملين النيجريين المخالفين في مكان احتجازه في منطقة بين مدينتي جدة ومكة، ويشكو الرجل المحتجز من أكثر من أسبوعين من ظروف احتجاز سيئة وغير إنسانية خاصة قلة الطعام والشراب، ويقول: "نحن محتجزون في مكان إيواء موقت بين جدة ومكة منذ أكثر من أسبوعين، هناك ما يقرب من ألف نيجري بينهم نساء وأطفال، هناك أيضا مسنون لا يستطيعون الحركة. المكان مكتظ بالمحتجزين، لا يمكنك حتى الصلاة، ولا يوجد طعام كاف لكل محتجز"، ويضيف الرجل أيضا إن سفارة بلاده لم تولي اهتماما لظروف احتجازهم الصعبة، "الدول التي لها رعايا محتجزون في السعودية كإيثوبيا، وباكستان، واندونيسيا، وبنجلاديش تتابع أحوالهم، لكننا لم نرى مسؤولا من نيجريا يسأل أو يطمئن علينا، والآن ننتظر الترحيل في أي وقت".

اباحة الاستغلال

من جانب اخر قالت منظمة العفو الدولية إن الانتهاكات متفشية في قطاع البناء في قطر حيث يتعرض العمال المهاجرون لاستغلال بشع ويعاملون "مثل الماشية" ويعيشون في مساكن سيئة، وتستضيف قطر نهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 2022 وطلبت منظمة العفو الدولية من الاتحاد الدولي لكرة القدم التعاون مع السلطات القطرية للقضاء على الانتهاكات بحق العمال وأغلبهم من جنوب آسيا، وقال سليل شيتي الأمين العام لمنظمة العفو الدولية "إن النتائج التي توصلت اليها المنظمة تشير الى انتشار الاستغلال الى حد يثير القلق في قطاع البناء في قطر"، وأضاف "من واجب الاتحاد الدولي لكرة القدم أن يوجه رسالة قوية الى الكافة مؤداها أنه لن يتسامح مع انتهاكات حقوق الإنسان في مشروعات البناء المتعلقة ببطولة كأس العالم"، ومضى يقول "من غير المقبول بالمرة في بلد من أغنى بلدان العالم أن يتعرض هذا العدد الكبير من العمال الأجانب لاستغلال وحشي وأن يحرموا من تقاضي أجورهم وأن يتركوا ليعانوا أشد المعاناة في تدبير أمور معيشتهم"، وأضاف "العمال الأجانب يلاقون الخذلان من شركات الإنشاءات ومن السلطات القطرية على حد سواء، وقد أبدى أصحاب الأعمال في قطر استخفافا مروعا بالحقوق الإنسانية الأساسية للعمال الأجانب"، ومنظمة العفو هي أحدث من يسلط الضوء على معاملة العمال المهاجرين في قطر بعد تقارير مشابهة نشرتها صحيفة الجارديان البريطانية والاتحاد الدولي للنقابات، وقالت المنظمة إنها أجرت مقابلات مع نحو 210 عمال مهاجرين في قطاع الإنشاءات خلال زيارتين للبلاد في اكتوبر تشرين الاول 2012 ومارس اذار 2013، كما عقدت لقاءات مع 22 شركة تعمل في مشاريع بناء والتقت بممثلين للحكومة في اكثر من عشر مناسبات، وقال التقرير إن الانتهاكات تشمل "عدم دفع الأجور وظروف العمل القاسية والخطيرة والمستوى الفظيع للسكن". بحسب رويترز.

وفي وقت سابق دعا مسؤول بالأمم المتحدة قطر الى إلغاء نظام الكفيل الذي يمنع الموظفين من الانتقال من وظيفة لأخرى او مغادرة البلاد دون إذن الكفيل، ويحتفظ الكفيل بجواز سفر الموظف المغترب خلال فترة تعاقده، وقال شيتي "اجتمعنا مع رئيس الوزراء ووزير العمل ومسؤولين آخرين ولم ينفوا جميعا أن هناك مشكلة لكنهم لم يقدموا اي التزام وهذا هو ما نحتاجه"، وقالت المنظمة إن باحثيها التقوا مع عشرات من عمال البناء الذين منعهم مستخدموهم من مغادرة البلاد لعدة اشهر، وذكر التقرير أن في احدى الحالات قال عمال نيباليون يعملون لحساب شركة تنقل إمدادات مهمة لمشروع إنشائي يرتبط بمقر الفيفا المزمع إقامته لنهائيات كأس العالم إنهم "يعاملون كالماشية" وأضاف أنهم يعملون لما يصل الى 12 ساعة في اليوم وسبعة ايام في الأسبوع في درجات حرارة الصيف الشديدة في قطر، وقال جيمس لينش الباحث بالمنظمة المتخصص في حقوق المهاجرين في الخليج للصحفيين خلال مؤتمر صحفي بالدوحة إن العامل يضطر لدفع 600 ريال (165 دولارا) ليقدم شكوى للمحاكم المحلية وهو مبلغ لا يستطيع كثيرون دفعه، ووجد باحثون أن العمال المهاجرين يعيشون في مساكن بائسة ومكتظة دون مكيفات للهواء ويتعرضون لطفح مياه الصرف وخزانات الصرف الصحي المكشوفة، وقالت المنظمة "شهد الباحثون توقيع 11 رجلا أوراقا امام مسؤولين حكوميين يؤكدون فيها كذبا أنهم حصلوا على أجورهم" ليستردوا جوازات سفرهم ويغادروا قطر، وقال الاتحاد الدولي لكرة القدم إن احترام حقوق الإنسان جزء من عموم أنشطته. وأضاف في بيان "هدف الاتحاد الدولي لكرة القدم هو أن تضمن الدول المضيفة لحدثنا المهم ظروف عمل صحية وآمنة وكريمة لجميع المواطنين والأجانب بما في ذلك عمال البناء الذين يشاركون في الإعداد للحدث".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16/كانون الأول/2013 - 12/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م