قيم التقدم: محاسبة الذات

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: للمحاسبة صور واشكال ومضامين عديدة، من بينها، وأكثرها أهمية، محاسبة الذات، وهي نوع من المراقبة والمتابعة الذاتية، يقوم بها الانسان كي يرصد نفسه، أو بالاحرى يقوم بها ضمير الانسان، وهو اكثر القضاة عدالة ومعرفة بما تفعله النفس، وما تضمره الذات للآخرين وللشخص نفسه ايضا، من هنا اصبحت محاسبة الذات احدى أهم القيم القادرة على وضع المجتمع والفرد على مسار التقدم والتطور والازدهار.

يصف بعض المعنيين محاسبة الذات بأنه نوع من جلد الذات أو معاقبتها، ويصنف هؤلاء الجلد الى نوعين، الجلد الايجابي، والجلد السلبي، الإيجابي وهو الذي يستطيع صاحبه أن يتعرف على مواطن ضعفه التي أدت إلى وقوعه في الخطأ ويحاسب نفسه على هذا الخطأ ويسعى لإيجاد طرق وحلول تمنعه قدر الإمكان من الإخفاق كذلك يذكر نفسه بعاقبة خطأه الذي اقترف ويمضي قدما في سير حياته.

أما الجلد السلبي، فهو قد يتمثل في بعض الأفراد إذ يتمادى الانسان في جلد ذاته ومعاقبتها عندما تخطيء، مما يعيق مسيرة حياته بالشكل الطبيعي، ولشدة ما يفعل تفلت منه الأمور وتتمرد ذاته، أكثر من السابق وربما تقع في خطأ أكبر. لذلك لابد ان تكون هناك موازنة ودقة في هذا المضمار، حتى لا تتحول المحاسبة الى قمع او اكراه او نوع من الضغط السلبي الذي يحد من مواهب وطاقات وقدرات الانسان.

إن المحاسبة كقيمة من قيم التقدم، هي نوع من التصحيح الدائم للاخطاء التي قد يرتكبها الانسان اثناء نشاطاته المختلفة، في التفكير او السلوك او العمل، وهي لا تذهب بعيدا في التقريع، ولا تتحول الى عنصر مزعج يحد من قدرات الانسان، بل على العكس من ذلك، قيمة محاسبة الذات تكمن في متابعة الانسان لأفكاره وافعاله وتصحيح ما قد يقع منها في حيز الخطأ، أو قد يتسبب في التجاوز على احد.

وحقيقة الامر تدل على ان اكثر الناس المعرضون للخطأ، هم اولئك الذين يتحركون وينشطون وينتجون كثيرا، تبعا لمسؤولياتهم، لهذا قد تكون هناك اخطاء غير مقصودة، لكنها ربما تكون خطيرة اذا لم يتم معالجتها، من هنا تأتي اهمية قيمة محاسبة الذات من اجل انصاف الاخرين، خاصة من لدن اصحاب المناصب الكبيرة والمؤثرة في حياة ومصائر الناس، ولعل الاهمية القصوى التي تتسم بها قيمة محاسبة الذات تفوق اهمية الانواع الاخرى من المحاسبة، كالقضاء وضوابط الاديان والاعراف والنواميس وما شابه، لأن محاسبة الذات اذا تحققت فعلا، فإن المجتمع كله سوف يجني ثمارها القيّمة.

من هنا مطلوب تفعيل هذه القيمة، من خلال توجيه الناس الى هذا النوع من المحاسبة، وزرع هذه القيمة في النفوس منذ مراحل مبكرة في حياة الانسان، أي ينبغي أن يتم غرس هذه القيمة في نفس الطفل، من خلال المحيط العائلي، ثم المدرسة التي يدخلها الطفل كي يتعلم ابجديات القراءة وأولويات الحياة، فاذا شبّ الطفل على قيمة مراقبة الذات، فإنه لا شك سيكون قادرا على احباط المآرب الدنيئة التي تحاول ان تحققها النفس على حساب الاخلاق والمبادئ والاعراف الانسانية الصحيحة.

لهذا فإن القيمة الاساسية لغرس محاسبة الذات في شخصية الانسان، انما تكمن في تحصين الانسان من الوقوع في فخ تفضيل الذات على الاخرين، خارج القوانين والاعراف والضوابط المتعارف عليها مجتمعيا، بمعنى هناك من لا يفكر إلا في نفسه ومصالحه ومكاسبه حتى لو ادى تحقيقها الى الضرر بمصالح الناس، لذلك من المهم تعميم قيمة محاسبة الذات، كي يتحاشى الانسان الوقوع في الخطأ، ويظلم غيره عن قصد، أو من دونه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 11/كانون الأول/2013 - 7/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م