الطريق الطويل إلى الاتفاق مع إيران

خافيير سولانا

 

يبدو أن أحدث جولة من المفاوضات في جنيف بين إيران ومجموعة الخمس + 1 (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا) حركت بعض التفاؤل الحذر. فقد أصبحت الفرصة سانحة كما يبدو للتوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني. وبرغم أن تفاصيل الاجتماع ليست علنية فإن نجاحه النسبي واضح، حيث من المقرر أن تجتمع الأطراف مرة ثانية في السابع والثامن من نوفمبر/تشرين الثاني.

إن التقارب بين إيران والغرب ــ وفي المقام الأول بين إيران والولايات المتحدة ــ من شأنه أن يخلف عواقب جيوستراتيجية إيجابية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. بطبيعة الحال، لا يزال الطريق طويلاً أمام إيران لإحداث تحسن دائم في علاقاتها مع الغرب؛ ولكن ما يتعين على إيران أن تقوم به ليس العائق الوحيد. فهناك عناصر استراتيجية فاعلة أخرى لابد من وضعها في الحسبان.

فمن المؤكد أن إسرائيل ستشكل عقبة رئيسية تحول دون التوصل إلى اتفاق. ففي نفس اللحظة التي شهدت بداية المفاوضات في جنيف، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) إن احتمال شن هجمة وقائية على المنشآت النووية في إيران لا يمكن استبعاده بعد.

ومن الواضح أن نتنياهو جعل من برنامج إيران النووي أولويته القصوى في السياسة الخارجية. فهو متشكك في نوايا إيران ويريد تفكيك محطات الطاقة النووية لديها بالكامل. ومكمن التخوف هنا هو أنه ما دامت إيران تحتفظ بقدرات نووية متبقية ــ ولو حتى للاستخدام المدني ــ فإنها سوف تظل قادرة على إنتاج أسلحة ذرية من شأنها أن تهدد إسرائيل. وكما أوضح نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، فإن المسؤولين في إسرائيل لا يثقون في رغبة أو قدرة الحكومة الجديدة في إيران على تغيير المسار.

ولكن إسرائيل ليست وحدها في هذا. فالمملكة العربية السعودية التي يحكمها السُنّة، وهي القوة الإقليمية المتنافسة بشكل مباشر مع إيران الشيعية على النفوذ الإقليمي، تستشعر أنها أصبحت مهمَلة بفعل التقارب الوشيك مع الجمهورية الإسلامية، إلى الحد الذي جعلها ترفض مقعداً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للإعراب عن غضب قادتها. وحتى في أيام الشاه، كانت المملكة تخشى أن تتحول إيران القوية إلى قوة إقليمية مهيمنة. الواقع أن إيران، وريثة الإمبراطورية الفارسية التاريخية، هي الدولة صاحبة ثاني أضخم ناتج محلي إجمالي في المنطقة بعد المملكة العربية السعودية، وهي أيضاً ثاني أكبر دولة في المنطقة من حيث عدد السكان بعد مصر. وتخشى المملكة العربية السعودية أن يؤدي الاتفاق المحتمل ــ الذي لابد أن يسفر عن رفع العقوبات ــ إلى تمكين إيران من تنشيط اقتصادها وبسط نفوذها.

بطبيعة الحال، هذه ليست أفضل لحظات التحالف السعودي الأميركي. ويأتي الخلاف بشأن إيران تالياً لرفض أميركا قصف سوريا (منافس آخر للسعودية في المنطقة) ومباركتها للإطاحة في عام 2011 بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك (الذي كان حليفاً مهماً للسعودية). وتسعى المملكة العربية السعودية الآن إلى الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، وترى أن اتفاق أميركا مع روسيا على تدمير أسلحة نظام الأسد الكيميائية يعني التخلي عن هدف إسقاط الأسد. ونتيجة لهذا فإن السعودية الآن هي الداعم المالي الأكبر للمتمردين السوريين (وواحدة من المؤيدين الرئيسيين للجيش المصري بعد إزاحته في يوليو/تموز لخليفة مبارك المنتخب ديمقراطيا، محمد مرسي).

بيد أن الهدف الأكثر إلحاحاً بالنسبة للغرب لابد أن يتلخص في وضع حد للصراع في سوريا. فقد قُتِل الكثير من البشر بالفعل في ذلك الصراع الذي تحول إلى الحرب الأسوأ في هذا القرن.

إن إيران وروسيا هما الحليفان الرئيسيان لنظام الأسد والجهتان الفاعلتان الخارجيتان الوحيدتان القادرتان على تغيير الموقف في دمشق. ومن المقرر مبدئياً أن تبدأ محادثات جنيف الثانية بشأن سوريا في الثالث والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني، ولو أن الأخضر الإبراهيمي الممثل الخاص المشترك لمنظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية المعني بسوريا أعرب بالفعل عن شكوك بشأن مدى ملاءمة الاجتماع في غياب ممثلين جديرين بالثقة لقوى المعارضة.

وتبدي المملكة العربية السعودية عداءً شديداً لمؤتمر جنيف الثاني، لأن المحادثات الدبلوماسية الرسمية مع نظام الأسد تعني ضمناً الاعتراف باحتفاظه بالشرعية بحكم الأمر الواقع. وبالنسبة للسعوديين فإن الحل المقبول الوحيد يبدأ باستقالة الأسد وحكومته، في حين يسعى مؤتمر جنيف الثاني إلى تشكيل حكومة انتقالية تمثل الأطراف كافة.

ويواجه صناع السياسات في أميركا صعوبة كبيرة أخرى: الكونجرس الأميركي. فقد أصبح المتطرفون في الحزب الجمهوري في موقف ضعيف بعد اتفاق اللحظة الأخيرة على رفع سقف الديون الأميركية وإعادة تشغيل الحكومة، في حين خرج الرئيس باراك أوباما من هذه الموقعة أكثر قوة. ولكن الأمر برمته يشكل سابقة خطيرة. ذلك أن أي اتفاق يمكن تصوره مع إيران لابد أن يتضمن رفع العقوبات الاقتصادية، وهو ما يتطلب موافقة تشريعية ــ وبالتالي يجعل أي صفقة مقترحة عُرضة لقِصَر النظر وضيق الأفق في الكونجرس.

والمشكلة المصاحبة بالنسبة للولايات المتحدة هي أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري جعل السلام بين إسرائيل وفلسطين أولوية قصوى. ويتبقى لنا أن نرى كيف قد يتمكن كيري من موازنة المفاوضات بحيث لا تتسبب الضغوط الإسرائيلية على الولايات المتحدة بشأن إيران في تخريب الجهود المبذولة لإحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولكن إذا توصلت إيران والغرب إلى اتفاق، فسوف يكون من الصعب للغاية بالنسبة لإسرائيل أن تظل على الهامش.

وأوروبا من جانبها لديها فرصة جيدة لتبرئة نفسها من خلال الالتزام بسياسة خارجية موحدة ومتماسكة وفعّالة. والواقع أن الاتحاد الأوروبي، الآن من خلال كاثرين أشتون الممثلة الأعلى لشؤون السياسة الخارجية والأمن، كان دوماً لاعباً رئيسياً في المفاوضات بين إيران ومجموعة الخمس + 1. وتتمتع أشتون بثقة جميع الأطراف. ومن الأهمية بمكان الآن أن يتحرك الاتحاد الأوروبي برشاقة وسرعة وأن يحافظ على التنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة. وعندما يحين الوقت لرفع العقوبات فيتعين على أوروبا أن تنسق بشكل وثيق مع الولايات المتحدة من أجل ضمان أقصى قدر ممكن من الفعالية لهذه الخطوة.

إن التفاوض والدبلوماسية يشكلان السبيل الوحيد المضمون لحل المواجهة مع إيران بشأن برنامجها النووي. والدخول في صراع آخر في الشرق الأوسط هو الخيار الأسوأ على الإطلاق. ولكن اغتنام الفرصة الفريدة اليوم مع إيران يتطلب رؤية بعيدة المدى من جانب جميع الأطراف. ولابد من وضع المصالح الوطنية فوق الاعتبارات الانتخابية. الآن الفرصة للتفاوض سانحة؛ ولكنها لن تظل كذلك إلى الأبد.

* كان وزيرا في الحكومات الإسبانية لمدة 13 سنة، وأمين عام لحلف شمال الأطلسي قبل أن يصير الممثل السامي للسياسة والأمن الأوروبي بين 1999 – 2009، وهو حاليا رئيس مركز ESADE للاقتصاد العالمي والجغرافيا السياسية وزميل متميز في معهد بروكينغز

http://www.project-syndicate.org/

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 2/تشرين الثاني/2013 - 28/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م