مما لاشك ولاريب فيه... عن الاساليب الكتابية في الصحافة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: القراءة عملية لاحقة للكتابة، او ان الكتابة هي العملية اللاحقة للقراءة.. الجملتان صحيحتان في الوقت نفسه.. كيف ذلك؟

لاتقوم بفعل القراءة الا بوجود مكتوب، ولكي تتمكن من الكتابة عليك اولا ان تجيد القراءة وان توسع معارفك في حقول الثقافة.. نعم قد تبدأ مبكرا بالكتابة لامتلاكك الموهبة، لكن الموهبة بمرور الزمن تحتاج الى تنميتها وتطويرها، ولا يتم ذلك الا بالقراءة..

اشهر فعالية (قرائية) يمارسها الانسان هي قراءة الصحف، وهي لعقود طويلة كانت لها طقوسها الخاصة بها، قبل ان تتغير تلك الطقوس لصالح الصحافة الرقمية او الالكترونية..

حين اقرأ اي صحيفة ورقية او الكترونية اتخيل عدة صور تبعا لاسلوب الصحفي في الكتابة..

احدهم قد يدخل على القاريء مدججا بدزينة من مختلف الاسلحة الهجومية والدفاعية، واخر قد ياتي مصطحبا معه امراة جميلة فارعة القامة وحارقة الحسن، واحدهم قد يصطحب معه مصطبة متسخة من حديقة عامة، واخر ياتي مصطحبا معه باقة من ورود صناعية ، شكل جميل دون عطر الورد، واخر يصطحب معه عورات وعاهات جسدية متعددة، واخر قد ياتي وكانه خارج لتوه من دورة مياه صحية دون اغتسال، او اخر قادم اليك وكانه خرج لتوه من مكب للنفايات، واخرون غيرهم تتعدد انواع واشكال مايحملون عند قدومهم اليك..

ماهو احساسك وانت تقرأ لهؤلاء؟

منهم من يمنحك النشوة، ومنهم من يقودك الى الغضب، ومنهم من ياخذ بيدك الى حافة الجنون، اخرون يضعوك في متاهات عليك ان تجد طريقا للخروج منها، واخرون ينزلون بك الى مستنقعات من مياه اسنة.

انت في كل هذا تمارس فعل القراءة، وتريد ان تتحصل على نتائج لذلك الفعل، غالبا ماتكون النتائج لاتوازي مابذلته من جهد في اداء الفعل، وكثيرا ماتخرج وانت مصاب بالغثيان، وهو ليس غثيان البير كامو قطعا.

ما ذكرته سابقا هو حديث عام يتعلق بالكتابة الصحفية، واقصد هنا تحديدا اسلوب الكتابة الصحفية الذي نجده بوضوح بارز في المقال الصحفي..

المقال احد الفنون الصحفية الرئيسية، ولاتكاد تخلو صحيفة يومية منه، وهو عبارة عن قطعة مؤلفة متوسطة الطول تعالج موضوعاً ما من ناحية تأثر الكاتب به. تكون منثورة في أسلوب يمتاز بالسهولة والوضوح وسهولة التراكيب ودقّة الكلمات.

وهو على انواع:

المقال الوصفي السردي ويكون الهدف منه، إعطاء صورة لمكان رآه الكاتب، أو لحادث شاهده.

المقال الصحفي، نوعان:

المقال الافتتاحي، يكتبه رئيس التحرير، وهو يستعين بالوثائق ليدعم رأيه.

ويمتاز أسلوب المقال الصحفي بما يلي:

1- يشتمل على فكرة يحسن كاتبها عرضها في ثوب من التشويق.

2- أسلوبه سهل واضح يفهمه كل قارئ.

3- يميل إلى الجدل في مناقشة الأراء والاتجاهات المختلفة.

4- يميل إلى التطويل فيما يتطلب ذلك، وإلى الإيجاز في أكثر الأمور.

وينبغي أن يكون المقال جميل الأسلوب، سلس العبارة، واضح الأفكار.

مقال الرأي، وهو القسم الثاني من المقال الصحفي.

وللمقال شكلان، هما الذاتي والموضوعي.

من سمات المقال الذاتي:

1- تبدو فيه شخصية الكاتب أكثر وضوحاً.

2- يشيع فيه الأسلوب الأدبي الذي يمتلئ بالصور الفنية والإيقاع الموسيقي.

3- يثير المقال الذاتي بالقارئ شتى أنواع الانفعال "الحزن أو الفرح".

4- يظهر فيه ضمير المتكلم بشكل بارز لأنه يطرح أساساً تجربة ذاتية تجربة ذاتية.

اما سمات المقال الموضوعي، فهي:

1- الوضوح والبساطة والبعد عن الغموض.

2- خلوه من العواطف الشخصية.

3- الإيجاز غير المخل "طول العبارة على حجم الفكرة".

4- الدقة وتسمية الأشياء بمسمياتها.

5- التقيد بالموضوع ومتطلباته، وعدم الخروج عنه إلى أمور جانبية.

6- استخدام البراهين العقلية والجدل.

7- التسلسل الفكري والمنطقي بحيث تؤدي الفكرة السابقة إلى الفكرة اللاحقة حتى ينتهي الموضوع إلى نتيجته.

8- غلبة المنهج العلمي عليه.

يحدد الصحفي الامريكي بيتر كلارك  ثلاثة عشـرة خصـلة تميـز الكـاتـب الجيـد، هي:

1. إن العالم الخارجي هو حقل التجربة ومنبع الوحي للكاتب الجيد، فمن خلال العالم يبتكر الكاتب قصصاً وأفكاراً متنوعة. الكاتب الجيد لا يتقيد بالرسميات والتقاليد فدائماً ما يسعى إلى ابتكار ما هو جديد وخاص.‏

2. الكاتب الجيد يجمع المعلومات بكثافة وشراهة ودائماً ما يكون تركيزه على قيمة ومحتوى المعلومة ذاتها أكثر مما يكون على الأسلوب الذي يعرض به المعلومة. فهو في أكثر الأحيان يرى نفسه محققاً وليس كاتباً.‏

3. الكاتب الجيد يركز مجهوده الأساسي على المقدمة فهو يعلم أنها أهم جزء في عمله لما لها من تأثير في جذب انتباه القارئ. وهو دائماً ما يفخر بمحاولاته المتكررة لكتابة المقدمة لأي عمل يبدأه.‏

4. الكاتب الجيد دائماً ما يكون هو نفسه منغمساًُ في القصة التي يكتبها فتكون غالباً مسيطرة على وجدانه وتفكيره ، فهو يخطط لها طوال اليوم ويناقشها في ذهنه ومع أشخاص آخرين باحثاً عن أفكار واقتراحات جديدة.‏

5. الكاتب الجيد غير متسرع في كتاباته ولكنه يمتاز بجرأة خارقة في طرح الأفكار وكتابتها والتعبير عنها. وفى الوقت نفسه يملك القدرة على الإسراع عند اللزوم.‏

6. الكاتب الجيد متفهم جيد لمدى أهمية الأساليب الميكانيكية لترتيب الأفكار والمصادر المتاحة وتهيئة الجو، فهو يحاول أن تتخلل أوقات الكتابة والإبداع بعض الأفعال التي تبعث و تجدد نشاطه مثل المشي و السرحان وأكل الوجبات السريعة ... إلخ.‏

7. الكاتب الجيد يستخدم المسودات، فهو يكتب ثم يعيد الكتابة فيصلح ما يريد وأحياناً ما يبدأ من جديد؛ لإحساسه دائماً أن هناك خطأ ما وأنه غير راض عن العمل ويطمح إلى الكمال.‏

8. الكاتب الجيد يثق في ويعتمد على حاسته السمعية ومشاعره أكثر من رؤيته في تقييمه لأعماله، فهو دائماً ما يبحث عن الأخطاء التي تثير وجدانه وشعوره في حين أن المراجع مثلاً يبحث عن ما يثير نظره من أخطاء لغوية.‏

9. الكاتب الجيد يحب سرد القصص ويبحث مجدداً عن الجانب الإنساني لأي خبر، ويبحث أيضاً عن الأصوات التي تضفي الحياة على الكتابة، واللغة التي يكتب بها تعكس اهتمامه بالسرد القصصي أو الحكي.‏

10. الكاتب الجيد يكتب دائماً وأساساً لإرضاء نفسه ومعاييره الذاتية، ولكنه يتفهم جيداً الصلة الوطيدة بين الكاتب والقارئ. فعلى عكس كثير من الصحفيين، يكون الكاتب لديه ثقة عالية أن أعماله ستصل إلى قراءه متحملاُ مسؤولية ما سيصل إليهم من أفكار وأحاسيس.‏

11. الكاتب الجيد جرئ وغير تقليدي في كتاباته. فهو يحب عنصر المفاجأة والتجديد في بداية أي قصة، ودائماً ما يتمنى أن ما يكتبه في الجريدة اليومية يكون هو الأفضل والأدق والأكثر مصداقية.‏

12. الكاتب الجيد قارئ جيد للروايات ومحب للأفلام السينمائية فهو يجمع الأفكار من مصادر متنوعة. وهو محب للكلمات والأسماء.‏

13. الكاتب الجيد مسهب في كتاباته إلى آخر كلمة وفكرة تماماً على عكس الصحفي الذي لا يعبأ بالقارئ ويهتم فقط بكتابة مقدمة مثيرة ويهمل البقية. فذلك النوع من الكتاب لا يمكن فصل نهاية عمله عن مقدمته فكل كلمة عنده في انسياب وتجانس مع الأخرى مما يجعل القارئ يقرأ كل كلمة .‏

ولاحد المستشارين الصحفيين الذي عمل مستشاراً لنحو 100 صحيفة يومية، يذكر الأسس العشرة للكتـابـة الواضحـة: وهي:

1. يجب أن تكون الجمل قصيرة نسبياً (والتركيز هنا على كلمة نسبياً). فيجب أن يكون هناك نسبة وتناسب بين الجمل القصيرة والطويلة لكي لا يتسلل الملل إلى القارئ وتتسم الكتابة بالحيوية.‏

2. الجمل إما بسيطة أو مركبة ، والجمل البسيطة أكثر حيوية وأهمية ولكن ذلك لا يعني استبعاد الجمل المركبة فالتعبير الواضح يحتاج إلى النوعين معا دون طغيان الجمل المركبة ، والمهم أن تكون الجملة معبرة عن الأفكار المراد طرحها‏

3. يجب تفضيل الكلمات المألوفة فهي دائماً الأقرب إلى قلب القارئ لتوصيل المراد توصيله.‏

4. يجب تحاشي الكلمات الزائدة غير المهمة وغير المؤثرة ، في معظم الحالات يمكن اختصار الأخبار والمقالات والمواد الصحفية دون أن يؤثر ذلك في المعنى.‏

5. يجب إضفاء روح الحركة على الأفعال المستخدمة وذلك مثلاً عن طريق إبراز الفاعل في الجملة ، لا تستخدم صيغ المبنى للمجهول. المبنى للمعلوم أقوى تأثيراً وأكثر حيوية.‏

6. عند الكتابة يجب التعبير بنفس اللغة المستخدمة في الكلام والبعد عن التعبيرات الرسمية المعقدة خصوصاً في المقدمة ، اكتب كما لو كنت تتحدث ،اجعل للغتك جرسا وموسيقى.‏

7. يجب استخدام مصطلحات غير مبهمة يمكن للقارئ تخيلها و تصورها، ولو تم استخدام مصطلح غامض يجب على الكاتب شرح معناه ومغزاه للقارئ، وفي كل الحالات حاول أن تكتب لغة يسهل على القارئ تصورها .‏

8. يجب التجانس مع تجربة القارئ وموقفه و واقعه فلا تمطره بحقائق مبهمة بدون إعطاء بعض الأمثلة التي تتماشى مع واقعه الملموس.‏

9. يجب استخدام التنويع إلى أقصى الحدود الممكنة، فطريقة الكاتب في استخدام اللغة توضح شيئاً عن روحه وعاداته وقدراته وميوله... إلخ. وهذا في الواقع ممتعاً للقارئ لأن الكتابة الخلاقة هي نوع من التواصل الإنساني بين الكاتب والقارئ.‏

10. يجب أن تكون الكتابة تعبيرية (عما هو في الداخل) وليس تأثيرية (على ما هو في الخارج).‏

في الاجمال هناك عدة سمات عامة للكتابة الصحفية هي: (السهولة - التركيز – الوضوح - التنوع - التشويق - اللفظ المستحدث).

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 5/تشرين الثاني/2013 - 1/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م