قيم التخلف: تهجير العقول

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: العقول المتميزة هي التي تبني البلدان، وتطور الحياة، وتجعلها أكثر جمالا واستقرار ورفاهية وسلاما، ولم يخطئ القادة السياسيون الأفذاذ عندما يقربون صاحب العقل المتميز، ويكرمونه، ويمنحونه العطايا والهبات، تقديرا لجهده وفكره وإبداعه وإسهاماته الفاعلة في تجديد الحياة، وعندما يقوم القادة بخطوة كهذه، سنلاحظ أنهم يخدمون أنفسهم وشعوبهم قبل أن يخدموا حملة العقول والكفاءات، ذلك أن النتائج في جميع الاحوال سوف تصب في صالح الشعب والدولة عموما، وبالتالي فإن أي تطور في ظل قائد معين، او نظام سياسي، سيعود الفضل فيه للسياسة السليمة التي يتبعها القائد، وحكومته، في مجال رعاية العقول المتميزة، وحماية وتشجيع المواهب والطاقات الكامنة.

أما عندما يحدث العكس وتُهمل العقول الفاعلة، فإن النتائج ستكون متوقعة و واضحة للعيان، ويمكن أن نراها في بلدان عديدة، إذ هناك انظمة سياسية فاشلة معروفة، أهملت الكفاءات، وقدمت الولاءات على القدرات العقلية، فأثقلت الشعب والدولة بالتخلف، والتراجع وتدني مستويات العيش، وتدهور الاقتصاد، على الرغم من توافر جميع العوامل، والظروف والاشتراطات المادية خصوصا، لكي تصبح هذه البلدان متطورة، ولكن إهمال الكفاءات ومحاربتها وتهجيرها، أضعف الدولة ومؤسساتها واقتصادها، وأضعف النظام السياسي الذي انتهج سياسة محاربة العقول وتهجيرها.

الكفاءات هي التي تبني البلدان، واصحاب العقول غالبا ما يبتعدون عن السياسة، وحالات الصراع المتأججة بين السياسيين، من اجل المناصب وما شابه، وصاحب العقل المتميز ينأى بنفسه عن الصراعات من اي نوع كان، إلا اذا كان الامر يتعلق بحالة التنافس الصحيحة، فالمنافسة تشجع وتطور اصحاب العقول والمواهب، لذلك غالبا ما تجد اصحاب الطاقات يعتزلون الاجواء الصاخبة، ويميلون الى الهدوء، كي يطوروا ابداعاتهم اكثر فأكثر، من هنا فإنهم لا يشكلون خطرا على احد، كونهم لا يسعون الى منصب او سواه، ولكن لابد من توفير الرعاية المناسبة لهم، من حيث الجانب المادي، وطريقة العيش والحماية والتكريم والرعاية الاستثنائية وما شابه، وهي امور تصب في صالح الجميع بطبيعة الحال.

إن ما يجري في بلدنا العراق على سبيل المثال، يؤكد الشكوك التي تدل على تهجير العقول، واهمال الكفاءات، واقصائها، بل هناك ظاهرة تشريد العقول بسبل شتى، ظاهرة وخفية، معلنة ومبطنة، فهناك من ينظر الى الكفاءات وكأنهم مصدر خطر يداهم مصالحهم، ومناصبهم، في حين تغض الجهات المعنية الطرف عما تتعرض له العقول من مضايقات واهمال متعمد، الامر الذي يدفعهم الى الهرب خارج البلاد، لاسيما ان دولا عديدة تتلقفهم وتحتضنهم، لأنهم ثروة لا يمكن التفريط بها، حيث الجهل والتطرف والغباء، هو الذي يقف وراء الحرب المعلنة، والمبطنة، على العقول المتميزة والكفاءات.

ومن الامثلة على تهجير العقول، الطالب العراقي (حسام مكي صالح) الذي تخرج من جامعة النهرين في بغداد، قبل حصوله على الدكتوراه من بريطانيا، حيث ابتكر جهازا يتمكن من قياس مليون جزء أقل من المليميتر عبر الضوء وليس الليزر باختلاف الأجهزة السابقة مع عزل لأي اهتزاز. وقد سجل هذا الابتكار خطوة مهمة جدا في هذا المجال، بحسب أكاديميين انكليز، تُرى لماذا تفرط الدولة العراقية بعقل كهذا؟ بل يبقى السؤال الدائم، هل يجوز هذا المنهج، وهل سيستمر، ثم لماذا لا نوفر لهذه العقول والمواهب، ما يطور قدراتها المتميزة؟ ولماذا نشرد مواهبنا وطاقاتنا؟ بدلا من أن نحتضنهم للبناء والتطوير.

إن هذه القيمة المتخلفة، هي التي تتسبب في تكريس التخلف وما يتبعه من ظواهر سلبية خطيرة، مثل التجاوز على الحقوق والحريات، واهمال المواطن والخدمات، والتقصير المتعمد في التعليم والصحة، وشل قدرات الاقتصاد، واهدار الثروات العامة، والسبب دائما تفضيل الولاء الشخصي او الحزبي او الفئوي على الولاء للشعب والدولة عموما، لذلك مطلوب إعادة نظر ووقفة حقيقية للمعنيين لاسيما صانع القرار، المشرّع والمنفّذ، لوضع خطط منهجية عملية فاعلة لاستثمار العقول العراقية (الذكية) بدلا من تهجيرها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 4/كانون الأول/2013 - 30/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م