التعليم العالي في العراقي.. من قال انه عالي؟

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الجشطالت مدرسة في علم النفس تاسست على يد العالم الالماني (ماكس ويرثيمر) ولها جذور في الفلسفة اليونانية كالفيلسوف اليوناني (جون ستيوارت بيل)...

هذه العبارة ليست صحيحة تماما، وفيها كفر بيّن وصريح لايمكن ان يقع فيه من لديه ادنى المام ومعرفة بمدارس علم النفس، وتاريخه وعلمائه.. العبارة موجودة في اطار صغير معلقة على الجدار الفاصل بين غرفة مقرر قسم علم النفس كلية الاداب / جامعة بغداد، واحدى قاعات المحاضرات.

لم اصدق عيني وانا اقرأ تلك العبارة، فهي في نصفها الاول غير مكتملة وتحتاج الى اضافة بعد كلمة الفلسفة اليونانية، وهي في قسمها الثاني، فيها كفر بين وصريح في نسبة (جون ستيوارت) الى الجنسية اليونانية، فهو بريطاني الجنسية، وخطأ فادح في اسمه الثالث وهو (بيل) والصحيح هو ميل.

افترض الاتي:

من قام  بتعليق اللوحات الخاصة بتعريف علماء علم النفس ومدارسه هم مجموعة من الطلاب،ومثل هذا النشاط يكون عادة تحت اشراف استاذ في القسم، وافترض ان المعلومات الموجودة في تلك اللوحات هي معلومات مستقاة من المقررات والمناهج الدراسية او من مصادر معينة لهذا الاختصاص، ولا يمكن ان تكون تلك المعلومات من ابتكار شخص معين وهو يكتب سردا لنظرية علمية ويذكر مؤسسيها، وافترض ايضا ان الاستاذ المشرف على هذا العمل قد قام بمراجعة هذه النصوص قبل تعليقها..

هل افتراضاتي صحيحة امام تلك الاخطاء الفادحة؟

طبعا لا..

الطالب الذي (كتب – نسخ) تلك المعلومات لم يقرأها، والاستاذ المشرف ايضا لم يكلف نفسه جهد مراجعة (الكتابة – النسخ)، والخطأ العلمي معلق على الجدار منذ سنوات يسخر من الطلاب والاساتذة بصوت عالي..

والجشطالت مدرسة في علم النَّفس تركز على دراسة التجربة بوصفها وحدة متكاملة. ويؤمن علماء علم النفس الجشطالتي بأن النمط أو الشكل هو أهم عناصر التجربة. والنمط الكامل ـ طبقًا لنظرية هؤلاء العلماء ـ هو الذي يُعطي المعنى لكل عنصر من عناصر التجربة منفردًا. وبعبارة أخرى إن الكل أهم من ضم الأجزاء بعضها لبعض. وكلمة الجشطالت ألمانية الأصل وتعني المثال أو الشكل أو الهيئة.

اما (جون ستيوارت مل) فهو فيلسوف واقتصادي بريطاني، له عدة مؤلفات هي: (مباديء الاقتصاد السياسس - نظام المنطق - عن الحرية -  أسس الليبرالية السياسية - استعباد النساء).

هل يمكن ان تسلط تلك الاخطاء الفادحة الضوء على واقع التعليم العالي في العراق؟

قد يتصور البعض ان ذلك خطأ بسيطا ولا داعي لاعطائه كل هذه الاهمية، طالما ان الالاف من الطلاب يدخلون الجامعات العراقية سنويا، وهناك العشرات منهم يتقدمون للدراسات العليا (الماجستير – الدكتوراة)، وان هناك المئات من البحوث التي تنشر عبر الكثير من المجلات المحكمة سنويا..

حول المجلات المحكمة، يذكر البروفسور متعب مناف السامرائي في ورقته التي قدمها في المؤتمر العلمي العالمي الذي اقامته مجلة (العميد) في مدينة كربلاء، ان خمسة وثمانون بالمائة من تلك البحوث هي بحوث لغرض الترقية فقط، اي انها ليست (impact  ) وتترجم الى:  (تأثير- صدمة- تصادم- وقع تأثير- قوة ساحقة- أثر في- ترك أثرا- اصطدم – غرز)..

وبتعبير اخر، انها بحوث فائضة عن الحاجة، لاتقدم نفعا او تدفع ضرا، يساهم في عملية التصنيع والتنمية البشرية وتغيير حال المجتمع من واقع الى اخر..

وهي ايضا جزء مكمل لمظاهر الوجاهة الاكاديمية التي يطمح اليها الكثيرون لما توفره من مزايا مالية لحملة الشهادات العليا والذين يقدر عدد حاملي الدكتوراة في الاختصاصات الانسانية بخمسة واربعين الف (دكتور) حسب تصريح لوزير التعليم العالي في احد الحوارات التلفزيونية، والذي يضيف عليه ان حصة كل استاذ من الطلبة هو عشرة طلاب وهو اقل من المعدل العالمي الذي يضع خمسة وعشرون طالبا تحت اشراف حامل الدكتوراة..

انها القاب علمية اصبح من السهولة الحصول عليها وخاصة منذ فترة التسعينات وبعد العام 2003 ، مع تزايد نسب المتقدمين لاكمال الدراسات الجامعية لاغراض الوظيفة، القاب تعتمد على استنساخ رسائل الماجستير واطاريح الدكتوراة في مكاتب باب المعظم وشارع المتنبي في بغداد، وفق اسعار معينة.. يضاف الى ذلك حصة الحكومة للمحسوبين عليها وما بات يعرف بالمقاعد المحجوزة للدراسات العليا.

التعليم العالي في العراق ، والذي يمكن ان يحمل راية التغيير في المجتمع عبر التحديث والتنمية غفا اغفاءة طويلة تحت ركام المرحلة السابقة وركام جديد تغطيه المرحلة الحالية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 31/تشرين الاول/2013 - 26/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م