التغيرات المناخية... كوارث في انتظار الارض

 

شبكة النبأ: تأثيرات ومخاطر التغيرات المناخية التي تشهدها الأرض تعتبر اليوم من اكبر المشاكل وأهمها لدى الكثير من الخبراء والعلماء في العديد من دول العالم، وبحسب بعض الدراسات والتقارير المهمة فان ازدياد الكوارث الطبيعية وارتفاع درجة حرارة الأرض أمر واقع يهدد الحياة على الأرض خصوصا مع غياب خطط الأساسية لمعالجة هكذا خطر متفاقم، وفي هذا الشأن فقد كشف تقرير جديد أن كوكب الأرض يزداد سخونة بشكل أسرع من أي وقت مضى في التاريخ المسجل. ويستند التقرير إلى تحليل بيانات درجات الحرارة وهطول الأمطار المسجلة في الفترة من 2001 إلى 2010. وكان العقد الأول من القرن الحادي والعشرين الأشد حرارة منذ بدء تسجيل الأرصاد الجوية الحديثة (حوالي عام 1850) من حيث درجات حرارة الأرض وسطح المحيطات فقط

وقال ميشيل جارو، الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، التي أجرت التحليل، في بيان له أن الاحترار العالمي تسارع في الأربعة عقود الممتدة من 1971 إلى 2010. وكان معدل الزيادة العقدية بين الفترة من 1991 إلى 2000 والفترة من 2001 إلى 2010 غير مسبوق. فارتفاع تركيزات غازات الدفيئة والاحتباس الحراري يؤدي إلى تغيير مناخنا، وله آثار بعيدة المدى على بيئتنا ومحيطاتنا، التي تمتص كل من غاز ثاني أكسيد الكربون والحرارة".

وتابع قائلاً أن تقلبات المناخ الطبيعية، الناجمة جزئياً عن التفاعلات بين غلافنا الجوي والمحيطات كما يتضح من النينيو والنينيا تعني أن بعض السنوات تكون أكثر برودة من غيرها. وعلى أساس سنوي، لا يكون منحنى درجات الحرارة العالمية سلساً. ولكن على المدى الطويل، يكون الاتجاه الأساسي تصاعدياً بشكل واضح، لاسيما في الآونة الأخيرة.

تشمل بعض نتائج التحليل الرئيسية ما يلي: كان العقد الأول من القرن الحادي والعشرين الأشد حرارة منذ بدء تسجيل الأرصاد الجوية الحديثة (حوالي عام 1850) من حيث درجات حرارة الأرض وسطح المحيطات فقط. على مدى العقود الأربعة الماضية (1971-2010)، زادت درجات الحرارة العالمية بمعدل يقدر بحوالي 0.17 درجة مئوية في العقد الواحد، في حين أن الاتجاه من عام 1880 إلى عام 2010 كان لا يتعدى 0.062 درجة في العقد الواحد.

كانت تسع من السنين العشر في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين من بين السنوات العشر الأشد حرارة على الإطلاق. وكان عام 2010 أشد الأعوام المسجلة حرارة على الإطلاق، وهو العام الذي شهدت فيه روسيا موجة شديدة الحرارة أدت إلى مقتل نحو 55,000 نسمة. كما كان الأكثر بللاً على الاطلاق، حيث عانت باكستان من أحد أسوأ الفيضانات في العصور الحديثة، الذي أزهق 2,000 روح.

تسبب ارتفاع درجات الحرارة في ذوبان الجليد في القطب الشمالي على نطاق واسع والتمدد الحراري لمياه البحر، ونجم عن ذلك ارتفاع مستويات البحار العالمية بما يقدر بثلاثة ملليمترات سنوياً، أي حوالي ضعف المعدل السائد في القرن العشرين الذي بلغ 1.6 ملليمتر سنوياً. وأوضح التقرير أن "مستوى سطح البحار العالمي كان في المتوسط على مدار العقد أعلى بحوالي 20 سنتيمتراً من المعدل المسجل عام 1880".

إذا استمر هذا الاتجاه، سيسهم ذوبان الصفائح الجليدية فى ارتفاع مستوى سطح البحر في القرن الحادي والعشرين بقدر أكبر من أي عامل آخر. فقدت الأنهار الجليدية في العالم كتلة أكثر في الفترة من 2001 إلى 2010 مما فقدته في أي عقد منذ أن بدأ التسجيل. شهد ما يقرب من 94 بالمائة من البلدان التي تم تقييم بياناتها أكثر العقود حرارة في الفترة من 2001 إلى 2010.

شهدت أفريقيا ظروفاً أكثر حرارة من المعتاد في كل سنة من سنوات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. كانت الفيضانات هي الحدث الجسيم الأكثر وقوعاً في كثير من الأحيان على مدى هذا العقد. شهد العقد نفس أكبر عدد من الأعاصير المدارية في حوض شمال الأطلسي منذ عام 1855.

في السياق ذاته قال تقرير لمؤسسة كلايمت بولسي انشيتيف ان الإنفاق العالمي على مكافحة التغير المناخي انخفض العام الماضي ومازال اقل بكثير من المستوى المطلوب لمنع اخطر اثاره. وبلغ مجمل الاستثمار في الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والتكيف مع التغير المناخي 359 مليار دولار وهو ما يقل خمسة مليارات دولار عن عام 2011 مع تأثير الانكماش الاقتصادي على ميزانيات القطاعين الحكومي والخاص.

وقدرت وكالة الطاقة الدولية العام الماضي ان هناك حاجة لاستثمارت حجمها خمسة تريليونات دولار في الطاقة النظيفة وحدها بحلول 2020 للابقاء على الزيادة في درجة الحرارة العالمية في نطاق درجتين مئويتين. ويقول علماء ان هذا المستوى هو الحد الادنى اللازم لتفادي اخطر اثار التغير المناخي مثل ذوبان القمم الجليدية والارتفاع المفجع في منسوب مياه البحار. وقال توماس هيلر المدير التنفيذي لكلايمت بولسي انشيتيف ان الاستثمار لمكافحة التغير المناخي والتكيف معه يحدث في كل انحاء العالم ولكنه قاصر حيث تكون هناك حاجة اليه كما ان جهود زيادته غير ناجحة بما يكفي.

وتشجع مؤسسة كلايمت بولسي انشيتيف جهود وقف استخدام الوقود الاحفوري الذي يعتقد العلماء انه من شبه المؤكد السبب الرئيسي لارتفاع درجة حرارة الارض في العصر الصناعي. وقال تقرير المؤسسة ان استثمارات القطاع الخاص ساهمت بنحو 62 في المئة او 224 مليار دولار من اجمالي الاستثمارات العالمية في المناخ عام 2012 في حين ساهمت موارد التمويل العامة مثل الحوافز والقروض ومشروعات الاستثمار بالنسبة المتبقية. بحسب رويترز.

واضاف التقرير ان الدول الغنية استثمرت 177 مليار دولار العام الماضي في مبادارت التغير المناخي في حين استثمرت الدول النامية 182 مليار دولار . في الوقت نفسه قالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هذا الشهر ان الحكومات في مختلف انحاء العالم انفقت 523 مليار دولار في 2011 لدعم الوقود الاحفوري.

المناخ والفقر

على صعيد متصل أفادت دراسة جديدة صادرة عن معهد التنمية الخارجية أن تفاقم الصدمات المناخية سيؤدي إلى دفع السكان المتضررين من الكوارث بصورة أكبر نحو الفقر وهو ما سيفاقم من ضعفهم خلال عقدين من الزمان، إذا لم يبدأ صانعو السياسات بمعالجة تلك القضية. وقد قامت الهند بعمل رائع يحد من عدد الضحايا الناجم عن إعصار فالين الذي ضرب الساحل الشرقي ، طبقاً لما ذكره توم ميتشيل الذي يرأس برنامج تغير المناخ في معهد التنمية الخارجية. فقد بلغ عدد القتلى في هذا الإعصار 38 قتيلاً مقارنة بألف قتيل عندما ضرب الإعصار الأخير ولاية أوديشا في عام 1999. ولكن إعصار فالين مازال يسبب أضراراً لما لا يقل عن 12 مليون شخص في أفقر ولايات الهند أوديشا وأندرا براديش وبيهار كما أنه دمر سبل العيش وخلف وراءه سكاناً أكثر عرضة للصدمات الطبيعية ودفعهم نحو المزيد من الفقر، كما أفاد ميتشيل.

وقد استخدم ميتشيل تأثير فالين لشرح نتائج الدراسة الجديدة لمعهد التنمية الخارجية التي تتناول التداخل بين التركيزات المستقبلية للفقر والمناطق المرجح أن تكون أكثر تعرضاً للمخاطر الطبيعية مثل الجفاف والفيضانات. وطبقاً لما ذكرته الدراسة التي قام ميتشيل بالمشاركة في تأليفها، فإنه سيكون لدى الهند خلال عقدين آخرين أكبر عدد سكان في العالم "ومن المحتمل أنهم سيعيشون في فقر في 2030 وسيتعرضون إلى بعض أعلى مستويات المخاطر".

وقد أشار سانديب تشاتشرا المدير التنفيذي لمنظمة أكشن إيد الهند إلى أن "حجم الدمار مقترناً بتزايد وتيرة حوادث الطقس القاسي تؤدي إلى حدوث انتكاسة لسنوات من العمل الانمائي الذي شاركت فيه الحكومات ومنظمات المجتمع المدني". ونظراً لتلك الأسباب فإنه لا بد من ربط التدخلات المتعلقة بالكوارث وتغير المناخ بشكل وثيق بجهود الحد من الفقر في جدول الأعمال الإنمائي لما بعد عام 2015، بحسب قول الخبراء.

وتطرح دراسة معهد التنمية الخارجية التي حملت عنوان "جغرافية الفقر والكوارث والأحوال المناخية القاسية في 2030" تساؤلات حول معقولية توصيات اللجنة الرفيعة المستوى للأمم المتحدة بأن يكون عام 2030 هو الموعد النهائي للقضاء على جميع أشكال الفقر. وقد تم تكليف لجنة الأمم المتحدة الرفيعة المستوى التي يشارك في رئاستها الرئيس الاندونيسي سوسيلو بانبانغ يودهونو ورئيسة ليبريا إيلين جونسن ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بمهمة تقديم المشورة بشأن إطار عمل التنمية العالمية لما بعد عام 2015، وهو الموعد النهائي للأهداف الانمائية للألفية.

 وقال التقرير أنه إذا كان المجتمع الدولي جاداً بشأن استئصال الفقر بحلول عام 2030 فلابد أن تكون إدارة مخاطر الكوارث في قلب جهود استئصال الفقر. وبدون ذلك فإن هدف القضاء على الفقر قد لا يكون في المتناول. وبدراسة العلاقة بين الكوارث والفقر توصل تقرير معهد التنمية الخارجية إلى أنه "بدون أي إجراءات متضافرة فإن ما يقرب من 325 مليون شخص فقير جداً قد يعيشون في 49 دولة ويصبحون معرضين لمجموعة من المخاطر الطبيعية الكاملة والظواهر المناخية القاسية في عام 2030".

وقال ميتشيل نحن نقترح مستهدف يتم إضافته إلى الهدف الإنمائي الأول المقترح لما بعد 2015 الخاص بإنهاء الفقر وهو بناء القدرة على الصمود والحد من الوفيات التي تسببها الكوارث. وتتفق نيها راي الباحثة في المعهد الدولي للبيئة والتنمية مع نتائج التقرير حيث قالت أنجدول أعمال ما بعد عام 2015 لابد وأن يدمج بالتأكيد أهدافاً بشأن الكوارث وتغير المناخ. ويمكننا أن نرى ذلك يحدث إذا وضعت أهداف ما بعد 2015 أهدافاً إنمائية مستدامة. وعلى أرض الواقع يمكن لذلك أن يعني تخطيط مشترك لقضايا التنمية وتغير المناخ.

وقد أوضحت أن ذلك يحدث بالفعل في دول مثل بنجلاديش ونيبال التي "ترى علاقة مباشرة بين انخفاض الضعف والاستثمارات في الإدارة الشاملة للكوارث وإجراءات التكيف معها". وقالت راي أن الوزارات في تلك الدول تقوم أيضاً بدمج القدرة على الصمود والتكيف مع المناخ في التخطيط الانمائي.

ولكن هذا ليس هو الحال في أوديشا. فالاستعداد للكوارث لا يبدأ أو ينتهي بمجرد ادخال الناس بسرعة إلى الملاجئ، طبقاً لما ذكره الصحفي جاي مازومدار في مقالة لقناة تيهلكا الإخبارية الهندية. وكتب مازومدار أنه لو قامت السلطات المختصة بالكوارث في ولاية أوديشا بإجراء دراسة لتحديد المناطق والمجتمعات المعرضة للكوارث، لكان من الممكن التقليل من أثرها. فعلى سبيل المثال، كان من الممكن أن تمكن الدراسة من عملية "الإخلاء المستهدفة" التي "كان من الممكن أن تعطي الناس الوقت والمساحة لتقليل الخسائر الأخرى أيضاً. كما كان من الممكن حماية ماشيتهم بصورة أفضل. وكان من الممكن أيضاً أن تقوم العائلات التي تم إجلاؤها بحمل المزيد من أغراضهم إلى بر الأمان. وأخيراً كان من الممكن لأعمال الإغاثة وإعادة التأهيل التي تلت ذلك أن تكون أقل صعوبة وأكثر سرعة وفاعلية".

وقالت راي الباحثة في المعهد الدولي للبيئة والتنمية أن هناك حاجة إلى تغييرات في التخطيط الحكومي من أجل تحسين القدرة على الصمود في وجه الصدمات المناخية والحد من الفقر. وأضافت أنه "على المستوى النظري فإن هذا سيعني أيضاً إزالة التناقضات بين الأهداف الانمائية للألفية التي تركز على النمو والتنمية المستدامة. وهذا يعني إعادة تعريف التنمية حيث تفهم حالياً بأنها النمو الاقتصادي لتحقيق الأهداف الانمائية للألفية.

وأضافت راي أن النموذج الحالي الذي يركز على النمو يفاقم المشاكل الناجمة عن تغير المناخ (عن طريق انبعاث المزيد من غازات الاحتباس الحراري) وبالتالي زيادة ضعفنا على المدى الطويل. وقد يساعدنا توقع التنمية المتواضعة والخضراء من جميع مستويات المجتمع الدولي (النامي والمتقدم) على تحقيق أهداف ما بعد عام 2015 بطريقة تعاونية.

وقد قامت راي بترديد ما قاله مجموعة من العلماء البارزين في تعليق في بداية هذا العام وهو أنه "لا يكفي مجرد تمديد الأهداف الانمائية للألفية كما يقترح البعض لأن البشر يحولون كوكب الأرض بطرق يمكن أن تقوض المكاسب الانمائية. كما أن الناس معرضين بصورة متزايدة إلى مستويات متزايدة من الصدمات المناخية". وقال ميتشل أن الهدف الانمائي ينبغي أن يضمن أن إدارة مخاطر الكوارث لا تركز فقط على انقاذ الأرواح ولكن على حماية سبل العيش كذلك. بحسب إيرين.

وتتماشى دراسة معهد التنمية الخارجية مع دعوات من المجتمع الدولي للنظر في العلاقة بين الصدمات المناخية وإدارة مخاطر الكوارث والأهداف الانمائية ليس فقط من منظور الأهداف الانمائية للألفية ولكن أيضاً من منظور اتفاقية المناخ الجديدة المقترحة والخطة الجديدة لجعل العالم أكثر أمناً من المخاطر الطبيعية من أجل استبدال اتفاقية هيوغو- وكل هذا سيحدث في 2015.

الى جانب ذلك أظهرت دراسة ان اجمالي انبعاثات الغازات الضارة في الصين والاقتصادات الناشئة الأخرى منذ 1850 ستتجاوز الانبعاثات في الدول الغنية هذا العقد مما يعقد محادثات الأمم المتحدة بشأن من يتحمل النصيب الاكبر من اللوم عن ظاهرة الاحتباس الحراري. ووفقا للدراسة التي اجرتها وكالة التقييم البيئي الهولندية (بي بي ال) ومجموعة ايكوفيس البحثية ومركز الابحاث المشترك للمفوضية الاوروبية فان انبعاثات الدول النامية شكلت 48 بالمئة من الانبعاثات المتراكمة من 1850 الى 2010. وقال بيان "في مرحلة ما في العقد الحالي ستتجاوز حصة التراكم التاريخي للانبعاثات في الدول النامية مثيلتها في الدول المتقدمة."

وتسجل الانبعاثات في الدول النامية زيادة سريعة ويتكهن التقرير بأن نصيبها من الانبعاثات المتراكمة سيصل الى 51 بالمئة بحلول 2020 . وقالت الدراسة "المناقشات في مفاوضات المناخ التي ترعاها الأمم المتحدة تتجه نحو التركيز على تحديد الدول التي ساهمت بشكل أكبر في حدوث التغير المناخي. وقالت إن أكثر الدول تلويثا للبيئة منذ عام 1850 الذي يعتبر بداية للاستخدام الصناعي على نطاق واسع للوقود الاحفوري الذي يصدر غازات ضارة عند حرقه هي الولايات المتحدة والصين والاتحاد الاوروبي وروسيا. وتجادل الصين التي يبلغ عدد سكانها 1.3 مليار نسمة بأن نصيب الفرد فيها من الانبعاثات منذ 1850 مازال أقل كثيرا عن المستويات في الدول المتقدمة مما يعني انها تتحمل مسؤولية أقل من الدول الغنية لكبح الانبعاثات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 6/تشرين الثاني/2013 - 2/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م