العنف القلبي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لا يقتصر العنف على كل فعل موجه الى الاخر (جسدي – معنوي) بل يمكن ان يكون موجها نحو (الذات) ويعمل على تدميرها من الداخل. وما مظاهره الخارجية الا تعبير عن الحد الأقصى من التوتر الذي لا تستطيع تحمله الذات فينفجر في وجوه الاخرين..

لماذا قتل الشمر الحسين عليه السلام؟، لانه كان لا يتحمل كل هذا الطهر والنبل على وجه الأرض.. انه ممتلئ بالحقد يجيء الى الجسد الذي اثخنته الجراح، ويحتز ذلك الراس الشريف.. لم يكن فعل الشمر الا تعبير عن الذروة القصوى للعنف القلبي الذي كان يضطرم فيه.. ولو كانت الكراهية وحدها لكان ذلك مفهوما في نطاق العواطف الإنسانية، وربما كانت تجليات ذلك الكره اقل من ان تستدعي قطع الراس الشريف، وفي حياة جد الحسين وابيه مواقف كثيرة لهذا الكره لهما من قبل الاخرين، يضمره هؤلاء في قلوبهم ولا يظهرونه ومن ذلك استحقوا لقب المنافقين، الا هند زوجة ابي سفيان ووالدة معاوية، لم تستطع أيضا ان تقف عند حافة الكره لحمزة بن عبد المطلب، بل أظهرت حقدها الدفين عليه بعد قتله بايعاز منها، وكان جائزتها الكبرى، تفجر حقدها مضغا لكبده، لتحمل لقبا يبقى ملازما لها وهو (آكلة الاكباد).

في العودة الى نقطة ابعد من واقعة الطف وكربلاء المقدسة، الى المدينة المنورة وغزوة الأحزاب او الخندق الشهيرة، وبعد ان تمكن الامام علي عليه السلام من عدو الإسلام عمرو بن ود العامري، شاهد المسلمون بتعجب يد الامام تتوقف عن الاجهاز على عدوه، ما الذي كان يدور في ذهن الامام علي عليه السلام؟

لم يجهز عليه الا بعد أن ذهبت سورة غضب الامام (الشخصي) لتصرف قام به عمرو بن ود، وكانت لحظات التوقف هي لحظات تأمل، بين ان يترك يده تنهال بالضربة القاتلة غضبا لنفسه او يتمهل فيها وتكون ضربته تلك غضبا لله سبحانه وتعالى.

عجيب هو القلب البشري الذي يضم الكثير من التناقضات بين كل خفقة وأخرى، مابين الحب والكره والحقد والغضب والغل والغلظة والرقة، قليلون امتلكوا كل المشاعر الخيرة في قلوبهم، واخرون لم يستطيعوا ذلك، لينعكس على تصرفاتهم وسلوكهم واقوالهم، عنفا ماديا او معنويا.. ما هي الكراهية؟.

الكراهية (في لسان العرب لابن منظور) من الكَره ما أكرهك غيرك عليه، والكُره ، ما أكرهت نفسك عليه، وهي تكلف المشقة وتحملها، والمكاره ما يكرهه الإنسان ويشق عليه، والمكروه ضد المحبوب.

والكراهية حالة انفعالية سلبية لتعارضها مع حاجات الفرد ودوافعه ومعتقداته ويمكن أن تتحول إلى سلوك موجه ضد الموضوع المكروه.

والكراهية في الفلسفة عاطفة نفور، فالشخص الذي يشعر بهذه الكراهية يريد أن يري الشخص المعني مدمرا بأي ثمن أو أن يكون بعيدا عن نظره. هذا النفور يعد رغبة سلبية تتمسك بتحدي دفاعي وهجومي للفرد تجاه هدفه الذي يثير حنقه، هكذا يكون الفرد على الدوام في رد فعل مع ذلك الشخص الذي يكن له كراهيته بل ويصبح هاجسا لأنه يعتبره (سيئا).

ما هو الحقد؟.

انه إمساك العداوة في القلب والتربص لفرصتها.

وهو أيضا: طلب الانتقام وتحقيقه. وقيل: هو سوء الظن في القلب على الخلائق لأجل العداوة.

وله مرادفات عديدة في اللغة:

فهو الضغينة، وهي الحقد الشديد أو الحقد المصحوب بالعداوة.

وهو النقمة، وهي الكراهية التي تصل إلى حد السخط.

وهو الغِل: وهو الحقد الكامن في الصدر.

من عدم القدرة على الانتقام أو فشل النفس في الدفاع عن نفسها يتكون الحقد داخل تلك النفس مما يحفزها على الانتقام والذي يصبح أسلوبا في حفظ الكراهية ورغبة الانتقام حتى فترة طويلة ورغم تغير الظروف وتغير الاحداث فينموا في النفس كالحياة في الروح.

ماهي القَسْوَةُ؟

انها الغِلَظُ والصَّلاَبةُ والشدَّةُ في كل شيء.

وهي جمودُ القلب وشدته التي تذهب برحمته وعاطفته.

الغلظة مرادفة للقسوة، فهي حين تقال للرجل الغليظ فانها تعني، غير لين ولا سلس، وهو ذو قساوةٍ وشدةٍ، وغلظ القلب: قساوته، وقلة إشفاقه،وعدم انفعاله للخير.

والقسوة على حد تعبير (وين داير) في كتابه (غيّر افكارك تتغير حياتك) هي احد مكونات الموت..

قد تكون تلك القسوة المعنية هي الشكل الذي يتخذه الموت، كما في حالة الحسين واهل بيته عليهم السلام، او في ما يستدعيه من حالات فراق للاحبة، وليس جوهر الموت ومآلاته، حيث هو رحلة الى عالم اخر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16/كانون الأول/2013 - 12/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م