مرتكزات التحرر في العالم الاسلامي

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: لم تكن نزعة التحرر من ربقة الانظمة السياسية الظالمة في الدول الاسلامية وليدة اليوم، كما أن المسلمين معروفون بتطلعاتهم نحو ترسيخ القيم الانسانية الاصيلة، واعتماد المرتكزات التحررية التي تدعم حياتهم وواقعهم بشقيه المادي والمعنوي، لاسيما أنهم يمتلكون جذور التحرر في أبهى وأعمق صورها، ممثلة بالرحلة النبوية المشرقة التي غيّرت وجه العالم أجمع، ونشرت نور الاسلام في ربوع الارض.

لقد استقى المسلمون من ارث الحرية طموحاتهم المتجددة نحو التغيير الى الافضل، وما ثورة الامام الحسين عليه السلام ضد النظام السياسي الاموي المستبد والمنحرف آنذاك سوى امتداد راسخ للمنهج الاسلامي المتحرر دائما وابدا، ولكن هذا السعي الحثيث لأمة المسلمين نحو التحرر لا يخدم مصالح الاعداء بطبيعة الحال، لذلك حاول هؤلاء اجهاض الحركات التحررية في العالم الاسلامي، ونسفوا مرتكزات التحرر في معظم الدول الاسلامية، وثبتوا اننظمة سياسية جائرة ومتخلفة، ونصبوا حكاما ظالمين طغاة، لكي يقمعوا المسلمين ويسلبون منهم حرياتهم ويدمرون المرتكزات التي تبنى عليها الحرية والسلام والاستقلال.

وهكذا عانى المسلمون كثيرا من الحكومات المتخلفة والحكام الطغاة على شعوبهم فيما هم دمى تحركها اصابع الغرب على نحو خاص، الغرب وحكوماته التي سعت وخططت طوال التاريخ لسلب ثروات وخيرات وحريات المسلمين، فنصبّت عليهم المارقين الجهلاء الظلاميين، فضلا عن اعتماد منهج اثارة الفتن بين المسلمين، وهو منهج خبيث لا يزال قائما الى الان، لكن لم تتوقف بوادر الوعي لدى المسلمين، بل هناك سعي دائم لبناء المرتكزات التحررية التي ترفع حياة المسلمين دائما.

بوادر التحرر والوعي

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (ثقافة التحرير)، حول بوادر وعي المسلمين: (لقد ظهرت بوادر الوعي شيئاً فشيئاً في المسلمين، وذلك منذ قرن بالرجوع إلى الاستقلال عن الخارج، والشورى ونبذ الاستبداد في الداخل، وما حركات النهضة في العراق وإيران ومصر وباكستان وأفغانستان وتركيا وسوريا وفلسطين والمغرب العربي الإسلامي, وإندونيسيا وأفريقيا، وأخيراً في الأجزاء الإسلامية من روسيا وغيرها إلاّ أدلة على ذلك).

إذاً لم تغب نزعة التحرر لدى المسلمين، ولم تختف تطلعاتهم نحو التغيير الافضل والتجديد الدائم في افكارهم ومنهج حياتهم، لكن هناك معوقات حاضرة تحاول ان تدفع بالمجتمعات الاسلامية الى حافة الجهل والتخلف والمرض، والابقاء عليهم في حالة من السكون والخنوع والاستلاب، حتى تسهل لهم عمليات السرقة المتواصلة لخيرات وثروات المسلمين، ولا ينحصر هذا في الجانب المادي، إذ هناك سرقات منتظمة للعقول والمواهب المتميزة في المجتمعات الاسلامية، وهناك اغراءات مالية ومادية كبيرة لتشجيع هجرة العقول الاسلامية الفذة الى دول الغرب.

ولكن هناك نخب وعقول تعي هذه الاهداف الغربية الخبيثة، وقد قادت بعض الشخصيات والعلماء حملات وعي متواصلة من اجل تطوير الرؤى والافكار والنظرة الى الحياة والعمل الدائم على تدعيم المرتكزات الاساسية للتحرر، ولذلك يثني الامام الشيرازي على تلك الجهود التي بذلها علماء ومثقفي ومفكري المسلمين قبل قرن، إذ يقول سماحته حول هذا الموضوع: (إن الوعي الإسلامي في كل بلاد المسلمين, هو ثمرة تلك الجهود منذ قرن, لذلك ينبغي أن يُجعَل لها أسسا وأُطُرا، إذا أريد لها النجاح العميق الكامل بإذنه).

نعم لابد ان تُبنى الأسس والأطر والمرتكزات الاساسية لتطوير الوعي الجمعي للمسلمين، من اجل نشر ثقافة التحرر والتغيير على نحو دائم ومتواصل.

نشر الوعي الحضاري

كلنا نتفق على أن الوعي المتقدم هو السبيل الى التحرر الفعلي لجميع المسلمين في انحاء المعمورة كافة، أي اننا كمسلمين لا يمكن ان نحقق أية خطوة على طريق تحرير الذات الفردية والجمعية، اذا لم نسع التعريف بالاسلام ومبادئه الانسانية العظيمة وجوهره الخلاق عبر وسائل الاعلام المختلفة، ليس للمسلمين فحسب، وانما حتى للغربيين كي نتجنب معاداتهم، فلاسلام لا يعادي احدا او جهة او أمة، كما أن المسلمين دعاة سلم ومحبة واحترام، وهذه الرسالة لابد أن تصل الى الجميع لانها فعلا حقيقة الفكر الاسلامي الانساني، لهذا لابد من السعي لرفع الحيف عن المسلمين، إذ يؤكد الامام الشيرازي في كتابه هذا على: (أن رفع الحيف عن بلاد الإسلام يتطلب أمرين، الأول هو نشر الوعي الإسلامي الحضاري للغربيين وللمسلمين هناك بوسائل الإعلام الحديثة حتى يخفف من عداء الغرب التقليدي للمسلمين، وحتى يعي المسلمون الدور الحضاري الذي يمكن أن يؤدوه هناك لإنقاذ بلاد الإسلام من التخلّف والفوضى).

علما أن حماية مرتكزات التطور وتدعيمها لا يتحقق من دون التوكل على الله تعالى، وطلب المعونة منه سبحانه، فالتمسك بالارادة الالهية دليل عمق الوعي، وقوة الارادة، وتوازن العقل والسرائر، لذا يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (من الضروري على العاملين في حقل التحرير ـ الذي نحن بصدده في هذا الكتاب ـ أن يهتموا للارتباط بالله سبحانه، بأن يتوكلوا عليه ويعتصموا بحبله ويطلبوا العون منه، ويصدقوا في تطبيق أوامره، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: - فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت وأنزل علينا النصر-).

نعم نحن أكثر حاجة الى التمسك بالدعم الالهي لنا، من اجل ترسيخ دعائم الامن والتصالح مع الذات والاخر، فضلا عن التطلع الدائم نحو التآخي والتسامح والتعايش مع الجميع، من دون تصادم، لكن من يحاول سلب حريتنا لا نسمح له بذلك، سواءا من الحكومات والانظمة او من غيرهم، لاننا أحرار كنا ولا نزال وسنبقى، مثل جميع الاحرار في العالم، لان الحرية حق رباني وُلدَ معنا يوم ولدنا، لهذا علينا السعي نحو حريتنا دائما، والتوكل على الله تعالى دائما وابدا.

يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (إنّ نجاة البشرية بيد الله وحده، وهو وحده الذي يجيب المضطر ويكشف السوء ويجعل من يشاء خلفاء الأرض، وبيده وحده الإعزاز والإذلال، وإعطاء الملك ونزع الملك ممن يشاء، كما في الآيات المباركات).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/تشرين الثاني/2013 - 14/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م