اخلاقيات التغيير... الاسلام سعادة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كل انسان على وجه الارض يبحث عن سعادته وخلاصه.. لا شيء يمكن ان يقدم ذلك له غير الايمان بفكرة نبيلة او معتقد معين، او دين يدين به.

ولا يقتصر هذا التوجه على فرد واحد او عدة افراد، بل هو يشمل المجتمع باسره، رغم الاختلافات بينهم في النظر الى الدين او المعتقد او الافكار التي يؤمنون بها.. المهم ان الدين في حياة الانسان، وعلى اعتباره كائن اجتماعي يتفاعل مع الاخرين، يتطابق حتى مع معانيه اللغوية.. فهو في اللغة اللاتينية يعني (وحدة الجماعة وهويتها) لهذا نجد ان اميل دوركهايم كان قد اوضح أن الدين نظام من الانظمة المؤثرة في البنيان الاجتماعي ويشترك كغيره في وظيفة تنظيم الحياة الاجتماعية.

وفي اللغة العربية تشير كلمة (دين) إلى المحاسبة، أي مواجهة الله (يوم الحساب أو يوم الدينونة) أو المحاسبة تجاه المجتمع (السيرة الصالحة أو الشأن الحسن) ولذا يسمى الله (الديان) وهذه تسمية الحاكم والقاضي أيضا.

وهذا التنظيم تفرضه المسؤولية التي يجب ان يتحلى بها افراد المجتمع تجاه بعضهم وتجاه (الديان) في الحياة قبل الاخرة..                         

قبل عقود قليلة تصور الكثير من الباحثين ان الدين قد انسحب من حياة الناس نتيجة لظهور الكثير من افكار العقلنة والحداثة وغيرها، وهو قد يكون صحيحا من ناحية معينة الا انه ليس صحيحا بالكامل، وهو ما يشير اليه تقرير مركز دراسات المسيحية في الولايات المتحدة الامريكية (المسيحية في مجالها الشامل :1970-2020) حين توصل الى نتيجة مفادها (العالم لم يتقلص فيه الدين، بل ازداد انتشاره فيه واتسع عدد المنتسبين للديانات الكبرى).

يفسر التقرير صعود الدين في العالم بعوامل عديدة أبرزها انهيار الاتحاد السوفييتي والأيدولوجيا الشيوعية، وانهيار النظريات الوضعية والتاريخانية التي كانت الدعامة الفكرية والنظرية لنزعة الإلحاد، تزايد الممارسة الدينية في الصين، تركز النمو الديموغرافي في العالم الجنوبي.

الواقع أن الدين من حيث هو تجربة روحية وانتماء عقدي ورمزي وإطار انتماء لم يتراجع أو يتقلص حضوره وزخمه، وإنْ تغيرت سياقات ممارسته مع حركية الحداثة التي لا يمكن قراءتها في اتجاه واحد، مثلما عودنا نموذج (العلمنة من حيث هي خروج من الدين) وفق الأطروحة الشهيرة التي بلورها عالم الاجتماع الألماني (ماكس فيبر).

وما تبينه الدراسات الاجتماعية الأخيرة هو أن الذي انهار في بلدان أوروبا الغربية ليس الشعور الديني نفسه الذي لا يزال قوياً ومكيناً، وإنما البنيات الاجتماعية والثقافية التقليدية للاعتقاد الجماعي المشترك التي كانت تجسدها المنظومات والمؤسسات الدينية.

في بلدان القوقاز الإسلامية، مثل الدين الإسلامي نفس الدور القومي عامل انتماء وهوية وأرضية استقلال وقطيعة مع الإرث الاستعماري والاستلاب القسري الذي أخذ في العهد الشيوعي شكل حرب قاسية على مقومات الهوية الدينية.

العودة الى الدين، اصبحت ظاهرة كونية طغت على كل المجالات العامة والخاصة للناس، ولم يقتصر الامر على ديانة دون اخرى بل شمل جميع الديانات التوحيدية منها والوضعية..

المسلمون دائما ما واجهوا مايحيط بهم من خلال التشبث بالاسلام كدين يعبر عن هويتهم وانتمائهم ووحدتهم، وما يعانيه المسلمون في حياتهم ليس بسبب دينهم هذا، بل بسبب افتقارهم الى ارادة العودة الى اسلامهم الصحيح، الذي جاء به محمد بن عبد الله (صلى الله عليه واله وسلم) وهي عودة ممكنة لأن الإسلام هو الدين الوحيد بين كل الديانات الذي يمتلك منهاجاً شاملاً لكل ميادين حياة الإنسان، فضلا عن الحياة الاخرة، فهو دين الحياة الفانية والحياة الباقية، وهو ثقافة ومدنية وحضارة متكاملة، وهو الهوية والجنسية بما تمثلانه من انتماء، وهو نموذج في الحرية والعزة وفلسفة في التشريع والقانون، ونمط في الملكية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ونموذج في العلاقات بين القوميات والملل، وفي العلاقات الدولية أيضا، الاسلام بهذا المعنى الذي يحتاج لارادة ابنائه للنهوض من جديد، يمكن ان يكون الأوفر حظاً في تقديم منهاج شامل في النهوض والتجديد في مناخ كوني تراجعت فيه البدائل والنماذج الغربية في التحديث.

ما معنى الاسلام؟ له معنيان... المعنى الأول : الاستسلام والانقياد، المعنى الثاني : إخلاص العبادة لله.

والاسلام، كما يرى المرجع الشيعي السيد صادق الشيرازي، لا يتعلق بالاخرة فقط، بل الاسلام يعني: سعادة الدنيا ايضا، فهو على حد تعبير السيد المرجع، يعني (الامان - الاقتصاد السليم - السياسة السليمة - المجتمع النظيف - يعني ان يكون كل شيء صحيحا وسالما) كما يذكر ذلك في كتابه (نفحات الهداية)..

والعودة الى الاسلام، التي يدعوا اليها السيد صادق الشيرازي، هي (الاجابة) الثانية التي على المسلمين ان يقوموا بها، بعد (الاجابة) الاولى التي تحققت لهم في سنوات الدعوة النبوية، حين اعلن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : (فأجيبوني تكونوا ملوكا في الدنيا وملوكا في الاخرة). و(الملوكية) هنا لاتعني التسلط او الاستبداد او الاثرة، كما الت اليه التجربة الاسلامية، في عهدها الاموي وماتلاه، بل معنى ذلك هو كما يشرح السيد المرجع (ان تعالوا ادخلوا في الاسلام، لتجدوا سعادة الدنيا والاخرة، اي تصبح الدنيا بين ايديكم، وفي الاخرة يكون مصيركم الى الجنة ايضا)..

وما يؤكد هذا المعنى، (الملك – السعادة) ما ذكره السيد المرجع في موضع اخر من الكتاب بقوله وهو يتحدث عن التجربة النبوية والعلوية في تطبيق الاسلام: (ان العزة والكرامة الانسانية والضمان الاجتماعي الذي طبقه نبي الاسلام (صلى الله عليه واله وسلم) والامام امير المؤمنين (عليه السلام) عمليا، لايوجد نظير له في مكان من العالم، كما لاوجود لاي قانون يضاهي القوانين الراقية في الاسلام).

الاسلام سعادة لابنائه وللاخرين اذا عملوا على تحقيق هذه الثلاثية (العزة والكرامة الانسانية والضمان الاجتماعي) من خلال تحملهم لمسؤوليتهم الجماعية في العودة الى اسلامهم في (اجابة) جديدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 10/تشرين الثاني/2013 - 6/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م