السلفية الجهادية، من "الجهاد" العالمي الى المحلي

السلفية والسلفية الجهادية

جاسم محمد

 

السلفية الجهادية، لا تقبل بغير حاكمية الشريعة كمعيار لفهم اختياراتها والحكم على توجهاتها السياسية.

ووفقا لتوصيف الشيخ المقدسي فيقول "لم نتسمى بهذا الاسم أي السلفية الجهادية، وإنما نعتنا به من سمانا به من الناس. وان انقسام السلفية الوهابية الى سلفية تقليدية وأخرى جهادية الأمر الذي سمح باستخدام المصطلح بهدف التمييز بين التيارين. فهنالك فرق ما بين سلفية تركز على الجهاد وتدعو له بصورة عالمية وأخرى تهمشه أو تمنعه وفي أحايين أخرى تحاربه. وترغب السلفية الجهادية تسمية نفسها بـ "أهل السنة والجماعة". ويعتبر "التوحيد" أو إقامة "الحاكمية" كهدف وغاية فالجهاد ما هو الا الوسيلة الرئيسية عندها، لتحقيق "الخلافة الإسلامية ـ الى جانب الدعوة، فالتيار السلفي الجهادي يخالف هؤلاء وهؤلاء. فبعد التوحيد والجهاد تأتي عقيدة "الولاء والبراء "التي تفرض موالاة المسلم والتبرؤ من المشرك وفق منظورها الجهادي.

ويقول الدكتور أكرم حجازي في دراسته بأن السلفية الجهادية تعتقد [إن القضاء منظومة قانونية ودستورية وضعية، والحكم في الدولة يستند الى مؤسسات تشرِّع من دون الله، والتعليم غيَّب العلم الشرعي (..) والاقتصاد تحكمه قوانين الربا، والتجارة بيد نخبة تمارس الاحتكار والهيمنة والربح غير المشروع، والثقافة غربية الطابع، والعلاقات الدولية مرهونة بإرادات القوى العظمى ومصالحها، والبلاد بعضها مغتصب والآخر محتل أو مهدد، والدين ضائع ومضيَّع.]. وتبعا لذلك فالسلفية الجهادية ستجد نفسها، في صدام حتمي مع كافة منتجات الحضارة الراهنة إبتداء من النظم الفكرية والأيديولوجية والدينية والأخلاقية وانتهاء بكل تجلياتها المادية من هياكل وبنى على اختلاف تشكيلاتها ومستوياتها.

الخطاب السلفي

إن الخطاب السلفي يخاطب النخبة والمتخصصين أكثر مما يخاطب العامة. وحتى انتقادات رموز الجهاد العالمي تتوجه نحو النخبة من المشايخ والعلماء وليس نحو الأتباع والعامة من الناس الذين يستقبلون من السلفية خطابا تحريضيا. واستقر مصطلح السلفية الجهادية في وسائل الإعلام ليعبر عن تيار جهادي ذو صبغة عالمية.

وتمثل الوهابية مثلا أحد المصادر الشرعية والتأريخية للفكر الجهادي العالمي لكنها ليست المصدر الوحيد، وتبعا لذلك ليست السلفية الوهابية الجهادية هي التيار الجهادي العالمي ولا هي المخولة بالتحدث باسمه. فالجهادية تسترشد بالدعوة السلفية الوهابية كمنهج علمي وعملي، والنظر الى كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب كأحد المراجع الرئيسية للتيار الجهادي العالمي ومن بعده رسائل أئمة الدعوة النجدية خاصة الدرر السنية. فبعد الجهاد الأفغاني أضحى التراث الوهابي مصدرا رئيسيا أضيف الى مصادر التراث المعرفي الجهادي ممثلا بفتاوى ابن تيمية وتلاميذه وسيد قطب ومحمد قطب وعبد الله عزام.

الجبهات الساخنة

الجبهات الساخنة في التيار الجهادي العالمي هي عالم سري لا يمكن الاقتراب منه الا من خلال الفاعلين أنفسهم سواء عبر المادة الإعلامية التي يقدمونها أو عبر كتاباتهم وتأريخهم لتجاربهم. ويصنفها الدكتور الحجازي الى المستويات التالية:

المستوى الأول، يضم مناطق أفغانستان حركة طالبان وقاعدة الجهاد والباكستان، حركة طالبان الباكستانية والعراق "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وجماعات السلفية الجهادية الأخرى والشيشان، إمارة القوقاز الإسلامية والصومال، حركة الشباب المجاهدين وهي المناطق التي تمثل بالنسبة للتيار الجهادي العالمي جبهات حرب مفتوحة ضد القوى الأجنبية على أراضيها.

المستوى الثاني، يضم مناطق المغرب العربي ومركزه الجزائر، قاعدة الجهاد في المغرب الإسلامي، والقاعدة في الجزيرة العربية واليمن، والتي ترتبط تنظيميا مباشر بقاعدة الجهاد في أفغانستان من خلال زعيمها ناصر الوحيشي.

 المستوى الثالث، مناطق شرق آسيا في الفلبين وإندونيسيا ومؤخرا جزر المالديف، ودول آسيا الوسطى خاصة تركستان الشرقية وطاجكستان وأوزباكستان، وتضم هذه البلدان جماعات جهادية تمرَّس بعضها على القتال في مراحل "الجهاد الأفغاني" وكذلك في بلدانها.

المستوى الرابع، لبنان، حركة فتح الإسلام وعصبة الأنصار وقطاع غزة، جيش الأمة وجيش الإسلام وفتح الإسلام وسيوف الحق، وجميع هذه القوى فلسطينية الطابع ما عدا حركة فتح الإسلام. بالإضافة الى سوريا جند الشام أو قاعدة الجهاد في بلاد الشام، و مصر قاعدة الجهاد في أرض الكنانة.

 المستوى الخامس، يشمل خلايا المبادرة الذاتية اي "الذئاب المنفردة" أو ما يطلق عليه استخباريا بـ "الخلايا النائمة"، وهذا النوع ينشط عبر العالم من خلال أفراد لا تربطهم صلات تنظيمية مباشرة بالقاعدة أو جماعات الجهاد العالمي.

وينتقد الكاتب أكرم حجازي في كتابه جماعة الإخوان بأنها تمتعت في بداية النشأة، "بنهج سليم" فيما يتصل بالدعوة الى حاكمية الشريعة. ورغم أن الجماعة هي الأقرب للسلفية الجهادية، بالنظر الى تاريخها وخروج الكثير من العلماء وقادة الجهاد العالمي من رحمها أمثال سيد قطب وعبد الله عزام، الا أنها تبدو اليوم أقرب الى كونها جماعة اقتصادية كبرى تنشط في تنمية الرأسمال ومصادره أكثر بكثير مما هي جماعة دينية، ولا شك أن هذا التوجه دفع الجماعة الى البحث عن الاستقرار والأمن وتدعيمه كي يتسنى لها الاستثمار في السوق وتنمية مواردها عبر بناء الجمعيات والمؤسسات والمصانع والدخول في الصفقات التجارية والمالية وسائر النشاطات الاقتصادية (..).

الخلاصة

تمتد السلفية تأريخيا الى أحمد بن حنبل - 780 الى 855 - ثم ابن تيمية 1263 ـ 1328 - حيث تعرضت الدولة الإسلامية للغزو من قبل المغول. وظلت تلك الفكرة متوارثة حتى محمد بن عبد الوهاب - 1720 ـ 1792 - محاولاً حصر أسباب الضعف التي أطاحت بالدولة العثمانية، محاولة منه لصد الهجمات الأوروبية. ويقوم الخطاب السلفي الجهادي على دعامة التوحيد والجهاد، والدعوية التي توصف بالتبليغ عند البعض. وتوصف مشايخ الجهادية بأن الدعوية والتبليغ هي الطريق الى الجهاد، اي هي بداية الجهاد وبعضهم يصفهما بصنوان واحد او جناحي طائر.

السلفية والسلفية "الجهادية"

مايميز السلفية الجهادية أنها لاتؤمن بالتنظيم والعمل السياسي التي قد تسلكه باقي الجماعات الإسلامية. تعترف الجهادية بأن جماعة الإخوان هي الأقرب الى الجهادية وخرج من تحت عبائتها الكثير من مفكري ومشايخ السلفية ابرزهم سيد قطب. لكن الجهادية تتهم الإخوان بانشغالها بجمع الثروات أكثر من التزامها "بعقيدتها" التي نشأت من اجلها. وكثيرا مايخلط المراقب للشأن السلفي الجهادي بينها وبين السلفية الوهابية، حيث توصف الأخيرة بأنها أحد مصادرها ولكن لاتمثلها أبدا، وأضيف لها فتاوى ابن تيمية وتلاميذه وسيد قطب ومحمد قطب وعبد الله عزام. وماتختلف فيه الجهادية عن لسلفية التقليدية هو تأخير الجهاد عند الإخيرة. فالتوحيد عن الجهادية واقامة الحاكمية هو أساس التكفير، فهي تكفر كل من يتبع الشرائع الأرضية اي الأنظمة السياسية الحديثة وتعتبرها "طاغوتا". فالتوحيد يعني عند الجهادية [كل من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر شرعا أو فاسق] لذلك الجهادية تجد نفسها، في صدام حتمي مع كافة الإنظمة السياسية الحديثة وأوجه الحضارة.

"الجهاد" المحلي

على سبيل المثال لا الحصر، قامت السلفية الجهادية بتهديد أهالي سيناء في اعقاب سقوط حكم الإخوان في مصر في 30 يونيو 2013 وهي تكفر كل من يعمل او يساند الحكومة في مصر. واعتبرت أن الحرب حاليا على الإسلام وعلى شريعته في مصر من خلال بدأ الحكومة كتابة دستورا جديدا، وتوصفه بدستور" الشرك بالله". يجدر الإشارة الى إن "الجهادية" لم تعترض سابقا على دستور الاخوان، واعترفت في إصداراتها، إنها كانت تراقب وتنسق مع جماعة الإخوان في السلطة، لذا لم تكفر حكومة مرسي من قبل.

الأحداث كشفت عن التنسيق والعمل المشترك مابين "الجهادية" والإخوان، وعكستها رسالة الظواهري في 13 سبتمبر 2013 التي تدعو فيها الإسلاميين برص الصفوف، وهذا ماجعل السلفية الجهادية والإخوان تتخندق ضد الحكومة الإنتقالية. وهذا يعني إن جماعة الإخوان عادت الى مربعها الأول "الجهادي"، بصف "الجهاديين ".

أما الشمولية والعولمة فتعتبر احدى ميزات الجهادية، فهي لا تتحدد بجغرافية محددة، ولا تعترف بوجود حدود الى خلافتها الإسلامية الافتراضية، فهي تؤمن في عولمة الجهاد، وهو" فرض عين". وبسب هذه العولمة" الجهاد العالمي" تجد الجهادية نفسها حالها حال جماعة الإخوان بالولاء الى "العقيدة" وليس للوطن، رغم انها تختلف عن الإخوان التي تعمل ضمن تنظيم اسلاموي سياسي عالمي. وتتهم السلفية الإخوان بجعل الدولة الإسلامية مشروع مؤجل "الإسلام هو الحل " من اجل الحصول على امتيازات العمل السياسي، وهم يختلفون كذلك مع المقاومة الوطنية.

أن الدكتور أكرم الحجازي، كتب دراسته الموسعة في عام 2010، وهذا يعني هنالك تطورات في خارطة الجهاد توسعت أكثر من المستويات التي جاءت في أصل الدراسة، لذا نجد من الضروري تحديث الخارطة "الجهادية "من خلال الإشارة الى سيناء، وما استجد فيها من تنظيمات أبرزها أكناف بيت المقدس وانصار بيت المقدس والتوحيد والجهاد، وفي العراق حدث تغيرا ايضا في تسمية الدولة الاسلامية التي تحولا الى "الدولة الإسلامية في العراق والشام "وفي سوريا ايضا ظهرت جبهة النصرة وتنظيمات والوية جهادية اخرى.

 سبق أن استخدم مصطلح الجهادية في مصر خلال مرحلة السبعينيات وبرزت اكثر في حكم الرئيس الراحل السادات حتى رحيله في 6 أكتوبر 1981، لكن المصطلح عاد من جديد في أعقاب احداث 11 سبتمبر 2011، لتظهر الجماعات الجهادية على السطح، وتتمدد جغرافيا والكترونيا على مواقع الأنترنيت ووسائل الإعلام.

التنظيمات "الجهادية" شهدت تحولا كبيرا في أعقاب مقتل أبو مصعب الزرقاوي في العراق 2006، لتظهر تنظيمات محلية في العراق واليمن والصومال وشمال المغرب العربي لتكون أكثر شراسة من التنظيم المركزي، لتوجه اليها الإنتقادات بأنها بدأت تتخلى عن "الجهاد" العالمي وعولمة "الجهاد" لتمثل أجندة محلية تختلط بالمصالح الشخصية والثأر في المجتمعات التي تسيطر عليها، وهذا يعتبر تناقضا في الشمولية والعولمة التي تدعيها. "فالجهاديون " يقاتلون محليا وينفذون أجندات سياسية محلية وإقليمية ويدعون "أعينهم صوب القدس" وهذا مايمثل إنحرافا عن شمولية وعولمة "الجهاد" وتغيرا في بوصلة الجهاديين.

* باحث في مكافحة الأرهاب والإستخبارات

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 7/كانون الأول/2013 - 3/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م