كثرة الطهاة في المطبخ النووي الإيراني قد تفسد الطبخة

يوسف بات

 

بعد مفاوضات غير موفقة على مدى سنوات بدت مجموعة خمسة زائد واحد أخيرا على وشك التوصل لاتفاق مع إيران مطلع الأسبوع الماضي بخصوص الحد من برنامجها النووي.

تضم هذه المجموعة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين إلى جانب ألمانيا.

جميع هذه الدول عدا فرنسا على استعداد لتوقيع اتفاق مؤقت يقدم لإيران تخفيفا محدودا للعقوبات مقابل تجميد في برنامجها النووي. غير أن باريس حالت دون إبرام هذا الاتفاق في اللحظة الأخيرة واصفة إياه بأنه "اتفاق ضعيف".

ويبدو أن عرقلة فرنسا للاتفاق لا تتعلق بمخاوف حقيقية من الانتشار النووي بقدر ما تتعلق بمحاولة استرضاء دول معادية لإيران مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة تشتري معدات عسكرية وفضائية ونووية فرنسية غالية الثمن.

لعل الدرس المستفاد من هذه الانتكاسة الجديدة هو ضرورة تأسيس نقطة اتصال واحدة مع إيران تتمتع بصلاحيات تنفيذية في حل القضية النووية.

فالآن تجري إيران مناقشات منفصلة مع مجموعة خمسة زائد واحد - التي تبدو عاجزة عن التوصل لاتفاق فيما بينها - ومع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفي ظل هذا القدر الكبير من الحوارات والشروط والتغييرات المختلفة الجارية حاليا كان من الطبيعي ألا تحل القضية النووية ذلك لأن عدد الطهاة في المطبخ النووي الإيراني أكبر من اللازم.

كان هناك تلميح مطلع الأسبوع الماضي إلى الصعوبات الداخلية التي تواجهها مجموعة خمسة زائد واحد حين أبلغ دبلوماسي غربي رويترز طالبا عدم ذكر اسمه كيف أن فرنسا حالت دون ابرام الاتفاق الوشيك.

يقول هذا الدبلوماسي "الأمريكيون والاتحاد الأوروبي والإيرانيون يبذلون جهدا مكثفا منذ أشهر لإعداد هذا الاقتراح وهذه ليست أكثر من محاولة من جانب (وزير الخارجية الفرنسي لوران) فابيوس ليضفي على نفسه أهمية في مرحلة متأخرة من المفاوضات."

وعندما حاول وزير الخارجية الأمريكي جون كيري التستر على الخلافات بين باريس وواشنطن تساءل نظيره الإيراني محمد جواد ظريف على موقع تويتر قائلا "سيدي الوزير هل كانت إيران هي من حذف أكثر من نصف المسودة الأمريكية مساء الخميس وأدلى علنا بتعليقات معارضة لها صباح الجمعة؟"

ربما يسهل فهم سبب معارضة فرنسا للتوقيع على الاتفاق المؤقت عند النظر إلى حجم اتفاقياتها التجارية المجزية مع دول عربية سنية معارضة لإيران. فعلى سبيل المثال وقعت فرنسا للمرة الأولى منذ عام 2007 عقدا عسكريا مع الإمارات العربية المتحدة في أواخر يوليو تموز. هذا العقد الذي تبلغ قيمته مليار دولار لشراء قمرين صناعيين للمراقبة لم يكن ليأتي في توقيت أفضل من ذلك حيث فقدت العقود العسكرية الفرنسية ربع قيمتها العام الماضي.

على نفس المنوال وبعد شهر واحد من إبرام الاتفاقية مع الإمارات وقعت فرنسا أيضا عقدا بقيمة مليار يورو مع السعودية - الغريم اللدود لإيران - لتحديث أربع فرقاطات وسفينتي إمداد بالنفط.

ورغم ذلك لا تقتصر المصالح التجارية الفرنسية في السعودية على المجال العسكري فحسب ففي الشهر الماضي استضافت الشركتان الفرنسيتان العملاقتان في مجال الطاقة النووية اريفا وكهرباء فرنسا (إي.دي.إف) المملوكتان للدولة نحو 200 مندوب من قطاعي التجارة والصناعة السعوديين في فعالية "يوم الموردين" التي أقيمت في جدة.

وعبر السفير الفرنسي في السعودية بوضوح عن أمله في أن تستعين المملكة ببلاده في تنفيذ برنامجها الضخم "في المجال النووي".

هذه العقود الطويلة المدى الخاصة بالبنية التحتية قد تدر على الفرنسيين نحو 40 مليار يورو. وثمة اتفاقات مماثلة وقعت بالفعل مع قطر المعادية لإيران أيضا. في ضوء هذه العقود العسكرية وعقود البنية التحتية المربحة الحالية والمستقبلية يبدو من المرجح أن تسعى فرنسا لاسترضاء الدول العربية الخليجية السنية بعرقلة أي اتفاق مع إيران.

وبعيدا عن الحوار مع مجموعة خمسة زائد واحد تخوض إيران أيضا مفاوضات منفصلة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وهناك تقدم حقيقي أحرز مؤخرا في هذه المحادثات توج بوضع إطار مشترك للتعاون بين الوكالة وإيران.

ومن بين التطورات الإيجابية أن مخاوف الوكالة الدولية للطاقة الذرية هدأت تجاه قاعدة بارشين العسكرية التي قالت في السابق إن إيران ربما أجرت بها تجارب تفجيرات تقليدية قد تكون مرتبطة بتصنيع أسلحة نووية قبل أكثر من عشر سنوات استنادا إلى أدلة لم تكشف عنها قدمتها أجهزة مخابرات دول أخرى.

فقد كان انشغال وكالة الطاقة الذرية في السابق بدخول قاعدة بارشين - وهي ليست موقعا نوويا - مصدر صرف للأنظار لم يؤد إلا للحيلولة دون التوصل لاتفاق في المحادثات الأكثر أهمية مع مجموعة خمسة زائد واحد.

هذه الطريقة التي تنظم بها المحادثات المتعددة حاليا ربما تمكن إيران من حل مشاكلها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكنها ستظل خاضعة للعقوبات التي تفرضها القوى العالمية. أو بدلا من ذلك قد تتوصل دول مجموعة خمسة زائد واحد لاتفاق مع إيران قبل الإرضاء الكامل لوكالة الطاقة الذرية.

يمكن القول إن تأسيس نقطة اتصال واحدة مع إيران تتولى تقييم تلبية طهران لالتزاماتها القانونية الدولية من عدمه سيساعد على تنظيم جميع المحادثات بشكل يحسن فعاليتها ويتجنب الخروج بمثل هذه النتائج الغريبة. فمن الواضح أن أي دولة تتعارض مصالحها المالية إلى حد بعيد مع إبرام اتفاق مع إيران ستنأى بنفسها عن هذه المفاوضات.

* يوسف بات خبير في الفيزياء النووية ومدير برنامج التقنيات الناشئة في معهد التوعية الثقافية

http://ara.reuters.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/تشرين الثاني/2013 - 14/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م