مرجعية هدم مقامات الأولياء

في تونس والوطن العربي

الناصر خشيني

 

قامت جهات يشتبه في كونها سلفية تنتمي الى التيارات الدينية المتشددة الى هدم واحراق العديد من الزوايا والمقامات حيث بلغت هذه الحوادث في تونس اكثر من أربعين عملا عدائيا موجها ضد هذه المقامات وصولا الى حرق وتدنيس مصاحف من القرآن الكريم ومخطوطات نفيسة وقد قمت بالبحث عن التأصيل الشرعي لمثل هذه الأعمال فوجدت الفتوى التالية ضمن فتاوى اللجنة الدائمة وتقول هذه الفتوى بالحرف ما يلي:

 

فتوى رقم (4874):

س: ما حكم بناء المساجد على القبور وما حكم هدمها إذا بنيت عليها؟

ج: لا يجوز بناء المساجد على القبور؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن جعل القبور مساجد ولعن من فعل ذلك، وذلك يعم بناء المساجد عليها والصلاة فيها. وإذا بنيت المساجد على القبور وجب هدمها؛ لأنها أسست على غير الطريقة الشرعية؛ ولأن الإبقاء عليها والصلاة فيها ذريعة إلى الشرك.

وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو//عضو//نائب رئيس اللجنة//الرئيس//

عبد الله بن قعود//عبد الله بن غديان//عبد الرزاق عفيفي//عبد العزيز بن عبد الله بن باز//

 

بحيث ان الفتوى قائمة على تحريم هذه البناءات أصلا لانها مظنة للشرك ويجب هدمها وحيث ان القرآن الكريم لم يشر الى هذه المسألة لا من قريب ولا من بعيد وكذلك الرسول لم يشر اليها بدليل ان فتوى اللجنة الدائمة لم تستند الى نص قرأني أو نبوي يتعلق بهذه المسألة كدليل على عدم مشروعية هذه الفتوى واستنادها فقط الى مسالة عقلية وهي كون الإبقاء عليها والصلاة فيها ذريعة إلى الشرك.

وأعتبر هذا العمل مخالفا تماما لأحكام الشريعة الاسلامية التي تمنع المساس بالمقابر والمساجد قال تعالى(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(114)سورة البقرة

بحيث ان الله وصفهم بأكثر الناس ظلما وعد عملهم ذلك خرابا وتوعدهم بالخزي والعار في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة ولكن لابد من الاشارة الى أن هذه البيوت التي يرى فيها الناس نور الله تبارك وتعالى؟ هي المساجد والمقامات.. فعمارها وزوارها الدائمون على الصلاة فيها هم الذين يرون نور الله.. فإذا أتى قوم يجترئون عليها ويمنعون أن يذكر اسم الله فيها.. فمعنى ذلك أن المؤمنين القائمين على هذه المساجد ضعفاء الإيمان ضعفاء الدين تجرأ عليهم أعداؤهم.. لأنهم لو كانوا أقوياء ما كان يجرؤ عدوهم على أن يمنع ذكر اسم الله في مساجد الله.. أو أن يسعى إلى خرابها فتهدم ولا تقام فيها صلاة.

ولنتساءل ماهي الأسبابُ الواقفة وراءَ تدميرِ سلفيي تونس لأضرحة الأولياء؟ وماهي حججهم؟

عموما تعود أسباب تدمير السلفيين للمقامات والمزارات الى رؤية لديهم بكون هذه المواقع فيها شبهة شرك بالله تعالى وذلك أن السلفية التي أسسها كل من أحمد بن حنبل ومن بعده جاء ابن تيمية ثم محمد بن عبد الوهاب بحيث اعتبروا كل مخالفيهم من المسلمين كفارا ومشركين وأهدروا دماءهم واستباحوا نساءهم وأموالهم فأحمد بن حنبل جاء في ظروف تاريخية هامة بالنسبة للأمة حيث كانت السيطرة الفكرية والسياسية للمعتزلة ومن باب المعارضة لهم تمسك ابن حنبل كرد فعل على الغلو العقلي بالسنة النبوية ولم يخرج عن النصوص حتى لو كانت غير معقولة أو متعارضة، وأما السلفية فهي حركة ظهرت في أواخر القرن السابع الهجري على يد أحمد بن تيمية كرد فعل على الإصلاحات العقلية التي أدخلها الإمام الأشعري على عقائد أهل الحديث، واعتبر ابن تيمية، والذي كان من فقهاء الحنابلة أن تلك الإصلاحات خروجا ” عن السنة، فعمل على إحياء عقائد أهل الحديث مستنكرا التأويلات التي قدمها الأشاعرة للأحاديث التي أخذت منها تلك العقائد.

وأطلق ابن تيمية على طريقته عنوان ( منهاج السلف الصالح )، فعرفت دعوته بالسلفية لأنه كان يدعو إلى العودة إلى سيرة السلف الصالح والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم والتي – على رأيه – حاد عنها الأشاعرة والفرق الأخرى، ولم يقف عند هذا الحد، بل عمل على إظهار عقائد جديدة لم يناد بها ابن حنبل ولا أحد قبله، كقوله بأن السفر لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والاحتفال بمولده الشريف والتبرك بآثاره والتوسل به وبأهل بيته وزيارة القبور بدعا ” وشركا ” ومخالفة لعقيدة التوحيد، وأنكر كثيرا ” من الفضائل الواردة في أهل البيت عليه السلام المروية في الصحاح والمساني.

وبسبب هذه التعديلات والإضافات، فقد عد ابن تيمية عند أتباعه مجددا ” عظيما ” ولقبوه بشيخ الإسلام. ولكن دعوته على مستوى الأمة لم تلاق القبول وبقيت محصورة في مناطق محدودة من الشام ومصر، وقد تصدى للرد عليه فقهاء ومحققو أهل السنة والفرق الأخرى، وسجن في مصر لسنة ونصف لإدانته بالتجسيم.

 وأما الوهابية، فهي حركة ظهرت في القرن الثاني عشر الهجري على يد محمد بن عبد الوهاب ( 1115 – 1206 هجرية )، وعملت على إحياء ونشر الفكر السلفي لابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية في الجزيرة العربية، والذي تسرب لاحقا ” إلى بلاد إسلامية أخرى وبقطع النظر عن التهم الموجهة الى محمد بن عبد الوهاب من كونه يهوديا في الأصل فان العبرة بنتائج هذا الفكر الآن وما يتحقق على أرض الواقع من حماية للدين الاسلامي و تحقيق للشورى الحقيقية التي أمر الله بها في القرآن وحماية لبلاد المسلمين الأخرى و تقديم العون الحقيقي لهم وعدم الاستنجاد بالأجنبي لتدمير الأجوار الخ من الأعمال التي تقع تحت سمع و بصر شيوخ الوهابية ويتغاضون عنها ويدافعون عن الحكام دفاعا مستميتا يتناقض وأسس الاسلام الأساسية فكيف كان يتصرف مؤسس هذا الطرح الفكري.

وكان ابن عبد الوهاب أكثر حدة وتعصبا ” من ابن تيمية، حيث قام بتكفير عامة المسلمين ممن ليسوا على طريقته، بدعوى الشرك وعدم إخلاص التوحيد لله، ودعا إلى إزالة ما يرونه بدعا ” بقوة السيف. ولا تزال الأمة تعاني من هذا الفكر المتخلف حتى يتم القضاء عليه بمزيد من العلم والديمقراطية والعدل الاجتماعي وذلك ان هذا الفكر يمكن ترويجه لدى المحبطين من الفقراء وقليلي العلم والمعرفة.

فما هو موقف الاسلام من هذه الاعمال؟

الاسلام يرفض مثل هذه الأعمال ويعتبرها تخريبا وتدميرا وعدوانا على أولياء الله الذين اعتبر الله لهم مكانة مهمة وهي مرتبة يمكن ان يصل اليها كل مؤمن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله عز وجل قال من عادى لي وليًّا فقد ءاذنني بحرب”

كما ان هذه المقامات لها رمزية معينة لكونها تنتمي لعلماء أو مجاهدين أو رجال صالحين وقفوا كل حياتهم لخدمة الاسلام والمسلمين فالزائر للأولياء والصالحين إما أن يدعو الله لحاجته، ويتوسل بسرّ ذلك الولي في إنجاح بُغيته، كفعل عمر في الاستسقاء بفضل ومكانة العباس عم الرسول، أو يستمدَّ من المزور الشفاعة له وإمداده بالدعاء كما في حديث أويس القرني، إذ الأولياء والعلماء كالشهداء أحياء في قبورهم إنما انتقلوا من دار الفناء إلى دار البقاء

وأخيرا ماهي النتائج المترتبة على تدمير السلفيين للمواقع الصوفية التاريخية؟

هدم هذه المعالم الصوفية جريمة ضد أجيال المستقبل. انها أجيال سوف تفتقد هذه الأضرحة والمساجد والمعالم التي تؤرخ لوصول الإسلام إلى هذه البلدان وتبين مدى ترسخه في المنطقة.

اثارة الفتنة والاقتتال بين المسلمين على أشياء تافهة لا تستدعي مثل هذا بل ان جهودهم يجب ان تتوجه جميعا الى مواجهة التحديات الحقيقية التي تواجههم مثل التجزئة والاستعمار والهيمنة الأجنبية في شتى المجالات.

ومع العلم أن هذه المقامات محترمة ومقدسة لدى التونسيين بحيث ان كل أسرة تونسية تنتمي الى طريقة صوفية معينة وقفت هذه الطرق في وقت من الأوقات في مواجهة المعتدي الأجنبي وغذت في أبناء الوطن روح المقاومة كما كان لها دور مهم في ارشاد الناس الى الطريق السوي اضافة الى كونها جزء من التراث الثقافي والديني والاجتماعي للناس لذا لايمكن الاعتداء عليها بتلك الطريقة الوحشية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25/تشرين الثاني/2013 - 21/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م