قيم التقدم: الرضى النفسي

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: في كل الأنشطة الفكرية والعملية التي يبذلها الانسان، يسعى نحو هدف واضح في الغالب، يتمثل بتحقيق الرضى النفسي والشعور بالتفوق والاستقرار، ولكن ثمة شق أو جانب آخر لهذا النوع من الرضى، هو الرضى المادي، حيث اللهاث المحموم نحو جمع المال، وتضخيم الذات، وتعظيم الجاه والنفوذ، ومضاعفة مصادر القوة وما شابه، وكأن الانسان في سباق ساخن على الدوام، مع غيره من الناس، لكي يصبح أغنى الناس، وأكثرهم نفوذا وجاهاً وقوة!

إن بلوغ الرضى المادي هدف يسعى له الجميع، وهو أمر مقبول ومشروع ولا غضاضة فيه، أو لا غبار عليه، على أن لا يصبح همّ الانسان الأوحد، لأن الكمال النفسي والرضى عن الذات، سوف يحقق للانسان أضعاف ما يمكن أن يحققه الرضى المادي له، بمعنى أوضح، لو أنك استطعت أن تحقق نجاحا كبيرا في الجانب المادي، وتنسى الرضى عن النفس، فكأنك لم تحقق شيئا على الاطلاق، وسوف تجد نفسك دائما في حالة من النقص والتيه والضياع، بسبب النقصان الذي تعاني منه النفس في الجانب الروحي والمعنوي.

ولا ريب في أن الوقائع التي تمخضت عن حركة الافراد والمجتمعات، أفرزت لنا حالات من الصراع والتضارب والتناقض كبيرة ومتواصلة، زرعت بذور الفتنة بين مكونات المجتمع البشري كله، نعم إن تضارب المصالح والاهداف اثناء السعي الى الرضى المادي، خلقت مشكلات كبيرة وذات مستويات متباينة، فهناك صراعات فردية واخرى بين الجماعات، وثمة صراعات دولية متأزمة بين الدول العظمى ومن يتبع لها، في حين هناك صراعات ذات مستوى أقل، قد تدور في المجتمع الواحد، وقد يصل الصراع الى الافراد في محيط العمل او دائرة التواجد لأي سبب كان، ولكن يبقى السعي الى المادة، عنصرا اساسيا في صنع التناقضات الخطيرة.

وقد يحدث هذا الصراع بسبب التناقضات الحادة التي تحدث بين الافراد/ الجماعات/ والدول بمختلف قدراتها، ومستوياتها من حيث درجات الضعف والقوة، ويكون السبب دائما الصراع المادي، وثمة فرق بطبيعة الحال بين الصراع والتنافس، لأن التنافس المادي يقوم على تكافؤ الفرص والمواهب والقدرات، لذلك هذا النوع من التنافس يقود الى الافضل دائما، وهو حراك مطلوب ومفضّل، كونه يقود الانسان نحو الانتاج الامثل، على أن لا يتحول الى او لا ينتقل الى درجة الصراع، لأن التحوّل من مستوى التنافس الى الصراع، سوف يخلق مشكلات كبيرة وأزمات متتالية، بسبب النزوع المادي والتكالب على تحقيق أقصى ما يمكن من ربحية مادية على حساب الجانب النفسي والمعنوي، ولكن يبقى الشعور بالنقص قائما، حتى لو اكتنز الانسان (أموال قارون).

من هنا فإن قيمة الرضى النفسي تتفوق كثيرا على الرضى المادي، ولابد للفرد أن يسعى أولا الى الموازنة بين الروح والمادة، فكلاهما جزء أساسي في تركيبة الانسان، وأي خلل في هذا الجانب او ذاك، سوف ينعكس بصورة مباشرة على حياة الانسان برمتها، ومن الممكن أن ينعكس السوء على المجتمع، فيما لو تعددت حالات الصراع المادي، وتنامتْ على حساب الروحي والنفسي، وربما لهذا السبب تكثر الامراض النفسية في مجتمعاتنا، حيث اكدت بعض الدراسات المعنية في المعضلات النفسية التي يعاني منها الانسان، أن سعيه المحموم نحو المادة وتعضيدها على حساب الروحانيات، قد جعله يعيش في مأزق الاغتراب على نحو شبه دائم.

لذا ليس ثمة من سبيل الى إهمال قيمة الرضى النفسي، لأننا نبقى بحاجة دائمة الى الشعور بالسلام والتوافق الداخلي، ولا يمكن أن يتحقق هذا النوع من الاطمئنان، إلا من خلال السعي لبلوغ الرضى النفسي، وفي حالة اهمال هذا الجانب الاساسي في بناء الشخصية المتوازنة، والانشغال الكلي بجمع المال، ومضاعفة الجاه والقوة وما شابه، فإن الفرد والمجتمع، سوف يعانيان باستمرار من نقص الاستقرار والتناغم والانسجام، والسبب سوف يتمثل دائما بإهمال قيمة الرضى النفسى، والاهتمام بالماديات التي تعجز عن خلق التوازن، والاطمئنان الذي يحتاجه الانسان دائما، فردا كان أو مجتمعاً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 27/تشرين الثاني/2013 - 23/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م