أميركا ومعضلة الطائرات بدون طيار

بيتر سنجر

 

في الشهر الماضي، سافر فيصل بن علي جابر من بيته في اليمن إلى واشنطن العاصمة لكي يسأل لماذا أطلقت طائرة بدون طيار تابعة للولايات المتحدة صواريخها على شقيق زوجته وقتلته، وهو رجل الدين الذي تحدث علناً ضد تنظيم القاعدة. كما قُتِل في ذلك الهجوم ابن شقيق جابر، وهو رجل شرطة أتى ليقدم الحماية لعمه.

وقد التقى نواب من الكونجرس ومسؤولون حكوميون بجابر وأعربوا له عن تعازيهم، ولكنهم لم يقدموا له أية تفسيرات. ولم تعترف الولايات المتحدة بأنها ارتكبت خطأ.

وبعد أسبوع، قدم الجنرال جوزيف ف. دانفورد الابن قائد قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أفغانستان اعتذاره بعد هجوم بطائرة بدون طيار أسفر عن مقتل طفل وإصابة امرأتين في إقليم هلمند بأفغانستان إصابات خطيرة. وكان توقيت الواقعة مؤسفاً بشكل خاص، حيث تزامن مع الجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاق يقضي باستبقاء بعض التمركزات للقوات في أفغانستان بعد الموعد المقرر لرحيل القوات المقاتلة الأجنبية في عام 2014. وقد أشار الرئيس الأفغاني حامد كرزاي إلى وقوع ضحايا بين المدنيين على أيدي القوات الأميركية بوصفه سبباً لعدم التوقيع على الاتفاق. وفي بيان أصدره كرزاي بعد الغارة قال: "لسنوات طويلة ظل أبناء شعبنا يُقتَلون وتُهدَم بيوتهم تحت ذريعة الحرب ضد الإرهاب".

إن الحرب ضد الإرهاب حقيقية بما فيه الكفاية، وليست مجرد ذريعة، ولكن هذا ينطبق أيضاً على الخسائر بين المدنيين طيلة سنوات. وقد كتبت عن هجوم صاروخي أميركي على منزل في دامادولا، وهي قرية باكستانية بالقرب من الحدود الأفغانية، والذي أسفر عن مقتل ثمانية عشر شخصا، بينهم خمسة أطفال. ولم يعتذر الرئيس جورج دبليو بوش آنذاك، ولم يوبخ أولئك الذين نفذوا الهجوم. وكان من الصعب، كما أشرت، التوفيق بين هذا وبين تأكيداته (بشأن أخلاقيات تدمير الأجنة البشرية لتخليق الخلايا الجذعية) بأن رئيس أميركا يتحمل "التزاماً مهماً بتعزيز وتشجيع احترام الحياة في أميركا وفي مختلف أنحاء العالم".

قبل أن يصبح باراك أوباما رئيسا، قال إنه بسبب عدم وجود قوات برية كافية للولايات المتحدة على الأرض في أفغانستان فإن "شن الغارات الجوية على القرى وقتل المدنين كان هو السبب وراء المشاكل الهائلة هناك". وكما يُظهِر بيان كرزاي، فإن نفس المشاكل لا تزال قائمة.

ولم تقتصر المشاكل على أفغانستان، فالخسائر المدنية الناجمة عن هجمات الولايات المتحدة كانت مصدراً رئيسياً للصعوبات في العلاقات الأميركية الباكستانية. ففي سبتمبر/أيلول، أصدر بين إيمرسون، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب تقريراً مفاده أن الولايات المتحدة تسببت في 400 وفاة على الأقل بين المدنيين في باكستان، فضلاً عن 200 وفاة أخرى من أولئك الذين قتلوا بوصفهم "غير مقاتلين محتملين". (بعيداً عن مشكلة معرفة من الذي قُتِل، هناك المسألة المنفصلة حول كيف في حرب بلا جيوش يستطيع المرء أن يحدد من ينطبق عليه وصف مقاتل. فهل يجعلك طهي الطعام للمقاتلين هدفاً للقتل؟).

يستمد تقرير إيمرسون الأرقام من وزارة الخارجية الباكستانية، ولكن وزارة الدفاع الباكستانية سرعان ما خفضت هذه الأرقام فنشرت أرقامها الخاصة التي أشارت إلى أن 67 فقط من أصل 2227 شخص قتلوا بواسطة طائرات بدون طيار منذ عام 2008 كانوا من المدنيين. وقد أدهش هذا الرقم المنخفض العديد من المراقبين.

في شهر مايو/أيار الماضي، في كلمة ألقاها في جامعة الدفاع الوطني، دافع أوباما عن استخدام أميركا للطائرات بدون طيار. فقال إن الولايات المتحدة هوجمت في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، لذا فإن الحرب التي تشنها ضد تنظيم القاعدة وحركة طالبان والقوات المرتبطة بهما حرب عادلة. وفي إشارة إلى المعايير الأساسية التي تم توضيحها في العديد من المناقشات حول مبدأ "الحرب العادلة" التقليدي، وصفها أوباما بأنها "حرب متناسبة شُنَّت كملاذ أخير ودفاعاً عن النفس".

وقد يصدق هذا في وصف الحرب ضد القاعدة؛ ولكن الأمر ليس واضحاً إلى هذا الحد عندما يتعلق الأمر بحركة طالبان. فبرغم حكمها البغيض لأفغانستان، فإن حركة طالبان لم تهاجم أميركا، ولم تكن الحرب التي شنها بوش ضدها حرب الملاذ الأخير.

وقد أقر أوباما بأن أناساً أبرياء قتلوا في غارات شنتها طائرات أميركية بدون طيار، ولكنه دافع عن الضربات على أساس أنها من خلال القضاء على عناصر تنظيم القاعدة أفسدت مخططات إرهابية وأنقذت الأرواح. وأشار إلى أن عدد المسلمين الذين قتلتهم الهجمات الإرهابية التي شنها تنظيم القاعدة "ضئيل للغاية مقارنة بأي تقدير لعدد الضحايا المدنيين نتيجة للهجمات بطائرات بدون طيار".

وأضاف أوباما أن عدم القيام بأي شيء "ليس خياراً متاحا". ثم ناقض رأيه شخصياً منذ 2007، فقال "إن وضع قوات برية على الأرض أيضاً ليس من المرجح أن يؤدي إلى خسائر أقل بين المدنين مقارنة بغارات الطائرات بدون طيار. فالقيام بذلك لن يؤدي إلا إلى اعتبار الولايات المتحدة جيش احتلال ــ وهو التصور الذي من شأنه أن يسفر عن "سيل من العواقب غير المقصودة".

ولكن أوباما وعد بتغيير السياسة، مشيراً إلى أنه قبل تنفيذ أي ضربة سوف يطلب "شبه اليقين بأن لا أحد من المدنيين قد يُقتَل أو يُجرَح ــ أعلى مستوى يمكننا تحقيقه من الدقة".

ومنذ ذلك الخطاب، انخفضت وتيرة الهجمات في اليمن وباكستان، ولكن استمرت الخسائر في صفوف المدنيين، ولو بمعدل أقل. ومن الواضح أن معيار "شبه اليقين" لم يلب.

ما دام تنظيم القاعدة يخطط لشن هجمات إرهابية، فلا يجوز لأي شخص يشعر بالمسؤولية أن يطالب الولايات المتحدة بالتخلي عن الفرص التي تسنح لها لقتل زعماء التنظيم وغيرهم ممن ينفذون هذه الهجمات. ولكن أوباما وعد بقدر أعظم من الشفافية، وهو العنصر الذي يُعَد ضرورة أساسية لأي مناقشة سليمة راسخة حول محاسن ومساوئ الهجمات بطائرات بدون طيار، والسيطرة الديمقراطية على الكيفية التي تخوض بها الولايات المتحدة حربها ضد الإرهاب. بيد أن رفض الإدارة الأميركية تقديم الاعتذار لجابر، أو حتى شرح ما حدث من خطأ، يشير إلى أن هذا الوعد أيضاً لم يُحتَرَم.

* أستاذ أخلاق الطب الحيوي بجامعة برينستون

http://www.project-syndicate.org/

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16/كانون الأول/2013 - 12/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م