أموال القاعدة من أين؟

من دون المال يتوقف "الجهاد

جاسم محمد

 

لا يمكن الحديث عن تنظيم القاعدة و "الجهادية " بدون الاشارة الى التمويل، حيث يأتي في مقدمة حاجيات التنظيمات، سواء لإعداد عناصرها وتدريبهم أو توفير الوسائل اللوجستيكية منها الأسلحة والمتفجرات والعجلات. وانتقل الاهتمام الى المستوى الدولي حيث صدرت الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 ديسمبر1999، الا أن موضوع تمويل الإرهاب ازداد أهمية عقب أحداث 11 سبتمبر2001 التي صدر بعدها القرار رقم 1373 عن مجلس الأمن في الجلسة 4385 بتاريخ 28 سبتمبر 2001 والذي جاء بمجموعة من الالتزامات ذات الطابع التشريعي والهادفة الى تجريم ومتابعة جميع أشكال الدعم والتمويل المقدم للإرهابيين.

بحث اساليب التمويل

وشهدت ندوة مكافحة تمويل الإرهاب في 9 سبتمبر 2011 التي استضافتها وزارة الخزانة الأميركية تركيزا على أساليب المنظمات الإرهابية الجديدة في البحث عن مصادر تمويل، من خلال خطف السياح وطلب الفدية والسطو على البنوك والاتجار في المخدرات والبشر. وركزت الندوة على جوانب سياسية لقطع التمويل عن منظمات تعتبرها الولايات المتحدة إرهابية، مثل حماس وحزب الله اللتين تمولهما إيران. وكانت اللجنة التي تأسست في العام 1999 بمقتضى القرار رقم 1267 لمجلس الأمن؛ تشرف على تطبيق العقوبات التي يفرضها المجلس على كيانات تصنف على أنها تنتمي الى أو على علاقة بطالبان والقاعدة أو أسامة بن لادن.

وأوضح وزير الخزانة الأميركي تيموثي غايتنر انذاك حول تحفيف التمويل قائلا: "إنه يعتمد على أربعة أمور أساسية وهي العمل الإستخباراتي وفرض عقوبات والتعاون مع الشركاء والحلفاء الدوليين وإشراك القطاع الخاص من أجل تحديد الجهات المانحة والممولين والوسطاء المتورطين في دعم المنظمات الإرهابية، وذلك بهدف تعطيل قدرتهم على تمويل هذه المنظمات." واستعان غايتنر بمقولة المؤرخ اليوناني ثوسايدايدس، الذي قال : "إن الحرب لا تتعلق بالأسلحة بقدر ما تتعلق بالمال"، مؤكدا على أهمية مناقشة كيفية تجفيف مصادر تمويل المنظمات الإرهابية. وأشار الى أن أحد كبار قادة تنظيم القاعدة في أفغانستان قد صرح بأنه من دون المال يتوقف "الجهاد ".

القاعدة تحصل على ملايين الدولارات مقابل الفدية

وأضاف كوهين نائب وزير المالية آنذاك، أن تنظيم القاعدة واجه أسوا أزمة مالية في عام 2010، وأصبح الموقف المالي للقاعدة غير مستقر، مما أضر بقدرة التنظيم على العمل، وتؤكد أجهزة الإستخبارات أن تنظيم القاعدة يكرس إهتماما وجهدا كبيرا لجمع الأموال وإدارة الميزانية وتكاليف تشغيل التنظيم من حيث الأسلحة والوقود والرواتب. وأكد كوهين زيادة الجهود في مكافحة شبكات الدعم المالي لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وحركة الشباب في أفريقيا. ومكافحة إستخدامهم المتزايد للخطف والحصول على فدية، وسرعان ما أصبح ذلك مصدر تمويل مهما لتنظيم القاعدة وفروعه، وقال: "لدينا معلومات بأن تنظيم القاعدة حصل على عشرات الملايين من الدولارات منذ من خلال الخطف والحصول على فدية في عمليات في أفريقيا."

وفي هذا السياق يقول "مايكل جاكوبسون"، المتخصص في تمويل الإرهاب في الخزانة الأمريكية : "إن مصادر تمويل القاعدة اختلفت كثيرًا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. فقبل الأحداث كان تنظيم القاعدة تنظيمًا مركزيًّا قادرًا على تمويل عملياته، بالإضافة الى دعم جماعات جهادية أخرى، وبالتالي جعلها تدور في فلكه. أما الآن فقد أصبح هناك العديد من الخلايا على اتصال بتنظيم القاعدة، ولكنها تقوم بتمويل عملياتها من خلال الخطف والاحتيال وتهريب المخدرات وتشير التقديرات الى أنه منذ عام 2007 استطاع تنظيم القاعدة في المغرب العربي تحقيق تمويل ضخم وصل الى حوالي 130 مليون دولار من أعمال الخطف ومساعدة تجار المخدرات.

تنظيم القاعدة في اليمن

قام تنظيم القاعدة في اليمن والجزيرة العربية عن طريق عناصره بعمليات اختطاف الرهائن الغربيين من أجل الحصول على مبالغ مالية كفدية وبفترات متعددة، وقبل القاعدة وبعدها كان رجال القبائل في البلاد يلجئون الى خطف السواح الغربيين من أجل الحصول على مطالب معينة لدى الحكومة وهي تختلف عن غرض الفدية. وفي عام 2009 ذكر مصدر حكومي ان تسعة أجانب بينهم سبعة المان خطفوا في منطقة صعدة بشمال اليمن. وأضاف المصدر أن أحد الالمان طبيب في مستشفى محلي كان يزوره الالمان الآخرون وبينهم اطفاله الثلاثة. وقالت الحكومة اليمنية، أن متمردين في صعدة نفذوا جريمة الخطف، واضافة الى الالمان السبعة خطف أيضا مهندس بريطاني ومعلمة كورية جنوبية تعمل بوكالة اغاثة. ونفى مصدر بين الحوثيين في صعدة ضلوعهم في الخطف، واتهموا تنظيم القاعدة بترتيب الخطف على أراضيهم ـ الحوثيين الزيديين ـ لتأليب الرأي العام ضدهم.

يقول الكاتب اليمني رياض الأحمدي أن خطف القبائل لرهائن غربيين ظاهرة معروفة خلال السنوات الماضية في اليمن، لكن الجديد فيها الآن دخول القاعدة على الخط، إن اتضح أن رجال القبائل يبيعون رهائنهم لتنظيم القاعدة. وتعد القاعدة مسالة خطف الرهائن الغربيين ضرورية لها لتمويل عملياتها بعد الحرب الاقتصادية التي شنت عليها من قبل الولايات المتحدة التي استهدفت جمعيات ومؤسسات وأشخاص يشتبه في أنهم على علاقة بعمليات تمويل للقاعدة بشكل عام ولقاعدة جزيرة العرب الموجودة في اليمن بشكل خاص. على سبيل المثال كشفت صحيفة خليجية في 26 يناير 2013، قيام تنظيم القاعدة في اليمن باختطاف ثلاث رهائن غربيين في منطقة المناسح في مديرية رداع بمحافظة البيضاء.

القرصنة عمل منظم

برزت مشكلة القرصنة قبالة شاطئ الصومال عام 2008 كنتيجة حتمية لانهيار وتضعضع السلطة الحكومية إثر نشوب الحرب الأهلية وقد ظهرت هذه المشكلة بداية الأمر في الموانئ الساحلية للبلاد وكانت القرصنة كرد فعل من قبل الصيادين الصوماليين ساكني المدن الساحلية مثل مدينة ايل، كيسمايو، وهراردير، لمهاجمة سفن الصيد الأجنبية الموجودة بالمياه الإقليمية. وإعتمد مجلس الأمن بالإجماع القرار الرقم 1918 في 27 أبريل 2010 الذي قدمته روسيا وطلب من كل الدول أن تعتبر القرصنة مخالفة جزائية تقتضي ملاحقة وإعتقال الأشخاص المسؤولين عن أعمال القرصنة قبالة السواحل الصومالية.

وما يحصل من عمليات قرصنة قبالة السواحل الصومالية هي ليست عمليات قرصنة عشوائية بل عمل منظم من قبل القاعدة والقراصنة وفي تحقيق وثائقي مصور ل "سي ان ان" نشرته في فبراير 2012 اظهر بان عمليات القرصنة لم تكن عشوائية بل تقف ورائها كارتلات ومافيات دولية، اما السكان المحليون فهم مأجورون يقبضون رواتبهم الشهرية وعمولات ازاء كل عملية، واظهر الفلم الوثائقي بوجود هيكلية ادارية مهنية منظمة في ادارة القرصنة يستخدم فيها خبرات كبار المعنيين في الحسابات والبنوك وكذلك استخدام تقنيات حديثة متطورة في زوارق وبوارج القرصنة التي اصبحت افضل تجارة مربحة في ظل الازمات المالية بتدفق الاستثمارات عليها ومصادر تمويل للتنظيمات الجهادية والقاعدة.

فقد كشفَ مسؤولون في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA أن تنظيم القاعدة لجأ الى نقل مركز عملياته لمنطقة القرن الأفريقي، بعد تصاعد الملاحقات الأمنية ضد عناصره الذين كانوا ينشطون في المناطق الحدودية بين أفغانستان وباكستان.

القاعدة في المغرب العربي

اما تنظيم القاعدة في المغرب فقد قام في 2009 باختطاف مجموعة من السائحين الأوروبيين واحتجازهم في دولة مالي لعدة أشهر قبل إطلاق سراحهم مقابل فدية يعتقد أنها وصلت الى حوالي 5 مليون دولار لكل منهم، ولكنهم قاموا بقتل سائح بريطاني لرفض بريطانيا تنفيذ مطالبهم بإطلاق سراح أبو قتادة. وفي نفس السياق ذكرت الحكومة الجزائرية، إن عمليات الاختطاف التي استهدفت غربيين في الساحل الإفريقي جلبت للإرهابيين أكثر من 150 مليون يورو في الخمس سنوات الأخيرة. لتتحول عمليات الاختطاف الى مصدر تمويل للقاعدة وتجارة مربحة. وكانت موجة الاختطافات المتصلة بالإرهابيين قد انطلقت في 2003 عندما قام الزعيم الإرهابي الجزائري عبد الرزاق "البارا" باختطاف أكثر من ثلاثين سائحًا أوروبيًا في الصحراء الجزائرية. ووافقت المانيا في نهاية المطاف على دفع 5 مليون أورو فدية. وأكد الياس بوكراع مدير المركز الإفريقي للدراسات حول الإرهاب CAERT أن القاعدة جمعت 100 مليون يورو من الفديات وتهريب المخدرات، مامنح الإرهابيين ميزانية تفوق ميزانيات بعض البلدان في المنطقة. وقال وزير الدفاع المالي السابق سوميلو بوبي مايغا "أن تنظيم القاعدة جمع منذ 2006 أكثر من 50 مليون دولار من خلال مختلف الأنشطة كالاختطافات وعمليات التهريب".

سوريا

إن سوريا مازالت تعاني من فوضى التنظيمات الجهادية وهنالك تشابك معقد في خارطة تلك التنظيمات والقيادات بسبب التنقلات داخل التنظيمات واشتداد المعارك وتغيير موازين اللعبة في سوريا على مستوى دولي واقليمي ومحلي. وكانت لعبة اختطاف الأجانب احدى وسائل وطرق عمل بعض التنظيمات والتي اصبحت مصدر لتمويل عمليات التنظيمات الجهادية والقاعدة، ومن ابرزها:

كان لواء التوحيد أحد أكبر التنظيمات العسكرية في الشمال السوري قد رعى اتفاق في سبتمبر 2013 لوقف إطلاق النار في أعزاز بين لواء عاصفة الشمال بعد سيطرة التنظيم على المدينة القريبة من الحدود وتعزى التقارير، بان هذه المواجهات قامت اصلا على اختطاف طبيب الماني في اعزاز من قبل داعش.

كذلك اختطفت الجماعات المسلحة مصور فرنسي عند حاجز تفتيش، وذكر المصور الفرنسي - الأميركي جوناتان البيري في اوغسطس 2013، الذي اختطف لأكثر من شهرين، بالظهور على المحطات الأميركية، ليروي تجربته، وذلك بعد أسابيع قليلة على إطلاق سراحه وعودته الى نيويورك. البيري الذي أمضى 81 يوما مخطوفا من قبل إحدى هذه المجموعات، أسرته في أواخر شهر ابريل 2013 لدى توقف سيارته على حاجز مسلح فيما كان متوجهاً الى منطقة رنكوس في ريف دمشق مع مترجم وشخص آخر، يقول البيري "فهمت لاحقا أنّ المترجم وصديقه قاموا ببيعي". وفي نفس السياق اشارت مصادر الى ان مسلحين اختطفوا الصحافي البولندي "مارتن سودر " في يوليو 2013 من داخل المكتب الإعلامي خلال قيام بعمله.

التمويل أساس عمل القاعدة و"الجهاديين"

التمويل يعتبر اساس عمل تنظيم القاعدة والجهاديين، التقارير الإستخبارية تعطي تفاصيل حول أهمية التمويل، فالجهاديون والمقاتلون الذين يتطوعون للقتال، دائما يختارون الفصائل الأكثر تنظيما والاكثر دفعا وتسلحا. على سبيل المثال أن "الدولة الاسلامية في العراق والشام" استطاعت اجتياح التنظيمات الاخرى الجهادية في العراق والشام بسبب ما تتمتع به من امتيازات مالية وتسلح، هذا دفع الكثير من الالوية والكتائب بالقتال تحت رايتها بعد ان كانت تقاتل تحت رايات اخرى منها الجيش الحر. كذلك في العراق، بسبب ما يتمتع به تنظيم "داعش " من شراسة وامكانيات تمويل مرتفعة جدا تمكنه ان يقوم بتفجير عشرات السيارات يوميا، ساعد على حصوله على مجندين، مقاتلين جدد. التمويل هو العامل الأساسي في استمرارية القاعدة والجهاديين. بعض التقارير الإستخبارية من وزيرستان ذكرت بأن انقطاع التمويل عن القاعدة، دفعهم الى استخدام الدراجات النارية في التنقلات بدلا من سيارات الدفع الرباعي، كذلك ادى الى انخفاض عدد المتطوعين للقتال في وزيرستان.

لكن من بين المفارقات الإستخبارية، هو ان يتم الاتفاق مابين الضحية الأجنبي ـ المخطوف ـ والتنظيمات الجهادية او الجماعات المسلحة الأخرى وبعد الحصول على الفدية يتم دفع حصته، على سبيل المثال : اختطفت القاعدة في العراق سيدة اجنبية تحمل جواز اوربي وبعد مفاوضات طويلة مع الحكومة المعنية، توصلا الى دفع الفدية. وبعد استلام الضحية من قبل اجهزة استخبارات تلك الدولة والوسيط وعودتهم الى مبنى السفارة في بغداد، فتش رجال الإستخبارات امتعة الضحية ـ المخطوفة ـ ووجدوا عملات ورقية ذاتها التي تم دفعها الى الجماعة المسلحة. وبعدها استضافتها قناة الجزيرة بعد أن أعلنت إسلامها حسب ما تدعي وبدأت ترتدي النقاب، ورفضت ان ترجع الى بلدها الأصلي خوفا من التحقيقات والعقوبة. وهذا يعني ان الفدية وعمليات الخطف اصبحت تجارة مربحة.

إن القاعدة والمجموعات المسلحة تدير العديد من عمليات غسل الاموال، هذه الاموال تدار احيانا من داخل دول اوربية وعربية. ويلعب القطاع الخاص دورا في تمويل الإرهاب، فمكاتب الصيرفة الخاصة وتحويل الأموال عبر العالم قد تم استغلالها من قبل القاعدة في تدوير الاموال وغسيلها. بالإضافة الى تدوير الأموال بواسطة المقايضة بعمليات الاستيراد والتصدير. أن فرض الرقابة الشديدة على الشركات المالية الخاصة ومتابعة اصولها المالية من شأنها أن تعمل على تجفيف مصادر التمويل ومكافحة الإرهاب. لذا من التوصيات في تجفيف مصادر تمويل القاعدة و"الجهادين" هو العمل الإستخباراتي وفرض عقوبات والتعاون مع الشركاء والحلفاء الدوليين وإشراك القطاع الخاص من أجل تحديد الجهات المانحة والممولين والوسطاء المتورطين في دعم المنظمات الإرهابية. إن أيجاد تعاون مشترك دولي في مراقبة وتعقب الأصول المالية للجماعات المسلحة، لاتقل عن العمليات المسلحة في مواجهة الإرهاب.

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/JasimMohamad.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 29/تشرين الاول/2013 - 24/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م