لاجئو سوريا... حقوق ضائعة

 

شبكة النبأ: على رقعة صخرية في الصحراء التي تعصف بها الرياح على بعد 80 كيلومتراً شرق العاصمة الأردنية عمّان، تعمل فرق من مهندسي البناء بهمة ونشاط لبناء ملاجئ معدنية، مرحباً بكم في مخيم الأزرق، الذي سيصبح قريباً أحدث مخيم للاجئين في العالم، وربما الأفضل من حيث التخطيط أيضاً.

تجدر الإشارة إلى أن هذا الموقع الذي تبلغ مساحته 15 كيلومتراً مربعاً لا يزال تحت الإنشاء منذ شهر أبريل الماضي، مما أتاح للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي اعتادت على إنشاء المخيمات في غضون أسابيع وليس شهور، ترف الوقت المتسع الذي نادراً ما يكون متوفراً لديها.

لا يعرف أحد على وجه التأكيد موعد افتتاح مخيم الأزرق، ولكنه سيضم بالفعل مدارس وملاعب ومساحات صديقة للطفل ومخازن أغذية ومنطقة وصول وتسجيل ومراكز صحية ومستشفى مجهز تجهيزاً كاملاً، وبدلاً من الخيام، يجري ترتيب ملاجئ ذات إطار معدني مصممة خصيصاً في مجموعات عائلية صغيرة بالقرب من المراحيض ومرافق الغسيل.

ويرى الكثيرون مخيم الأزرق على أنه فرصة هامة لوكالات الأمم المتحدة لتصحيح بعض الأخطاء التي ارتكبتها في مخيم الزعتري، الذي بات الآن سيء السمعة، بعد أن تم افتتاحه على عجل في الصيف الماضي في شمال شرق البلاد من أجل الاستجابة للتدفق المفاجئ للاجئين السوريين، وأصبح الآن موطناً لنحو 120,000 شخص. فقد عانى هذا المخيم منذ ذلك الحين من الاكتظاظ وسوء مرافق الصرف الصحي والتخريب والجرائم.

وفي محاولة لتوضيح ما حدث، قال أندرو هاربر ممثل المفوضية في الأردن: "كان لدينا 10 أيام لإقامة مخيم الزعتري وكانت أيدينا مقيدة بسبب نقص التمويل. أعتقد أننا استجبنا قدر استطاعتنا، بالنظر إلى وصول ما يقرب من 3,000 شخص يومياً في ذلك الوقت ... أما في حالة مخيم الأزرق، فقد أتيحت لنا الفرصة لتطبيق أفضل الممارسات التي نعرفها، والتي كان ينبغي أن يتم تطبيقها في الزعتري، لو توفر لنا الوقت والموارد اللازمة لذلك".

ان استخدم الموقع الذي بُني عليه مخيم الأزرق لفترة وجيزة في وقت مبكر من تسعينيات القرن الماضي كمخيم إعادة توطين رعايا البلدان الثالثة الفارين من الكويت والعراق خلال حرب الخليج الأولى ولكن أُعيد فتحه من جديد لاستيعاب العدد المتزايد من اللاجئين السوريين. وقد استخدم مهندسو مفوضية اللاجئين صور المخيم القديم التي التقطت بالأقمار الصناعية لمساعدتهم على تصميم المخيم الجديد.

وكان المحور المركزي في تخطيط مخيم الأزرق هو التركيز على تدعيم المجتمعات داخل المخيم لمساعدة اللاجئين على الاحساس بنوع من ملكية المرافق الموجودة هناك، وفي حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قالت برناديت كاسل، كبيرة المنسقين الميدانيين التابعين للمفوضية في مخيم الأزرق: "أعتقد أن التغيير الأكثر أهمية هو أن الخدمات ستكون لا مركزية منذ البداية"، وأضافت أن "ما حدث في الزعتري هو أن الخدمات كانت كلها في مكان واحد وعلى جانب واحد من المخيم... ولكننا نبني هنا قرى منفصلة. وبالتالي فإن الفكرة هنا أن اللاجئين في كل قرية سيتمتعون بخدمات مجتمعية خاصة بهم، مثل المراكز الصحية الأولية والمساحات الصديقة للطفل، وهذا من شأنه أن يحد من الازدحام".

وبالإضافة إلى تحسين إمكانية الحصول على الخدمات، يأمل عمال الإغاثة في أن يصبح الأشخاص الذين سيشعرون بدرجات أكبر من ملكية المرافق أقل رغبة في تخريب الملعب المجاور لمنزلهم، على سبيل المثال، أو في السرقة من شخص يقيم في قريتهم، إذا كان ضابط شرطة المجتمع يعرفهم بالاسم.

بالإضافة إلى ذلك، لن يكون الناس مجهولين بنفس القدر عندما تكون الخدمات شخصية أكثر، ومن المأمول أن يصبحوا أكثر استعداداً للعمل مع بعضهم البعض بدلاً من التناحر، سواء فيما بينهم أو مع عمال الإغاثة، ومن المتوقع أن تأوي كل قرية ما بين 8,000 و15,000 شخص، وسيتم تقسيم كل قرية إلى أقسام يضم كل منها 12 ملجأ منفصلاً تتقاسم محطتي مياه وصرف الصحي ونظافة صحية، واحدة للرجال والأخرى للنساء.

كما تشمل الخطة ايواء العائلات والأشخاص الوافدين من نفس المناطق في سوريا معاً. وسيتم ترك مساحات إضافية فارغة لاستيعاب الأقارب الذين قد يصلون في وقت لاحق، وحينئذ يمكن إقامة ملاجئ أو خيام حسبما تقتضي الحاجة. وكان جزء من السبب الذي جعل مخيم الزعتري فوضوياً إلى هذا الحد هو أن بعض الأسر نقلوا خيامهم وبيوتهم المتنقلة من الأماكن المخصصة لهم لكي يكونوا أقرب إلى الأصدقاء وأفراد العائلة.

ويعتقد عمال الإغاثة أن الحمامات ستكون أكثر نظافة وسلامة إذا كانت أكثر خصوصية ومشتركة بين الأسر. كما أن قصر المسافات إلى المراحيض سيزيل مخاوف الحماية التي كانت موجودة في الزعتري بسبب اضطرار النساء والفتيات إلى المشي مسافات طويلة للوصول إلى الحمامات، وخصوصاً أثناء الليل، وقالت كاسل: "يمكن لتجميع العائلات مع بعضها البعض للمشاركة في مرافق المياه والصرف الصحي تسهيل الشعور بالملكية وتجنب بعض المشاكل التي شهدناها في الزعتري والمرتبطة باستخدام أعداد كبيرة من الأشخاص للمراحيض العامة"، وقالت أن "جزءاً كبيراً من هذا المخيم أقيم على أساس تجارب اللاجئين أنفسهم في الزعتري" مضيفة أنهم يحاولون الاستفادة من هذه الدروس المباشرة.

وتتمثل إحدى التحديات الكبرى التي تواجه اللاجئين الذين يعيشون في الزعتري، فضلاً عن وكالات الإغاثة العاملة هناك، في موقعه الصحراوي وطقسه القاسي، الذي يتأرجح بين السخونة الحارقة والبرد القارس، والجدير بالذكر أن الأزرق يقع في وسط الصحراء، ويبعد حوالي 20 كيلومتراً عن أقرب بلدة، وهي تحمل الاسم نفسه. كما أن مناخه بغيض، إن لم يكن أسوأ من ذلك، بسبب تعرض المنطقة لرياح قوية تثير أعاصير رملية كل يوم.

وقد اشتكى أحد عمال الإغاثة من أنه "في بعض الأحيان، كان من الصعب بالفعل القيام بعملنا في الموقع، ولذلك من الصعب أن أتصور عيش الناس هنا لفترة طويلة"، ولكن بعد كل هذه المعاناة المتعلقة بالعيش في الصحراء في مخيم الزعتري - بما في ذلك التهابات الجهاز التنفسي بسبب أثار الرمال وصعوبة توفير المياه - لماذا تفكر السلطات وعمال الإغاثة مجرد تفكير في البناء مرة أخرى في الصحراء؟.

إجابة على هذا السؤال، قالت فداء الغرايبة، مديرة وحدة تنسيق الإغاثة والمساعدات الإنسانية في وزارة التخطيط والتعاون الدولي الأردنية، التي خصصت هذا الموقع، أنه لم يكن هناك خيار آخر، "هذا هو الأردن. معظم أرضنا صحراء. ليس هناك مكان مثالي لإقامة مخيم. ويجب أن نتذكر أيضاً أن هناك أناس يعيشون في قرى [محافظة] المفرق و[مدينة] الزعتري منذ سنوات عديدة، وظلوا على قيد الحياة، رغم المعاناة من الظروف المناخية نفسها الموجودة في [مخيم] الزعتري،" كما أفادت.

وتهدف الملاجئ المعدنية المبتكرة إلى توفير حماية أفضل للاجئين في الظروف المناخية القاسية في الأزرق من الخيام التي استخدمت في البداية في الزعتري. ويبلغ طول الملجأ 6 أمتار وعرضه 4.5 متراً وسقفه مرتفع بما يكفي لوقوف الناس بشكل مريح، وله إطار من أنابيب الصلب المزدوجة لتوفير العزل في فصل الشتاء وكذلك للحماية من الحرارة والرياح.

وقال زكريا عمايرة، أحد مسؤولي المشروع الأردنيين الذين يعملون مع المجلس النرويجي للاجئين الذي يقود عملية تركيب الملاجئ في مخيم الأزرق: "تصل سرعات الرياح هنا إلى 60 أو 70 كيلومتراً في الساعة ولذلك لا يمكنك استخدام الخيام، التي لن تصمد طويلاً".

وأضاف بكل فخر واعتزاز: "هذا هو سبب قيامنا بتصميم هذه الملاجئ، التي تستخدم للمرة الأولى في العالم. إنه تصميم فريد من نوعه أُعد خصيصاً لمخيم الأزرق"، وتوجد في كل وحدة نافذتان يمكن فتحهما، وفتحات تهوية، وباب قابل للقفل يؤدي إلى مدخل الشرفة الجانبية لتحقيق خصوصية إضافية، وعدة حبال من الستائر المعدنية التي تسمح بتقسيم المساحة بشكل مرن داخل الغرفة الرئيسية.

والجزء الوحيد من الملجأ الذي لم يتم تقسيمه هو الأرضية التي تركت مكسوة بالرمل حتى يغطيها اللاجئون أنفسهم، وعبرت كاسل عن أملها في أن "يؤدي ذلك إلى زيادة إحساسهم بملكية الملاجئ والمساعدة في جعلهم يشعرون بأنهم في منازلهم"، ولتوفير عزل أفضل في فصل الشتاء، سيتم رفع مستوى الأرضية، سواء بألواح خشبية أو بالخرسانة، ولا يزال التصميم النهائي قيد التنفيذ، كما أوضح عمايرة.

ويبلغ ثمن الملجأ الواحد حوالي 1,450 ديناراً أردنياً (2,050 دولاراً)، ولذلك فهي تعد أغلى كثيراً من الخيام، التي تصل تكلفتها إلى 850 دولاراً لكل منها بما في ذلك التسليم، ولكن من المتوقع أن تستمر لفترة أطول بكثير من الخيام، التي تحتاج عادة إلى تجديد كل 6 إلى 12 شهراً، وقد تم تصميم الملاجئ، التي يتم تصنيعها خارج الموقع بواسطة ثلاث شركات أردنية مختلفة، بالتشاور مع اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري. كما تعد أرخص من البيوت المتنقلة التي تشبه الحاويات، التي تبرعت بها دول الخليج لمخيم الزعتري، التي قد يصل ثمن الوحدة الواحدة منها إلى 2,500 دينار (3,500 دولار).

كما يمكن للاجئين فك هذه الملاجئ بسهولة ونقلها إلى سوريا إذا توفرت الفرصة للعودة، وقد تم تركيب ما يزيد قليلاً على 200 ملجأ حتى الآن، ومن المخطط إقامة 5,000 وحدة في المرحلة الأولى من المخيم تكفي لايواء حوالي 50,000 شخص في أربع قرى.

ولكن على الرغم من جميع أعمال البناء التي تتم في الأزرق، والاستعداد لنقل 600 من موظفي المفوضية إلى هناك بمجرد أن يتم الافتتاح، ما يزال المكان يفتقد لعنصر رئيسي: اللاجئون، فقد كان من المقرر افتتاح الموقع، الذي يقول الموظفون أنه جاهز للاستخدام، في شهر يوليو الماضي، ولكن تم تأجيل الافتتاح لأجل غير مسمى. وفي الأسابيع الأخيرة، سحبت بعض المنظمات غير الحكومية العمال من الموقع ونقلوهم مرة أخرى إلى الزعتري أو غيره من المشاريع التي تركز على المناطق الحضرية. وقد بدأت الجهات المانحة تتساءل عن مصير استثماراتها، وقال هاربر من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن هذا الأمر متروك للحكومة لتقرر متى سيتم استخدام المخيم، لكنه أضاف أنه "من الصعب أن تبرر افتتاح الأزرق عندما لا يصل سوى 300 شخص تقريباً في اليوم".

وقد أصبح الأردن موطناً لأكثر من 540,000 لاجئ سوري، ولكن الغالبية العظمى منهم يعيشون خارج مخيم الزعتري في البلدات والمدن. وفي الأشهر الأخيرة، عاد الآلاف إلى سوريا، وفي الوقت نفسه، أفاد بعض اللاجئين أن هناك صعوبة في عبور الحدود إلى الأردن، "عندما كانت أعداد كبيرة تعبر الحدود، شرعنا في بناء المخيم، ولكن منذ ذلك الحين، انخفضت تلك الأعداد. إننا نشهد انخفاضاً في أعداد اللاجئين في مخيم الزعتري، وبالتالي توجد أماكن شاغرة هناك،" كما أوضح هاربر.

من جانبها، أكدت الغرايبة من وزارة التخطيط خلال حوارها مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن الحكومة تنتظر ظهور نتائج مسح تجريه المفوضية في الزعتري لمعرفة العدد الدقيق للأشخاص الذين يعيشون هناك. ومن المتوقع أن يكتمل هذا الإحصاء بحلول نهاية أكتوبر، وأضافت أن "افتتاح مخيم وتقديم كافة التسهيلات، من الغذاء والماء والكهرباء وغيرها، أمر مكلف للغاية، ولذلك فإننا نبذل قصارى جهدنا للاستفادة من مخيم الزعتري إلى أقصى درجة ممكنة، ومن ثم البدء في نقل الناس إلى الأزرق. وإذا تلقينا تدفقاً مفاجئاً، سيتم نقل الناس إلى مخيم الأزرق. فهو معد أساساً لمواجهة حالات الطوارئ".

ورداً على سؤال حول احتمالية عدم فتح المخيم على الإطلاق، قالت: "هذا ليس واضحاً حتى الآن،" وكررت أن "إدارة المخيم أمر مكلف للغاية"، وقد أنفقت وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الشريكة حوالي 25 مليون دولار حتى الآن على تمهيد الطرق، وأنابيب المياه، ونظام الصرف الصحي، والملاجئ، ومراكز التسجيل والتوزيع، والمستشفى والمدارس، لكن هاربر نفى أن يكون الأزرق أحد المقتنيات باهظة الثمن وعديم القيمة، وأكد أنه "بالنظر إلى حجم العملية، وعدد الاشخاص الذين قتلوا بالفعل في سوريا، ونزوح أكثر من أربعة ملايين شخص داخل البلاد، ووجود أكثر من مليوني لاجئ خارجها، وعدم وجود حل سياسي في الأفق ... سيكون من قبيل الاستهتار وانعدام المسؤولية أن لا نتأهب بشكل مناسب". بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين".

في سياق متصل يعيش 380 مهاجراً وطالب لجوء في ظروف معيشية مزرية داخل مدرسة مهجورة خارج العاصمة البلغارية صوفيا. إنهم جزء من موجة جديدة من المهاجرين وطالبي اللجوء، معظمهم من الأكراد الفارين من سوريا، الذين دفعوا نظام اللجوء عديم الكفاءة في بلغاريا إلى نقطة الانهيار.

تعاني هذه المنشأة من مشاكل في السباكة، ورائحة مياه الصرف الصحي تنتشر في الممرات، وتم تقسيم الفصول الدراسية السابقة لكي تتقاسمها عدة عائلات. كما أن الجدران متعفنة، والنوافذ محطمة، والكهرباء غير منتظمة. وعلى الرغم من برودة الطقس، لم يتم تشغيل التدفئة المركزية حتى الآن.

بالإضافة إلى ذلك، فإن مواقد الطبخ نادرة الوجود، ولا توجد ثلاجات لحفظ الأطعمة. وعلى الرغم من أن الصليب الأحمر البلغاري يتبرع ببعض المواد الغذائية على فترات متباعدة، لا تبادر الحكومة بتوفير أي شيء بشكل منتظم.

والمدرسة التي تعرف باسم مرفق فراجدبنا، هي واحدة من ثلاثة مراكز استقبال تم افتتاحها مؤخراً لاستيعاب الزيادة الكبيرة في عدد طالبي اللجوء في الأشهر الأخيرة.

ووصف بوريس تشيشركوف، المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بلغاريا، الظروف المعيشية في المدرسة بأنها "رهيبة،" أما لجنة هلسنكي البلغارية (BHC)، فكانت لهجتها أشد حدة بعد زيارة المرفق.

وقالت في بيان أثار غضباً شعبياً عارماً أن "هذه المعاملة التي يلقاها اللاجئون ليست فقط مثالاً ذو دلالة رمزية على البيروقراطية وعدم الاكتراث باحتياجات الناس الذي تتسم به مؤسسات الدولة البلغارية، بل وتعد أيضاً معاملة لاإنسانية ومهينة وتعكس أقصى درجات القسوة من قبل ذوي الياقات البيضاء".

وفي مركز الاستقبال الكائن داخل وكالة الدولة لشؤون اللاجئين، قالت ميزغين عباس، التي تبلغ من العمر 26 عاماً، وهي معلمة لغة إنجليزية سابقة، وزوجها فرهاد، ذو الثلاثين ربيعاً أنهما أُجبرا على التخلي عن منزل ووظيفتين جيدتين في المنطقة الكردية في سوريا، وفرا مع أطفالهما بعد سماع تقارير تفيد بأن الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة في قرية مجاورة تقطع رؤوس الرجال السوريين ذوي الأصول الكردية وتخطف السوريات الكرديات، وأضافت ميزغين قائلة: "فضلنا أن نأتي إلى هنا لنعيش حياة جيدة" موضحة أنهم يأملون في الحصول على وضع الحماية حتى يتمكنوا من البقاء في بلغاريا.

وتجدر الإشارة إلى أن حوالي 100 شخص يصلون إلى الحدود البلغارية مع تركيا يومياً، والأرقام تتزايد بسرعة. وفي الماضي، كانت بلغاريا تستقبل 1,000 مهاجر وطالب لجوء في المتوسط سنوياً، ولكن في هذا العام وحده، وصل أكثر من 6,500 منهم، مما جعل المسؤولين يسعون جاهدين لايجاد المساكن والأموال اللازمة لاستيعابهم.

وقد زاد عدد الوافدين بشكل مطرد منذ شهر أغسطس الماضي، وإذا استمر المعدل الحالي، فستستقبل البلاد ما بين 11,000 و 15,000 مهاجر وطالب لجوء بحلول نهاية العام، غالبيتهم العظمى من السوريين، وفقاً لتقديرات وزارة الداخلية.

من جانبه، قال تشيشركوف من المفوضية: "إننا نرى أن الحكومة تتعرض لضغط يفوق طاقتها، وأن قدرة مراكز الاستقبال قد استنفدت... ولكننا نرى بوضوح أن السلطات أصبحت نشطة أكثر فأكثر من أجل تقليص الفجوات".

وفي سياق متصل، يلجأ المهربون، الذين اعتادوا على توجيه المهاجرين من تركيا إلى اليونان، بصورة متزايدة إلى نقلهم إلى بلغاريا كبديل جديد، ويرجع ذلك جزئياً إلى بناء سياج حديدي بطول 10.5 كيلومتراً في واحدة من نقاط العبور الأكثر شعبية على الحدود التركية اليونانية. وتعتبر بلغاريا دولة صغيرة لا يزيد عدد سكانها عن 7.5 مليون نسمة، وهي واحدة من أفقر الدول في الاتحاد الأوروبي، وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال فاسيل مارينوف نائب وزير الداخلية: "نحن ما زلنا في بداية هذه الأزمة".

وعندما زارت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) مبنى المدرسة الأسبوع الماضي، لم يكن هناك مديرين مسؤولين أو موظفين طبيين في الموقع، بل وجدت ضباط الأمن والشرطة الذين يحرسون المبنى فقط (يُسمح للسكان بالدخول والخروج كما يحلو لهم). ولكن خلال عطلة نهاية الأسبوع، كان هناك مدير معين حديثاً في الموقع لاستقبال فريق من الأطباء المتطوعين.

ووجد الفريق الطبي التابع لمبادرة عمل الخير، التي أطلقتها الجالية اليهودية في صوفيا، أنه لم يتم توفير أي رعاية طبية خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، منذ نقل السكان من الحدود إلى صوفيا، على الرغم من وجود العديد من النساء الحوامل والأشخاص المسنين ومرضى السكري. وقال الكسندر أوسكار، وهو أحد الأطباء المتطوعين، أن أمراض الجهاز التنفسي منتشرة على نطاق واسع، وهو أمر شائع بين الأشخاص الذين يعيشون في أماكن مكتظة.

ويخطط هو وفريقه لزيارة جميع مراكز الاستقبال وتوفير الرعاية الطبية الأساسية والعلاج، بما في ذلك دخول المستشفيات. كما أنهم يخططون لإجراء زيارات أسبوعية إلى العيادة المتنقلة. وأضاف أوسكار أن فريقه سيقدم أيضاً توصيات إلى الحكومة مفادها أنه "لا يجب أن تترك الناس في مثل هذه الظروف".

ومن الجدير بالذكر أن غالبية السوريين الذين وصلوا الى بلغاريا فروا من العنف الذي اندلع في الأونة الأخيرة بين فصائل المتمردين في شمال سوريا، حيث استولت جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة على أجزاء من المنطقة الكردية.

وفي السياق نفسه، يشعر العديد من الأكراد بالخوف من البقاء في بلد اللجوء الأول، وهو تركيا، بسبب السياسة الداخلية، حيث تشن الحركة الانفصالية الكردية التركية المعروفة باسم حزب العمال الكردستاني (PKK) حرباً ضد الحكومة التركية منذ عدة عقود. وتوفر مخيمات اللاجئين في جنوب تركيا المأوى بشكل أساسي للسوريين من الطائفة السنية. أما الأقليات الأخرى، مثل الأكراد والعلويين والمسيحيين، فقد تُركوا في معظم الأحيان دون مساعدة، أو تلقوا العون من أبناء نفس العقيدة. وأفاد بعض الأكراد السوريين الذين وصلوا إلى بلغاريا أنهم يحاولون جمع شمل أسرهم مع أقاربهم المقيمين في أوروبا الغربية.

وفي بلغاريا، يتم احتجاز المهاجرين وطالبي اللجوء الوافدين حديثاً - أولئك الذين لم يتقدموا بطلبات لجوء رسمية حتى الآن - في منشأة مغلقة، ويعاملون معاملة المجرمين المشتبه فيهم لأنهم عبروا الحدود بصورة غير قانونية، لكن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تصف هذه العملية بأنها "صدمة إضافية لضحايا العنف"، وبعد تسجيل طلبات اللجوء - الذي قد يستغرق عاماً كاملاً - يتم نقلهم إلى مراكز استقبال مصممة على غرار المباني المهجعية حيث يتمتعون بحرية التنقل. ويحق لهم البقاء هناك حتى يتم البت في طلب اللجوء الخاص بهم، وربما الطعن في القرار الذي قد يستغرق فترة تصل الى ثلاث سنوات.

ولكن قدرة البلاد في الوقت الحالي لا تتعدى 3,350 سريراً في مراكز الاحتجاز والاستقبال التي تديرها الدولة وقد وصلت بالفعل إلى طاقتها الاستيعابية القصوى، وقد تفاقم الوضع بسبب بطء إجراءات التسجيل والبت في طلبات اللجوء. ونتيجة لذلك، يعيش أكثر من 900 شخص حالياً في مركز الاستقبال الرئيسي في صوفيا، داخل وكالة الدولة لشؤون اللاجئين، الذي تم تصميمه لإيواء 600 شخص فقط.

وأوضحت ايلينا ديميتروفا، المتحدثة باسم وكالة الدولة لشؤون اللاجئين أنه "طوال الشهرين الماضيين، ظلت جميع الغرف مشغولة، وكان الناس ينامون على أسرة مصفوفة في الأروقة"، وأضافت قائلة: "لسوء الحظ، عددهم كبير جداً، ولا يوجد ما يكفي من المال أو الطعام أو القدرات الإدارية".

وتخطط الحكومة لتطوير المرافق التي تعتبر دون المستوى المطلوب وافتتاح مراكز استقبال جديدة بتمويل الاتحاد الأوروبي. وقد تم افتتاح منشأة مؤقتة تتكون من عدة مقطورات الأسبوع الماضي في بلدة هارمانلي التي تقع في جنوب وسط البلاد، ومن المفترض أن تستوعب 450 شخصاً.

ولكن ديميتروفا ومارينوف أكدا أن الأولوية بالنسبة للحكومة هي تسريع عملية تسجيل طالبي اللجوء أو توفير الحماية الفرعية. (يتم منح حق اللجوء للفارين من الاضطهاد في وطنهم، في حين يجوز منح الفارين من النزاع بشكل عام أو من احتمال مواجهة عقوبة الإعدام أو التعذيب إذا عادوا إلى بلدانهم الأصلية ما يعرف باسم الحماية الفرعية).

كما تخطط الحكومة لتعيين موظفين إضافيين من أجل تقليل وقت تقديم الطلبات إلى 21 يوماً، وبالتالي نقل اللاجئين من مراكز الاحتجاز بشكل أسرع – وهو تطور أيجابي رحبت به المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وفقاً لتقديرات الحكومة البلغارية، يكلف كل طالب لجوء البلاد 1,084 ليف بلغارية (758 دولاراً) شهرياً، يُنفق معظمها على الإدارة والمرفق. وعندما ذكرت وسائل الإعلام البلغارية هذا الرقم، أساء كثير من الناس فهمه واعتقدوا أنه يعني أن طالبي اللجوء يتلقون هذه الأموال نقداً بصورة مباشرة. ولكن في واقع الأمر، يحصل طالبو اللجوء المسجلون على 65 ليفا (45 دولاراً) شهرياً لشراء الطعام وتغطية النفقات الطبية وغيرها.

وعلى الصعيد السياسي، كان هناك رد فعل يعارض وصول عدة آلاف من المهاجرين وطالبي اللجوء من قبل الحزب القومي اتاكا وحزب المعارضة الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق بويكو بوريسوف، الذي يواصل الضغط على الحكومة لضبط الحدود بشكل أكثر فعالية.

واستجابة لذلك، كشفت الحكومة في الأسبوع الماضي عن خطة لبناء سياج حديدي بطول 30 كيلومتراً على جزء من الحدود البلغارية التركية تصعب حراسته بدوريات نظراً لأنه يمر عبر غابة كثيفة في جبال ستراندجا. وتأمل الحكومة أن يضمن هذا السياج أن تقتصر نقاط الدخول على الأماكن التي يمكن الكشف فيها عن المهاجرين والقبض عليهم بشكل أكثر سهولة. وإذا لم يجد المسؤولون أي سند يبرر الحصول على اللجوء أو الحماية، يتعرض اللاجئون للسجن أو الترحيل.

من جانبها، أوضحت زهرة عمر عبد اللطيف الوافدة من القامشلي في سوريا أن أسرتها هربت "لأن الجميع كانوا يقتلون بعضهم بعضاً، فضلاً عن اختطاف وبيع الأطفال". وأضافت أن شراء الغذاء والضروريات كان على وشك أن يصبح ضرباً من المستحيل، حتى لو كان المرء يمتلك مالاً، ودفعت عائلة عبد اللطيف للمهربين 2,000 دولار مقابل توصيلهم من سوريا إلى الحدود البلغارية، ومن هناك ساروا لمدة أربع أو خمس ساعات عبر طرق وعرة. والآن، وتتقاسم هذه العائلة المكونة من خمسة أفراد غرفة مع سبعة أشخاص آخرين في المدرسة السابقة. كما يتقاسمون فيما بينهم ثلاثة فرش وعدداً قليلاً من البطانيات القذرة. واشتكت عبد اللطيف من أن أطفالها الصغار - الذين تبلغ أعمارهم بين 5 سنوات و3 سنوات وسنة واحدة - يشعرون بتوعك، وبينما تحاول الحكومة البلغارية جاهدة إدارة ما تسميه أزمة، بادرت منظمات المجتمع المدني بالتدخل لملء الفراغ. ففي الأسبوع الماضي، وزعت جماعة أصدقاء المهاجرين أغذية بقيمة 3,000 ليف (2,098 دولاراً) وأحذية بقيمة 1,800 ليف (1,259 دولاراً) على 700 شخص يعيشون في باتروغور، وهو مركز استقبال قرب الحدود التركية. وقد ارتفع الآن عدد أعضاء مجموعة الفيسبوك هذه، التي بدأت بحوالي 40 صديقاً، إلى نحو 2,000 عضو.

مع ذلك، يوجد عدد متزايد من المهاجرين وطالبي اللجوء الذين يعيشون في الشوارع أو في أماكن إقامة مؤقتة. ويمكن لطالبي اللجوء التنازل عن حقهم في المأوى والراتب إذا أقروا بأنهم يستطيعون تغطية نفقاتهم وتقديم وثيقة تثبت أن لديهم عنواناً خارجياً. وأفادت دنيزا جورجيفا من لجنة هلسنكي البلغارية أن الأشخاص اليائسين الذين ينشدون الخروج من مراكز الاستقبال المكتظة يلجؤون في الكثير من الأحيان إلى شراء مثل هذه الوثائق من السوق السوداء. وأضاف تشيشركوف من مفوضية الأمم المتحدة للاجئين أن العديد من المهاجرين الذين يبلغ عددهم 2,500 شخص يعيشون الآن بمفردهم، وأنهم "معرضون لخطر أن يصبحوا بلا مأوى إذا نفد ما يملكون من أموال".

بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على اللاجئين المعترف بهم مغادرة مراكز الاستقبال في غضون بضعة أيام، بمجرد قبول طلباتهم، وفي هذه الحالة لا يحصلون على رواتب شهرية ويتعرضون لخطر العوز.

ويحق للاجئين الحصول على بدل السكن لمدة تصل إلى ستة أشهر بعد انتقالهم للعيش خارج مراكز الاستقبال، لكن جورجيفا قالت أن وكالة الدولة لشؤون اللاجئين توقفت عن دفع بدل السكن في شهر يونيو الماضي لأن أموالها نفدت. وأوضحت قائلة: "لدينا العديد من العائلات في الشارع لأن لا بدائل أخرى أمامهم".

وفي يوم بارد ورطب خلال الأسبوع الماضي، تجمع ستة مهاجرين أفغان، من بينهم رجال ونساء وطفلان صغيران للغاية، حول نار للتدفئة في مبنى أسمنتي لم يكتمل بعد ولا يتوفر به ماء أو كهرباء. وقد أصبح المبنى الذي وضع المهاجرون أيديهم عليه وأسموه ساخرين "فندق ريتز"، الآن مسكناً للعراقيين والأفغان والباكستانيين والفلسطينيين والصوماليين، وفي الليل، ينام ما يقرب من 20 شخصاً هناك على فرشات رقيقة على الأرض الباردة دون حماية من الرياح، وفقاً لمحمد علي محمد، وهو صومالي ينتظر البت في طلبه العالق داخل نظام اللجوء البلغاري منذ ثلاث سنوات، وأوضح الصحافي البلغاري ديميتر كيناروف أن "المهاجرين الأفارقة هم الأسوأ حالاً، لأنهم يتعرضون للتمييز ويشعرون بالعزلة والتجاهل على نحو متزايد نظراً لتخصيص كافة المساعدات للسوريين"، وفي هذا الصدد، أكد تشيشركوف أن "المفوضية تذكر الجميع بأن الناس يفرون من الاضطهاد والنزاعات المسلحة من أجزاء أخرى من العالم أيضاً، ويجب ألا يكون هناك تمييز على أساس الموطن الأصلي".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 5/تشرين الثاني/2013 - 1/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م