ثقافة الحوار بديلا عن العنف

رؤى من افكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: يعاني عالمنا اليوم من تصادم الارادات والمصالح للدول الكبرى بشكل خاص، إذ يؤثر هذا التصادم والصراع على عموم العالم، وينشر موجات من الاحتراب بين الدول مع بعضها، او بين مكونات المجتمع الواحد، حيث ظهر نوع من الحروب يمكن ان نسميه، الحرب بالوكالة، وهو يشبه الى حد بعيد ما كان يحدث في زمن الحرب الباردة، بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي المتصارعين على العالم، فيما يقوم التابعين الصغار بالحرب بالنيابة.

ومع كل يوم جديد تتقدم فيه البشرية يزداد الامر تعقيدا، وتقل فرص السلام، وتسود او تتناسل بؤر الارهاب والعنف، وتتراجع ثقافة الحوار، بسبب تضارب المصالح، ولهاث الدول الكبرى للاستحواذ على الثروات والمواد الاولية والطاقة وغيرها من المعادن، لتأمين احتياجاتها، فضلا عن حماية نفسها امنيا، وكل هذا يحدث على حساب الدول والمجتمعات الصغيرة.

وقد ورد في مقدمة كتاب – نظرية اللاعنف عند الامام الشيرازي- حول هذا الموضوع: ان (من أخطر المسائل التي تواجه إنساننا المعاصر في التاريخ الحديث مسألة قسوة الحياة وتشعبها رغم ما وصلت إليه من آليات وأساليب للبحث جديرة بالاهتمام.. إننا إزاء مشكلة تعد من أخطر المشاكل، عرضها السابقون في الفلسفات والأديان غير السماوية بالإضافة إلى أن الأديان السماوية تعرّضت لذكرها ونظّرت لها وأعطتها ما تستحقه من اهتمام وعرضت في علاجها أنجع الحلول، وتراوح دعاتها من فلاسفة وعلماء ورجال دين ممن تفقهوا في هذا الجانب الأهم في حياة البشرية جمعاء منذ فجرها الأول).

منهج الحوار البناء

إن الامام الراحل آية الله العظمى، محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، لم يدّخر جهدا في نظريته حول العنف لطرح المعالجات والبدائل التي يمكن من خلالها ان يعم السلام في ربوع الارض، وكانت دعوة الامام الشيرازي الى حتمية تبنّي ثقافة الحوار ونشرها كمنهج حياة، تشكل الركيزة الاساسية لافكاره، بسبب قدرة الحوار على الوصول الى نتائج وسطية معتدلة، غالبا ما تحقق اهداف الطرفين من دون تصادم او احتراب، لهذا دأب الامام الشيرازي في معظم مؤلفاته، لاسيما - نظرية اللاعنف- التي شكلت حجر الزواية في فكر الامام الشيرازي، دأب على تغليب روح الحوار ونشر هذه الثقافة لتصبح منهج حياة، لا يحيد عنه الافراد ولا المجتمعات الكبيرة او الدول، بسبب الامكانيات الكبيرة وفرص السلام الكثيرة التي يمكن أن يحققها الحوار بين المتصارعين، لذلك: (لم يقصر الامام الشيرازي تنظيره حول فقه السلم واللاعنف فيما يتعلق بالجانب الفقهي فحسب، بل انطلق بطرحه ليضفي على هذا المفهوم بعداً أشمل وأوسع برفضه كل أشكال العنف السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأسري وحتى في الحرب، وذلك اعتماداً على أن المسالمة نظرية متكاملة، ومنهج سلوك متواصل، وخيار حضاري، وعليه كان الامام الشيرازي داعية اللاعنف ومجدداً ورائداً في مبدأ السلام ونبذ الإرهاب في حل جميع المشكلات والقضايا المعاصرة، وكل ما تعانيه البشرية من سلوكيات منحرفة) عبر الحوار البناء.

ومن الملاحظ هنا، ان فكر الامام الشيرازي بشأن الجنوح الى السلم ونبذ التصادم، وتغليب ثقافة الحوار على سواها، إنما يستند الى منهج القرآن الكريم، والنصوص المباركة التي حثّت الاطراف المتصارعة على اهمية تغليب روح التقارب والتفاهم، على روح الاحتراب والتصادم، لذلك عندما يطرح الامام الشيرازي في كتابه القيم الموسوم بـ الفقه: السلم والسلام (آراءه ونظرياته كاتجاهات حديثة تواكب السياقات الدولية في رفض التسلط والعنف والإرهاب بكل أشكاله على الأفراد أو على الشعوب، إنما يستمد رؤيته من القرآن الكريم، والسنة النبوية، وما قاله آل البيت عليهم السلام، وكذلك الاعتماد على الحجج في المنطق العقلي لاستنباط مبدأ المسالمة) واللجوء الى خيارات الحوار البناء.

حماية النفس والآخر

لا يمكن ان يتركّز تفكير الانسان على حماية نفسه من الصراعات والحروب، إذ عليه ان يعمل لتجنب كوارث الحروب ليس لنفسه او شعبه فحسب، انما ينبغي ان يسعى الانسان الى حماية الجميع، النفس والآخرين، بمعنى انه مطالب بتحقيق هذا الشرط لتجنب الاقتتال والتصادم، من خلال تبني ثقافة الحوار، قبل أي شيء آخر.

لذلك يؤكد الامام الشيرازي في كتابه الفقه السلم والسلام على: (أن الإنسان ليس مأموراً بحفظ نفسه وسلمها وسلامها فقط، بل مأمور بحفظ غيره وسلمه وسلامه أيضاً) ولا يمكن ان يتحقق هذا الهدف بعيدا عن الحوار وجعله ثقافة حياة للمجتمع ككل.

إن كثرة الكوارث التي ألحقتها الحروب بالعالم والامم والمجتمعات المختلفة، جعلت الجميع يفكرون كثيرا وبعمق، في الكيفية التي يمكن ان يتم من خلالها تجنب الصراعات بمختلف اشكالها، وقد اجتهد الفلاسفة والمفكرون والمصلحون في تقديم العون الفكري المبدئي للقادة السياسيين، وغالبا ما كانت هذه الافكار، تحثهم على الجنوح الى السلم، ونبذ الاحتراب، ودرء مخاطر الفتنة، بسبب ما يمكن ان ينتج من كوارث تطول الجميع اذا ما اندلعت حرب هنا او هناك، لذلك طالما هناك امكانية بتجاوز الحرب والتصادم من خلال التحاور واللجوء الى لغة السلام، فلماذا لا يلتفت الانسان الى هذه الحلول المنطقية المتاحه له، لتجنب كوارث الاحتراب بكل انواعه.

يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه المذكور نفسه: (في هذا العصر بالذات خصوصاً في النصف الأخير من هذا القرن، التفت الإنسان إلى ضرورة البحث عن السلم والسلام، وصار الشغل الشاغل للناس في وسائلهم الإعلامية وغيرها، ومدارسهم الخاصة ومدارسهم الدولية، فصاروا يتكلمون في الشرق والغرب عن السلم والسلام، ويبحثون عنه في المؤتمرات الدولية وفي المؤتمرات القطرية، وينشدونه في كل محفل من المحافل، في شتّى أقسامها وباختلاف مستوياتها)، وهكذا يتفق الجميع على تغليب لغة الحوار ونشر هذه الثقافة كبديل عن الحرب والتصادم والعنف، وهذا ما اكده الامام الشيرازي في العديد من مؤلفاته التي ركّزت على اهمية تجنب الحروب والنزاعات بكل اشكالها وصورها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/تشرين الاول/2013 - 23/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م