افغانستان... عنف متفاقم قبيل الرحيل

 

شبكة النبأ: لاتزال مشكلة الوضع الامني في افغانستان من اهم واصعب المشاكل خصوصا مع اقتراب موعد انسحاب القوات الاجنبية من هذه البلاد التي تستعد ايضا للانتخابات الرئاسية من اجل اختيار خلف للرئيس حميد كرزاي، رئيس الدولة الوحيد منذ سقوط نظام طالبان في 2001، وبحسب بعض المراقبين فأن الفترة المقبلة ربما ستشهد تصعيد في العمليات الارهابية والهجمات العسكرية التي تقوم بها حركة طالبان ضد الاجهزة الامنية والقوات التابعة للناتو وباقي الطراف الاخرى المشاركة في العملية السياسية ، في هذا بالإضافة الى استهداف التجمعات الاخرى في سبيل افشال الانتخابات التي لا تعترف بها طالبان، وفي هذا الشأن فقد قتل مسلحان من حركة طالبان رئيس اللجنة المستقلة للانتخابات بالرصاص في اقليم قندوز بشمال أفغانستان وكان حذر قبل يوم من قتله من ان الوضع الامني المتدهور يهدد انتخابات الرئاسة التي ستجري العام القادم. وبدأ أمان الله أمان عمله اثناء اول انتخابات رئاسية في عام 2004 . وهو أول عضو باللجنة يتعرض للاغتيال منذ ان بدأ عمله في مايو ايار.

وأعلنت حركة طالبان المسؤولية. وبعث الملا محمد عمر زعيم طالبان رسالة الى الشعب الافغاني في وقت سابق رفض فيها الانتخابات وتوعد بالقتال حتى انسحاب القوات الاجنبية. وقال سيد سروار حسيني المتحدث باسم شرطة قندوز "فتح مسلحان يستقلان دراجة نارية النار على المهندس أمان كان أمان في طريقه الى العمل عندما هوجم في مدينة قندوز." وتوفي أمان متأثرا بجراحه في المستشفى.

والخوف من الهجمات ربما يردع العديد من الناخبين عن الذهاب الى مراكز الاقتراع بينما في المناطق النائية التي يوجد بها معاقل التمرد من المستحيل لمسؤولي الانتخابات الوصول الى هناك. وعدم وجود ضباط أمن من النساء قد يمنع الأفغانيات من التصويت. وقالت اللجنة المستقلة للانتخابات الشهر الماضي انه يتوفر 2000 امرأة فقط - من بين 12 الف امرأة مطلوبة - للقيام بأعمال التفتيش خارج مراكز الاقتراع المخصصة للنساء.

في السياق ذاته أثار رفض طلبات 16 مرشحا رئاسيا في سباق انتخابات الرئاسة الافغانية غضبا من جانب مراقبين مستقلين بينما اتهم بعض المتضررين الحكومة بأنها وراء هذا الاجراء. وقالت المفوضية المستقلة للانتخابات التي قامت بتخفيض عدد المرشحين الى عشرة ان الذين تم استبعادهم اما يحتفظون بجنسية بلد آخر أو لم يقدموا ادلة على انهم يحظون بتأييد كاف.

وشكا مراقبون غربيون من ان العملية كانت غير منظمة حيث اشار مسؤول رفيع الى ان اعداد القائمة النهائية ظل مستمرا حتى ساعات قبل إعلانها. ويشعر كثيرون بقلق متزايد من تكرار للتزوير واسع النطاق الذي شهده عام 2009 بسبب الوضع الامني المتدهور وازدهار الاتجار في البطاقات الانتخابية. وتأمل القوات التي يقودها حلف شمال الاطلسي في افغانستان أن تتمتع انتخابات العام القادم بمصداقية كافية لتمثل اول انتقال ديمقراطي للسلطة قبل ان تنسحب معظم القوات الاجنبية بحلول نهاية العام.

وقال مرشح سابق في انتخابات الرئاسة هو وزير التجارة السابق أنوار الحق أحدي للصحفيين ان وثائق الجنسية الخاصة به لم تكن بها مشكلة وانه لابد كان هناك دافع آخر. وقال أحدي "بهذا الاجراء فقدت قيادة المفوضية المستقلة للانتخابات مصداقيتها." وقال مراقبون مستقلون ان عمليات المفوضية تفتقر الى الشفافية لان المرشحين لم يتم ابلاغهم بقراراتها الى ان اعلنت لوسائل الاعلام. وحتى آنذاك امتنعت المفوضية عن قول سبب استبعادهم بحجة ان ذلك سيضر بسمعة المرشح.بحسب رويترز.

وقال جنان سبنجهار رئيس مؤسسة الانتخابات الحرة والنزيهة في افغانستان طريقة استبعاد 16 مرشحا لم تكن شفافة وتثير تساؤلات خطيرة." وأضاف "كان يجب ابلاغ المرشحين المستبعدين (أولا) وتقديم اسباب كافية لهم." وقالت كيت كلارك من شبكة محللي أفغانستان ان الانتخابات بدأت باتهامات بوجود تزوير خطير ومزيد من القيود على الاختيار. وكتبت "انها ليست بداية واعدة لحملة اختيار رئيس افغانستان القادم." وقال المتحدث باسم المفوضية المستقلة للانتخابات نور محمد نور ان كل المتنافسين المستبعدين يمكنهم الطعن أمام لجنة الشكاوى الانتخابية خلال 20 يوما ومن يتبين انه استبعد دون وجه حق سيكون بإمكانه العودة الى سباق الانتخابات.

الامن في افغانستان

على صعيد متصل انتقد الرئيس الافغاني حميد كرزاي بشدة عمل الحلف الاطلسي متهما اياه بانه "سبب الكثير من الالام" من دون اي "فائدة" لبلاده التي لم "تنعم بالأمن" بعد. وقال كرزاي في مقابلة مع البي بي سي أجريت في كابول "نريد امنا مطلقا، النهاية الواضحة والكاملة للارهاب". ذلك ان الحلف الاطلسي المنتشر في البلاد منذ 2001 "سبب في مجال الامن الكثير من الالام واوقع الكثير من القتلى ولم يقدم اي فائدة لان البلد لا ينعم بالامن". واوضح انه اقام "علاقة جيدة جدا" مع الرئيس الاميركي جورج بوش حتى العام 2005 عندما "شهدنا اولى الحوادث التي وقع فيها ضحايا مدنيون، عندما اكتشفنا ان الحرب على الارهاب لم تجر حيث يجب".

واوضح ان هدفه هو احلال "الاستقرار والسلام" في بلاده، اضافة الى التوصل الى اتفاق تقاسم السلطة مع طالبان. واضاف "انهم افغان. وحيث يمكن للرئيس الافغاني والحكومة الافغانية ان تعين عناصر من طالبان في منصب حكومي، فانهم على الرحب والسعة". وقال "لكن حيث يعين الشعب الافغاني الناس عن طريق الانتخابات، فعلى طالبان ان يشاركوا في الانتخابات". وتابع "وبالتالي، فانه من الواضح انهم على الرحب والسعة في الحكومة الافغانية بالصفة نفسها لكل الافغان الاخرين.

واستبعد الرئيس الافغاني من جهة اخرى ان تلحق المشاركة المحتملة لطالبان الضرر بالنساء. وقال ان "عودة طالبان لن تقوض التقدم. هذا البلد بحاجة الى السلام. اريد ان اقاتل من اجل كل ما يجلب السلام الى افغانستان وكذلك لمزيد من تشجيع قضية النساء الافغانيات. وبشان الاتفاق الامني مع الولايات المتحدة والذي سيحدد شكل تواجد قوة اميركية في افغانستان بعد انتهاء مهمة الاطلسي في 2014، حذر كرزاي قائلا "اذا لم يجلب هذا الاتفاق السلام والأمن الى افغانستان، فالافغان لن يرضوا به".

وتطالب واشنطن بحصانة لجنودها من بين مطالب اخرى. وسيغادر القسم الاكبر من حوالى 87 الف جندي من الحلف الاطلسي افغانستان بحلول نهاية 2014 الامر الذي يخشى معه من موجة عنف في بلد يقع ضحية حركة تمرد عنيفة يقودها طالبان الذين طردوا من السلطة في 2001.

الى جانب ذلك حذر قائد قوات حلف شمال الاطلسي في افغانستان الجنرال الاميركي جوزف دانفورد في مقابلة مع صحيفة الغارديان من ان الوتيرة الحالية للخسائر البشرية في صفوف القوات الافغانية "لا يمكن تحملها". وصرح الجنرال الاميركي للصحيفة البريطانية ان قوات الامن الافغانية قد تحتاج للدعم الغربي لمدة خمس سنوات اخرى قبل أن تصبح قادرة لوحدها على تولي المسؤولية كاملة. وقال "اعتبر هذا الامر خطيرا وهكذا يفعل كل القادة"، وذلك في معرض حديثه عن وتيرة القتلى العسكريين الافغان التي كثيرا ما تصل إلى 100 قتيل في الأسبوع. واضاف "لا اعتقد ان هذه الخسائر يمكن تحملها". وتابع "الوقت سيقول لنا" ما اذا كان حلف شمال الاطلسي محقا في قراره التخلي عن الدور القتالي والانتقال الى تقديم "التدريب والمشورة والمساندة" للقوات الافغانية. واضاف "لا اعتقد انه بالامكان معرفة الجواب اليوم".

وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما وعد بأن يتحمل الأفغان كامل المسؤوليات الامنية في بلادهم بحلول نهاية عام 2014، على الرغم من ان جزءا من قوات حلف شمال الاطلسي سيبقى بعد ذلك التاريخ لتدريب القوات الافغانية. واعتبر الجنرال دانفورد انه قد تكون هناك حاجة لبقاء قسم من هؤلاء الجنود حتى العام 2018.

وقال "اعتقد ان تطور قوات الأمن الأفغانية يحتاج لما بين ثلاث إلى خمس سنوات" حتى تصبح قادرة على تحمل المسؤوليات كاملة لوحدها من دون الحاجة الى تلقي اسناد خارجي. واوضح ان مهمة "المساعدة" التي ستتولاها القوات الاطلسية بعد 2014 قد يتطلب تنفيذها تقديم اسناد قتالي.

من جهة اخرى اعلنت وزارة الدفاع البولندية ان جنديا بولنديا توفي متاثرا بجروح كان اصيب بها في هجوم لطالبان على قاعدة غزني العسكرية في جنوب غرب افغانستان. وقتل جندي اميركي واصيب عشرة جنود بولنديين في ذلك الهجوم الذي تبنته طالبان. بحسب فرانس برس.

وهذا الجندي البولندي هو الثالث والاربعون الذي يقضي في افغانستان منذ 2007. وتنشر بولندا 1600 جندي في افغانستان على ان تقلص وجودها الى الف جندي. وتعاني قوات الامن الافغانية البالغ عديدها 350 الف رجل من ارتفاع وتيرة الهجمات التي تستهدفها في حين تستعد قوات الاطلسي لتسليمها المهمات الامنية كاملة، وقد زاد معدل الخسائر البشرية في صفوف هذه القوات بنسبة تتراوح بحسب التقديرات بين 105 و20% مقارنة بما كانت عليه في العام 2011.

على صعيد متصل دعت منظمة هيومن رايتس ووتش الجيش الاميركي الى اجراء "تحقيق صارم ومحايد وشفاف" في الاتهامات الموجهة الى جنود في احدى وحداته الخاصة بالتورط في قتل مدنيين افغان في ولاية ورداك (شرق). واتت دعوة المنظمة الحقوقية اثر نشر مجلة "رولينغ ستون" الاميركية تحقيقا مطولا حول اختفاء عشرة مدنيين افغان كانت قوة خاصة اميركية تدعى "القبعات الخضر" اعتقلتهم في اواخر 2012 واوائل 2013 ثم عثر على جثثهم قرب القاعدة العسكرية لهذه القوة في مقاطعة نرخ بولاية ورداك غربي كابول.

وبحسب التحقيق الذي اجرته المجلة وجمعت فيه افادات شهود عيان فان ثمانية مدنيين آخرين قتلوا على ايدي دوريات تابعة لهذه الوحدة المؤلفة من 12 رجلا والمسماة "او دي ايه 3124". وقالت هيومن رايتس ووتش ان "احداث نرخ يجب ان تكون موضع تحقيق صارم ومحايد وشفاف"، مذكرة بان سجل واشنطن "ضعيف" عندما يتعلق الامر بالتحقيق في جرائم حرب يكون جنودها متهمين بالتورط فيها.

وبحسب الشهادات التي جمعتها رولينغ ستون فان مترجم الوحدة الاميركية الافغاني زكريا قندهاري قام بنفسه باعدام بعض من الموقوفين في حين قام بعض جنود الوحدة بتصفية الموقوفين الاخرين وتعذيبهم خلال استجوابهم. واعتقل المترجم في ايار/مايو بناء على امر اصدره الرئيس الافغاني حميد كرزاي ولكنه نفى التهم الموجهة اليه ونسبها الى الجنود الاميركيين، بحسب تقرير اطلعت عليه وكالة فرانس برس هذا الصيف في كابول.

وكانت هذه القضية تسببت في آذار/مارس بازمة جديدة بين قوات التحالف (ايساف) والحكومة الافغانية التي طلبت في العاشر من ذلك الشهر انسحاب جميع القوات الخاصة الاميركية من ورداك، الا ان الامر اقتصر في النهاية على مقاطعة نيرخ التي انسحبت منها القوات الاميركية في نهاية اذار/مارس. وفي معرض تعليقها على هذه الاتهامات قالت قوة ايساف التابعة للحلف الاطلسي انها "تأخذ هذه المزاعم على محمل الجد وستواصل التعاون مع الحكومة الافغانية في كل المسائل المتعلقة بسلوكيات قوات التحالف". وذكرت ايساف بان ادارة التحقيقات الجنائية في سلاح البر الاميركي فتحت تحقيقا في هذه القضية الا انها لا تنشر اي معلومة "في الوقت الراهن حفاظا على سلامة تحقيقاتها التي لا تزال مستمرة".

حقوق الانسان

من جانب اخر اعربت مفوضة الامم المتحدة العليا لحقوق الانسان نافي بيلاي عن مخاوفها من تراجع التقدم الذي تحقق في افغانستان منذ سقوط نظام طالبان عام 2001 مع انسحاب قوات حلف الاطلسي المرتقب في نهاية 2014. وقالت بيلاي خلال زيارة الى كابول انها ادلة متزايدة وردتها على تدهور كبير في حقوق الانسان لا سيما حقوق المرأة رغم مرور اكثر من عقد على التدخل الدولي وصرف مليارات الدولارات من المساعدة.

واضافت بيلاي للصحافيين "لدي قلق جدي من تدهور وضع حقوق الانسان في البلاد". وتابعت "لقد اجريت محادثات مطولة مع ناشطين من المجتمع المدني. ولقد اوضحوا لي انهم يشعرون بان المكاسب التي تحققت خلال السنوات ال12 الماضية هشة ويمكن ان تتراجع". وبيلاي التي اختتمت اول زيارة لها الى افغانستان قالت انها طلبت ضمانات من الرئيس الافغاني حميد كرزاي بحماية ما تحقق من تقدم في مجال حقوق الانسان في هذا البلد المحافظ المتشدد. وقالت "اتخوف من ان زخم تحسين حقوق الانسان لم يصل الى ذروته، وانما في الواقع يتراجع". وتابعت "افغانستان يجب ان تستعد لكي تضمن ان التغييرات التي ستحصل قبل نهاية 2014 لن تؤدي الى تدهور خطير في حقوق الانسان".

والتهديد للنساء في افغانستان كان جليا حين توفيت مسؤولة كبيرة في الشرطة في جنوب البلاد اثر تعرضها لاطلاق نار بعد اشهر على مقتل مسؤولة اخرى بالظروف نفسها. كما دعت بيلاي الرئيس الافغاني الى تعزيز دور اللجنة الافغانية المستقلة لحقوق الانسان قائلة انها تتعرض لتهديد بعدما عين الرئيس خمسة اعضاء جددا. وقالت "من الضروري تعزيز دور اللجنة الافغانية المستقلة لحقوق الانسان وليس اضعافه ولقد طلبت ذلك من الرئيس كرزاي القادر على حل المشكلة". بحسب فرانس برس.

وتعتبر الدول المانحة وفي مقدمها الولايات المتحدة اللجنة الافغانية المستقلة لحقوق الانسان وهيئة القضاء على العنف ضد النساء على انهما رمزان لنجاح الجهود الدولية في افغانستان. لكن بيلاي قالت ايضا ان هيئة القضاء على العنف ضد النساء تواجه صعوبات في اداء عملها "بسبب البطء الشديد لا سيما في المناطق الريفية". وفيما تحاول مجموعات اسلامية زيادة نفوذها قبل الانتخابات الافغانية وجهت بيلاي نداء الى السياسيين الافغان لكي لا يتخلوا عن الفئات المعرضة لاعمال عنف في المجتمع.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 23/تشرين الثاني/2013 - 19/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م