حرية الانترنت والاستبداد الرقمي

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: الحرية منوطة برفع القيود والتحديدات عن الانسان ومن دون املاءات مسبقة، وهي قيمة مهمة تفرعت واورقت منها كلمات لا تنتهي تتعلق جلها بكرامة الانسان، بما هو انسان، من حقة العيش بكرامته وذاته.

الاستبداد مزاج متطرف لا يخضع لشيء بل ينطلق من نفسه ويعود لها، مظهر السلطة المتفردة، نقيض الحرية ودائها القاتل، تمارس على الجميع افراد، جماعات، مؤسسات، دول.

الانترنت عالم ذو فضاءات واسعة من الحرية والاستبداد في ان معا، يتصارعان يتنافسان وقد تكون الغلبة لأحدهما بحسب ما تمليه نسب المصالح وسقف المطالب من وعاء الحرية والاستبداد على الشبكة العنكبوتية، لكن وسط هذا الخليط غير المتجانس تبقى السلطة (power) هي اللاعب الرئيسي والمحرك لأدوات الحرية والاستبداد حتى في العالم الرقمي الكبير الذي أنشئ بهدف تكسير القيود ومحو الاشكال الهندسية التي تقيد الجميع.

الأمثلة على ذلك عديدة، أكثر من ان تحصى، استبداد رقمي مطلق يمارسه الكبار (دول، مؤسسات، منظمات) والصغار (افراد، جماعات)، في سباق محموم تكون فيه الغلبة لمن يمسك بمفاتيح السلطة او القوة الالكترونية والذي تتنوع اشكاله بين التجسس والرقابة والسرقة والمنع من دون ان يكون لصوت الحرية صدى مسموع او سلطة تمارس على الواقع. 

التجسس الامريكي وحرية الانترنت

من جهته قال جيمي ويلز مؤسس موسوعة ويكيبيديا على الانترنت إن أنشطة المراقبة الواسعة النطاق المزعومة التي تقوم بها الولايات المتحدة على شبكات الاتصالات ستضر بشدة بصناعة الحوسبة السحابية الامريكية، والحوسبة السحابية مصطلح يغطي أنشطة تتراوح من البريد الإلكتروني الى البرمجيات التجارية ويتم تشغيلها عن بعد عن طريق الانترنت دون تحميلها على كمبيوتر المستخدم، واعتمد هذا النظام من قبل الشركات الكبرى والحكومات على مستوى العالم لخفض التكاليف ومنح قدر من المرونة لأقسام تكنولوجيا المعلومات لديها، وقال ويلز الذي أطلق الموسوعة الالكترونية الشهيرة قبل 12 عاما إن التنصت الأمريكي الذي كشفت عنه تسريبات من المتعاقد السابق مع المخابرات الامريكية إدوارد سنودن يشكل أيضا تهديدا لحريات الإنترنت بمنح ذريعة للنظم القمعية لفرض المزيد من الرقابة، وأضاف "سيكون له تأثير كبير على صناعة الحوسبة السحابية لأن الناس يخافون من وضع بيانات في الولايات المتحدة كما انه مدمر لهذا النوع من العمل الذي أقوم به"، كما اكد "إذا كنت بي ام دبليو شركة صناعة السيارات في ألمانيا، ربما لن تكون مرتاحا لوضع البيانات الخاصة بك في الولايات المتحدة بعد الان".

قيود بلا حدود

الى ذلك استبعد وزير الاتصالات الايراني اجازة استخدام موقعي تويتر وفيسبوك مناقضا موقف الرئيس حسن روحاني الذي تمنى ازالة القيود المفروضة على الانترنت، وصرح محمود واعظي "ليس مقررا اجازة هاتين الشبكتين"، وتحجب إيران مواقع تويتر وفيسبوك ويوتيوب ومواقع كثيرة غيرها وعلى الاخص مواقع اباحية او سياسية، ويجب ان يتمتع متصفحو الانترنت بشبكة افتراضية خاصة (في بي ان) او "حائط نار" (نظام حماية) لاستخدام الانترنت لكن اغلبية هذه الادوات تمنعها السلطات، وتوفر السلطات لبعض الشركات الخاصة او الرسمية شبكة "في بي ان وطنية" للاتصال بالانترنت حول العالم، بالرغم من هذا المنع يملك عدد من السياسيين الايرانيين حسابات باسمهم على فيسبوك او تويتر، وردا على سؤال حول وجود هؤلاء المسؤولين على الشبكة اكتفى واعظي بالقول "اسألوهم"، ويملك وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف حساب تويتر رسميا، كما ان المرشد الاعلى اية الله علي خامنئي موجود على الشبكة، وهناك حساب على تويتر باسم روحاني منسوب الى مقربين للرئيس، واكد احد مستشاريه ان الحساب ليس شخصيا، وفي مطلع تشرين الاول/اكتوبر الماضي استخدم رئيس تويتر جاك دورسي موقعه ليسال روحاني "ان كان المواطنون الايرانيون قادرين على قراءة تغريداته"، ورد الحساب بانه يحاول "ضمان حصول شعبه على المعلومات من حول العالم كما يحق له"، وفي مقابلة مع شبكة سي ان ان الاميركية اكد الرئيس الايراني انه يتمنى ضمن الاطار الاخلاقي (الساري في ايران) "ان نتمكن من دخول هذه الشبكات الاجتماعية"، وفي 17 ايلول/سبتمبر تمكن الايرانيون لفترة وجيزة من دخول فيسبوك وتويتر بسبب "مشاكل تقنية" بحسب السلطات، وادى ذلك الى صدور رسائل ترحيب كثيرة من متصفحين ظنوا ان القيود ازيلت، وتشير الارقام الرسمية الى وجود اكثر من 30 مليون مستخدم للأنترنت في ايران التي تضم 75 مليون نسمة. بحسب فرانس برس.

قمع الكتروني في البحرين

من جهة اخرى استمر تصنيف منظمة "فريدوم هاوس" للبحرين ضمن قائمة الدول "غير الحرة" في الإنترنت، وحصلت البحرين على 72 من 100 نقطة في مؤشر المنظمة لحرية الإنترنت للعام 2013، متراجعة بذلك نقطة واحدة عن تقرير العام 2012، وهو التراجع الذي جاء بسبب تصاعد حملات القمع الإلكتروني وفقاً لما ورد بالتقرير للمنظمة، والتقرير الصادر عن فريدوم هاوس بعنوان "حرية الإنترنت في العام 2013: تقييم حرية الإنترنت والإعلام الرقمي في العالم"، صنف 60 دولة في العالم، بموجب 3 تصنيفات رئيسية بحسب حرية الإنترنت فيها: "دول حرة"، "دول حرة جزئياً"، و "دول غير حرة"، وانتقدت المنظمة في تقريرها، الذي أطلقته مؤخراً، في العاصمة الأميركية (واشنطن)، ما وصفته بـ "الهجمات الإلكترونية" ومراقبة الحكومة على نحو متزايد نشاطات المعارضين البارزين عبر شبكة الإنترنت.

على صعيد ذي صلة قال متحدث باسم الحكومة الباكستانية إن السلطات حظرت خدمات الرسائل الفورية والاتصال عبر الانترنت وعلى رأسها سكايب وواتس آب وفايبر في إقليم السند لمدة ثلاثة أشهر لدواع امنية، وتعاني كراتشي عاصمة إقليم السند التي يقطنها 18 مليون نسمة وتعتبر المركز الاقتصادي لباكستان من أعمال عنف طائفية وخطف وقتل، ولم يوضح وزير المعلومات في الإقليم شارجيل ميمون كيف يسهم حظر الشبكات الالكترونية في تحسين الامن لكن جهات أمنية تقول ان عناصر الجماعات المسلحة تعتمد على الرسائل الفورية والاتصال عبر الانترنت، ولم يتضح بعد هل ستطبق الاقاليم الباكستانية الثلاثة الاخرى نفس الإجراء أو هل سيتسنى أصلا تطبيقه عمليا، وقال ميمون في مؤتمر صحفي "فرضنا حظرا على واتس آب وسكايب وفايبر وتانجو وغيرها من الشبكات"، ومضى يقول "سيظل الحظر قائما ثلاثة اشهر على الاقل لدواع امنية"، وقالت سناء سليم إحدى مؤسسي مجموعة بولو بهي للدفاع عن حرية استخدام الانترنت ان اي إجراء لحظر سكايب سيكون غير قانوني، واضافت "الحكومة تحاول فقط أن تظهر انها تقوم بحملة بعد فشلها في احتواء المشاكل المتعلقة بالأمن والنظام، وهي للأسف تفعل ذلك بانتزاع حقوق الشعب الأساسية"، وتعاني كراتشي من تفجيرات متكررة تنفذها حركة طالبان ومن أعمال عنف طائفية كما ينشط بها سياسيون يتمتعون بنفوذ كبير في اجهزة الأمن بالمدينة، وفي سبتمبر ايلول 2012 حظرت الحكومة الباكستانية موقع يوتيوب بعد بثه تسجيلا مصورا معاديا للاسلام، وحظرت باكستان منذ ذلك الحين مواقع ليبرالية رغم انها لم تقترب من مواقع ينشط عليها المتشددون.

بينما قالت صحيفة ساوث تشاينا مورنينج بوست إن موقعي فيسبوك وتويتر وغيرهما من المواقع التي تعتبرها الحكومة الصينية حساسة وتحجبها عن مواطنيها ستكون متاحة بمنطقة تجارة حرة مزمعة في شنغهاي، ونقلت الصحيفة التي تصدر في هونج كونج عن مصادر حكومية لم تحددها أن السلطات سترحب بعروض شركات الاتصالات الأجنبية لتقديم خدمات الانترنت في المنطقة، ويفرض الحزب الشيوعي الحاكم في الصين رقابة مشددة على الانترنت وكثيرا ما يمحو مشاركات الكترونية ويحجب مواقع يعتبرها غير لائقة أو حساسة من الناحية السياسية، وتحجب بكين موقعي فيسبوك وتويتر منذ منتصف 2009 إثر أعمال عنف في إقليم شينجيانغ في غرب البلاد قالت السلطات إن مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في تأجيجها، ومنعت السلطات صحيفة نيويورك تايمز منذ أن نشرت العام الماضي أن عائلة رئيس الوزراء آنذاك ون جيا باو جمعت ثورة هائلة، وتقول الحكومة إن مشروع المنطقة الحرة الخاصة في شنغهاي والذى أقر في الآونة الأخيرة سيختبر إجراءات مثل تحويل العملة الصينية وتحرير أسعار الفائدة وإصلاح أنشطة الاستثمار الخارجي المباشر والضرائب، ونقلت صحيفة ساوث تشاينا عن مصدر حكومي قوله إن الهدف من السماح بتصفح المواقع المحظورة في الصين هو ألا يشعر الأجانب بالغربة، وتابع "إذا عجزوا عن تصفح الانترنت أو قراءة نيويورك تايمز فقد يتساءلون عما يميز منطقة التجارة الحرة عن بقية الصين"، وأحجم متحدث باسم فيسبوك عن التعليق على تقرير الصحيفة، ولم يتسن على الفور الاتصال بتويتر أو نيويورك تايمز للتعليق، وأبلغت المصادر الصحيفة أن أكبر ثلاث شركات اتصالات في الصين وهي تشاينا موبايل وتشاينا يونيكوم وتشاينا تليكوم علمت بقرار السماح بالمنافسة الأجنبية في منطقة التجارة الحرة.

الخوف من الانترنت

في سياق متصل ووسط خلاف دبلوماسي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب اتهامات بالتجسس تريد شركة الاتصالات الألمانية دويتشه تيليكوم المدعومة من الحكومة التعاون مع شركات اتصالات ألمانية أخرى لحماية الانترنت المحلي من اختراق أجهزة المخابرات الأجنبية، غير أن هذه الجهود الوليدة -التي زادت اهميتها بعد أن قالت ألمانيا إن لديها أدلة على أن هاتف المستشارة انجيلا ميركل المحمول كان مراقبا- تواجه معركة شرسة إذا ثبت انها ليست مجرد خطة تسويقية ذكية، وخلصت نتائج لقاءات مع ستة من خبراء الانترنت إلى أن الشبكة الدولية لن تعمل عندما يتصفح الألمان مواقع الكترونية محملة على خوادم بالخارج مثل شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك أو ماكينة البحث جوجل، وقد تواجه دويتشه تيليكوم كذلك صعوبة في الاندماج مع مجموعات منافسة تقدم خدمة الانترنت السريع لأنها ستخشى من تبادل معلومات الانترنت، وفي الأساس فإن هذه المبادرة تخالف اسلوب عمل الانترنت اليوم إذ يمر الدخول العالمي على الانترنت من شبكة لشبكة وفقا لاتفاقات مجانية او مدفوعة الاجر دون التفكير في حدود وطنية، وقال دان كامنسكي وهو باحث أمني أمريكي إنه إذا حصنت المزيد من الدول نفسها فقد يؤدي ذلك إلى "بلقنة" الانترنت بشكل مزعج مما يشل الانفتاح والكفاءة اللذين جعلا من الشبكة مصدرا للنمو الاقتصادي، وينتشر التحكم في الدخول على الانترنت بدرجة اكبر في دول مثل الصين وإيران حيث تسعى الحكومات لتحجيم المحتوى المسموح لشعوبها بالوصول إليه باقامة جدران الكترونية عازلة وحظر مواقع مثل فيسبوك وتويتر. بحسب رويترز.

وقال تورستن جيربوت استاذ إدارة الاعمال والاتصالات بجامعة دويسبرج-ايسن "لم يسبق على المستوى الدولي ان يتجاوز المرور على الانترنت في دولة متقدمة خوادم دولة أخرى، مسعى دويتشه تيليكوم محمود لكنه كذلك يعد خطوة تتعلق بالعلاقات العامة"، وتلقت دويتشه تيليكوم التي تملك الحكومة حصة 32 بالمئة من اسهمها مساندة لمشروعها من هيئة الرقابة على الاتصالات بسبب احتمالات منح العملاء المزيد من الخيارات، وفي أغسطس آب الماضي طرحت الشركة خدمة أطلق عليها "بريد الكتروني صنع في ألمانيا" يرسل البريد فقط عن طريق الخوادم الألمانية، والتجسس الحكومي مسألة حساسة للغاية في ألمانيا التي تطبق واحدا من اشد القوانين محافظة على الخصوصية في العالم إذ أن هذا الأمر يعيد للأذهان عمليات تجسس البوليس السري (ستاسي) في ألمانيا الشرقية السابقة حيث نشأت ميركل، وهيمن الأمر على مناقشات قمة الاتحاد الأوروبي ما دفع ميركل لمطالبة الولايات المتحدة بابرام اتفاق "عدم تجسس" مع برلين وباريس بحلول نهاية العام، ومع احتدام الخلاف يقول خبراء الاتصالات والانترنت إن الخطابة فاقت التغيرات العملية التي يمكن توقعها من مشروع دويتشه تيليكوم، ويقول كلاوس لاندفيلد عضو منظمة غير هادفة للربح تدير نقطة تحويل للانترنت في فرانكفورت إن أكثر من 90 بالمئة من الدخول على الانترنت في المانيا يتم داخل حدودها، ويشير آخرون إلى ان تفضيل دويتشه تيليكوم تلقي المال من شبكات انترنت اخرى مقابل نقل خدمتها للمستخدم النهائي بدلا من تبادل الاتفاقات مجانا يتعارض مع هدفها في إبقاء المرور داخل المانيا.

طلبات حكومية

من جانبها كشفت شركة "مايكروسوفت" الأمريكية عن عدد الطلبات التي تلقتها، من مُختلف الهيئات الحكومية حول العالم، بغرض الكشف عن بيانات تخُص مشتركي خدماتها، وتجاوز عدد هذه الطلبات، عتبة 37 ألف طلب، تخُص بيانات أكثر من 66 ألف مُشترك في خدماتها، وذلك خلال النصف الأول من العام الجاري، وأشارت "مايكروسوفت" إلى أنها قد تلقت حوالي 75 ألف طلب، العام الماضي، مما يعني أن عدد الطلبات التي تتلقاها هذا العام سيوازي على الأغلب ما تلقته العام الفائت، مالم يحصل مُتغيرات يكون من شأنها رفع نسبة الطلبات الحكومية هذا العام، وحسب "مايكروسوفت"، فإن حوالي 2.19% فقط من تلك الطلبات قد تَضَمَّن طلبات للإفصاح عن محتوى بيانات المُستخدمين، وقد جاءت غالبية هذه الطلبات من حكومة الولايات المُتحدة الأمريكية، كونها الجهة الوحيدة القادرة على إجبار "مايكروسوفت" على الإفصاح عن مثل هذا النوع من البيانات، ولم تشمل البيانات والأرقام التي ذكرتها "مايكروسوفت" في تقريرها أيٍ من الطلبات المُرتبطة بالأمن القومي، حيثُ لا يُسمح لـ"مايكروسوفت" أن تنشر معلومات مُتعلقة بهذه الطلبات، حسب ما أشارت الشركة، ويُذكر أن "مايكروسوفت" و"جوجل" كانتا قد رفعتا دعوى قضائية ضد الحكومة الأمريكية من أجل السماح لهما بالإفصاح بشكل أكبر عن الطلبات الحكومية المُرتبطة ببيانات مُستخدميها، وذلك من أجل المُحافظة على درجات عالية من الشفافية بين هذه الشركات ومُشتركي خدماتها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 8/كانون الأول/2013 - 4/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م