المكافأة بين الإهدار والتأثير المرتقَب

مئة كلمة وكلمة في قواعد الحياة

 

شبكة النبأ: توجد في كتاب نهج البلاغة لأمير المؤمنين، الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، قواعد للفكر والسلوك، يمكنها، فيما لو التجأ إليها الفرد والمجتمع، أن تفتح مسارات صحيحة لهذا البناء، شريطة الالتزام بالتطبيق بعد الايمان بها، وهي من نوادر الحكم وجواهر الكلم، وكلنا نتفق على ان الانسان يحتاج الى قواعد صحيحة للبناء، لكي يبني حياته بالصورة الصحيحة، وطالما ان المجتمع يتكون من مجموع الافراد وتقاربهم مع بعض، فإن المجتمع برمته يحتاج الى تلك القواعد السليمة حتى يبني عليها حياته، وهذه القواعد موجودة في نهج البلاغة، إذ تهدف سلسة مقالات (مئة كلمة وكلمة)، أن تصل الى قواعد تساعد الانسان على البناء السليم، لاسيما اننا نعيش في عالم محتقن، تحكمه ضوابط ومصالح وأخلاقيات مادية بحتة.

عندما يتعرض الانسان للمجاعة لأي سبب كان، فإنه سيبحث عن طرق وسبل تقوده الى معالجة هذا الخطر الذي يهدد حياته، وربما تتفاقم الاوضاع لتصل الى ثورة الجائع على مصدر التجويع، فتكون هناك حالة من الغضب، ربما تأتي على اليابس والاخضر في وقت واحد، وهو أمر غير مرغوب به كونه يعد من الافعال التي لا تنسجم مع سجايا الانسان المسالم والمنتج ايضا، وغالبا من يكون الانسان الكريم صابرا متأنيا يتسم بملَكة الحلم ويبتعد عن الانفعال والصراخ والجدال، بل يعالج الامور في الغالب وفق حكمة وتوازن تتسم به شخصيته المتوازنة اصلا، لذلك عندما يتم تكريم مثل هؤلاء الافراد فإن التكريم سيترك اثرا طيبا في نفوسهم، وينعكس على افكارهم وسلوكهم، فيكون رد فعلهم طيبا وكريما ازاء مصدر التكريم، على العكس من ذلك، ربما تكرم أناساً لا يستحقون التكريم، وبذلك ستكون كمن يسقي ارضا بورا، فلا نتيجة تذكر ولا كلمة شكر، فضلا عن حالة من التنمّر واللؤم سوف يبديها هذا النوع من الناس! ازاء من يكرمهم، بسبب حالة اللؤم التي تصطبغ بها شخصياتهم.

بين الكريم واللئيم

لذلك ورد في نهج البلاغة للامام علي بن ابي طالب عليه السلام حكمة تلخّص هذا التناقض الذي ينتج عن حالة التكريم الخاطئة، او عندما لا يكون التكريم في محله: (إحْذَرُوا صَوْلَةَ الْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ). من هنا لا يصح تعريض الانسان الكريم الى ضغط المجاعة لأي سبب كان، لان نتائج ذلك ستكون وخيمة على مصدر التجويع، فالانسان الكريم صاحب موقف ومؤمن بنفسه وبمبادئ الحق والعدل، فضلا عن ايمانه بحقوقه وصون كرامته وعدم السماح لاي كان بالاستهانة به، وهو يتمتع بتقدير كل من يعرفه ويعمل معه بسبب اتزان شخصيته، لذلك من الخطأ التعامل مع مثل هؤلاء الناس الكرماء، كما يتم التعامل مع اناس لا يؤمنون بأنفسهم ولا يعرفون وزنا للمبادئ والاخلاق! كما هو الحال مع اللؤماء، فالانسان اللئيم عندما (يشبع) ويحصل على فرص للقوة والجاه والرزق، لا يشكر من كان السبب وراء ذلك، ورفعه الى هذه المرتبة، بل سوف يتنمّر عليه وربما يغدر به، فضل عن انه سوف يتنكّر له بصورة كليّة، على على من الانسان الكريم الذي يتعامل مع الامر على انه فضل وجميل وديْن في رقبته، لابد من سداده، مع تقديم الامتنان والشكر والوفاء لمن يقوم بتكريمه.

المكافأة والتحفيز

ولعل تجارب الحياة الكثيرة، تقدم لنا نماذج كثيرة من النوعين أعلاه، فيوجد لدينا الانسان الكريم الذي يعرف القيمة الحقيقة لكل انواع التكريم، مهما كان حجمها، ولا ينسى من يقف الى جانبه، ويمده بمصادرة القوة والتشجيع والإطراء، لتطوير منجزه أيا كان نوعه وفي اي إطار كان، المهم هنا انه يخدم المجتمع ويطور قدرات الانسان فردا او جماعة، على العكس ممن يجملون اللؤم في اقوالهم ونواياهم وسلوكهم، هؤلاء لا يمكن ان يجدي فعل الخير معهم، لان طباعهم قائمة على سمة التنكّر للاخر وعدم الاعتراف بفضله عليهم حتى لو كان يحدث على رؤوس الاشهاد، لان اللئيم لا يرى سوى نفسه ولا يعترف إلا بها!.

من جانب آخر يعد مبدأ المكافأة من مبادئ التحفيز المهمة، وقد حقق نتائج واضحة في مجالات التطوير المختلفة، العملية او النظرية منها، ولا شك أن الفرد عندما يشعر بالاهتمام والتكريم على عمل أو منجز ما، فإنه سوف يواصل سعيه نحو تحقيق أفضل النتائج، يذكرنا هذا بالقانون التجريبي ذائع الصيت الذي وضعه (بافلوف) حول حاجات الكائن الحي، حيث يكون التحفيز مصدر الانتاج، وتكون المكافأة مصدر المبادرة، ولكن هناك تكريم انساني من نوع آخر، وهو تكريم ذو طابع معنوي يهدف الى إشعار الانسان بأهميته عند مصدر التكريم، وغالبا ما يترك هذا النوع من التكريم، أثرا في الشخص الذي تم تكريمه، لأي سبب كان، وهذا الاثر ربما يأخذ مسارين او اتجاهين متعاكسين، اتجاه ينم عن الشكر والامتنان لمصدر التكريم، واتجاه آخر يقود الى تمرد الانسان الذي تم تكريمه.

وهكذا لابد من التفكير بعدم اهدار المكافأة لانها ينبغي ان تذهب الى من يستحقها، على ان يعرف اللئيم انه محروم منها بسبب افكاره وافعاله التي تقوم على نكران الجميل، وهو سلوك لا يترك تأثيرا جيدا، لان تأثير المكافأة ينبغي ان يكون واضحا بصورة فعلية لخدمة المجتمع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 31/تشرين الاول/2013 - 26/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م