الشمولية في التطبيق من واقع الإسلام

قبسات من رؤى المرجع الشيرازي

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: الجميع يسعى لأن يكون الأحسن والأكمل في تطبيق المفاهيم والقيم في حياته الخاصة والعامة، لأن التجزئة أو الانتقاص يعني الخلل ثم الفشل، وهذا ما لا يرتضيه أحد، مع ذلك، تبقى هذه المساعي ضمن نسب متفاوتة تتبع قدرات وامكانات، ثم نوايا اصحابها، لاسيما اذا تعلق الأمر بالشأن العام، من قبيل الأخلاق والأحكام وسائر المفاهيم والقيم التي من شأنها أن تؤثر على حياة المجتمع والأمة. ولا ننسى أن مسألة التطبيق على أرض الواقع الاجتماعي العام، يكون أصعب بكثير لو كان على واقع الانسان الفرد، فالاحتكاك بالواقع الاجتماعي يتطلب جهوداً مضاعفة، بل تضحيات جسام، نظراً الى اختلاف التوجهات والقناعات الموجودة التي ربما لا تلتقي مع التطبيق الجديد، أو لا تجد نفسها مهيأة للتطابق مع القيم والمفاهيم، رغم كونها انسانية واخلاقية بناءة.

ومن أبرز السمات في سيرة المعصومين، عليهم السلام، أنهم قدموا لنا تطبيقاً شاملاً ومتكاملاً للدين، بما يحمل من قيم ومبادئ ومنظومة ثقافية شاملة. والمصادر لدينا حافلة بروايات وحكايات ومواقف تسلط الضوء على كل زاوية صغيرة او كبيرة في حياة الانسان، و لكل زمان ومكان، تحدد الطريقة الفضلى للتعامل مع الأشياء والقضايا بما يرضي ضمير الانسان والمجتمع، و يرضي الله تعالى أيضاً. وهذا ما يشير اليه سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي – دام ظله- في كتابه "السياسة من واقع الإسلام"، حيث يشير في فصل خاص تحت عنوان "التطبيق الدقيق للإسلام"، الى "أن أمير المؤمنين، عليه السلام، كان يطبق الإسلام تطبيقاً دقيقاً في الأمور الصغيرة والكبيرة، لأن الأمر الصغير كبير إذا كان حكم الله، والكبير كبير لأنه حكم الله.. فالمقياس حكم الله، وبحسابه يكون كل شيء منتسباً إلى الله تعالى كبيراً. بهذا المنظار الواقعي العميق كان أمير المؤمنين علي، عليه السلام، يقيم سيرته مع الناس وفي مختلف أدوار الحياة، كما كان عليه السلام هكذا دقيقاً وعميقاً في حياته الشخصية".

سماحة المرجع في كتابه يورد أمثلة من سيرة أمير المؤمنين، عليه السلام، في حرصه الشديد على تطبيق أحكام وتعاليم الدين، منها إطفاء السراج في جلسة خاصة خارج إطار مصالح المسلمين، والاكتفاء بضوء القمر. أو تكسيره أواني من الذهب والفضة خبأها قمبر، وجاء بها إليه على أمل ان يستفاد منها، بعد أن قال له: إنك لا تترك شيئاً إلا قسّمته، فخبأت لك هذا..! ثم وزعها، عليه السلام، على المسلمين.

مستوى تفكير قمبر وأيضاً، ضيف الإمام الذي استغرب فعله بإطفاء السراج بحضوره، أو أولئك الذين انزعجوا من قراره، عليه السلام، بنزعه الحُلي من الغنائم لدى عودتهم الى المدينة، وكانوا من جند المسلمين في عهد النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، هم الذين يشكلون اليوم محور النقاش حول المعيار الصحيح لتطبيق الإسلام على أرض الواقع. فهنالك الكثير ممن يتوقع منهم ذلك، وهم في مواقع متميزة في المجتمع والدولة، ربما يكونوا من المقتدرين مالياً وسياسياً وحتى من هم ضمن المؤسسة الدينية، إلا أن الملاحظ هو التجزئة والتفريق والتمييز بين هذا المفهوم وذاك الحكم في عملية التطبيق والتمرير على أرض الواقع. لنأخذ التصرف بالأموال مثالاً لاتصاله بواقع الناس وتأثيره على كثير من الأمور، فهنالك من يوجد مبررات ومسوغات عديدة لتصرفه بالاموال، كما لو أن الدين الإسلامي متوقف على العمل الذي يقوم به، فكيف إذا استنكر عليه أحدٌ كيفية التصرف، وما اذا كانت متوافقة مع حقيقة الدين والقيم والمبادئ، ومع سيرة المعصومين..؟!

وما يزيد حيرة الناس، أن جميع من بيده الحل والعقد، يدّعي انتمائه الى المذهب وأنه في طريق أهل البيت، عليه السلام، في حين نلاحظ ازدياد الفجوة الطبقية، واستفحال ظواهر شاذة وخطيرة مثل التكالب على الكسب السريع والبحث عن الربح، من أبسط بائع او سائق او كاسب، الى أكبر تاجر وصاحب شركة ضخمة، ولعل ما نعيشه في العراق اليوم يكون دليلاً على ذلك.

من هنا نجد مراجع دين كبار ومتصدين للوضع الاجتماعي يؤكدون على ضرورة التطبيق الأكمل والأشمل ما أمكن لأحكام الدين والقيم الاخلاقية و الانسانية. وقد روى سماحة الفقيه المرحوم السيد محمد رضا الشيرازي عن والده الإمام الشيرازي الراحل، أنه سأله ذات مرة عن فعل مستحب، لماذا يوجبه على نفسه فأجاب: إذا لم نوجب المستحب على أنفسنا، فان الناس لن يؤدوا الواجب.

هذا الموقف تجسيد حقيقي للحديث الشريف: "خذوا الدين كله أو اتركوه كله". فاذا كانت ثمة مطالبة من علماء دين ومثقفين، بأن يكون المجتمع متديناً وملتزماً بالقيم والمفاهيم، عليهم أن يطبقوا هم أولاً التطبيق الشامل والكامل ليقدموا الصورة المتكاملة – ولو بنسبة معينة- وهذا ما يحفز الناس على الالتزام والتفاعل ثم البناء في طريق إنشاء مجتمع اسلامي ناهض نحو الإصلاح والتطور في المجالات كافة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 21/تشرين الثاني/2013 - 17/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م