التشدد والتطرف والجذور الأموية

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: ابتليت الأمة بظاهرة التشدد والتطرّف خلال مراحل عديدة من تاريخها، فأصبحت كالجسد المبتلى بداء عضال ومزمن، تعشعش فيه الفيروسات وتهدده بالموت البطيء. بينما في الوجه الآخر لهذه الأمة نرى الرحمة والحكمة والشفقة والسلام، وكل ما يعبر عن اللّيونة والاعتدال والتوازن.. والقرآن الكريم، خير من يحدد هوية الأمة لابنائها لمزيد من التثقيف وتعزيز  الثقة في النفس، ولتكون الصورة واضحة للعالم أجمع. "ادعو الى ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" (سورة النحل /156). والآية الكريمة الاخرى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر.." (سورة آل عمران /110).

بمعنى أن الشعوب والأمم الاخرى، من المفترض، عندما تسمع بالاسلام، تقرأ فيه قيم الخير والمحبة والفضيلة، وما يدعو الى الحياة السعيدة، وعندما تجد الانسان المسلم والمؤمن، ترى تجسيداً – الى حدٍ ما- للقيم الأخلاقية والإنسانية، حيث يتعامل الإنسان المسلم مع الامور والقضايا باعتدال وانصاف ومنطقية، تضع الامور في نصابها  الصحيح.

فما الذي شوّه هذا الوجه الناصع الذي رسمه الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، بجهده المضني ونضاله الاستثنائي؟.

انه الطمع السياسي والوصول سريعاً الى كرسي الحكم، ولو كان على رقاب الناس، وبسفح الدماء واضطهاد المعارضين، بل وتجاوز قيم الحق والعدالة والفضيلة. فأساليب القسوة والعنف من شأنها ان تكسب صاحبها الطاعة والانصياع بدافع الخوف، وخلال فترة زمنية قياسية.

وهذا ما اتبعه الأمويون لدى استيلائهم على مقدرات الأمة من بعد استشهاد أمير المؤمنين، وابنه الحسن المجتبى، عليهما السلام، فمن اين لهم أن يأتوا بالابتسامة وجميل الكلام وحسن المعشار مع المؤيدين والمعارضين، و "فاقد الشيء لا يعطيه"؟.

إنما لديهم قسوة القلب التي تسهّل على أحدهم دفن ابنته تحت التراب وهي حيّة تنظر اليه.. أو سجية الظلم والعدوان بحيث يكون الشجاع عندهم، ذلك الذي يغير الى القبيلة الضعيفة، أو يستغل الشخص الضعيف وينتهك حقوقه. واذا كان هدف النبي الأكرم، ومن بعده أمير المؤمنين، صلوات الله عليهم، من نهج اللين والاعتدال ونشر ثقافة الاخلاق الحسنة بين المجتمع، تكريس الثقافة الدينية في النفوس، فان هذا الهدف لا وجود له عند الأمويين، لأنهم بالاساس طلاب سلطة وحكم وهيمنة، وهي بحد ذاتها تستقي جذورها من أصولهم وجذورهم الجاهلية.

هنا تحديداً يكمن مفترق طريقين في مسيرة الاسلام؛ فقد تميّزت المدرسة الأموية بنهج القسوة والغلظة والتشدد في التعامل مع الناس ومع مجمل القضايا والامور. فيما التزمت مدرسة أهل البيت عليهم السلام، بالنهج الذي بشّر به نبي الاسلام للعالم، وهو النهج الذي حمل الملايين من أقاصي الشرق، الى أقاصي الغرب، لاعتناق الاسلام رغبةً وطواعيةً.

وهذا النمط من التسليم للإسلام، هو الذي نجد ثماره الطيبة في بعض البلاد، فيما نجد ثماراً على عكس ذلك في بلاد أخرى، دخلها الإسلام بالسيف والتهديد والوعيد. مثال ذلك منطقة "البلقان" التي أسلمت على يد الدولة العثمانية، فالمسلمون فيها لم يتذوقوا طعم السعادة والأمان والرخاء كونهم مسلمون، إنما واجهوا حملات انتقامية من شعوب مجاورة لاقت السياسات الدموية من السلطات العثمانية إبان نفوذها وهيمنتها على جنوب اوربا.

بينما نلاحظ الاسلام في شرق افريقيا، وبلاد افريقية اخرى، ونلاحظ الاسلام في الصين وفي الهند، نرى هنالك رموزاً خلدتهم الشعوب هناك، مثل الشعب الهندي، لانهم جاهدوا وناضلوا ضد الاستعمار الأجنبي، وعملوا على حفظ كرامة وحقوق تلك الشعوب.

واذا القينا نظرة خاطفة على خلفية "الارهاب" الذي ألصق بالاسلام أواخر القرن الماضي، نجد أنه يستقي جذوره من المدرسة الأموية متمثلة اليوم بدول وأنظمة حكم في عالمنا الاسلامي، تقف السعودية في صدارتها، فهي منذ القرن الماضي، تعد نفسها البلد الإسلامي الأكثر تطبيقاً للشريعة والاحكام الاسلامية، لذا فهي الأجدر بأن تصدر الإسلام الى العالم، لكن أي إسلام..؟.

هل هو دين الانسانية والتعامل الحسن والاخلاق والبناء الذي جاء به النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، أم دين القشور والظواهر، ببناء المساجد الجميلة والفارهة وطبع المصاحف المزخرفة، واجبار الناس على الصلاة جماعة..؟.

ما آلت اليه أوضاعنا في البلاد الاسلامية، تؤكد أن النمط الثاني من الدين هو الذي ساد في معظم أنحاء العالم، وهذا ما يفسر انتشار ظاهرة "الارهاب" وإلصاقه بالاسلام، وهو بالحقيقة يمثل تناقضاً فاضحاً مع القيم والمبادئ التي يحملها الاسلام، حتى بات الكثير في العالم في حيرة من أمره، بين ما يقرأه في تراث الاسلام وتاريخه، وبين ما يراه من معطيات على الأرض.

وهنا تحديداً تبدو الحاجة ملحّة وشديدة لطرح البديل الناصع والوجه الحقيقي للإسلام الى المسلمين والى العالم في آن واحد. إذ يعاني المسلمون، لاسيما في المناطق النائية من خارطة العالم الاسلامي، من الجهل والتسطيح في الوعي الديني، مما جعلهم يؤمنون بالقطع واليقين أن الانضمام الى الجماعات الارهابية والتكفيرية، قرينةً بالفرائض اليومية مثل الصلاة والصيام، بدعوى "الجهاد".

إن اللين مقابل التشدد، والتعقّل مقابل التطرف، هو ما تفتقده الشعوب الاسلامية في بحثها عن الامن والاستقرار، ثم الوصول الى مراقي التطور والتقدم. والأهم من كل ذلك، التوصل الى سبل التفاهم والتعامل مع البلاد الاخرى في العالم.

أما الواقع الموجود، فهو الانطباع السيئ والمغلوط عن الاسلام والبلاد الاسلامية على أن الخطاب الاسلامي يحمل لغة العنف والتشدد والتطرف، بينما هم من يحمل لغة السلام والأمان والخلاص والبناء، الامر الذي يجعل بلادنا مدينة الى بلاد الغرب، في استتباب الامن والاستقرار، وحتى توفر سبل العيش الرغيد، واكثر من ذلك؛ على بلادنا الانصياع للشروط والمواصفات التي تملى، في الميادين الاقتصادية والسياسية والامنية.

لنلاحظ حجم الخسارة الحضارية الفادحة التي منيت بها الأمة جراء تعرضها لهذا الداء الوبيل، حتى بات الغرب والبلاد التي لم تر المفاهيم الاخلاقية والإنسانية في قاموسها، هي التي تتحدث عن مفاهيم السلم والانسانية، فيما على المسلمين ان يدفعوا التهمة ويزيلوا آثار العنف والارهاب التي خلفتها الجماعات الارهابية في البلاد الاسلامية والغربية ايضاً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 15/كانون الأول/2013 - 11/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م