المريخ... هدف مباح لكل طامح مقتدر

 

شبكة النبأ: أصبح كوكب المريخ هدفا أساسيا للعديد من الدول التي تسعى الى السيطرة على الفضاء الخارجي والتعرف على بعض أسرار هذا الكوكب العجيب من خلال إرسال العديد من الرحلات الاستكشافية الى كوكب المريخ الذي دخل اليوم إطار المنافسة بين العديد من دول العالم، حيث كشفت وكالة الفضاء الروسية روس كوسموس عن اعتزامها القيام بمزيد من العمليات الاستكشافية على كوكب المريخ، وقمر فوبوس التابع له، في خطوة من شأنها أن تمهد الطريق أمام "غزو" روسي محتمل للكوكب الأحمر.

وقال الخبير في أكاديمية تسيولكوفسكي للملاحة الفضائية، أندريه يونين، إنه ينبغي على وكالة الفضاء الروسية أن تستحث برامجها لغزو المريخ ودراسته، وإلا فإنها ستتخلف كثيراً عن البلدان الأخرى، وفق ما نقلت وكالة نوفوستي الروسية للأنباء. وأضاف يونين يجب على كل من يريد البقاء ضمن رواد التطور الفضائي العالمي، أن ينسى حقبة الأعوام الـ30 أو 40 الأخيرة، حين ساد الجمود والتباطؤ في تطور الملاحة الفضائية، إذ ان التطور صار يتسارع مجددا كما كانت الحال في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. وتابع الخبير الفضائي الروسي، بحسب ما أورد موقع روسيا اليوم، قائلاً إن من لا يتسارع سيتأخر عن القطار، رغم كل الإنجازات التي حققها في الماضي.

من جانبه، أعلن رئيس وكالة روس كوسموس، فلاديمير بوبوفكين، أنه يمكن إعادة إرسال البعثة العلمية الروسية فوبوس غرونت إلى القمر الذي يدور حول الكوكب الأحمر، خلال الفترة بين عامي 2022 و2025. ويُذكر أن المحطة الفضائية "فوبوس غرونت"، المخصصة لأخذ عينات من تربة قمر المريخ "فوبوس"، أطلقت أواخر عام 2011، إلا أن تعطل وحدة المحركات الخاصة بها حال دون إكمال مهمتها، وبقيت تدور في مدار حول الأرض، إلى أن سقط حطامها في المحيط الهادي، منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي.

الى جانب ذلك تعكف الهند والولايات المتحدة على تجهيز مركبتين فضائيتين جديدتين للانضمام إلى أسطول من المعامل الفضائية الآلية لاستكشاف الغلاف الجوي لكوكب المريخ. ومن المقرر أن تنطلق المركبة الفضائية الهندية إلي المريخ في 5 وقت لاحق من مركز ساتيش داوان للفضاء في سريهاريكوتا في الهند. وستكون أول رحلة للهند إلي احد كواكب المجموعة الشمسية وذلك في أعقاب الرحلة الناجحة للمسبار الهندي تشاندرايان 1 الذي اكتشف جزيئات من الماء في تربة القمر.

وتحمل رحلة القمر الصناعي الجديد لاستكشاف المريخ أهدافا علمية طموحة أيضا بما في ذلك البحث عن غاز الميثان في الغلاف الجوي للمريخ. ويرتبط هذا الغاز بقوة بالحياة على الأرض. واكتشف غاز الميثان الذي يمكن أن ينتج أيضا عن طريق عمليات غير بيولوجيةلأول مرة في الغلاف الجوي للمريخ قبل عشر سنوات. لكن القياسات الأخيرة التي قام بها المسبار كيوريوسيتي الذي ارسلته ادارة الطيران والفضاء الأمريكية "ناسا" إلى المريخ تظهر فقط كميات ضئيلة من الميثان وهو اكتشاف محير لأن الغاز ينبغي أن يستمر حوالي 200 عام على سطح المريخ.

كما تدرس أيضا رحلة القمر الصناعي الهندي خصائص سطح المريخ وتركيبته المعدنية، وتستعد وكالة الطيران والفضاء الأمريكية "ناسا" لإطلاق المركبة الفضائية "مافين" في مهمة ستركز على دراسة الغلاف الجوي الرقيق لكوكب المريخ. وقال العالم بروس جاكوسكي المسؤول عن المهمة من جامعة كولورادو في بولدر ستركز مافين على محاولة فهم تاريخ الغلاف الجوي وكيف تغير المناخ عبر الزمن وكيف اثر ذلك على تطور السطح وإمكانية وجود حياة الاحياء الدقيقة على الأقل على المريخ.

الحياة على المريخ

في السياق ذاته قالت وكالة الفضاء الاميركية ناسا ان الروبوت ابورتيونتي لا يزال بصحة جيدة بالنسبة لعمره بعد عشر سنوات على اطلاقه باتجاه المريخ ويستمر بالقيام باكتشافات مهمة مثل رصده اخيرا اثار مياه مؤاتية لتطور الحياة. والروبوت العامل بالطاقة الشمسية انتهى للتو من تحليل ما يعتبر على الارجح اقدم صخرة تدرس حتى الان اطلق عليها اسم "اسبيرانس 6" والتي كشفت ان مياها قابلة لتطور الحياة سالت بغزارة على الكوكب الاحمر تاركة وراءها معادن صلصالية.

واوضح ستيف سكاويرز من جامعة كورنيل واحد مسؤولي هذا البرنامج ان هذا الاكتشاف هو من اهم الاكتشافات التي قام بها الروبوت اوبورتيونتي خلال مهمته لانه يلقي الضوء على عناصر كيميائية مختلفة جدا عن تلك التي عثر عليها في اثار مياه اخرى حتى الان على سطح المريخ. فالصخور الاقدم مثل "أسبيرانس 6" تتمتع بدرجة حموضة متعادلة وهو مؤشر الى ان المياه في اولى فترات تاريخ المريخ كانت مناسبة اكثر في عناصرها الكيميائية ونسبة حموضتها لتطور عناصر كيميائية يمكن ان تؤدي الى نشوء شكل من اشكال الحياة" على ما اكد سكاويرز.

واضاف ان الروبوت يتوجه الان بسرعة خمسين مترا في اليوم الى منطقة تبعد 1,5 كيلومتر عن موقعه السابق حيث الطبقات الجيولوجية اكثر. واطلق ابورتيونتي والروبوت التوأم سبيريت باتجاه المريخ في العام 2003 وقد بلغا الكوكب الاحمر في كانون الثاني/يناير 2004 في مهمة استكشافية كان يفترض ان تستمر في الاساس ثلاثة اشهر. وقد عثر المسباران على اثار قديمة لوجود مياه على المريخ.

وشدد جون كالاس المسؤول عن المشروع في جيت بروبالشن لابوراتوري في الناسا ان اوبورتيونتي في صحة ممتازة بالنسبة لعمره. وخلال السنوات لتي امضاها على المريخ قطع المسبار حوالى 36 كيلومترا. ويفيد العلماء ان ذلك يوازي اكثر من ثلاثة ملايين كيلومتر من دون تغيير الزيت بالنسبة لسيارة.

 على صعيد متصل احتفل الروبوت كوريوسيتي بالذكرى السنوية الاولى لهبوطه على سطح كوكب المريخ بحثا عن وجود اثار حياة على سطحه، في مهمة فتحت الباب امام استكشاف الكوكب الاحمر تمهيدا لغزوه في المستقبل. وقد تمكن هذا الروبوت الذي يوازي حجمه حجم سيارة صغيرة، ان يثبت لاول مرة ان كوكب المريخ كان في ما مضى بيئة مناسبة للحياة الجرثومية. وحددت مهمة الروبوت بعامين، ولكنها ستمدد على الارجح.

وقال مدير وكالة ناسا تشارلز بولدن ان النجاح الذي حققه كوريوسيتي، مثل هبوطه المذهل على سطح المريخ، ومن ثم النتائج العلمية التي حققها، تفتح الباب امام مهمات استكشافية لاحقة منها ارسال رواد فضاء الى المريخ وايضا الى احد الكويكبات. وشكلت عملية انزال الروبوت ذي العجلات الست على المريخ ليل الخامس والسادس من اب/اغسطس 2012 تحديا كبيرا لوكالة الفضاء الاميركية، وتطلب الامر تصميم تقنيات جديدة للهبوط شديدة التعقيد، واظهرت هذه العملية ان ناسا قادرة على انزال اوزان ثقيلة على المريخ.

وانزال اوزان ثقيلة على المريخ يعد حتى الآن التحدي الاكبر امام ارسال رحلة مأهولة اليه، بحسب ما يقول العلماء. ويقول مايكل ماير المسؤول العلمي في وكالة ناسا عن الرحلات الى المريخ نحن راضون جدا عن مهمة كوريوسيتي حتى الآن.. وكلما تقدمنا في جمع المعلومات عن المريخ، نمهد الطريق امام الرحلات المأهولة اليه.

ويضيف لم يقتصر نجاحنا على الهبوط الآمن، بل ان كل المعدات تعمل بشكل جيد، وقد اجرينا عمليتي حفر في صخور المريخ حتى الآن". وخلال سنة على سطح المريخ، ارسل كوريوسيتي اكثر من 2190 غيغابيت من البيانات، اي ما يعادل سعة 45600 اغنية او 36799 صورة عالية الدقة. واتاحت آلات التصوير والمعدات الموجودة على متن كوريوسيتي التوصل الى اجابة حول السؤال الاساسي للمهمة، وهو إن كان المريخ شكل بيئة مناسبة لنشأة الحياة وتطورها.

فبعد وقت قصير على هبوط الروبوت على سطح الكوكب، تمكنت كاميراته من رصد تجمعات للحصى يسببها جريان المياه، في ما تبين انه مجرى نهر كبير جف قبل ملايين السنين. بعد ذلك، اتاح تحليل العينات الصخرية العثور على مادة الطين، وهي تتشكل جراء احتكاك المياه. وتبين ان هذه المياه لم تكن شديدة الملوحة ولا شديدة الحموضة، بل مناسبة للحياة. وبسبب هذه الاكتشافات لم يتحرك الروبوت اكثر من كيلومتر ونصف الكيلومتر منذ عام.

في الاسابيع الاخيرة، استأنف الروبوت طريقه نحو جبل شارب، الذي يبعد ثمانية كيلومترات، وهو مكان البحث الاكثر اهمية بحسب مخطط المهمة. وستسغرق رحلة الكيلومترات القليلة هذه اشهرا طويلة، اذ ان الروبوت سيتوقف مرارا لتحليل التكوينات الجيولوجية المثيرة للاهتمام. ويعطي العلماء اهتماما كبيرا بسفح جبل شارب، بسبب وجود طبقات رسوبية متعددة هناك تتيح تحديد الفترة التي كان فيها الكوكب ملائما للحياة. بحسب فرانس برس.

ويقول جون لوغسدون احد مستشري وكالة ناسا اذا عثرنا على بيئات متنوعة ملائمة للحياة كانت موجودة على سطح الكوكب، فهذا يزيد من احتمال ان الحياة كانت موجودة فعلا هناك. ويقول مايكل ماير ان كوريوسيتي قد يحقق كشوفات مفاجئة بسبب تطور اجهزته. ويضيف اذا وجد كوريوسيتي في منطقة تحتوي على مؤشرات على وجود حياة، فانه على الارجح سيلتقطها.

لكن اي تأكيد علمي على وجود حياة سابقة على المريخ ينبغي ان ينتظر حتى العام 2020، عندما سترسل ناسا مسبارا آخر هو كوريوسيتي 2 مع اجهزة اكثر تطورا قادرة على رصد اثار للحياة، سواء كانت هذه الحياة في الماضي او في الحاضر. وفي سياق متصل، من المقرر ان يرسل الى المريخ روبوت "اكزومارس" الاوروبي الروسي في العام 2018، ومن شأن هذا الروبوت ان يؤكد ايضا وجود الحياة على المريخ حاليا او في الماضي.

مائة ألف شخص

من جانب أخر يطغى الشعور بالحماسة على أكثر من 100 ألف شخص، يتوقون إلى أن يصبح لديهم منزل على كوكب آخر. وقد سجل هؤلاء أسماءهم للذهاب برحلة في اتجاه واحد إلى كوكب المريخ، وذلك بحسب ما أفاد به مشروع "مارس وان بروجيكت" لتنظيم البعثات المأهولة إلى المريخ.

ويهدف المشروع إلى استعمار الكوكب الأحمر في بداية عام 2022. وتدور أسئلة مادية وتقنية عدة، حول هذه المغامرة التي لم تتضح أعماقها بعد، وأهمها هل سيكون المال كافيا؟ هل سيتمكن البشر فعليا من العيش على المريخ؟ ولكن يبدو أن هذ الأسئلة لم تمنع 30 ألف أمريكي من تسجيل أسمائهم في الرحلة. وقال المدير التنفيذي ومؤسس مشروع "مارس وان بروجيكت،" باس لانسدورب، إنه بات يمكن التعرف على بعض المرشحين الذين سجلوا أسماءهم للذهاب إلى المريخ، وذلك عبر الموقع الإلكتروني للمشروع.

وتتضمن عملية التسجيل بعض الشروط، من أهمها أن يكون الشخص قد تخطى الـ18 عاما. كذلك، يتم احتساب رسوم التسجيل بحسب جنسية الشخص الذي يتقدم بطلب التسجيل، إذ تبلغ كلفة التسجيل للأمريكيين 38 دولارا، وللمكسيكيين 15 دولار. وأوضح المشروع أن تحديد رسوم التسجيل يتم على أساس الناتج المحلي الإجمالي للفرد في كل دولة.

وقال لانسدورب إن الرحلة التي ستضم الطاقم الأول ستبلغ كلفتها حوالي ستة مليارات دولار. ومن المتوقع أن تسدد الشركات الممولة للمشروع ووسائل الإعلام التي ستدفع حقوق البث لتوثيق الحياة على المريخ، هذه القيمة. ويهدف المشروع إلى اختيار مجموعة تتألف من 40 رائد فضاء، خلال العام الحالي، للذهاب إلى الكوكب الأحمر في أيلول/سبتمبر 2022.

وسيخضع رواد الفضاء لفترة تدريب تمتد لثمانية أعوام في مكان منعزل، حيث سيتم تدريبهم على كيفية إصلاح نظم الحياة، وزراعة الخضار، ومواجهة الأمراض الصحية التي قد تنجم عن العيش على المريخ. ويسمح لكل شخص بأخذ ألفي كيلو ونصف من الحمولة اللازمة. وأوضح لانسدورب أن الأوكسجين والماء سيتم تصنيعهما على المريخ، حيث سيعمد رواد الفضاء إلى تصفية المياه من التربة، حتى تتبخر، وتتكثف، ومن ثم تتم إعادتها إلى حالتها السائلة. بحسب CNN.

ويعتبر الإشعاع مصدر قلق كبير، إذ تمنع وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" أن يتعرض رواد الفضاء لمستويات عالية من الإشعاع التي يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بأمراض السرطان بمعدل ثلاثة في المائة. وقال مسؤول ضبط الأشعة في "ناسا" إدي سيمونيز إنه يجب الحفاظ على معايير التعرض للإشعاع التي تشترطها "ناسا"، مضيفا أن الحد الأدنى المسموح به لبقاء رائد الفضاء على الكوكب والتعرض للأشعة يبلغ حوالي 360 يوم، فيما الحد الأقصى يبلغ 500 يوم.

وأشار سيمونيز إلى أن الأشعة تدمر خلايا الحمض النووي، التي يمكن أن تؤدي إلى موت الخلية أو إلى تغييرات دائمة تسبب أمراض السرطان." وحول ما إذا يمكن بالفعل القيام بهذه الرحلة، أوضح سيمونيز أنه في المرحلة الحالية، لا توجد وسيلة تكنولوجية يمكن أن تحمي رواد الفضاء من تعرضهم لفائض من الأشعة، وقال إن "أي مهمة من شأنها أن تتجاوز الـ 500 يوم قد لا تكون قابلة للتنفيذ."

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 31/تشرين الاول/2013 - 26/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م