قيم التخلف: الحكم المسبق

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يعد مؤشر الحكم المسبق على الآخرين، وعلى مواقفهم او آرائهم او حتى بعض سلوكهم، من المؤشرات الواضحة التي توحي بجهل الانسان، وانتمائه الى التعصب والحدّية، بمعنى لا يصح أن تصدرا حكما متسرعا، أو تكوّن انطباعا معينا عن إنسان ما، اذا لم تتيقّن من ان حكمك هذا قد اكتسب الدرجة القطعية من التأمّل والدقة، ولا يمكن ان يتحقق مثل هذا الشرط في ظل قيمة متخلفة تتلبس الانسان، وهي حالة او ظاهرة الحكم المسبق على الاخرين.

ومن الواضح أن الحكم المسبق على الاخرين، لا يمكن ان يمنح الانسان فرصة لاقامة علاقات طيبة معهم، كما انه يقف عائقا امام تقدم الفرد والمجتمع ككل، فعندما تسيء الظن بالاخر قبل ان تشتبك معه في علاقة عمل او علاقة فكرية او ثقافية، فإن هذا السلوك والموقف ينمّ عن تسرّع، وسلوك متعجّل، قد يجعلك وحيدا وفاشلا في كسب ثقة الاخرين، حتى لو كنت ترأسهم، او تقودهم اداريا وما شابه.

لقد اكدت دراسات علمية موثوقة اصدرتها مراكز بحث متخصصة، أن التفاعل الانساني المنفتح على آفاق واسعة متعددة، يكسب شخصية الانسان ثقة اكبر، ويصبح في هذه الحالة، محورا لعلاقات كثيرة، فضلا عن نظرة الاحترام التي يكسبها من الاخرين، ودرجة التعاون التي يبديها الآخرون له، على العكس من الشخصية المتسرعة التي تطلق الاحكام المسبقة على الاخرين، حتى قبل ان تتعرف عليها احيانا، وهي بذلك لا تتحلى بروح التأني والتأمل والنظر الى الاخر على انه شريك متعاون وليس عدو لدود!.

إن الانسان الذي يتسم باطلاق الاحكام المسبقة لا يمكن ان يكون انسانا ذا تطلّع ايجابي، كذلك لا يعني استقلال الذات ان يتسم الانسان بالتسرع في الحكم على الاخرين، او على المواقف والاحداث من منطلق ذاتي صرف، لذلك ليس هناك افضل من الانسان المتفاعل الذي يحتفظ بذاته المستقلة، مع كونه شخصية متعاونة لا تطلق احكاما مسبقة على الاخرين، لهذا وصفت مجموعة من العلماء في دراسة متخصصة لها، عن سمات الانسان المتفاعل مع الآخرين (Interdependent) بأنه: (هو ليس الحالة المعاكسة للإنسان المستقل، بل هو تطوّر للشخص المستقل، فالشخص المتفاعل هو شخص مستقل، لديه من الثقة بنفسه ومن مهارات التواصل مع نفسه ومع الآخرين ما يمكّنه من التفاعل من الآخرين بثقة، ومن البحث عن المشتركات معهم، وحل الخلافات، والوصول إلى توافقات). وهو ايضا لا يمكن أن يجعل من نفسه أسيرا للحكم المسبق، ما لم يتأمّل ويتبصّر في حكمه على الآخرين قبل إطلاقه.

لهذا يحتاج المجتمع الى نموذج الانسان المتفاعل، وينضوي تحت هذه التسمية او هذا النوع من الناس، الانسان المتأمل، المتعاون، الذي لا يؤمن بقيمة اطلاق الاحكام المسبقة على الناس، لانها تشكل عائقا امام تطوير الذات اولا، وتعقيدا للعلاقات الاجتماعية والعملية ثانيا، الامر الذي ينعكس على عموم النسيج المجتمعي، ويحد من حالات التوافق والتشارك والانسجام، ويضع العصي في عجلة تطور المجتمع، بسبب من حالات التسرع والتضارب مع الاخرين، عندما تطلق عليهم احكاما مسبقة، تتخيّل او تتوقع انها موجودة في هذا الشخص او ذاك، في حين ان نسبة كبيرة منها قد تكون خاطئة، ولكنها تؤدي الى عرقلة العلاقات الطبيعية بين الناس، والانسجام والتفاعل بين اعضاء المجتمع الواحد!.

لذلك يستدعي الامر مراجعة للذات، على نحو دائم، لان التعاون (وحسن النيّة)، لابد أن يتقدم على كل شيء في العلاقات البشرية، إلا في حالة كشف الانحراف والخلل الذي قد يرافقها، وفي مثل هذه الحالة هناك ضوابط قانونية وعرفية واخلاقية، تضع حدا لمثل هذه الحالات، ولكن ظاهرة اطلاق الحكم المسبق لا يمكن ان تساعد على بناء الشخصية الجيدة ولا المجتمع المتطور، لذا يستدعي الامر تجاوزها الى التعاون والتأمل والانسجام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 30/تشرين الاول/2013 - 25/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م