الاقليات في سوريا... رقم ساقط في معادلة الحرب

متابعة: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: تستنزف بين حمى الاقتتال الدامي في داخل سوريا العديد من الاقليات الدينية والعرقية بعيدا عن دائرة الضوء، يتساقط المئات من افرادها بين قتيل وجريح ومغتصب، بأثر واضح لم يجد لدى الرأي العام الدولي صدى او تعاطفا مع حجم هالة الدمار الانساني والبيئي التي تعانيه تلك المجتمعات.

فعلى مدى سنوات الازمة الثلاث التي تعصف بسوريا، انتهكت الجماعات المسلحة التي تعيث فسادا في الارض آلاف الجرائم التي تندى لها جبين الانسانية، دون رادع او رقيب، تعزز من اعمال الارهاب عمليات التمويل والدعم المستمرة عبر الحدود التركية.

اذ وجدت الاقليات المسيحية والشيعية والعلوية نفسها في دائرة الاستهداف الطائفي لبعض جماعات المعارضة المسلحة من جهة، وفصائل تنظيم القاعدة العابرة للحدود من جهة أخرى، المدعومة بفتاوى التكفير والقتل المجانية التي تطلقها فتاوى وعاظ السلاطين في مملكة السعودية وبعض دويلات الخليج.

مؤخرا صعد المسلحون من اعمالهم الاجرامية عبر اجتياح بعض الضيع والقرى التي تقطنها الاقليات الدينية في سوريا، في محاولة لضرب النسيج الاجتماعي المهترئ في سوريا، ونقل معاركها الخاسرة في بعض الخواصر الهشة املا في تحقيق بعض المكاسب الاعلامية لضمان ديمومة التمويل المالي والعسكري القادم من عواصم الدويلات الخليجية.

فقد وقع هجوم عند مدخل مدينة جرمانا بضاحية دمشق المأهولة بغالبية مسيحية، ما اسفر عن سقوط قتلى وجرحى كما اوردت وكالة الانباء السورية (سانا) بدون اعطاء حصيلة دقيقة. وذكرت الوكالة ان الاعتداء الذي قام به "ارهابيون" وقع عند مدخل جرمانا من جهة المليحة وهي بلدة مجاورة يسيطر عليها مسلحون معارضون.

وفي السادس من اب/اغسطس هز اعتداء بسيارة مفخخة جرمانا الواقعة في الضاحية الجنوبية الشرقية لدمشق والتي تضم ايضا سكانا من الدروز، مما اسفر عن مقتل 18 شخصا.

وافاد المرصد السوري لحقوق الانسان ان الهجوم هو اعتداء بسيارة مفخخة وقع عند حاجز للجيش بين المليحة وجرمانا لكن لم يكن بوسع هذه المنظمة غير الحكومية التي تعتمد على شبكة واسعة من الناشطين والمصادر الطبية اعطاء اي حصيلة. وقال احد سكان جرمانا "انه انفجار قوي، فقد اهتزت جدران المنزل".

وبعد الهجوم اندلعت معارك عند اطراف جرمانا وسقطت قذائف هاون من جهة المسلحين المعارضين على هذه الضاحية. بحسب فرانس برس.

كما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان في بيان أن مقاتلين من "حركة أحرار الشام الإسلامية" و"جبهة النصرة" و"لواء الحق" و"كتيبة المقداد بن الأسود" وعدة كتائب مقاتلة سيطروا على قرية كفرنان التي يقطنها مواطنون من الطائفة العلوية في حمص.

وأوضح المرصد أن هذا تم بعد اشتباكات عنيفة مع القوات النظامية وقوات الدفاع الوطني الموالية للنظام استمرت من الـ 19 من شهر أيلول (سبتمبر) الماضي وسقط خلالها عشرات القتلى من الجانبين. وبدأت العملية الشهر الماضي بتفجير رجل من "جبهة النصرة" نفسه بسيارة مفخخة على حاجز لقوات الدفاع الوطني في محيط القرية.

من جهتها اطلقت تنسيقية جديدة باسم "مسيحيو الشرق في خطر" عريضة في اوروبا انطلاقا من باريس للتنديد بعملية "تطهير ديني مكثف وصامت" تتعرض له الاقليات المسيحية "في سوريا وربما قريبا في لبنان".

وقال احد المنظمين ويدعى باتريك كرم "كل ما نطلبه من الدبلوماسيات الاوروبية والراي العام والكنائس هو عدم نسيان مسيحيي الشرق" مشيرا الى ان منظمته تريد جمع "مئات الالاف من التوقيعات" على العريضة المطروحة في صفحة على موقع فيسبوك باسم "تجمع مسيحيي الشرق في خطر".

واضاف كرم "سنكتب الى النواب ونتوجه الى جميع الطوائف، اليهودية والاسلامية" وذلك في مؤتمر صحافي شرح فيه ممثلو كنائس الشرق مخاوف ومعاناة المسيحيين في سوريا.

وكرم اللبناني الاصل والمندوب الوزاري السابق ونائب حزب الاتحاد من اجل حركة شعبية (يمين، معارض) في المنطقة الباريسية من اول الموقعين على العريضة مع ممثلي الكنائس الشرقية في فرنسا (الكنيسة المارونية اللبنانية والروم الكاثوليك والكنيسة القبطية الارثوذكسية المصرية والكنيسة الارمنية الكاثوليكة ....).

وكتب في العريضة "نوجه نداء الى فرنسا والفرنسيين والى جميع الدول الاوروبية لان تراعي الدبلوماسية وجود شعوب مسيحية في شرق متنوع ولان تعمل على احترام حقوق مسيحيي الشرق". واضاف النص "هذا في صالح فرنسا واوروبا والمجتمع الدولي. لقد شكل مسيحيو الشرق دوما النقيض للتطرف وعامل تسامح بين الطوائف".

في حين قال سكان ان معارضين مسلحين اسلاميين خاضوا قتالا ضد القوات الحكومية من أجل الاحتفاظ بالسيطرة على بلدة مسيحية تاريخية كان المعارضون المسلحون قد اجتاحوها. وعرض التلفزيون الحكومي السوري لقطات لمعركة حامية بالرصاص بين الجيش النظامي والمعارضين المسلحين. بحسب صحيفة القدس.

وقال سكان ظهروا في تقرير التلفزيون السوري إنهم "يرحبون بالجيش ويحتاجون إلى الحماية". وقالت ساكنة إنها "تحيي الجيش من أرض صدد، وقالت اخرى انها تحيي الجيش السوري". وتقع صدد بين مدينة حمص على بعد 60 كيلومترا والعاصمة دمشق على بعد 100 كيلومتر.

وقبل اسابيع سيطر مقاتلو المعارضة السورية وبينهم مسلحون من جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة على معلولا قبل ان يتمكن الجنود السوريون من العودة اليها واخراج المسلحين منها. الا ان الاشتباكات اليومية بين الطرفين ما تزال مستمرة لغاية الان.

وتقع معلولا المعروفة بآثارها المسيحية القديمة ومغاورها المحفورة في الصخر على بعد حوالى 55 كلم شمال دمشق. وهي من اقدم المناطق المسيحية في العالم، وتقع على خارطة المواقع السياحية البارزة في سوريا. وهي المكان الوحيد في العالم الذي لا يزال سكانه يتكلمون اللغة الآرامية، لغة المسيح. وغالبية سكانها من المسيحيين الكاثوليك.

الى ذلك طلب حوالى 50 الف سوري مسيحي الجنسية الروسية كحماية من العنف الذي يرتكبه مقاتلو المعارضة في سوريا "المدعومون من الغرب" حسب ما اعلنت وزارة الخارجية الروسية في بيان.

وكتب هؤلاء المسيحيون السوريون من سكان منطقة القلمون على بعد 90 كلم شمال دمشق في رسالة سلمت للوزارة عبر "قنوات دبلوماسية" بحسب البيان "هدف الارهابيين المدعومين من الغرب هو الغاء وجودنا هنا بأفظع الوسائل بما في ذلك القتل الوحشي للمدنيين".

واكدوا في الرسالة ان "روسيا تواصل اتباع سياسة حازمة لحماية سوريا وشعبها ووحدة اراضيها (...) ويعرف مسيحيو الشرق ذلك منذ قرون : لا احد يحمي مصالحهم اكثر من روسيا". واضافوا "بما ان القانون السوري يسمح بالجنسية المزدوجة قررنا ان نطلب الجنسية الروسية (...) ستحمينا روسيا اذا كنا مهددين بالتصفية الجسدية من قبل الارهابيين".

وقال المسيحيون وبينهم عدد من سكان معلولا اشهر بلدة مسيحية في سوريا "هذا الطلب الذي تقدم به 50 الف شخص من اطباء ومحامين ومهندسين ورجال اعمال لا يعني اننا لا نثق بالجيش السوري وحكومتنا". واضافوا "لكننا نخشى مؤامرة الغرب والمتطرفين الحقودين الذين يشنون حربا عنيفة ضد بلادنا".

مسيحيون يحملون السلاح

ومع تعاظم دور الحركات الجهادية على أرض المعركة بدأ الصراع يأخذ منحا طائفيا بامتياز. بعض المسيحيين، وإن مرغمين، دخلوا بدورهم معترك الصراع العسكري. من هم وما هي دوافعهم مقابلة مع أحد القادة الميدانيين.

كان المسيحيون ومنذ انطلاق الحراك في سوريا يحاولون النأي بأنفسهم عن مجريات الأمور، كذلك فعل رجال دينهم إلى أن تحول الحراك إلى حرب أهلية وطائفية وباتوا هدفا لعدد من الفصائل الجهادية المتشددة. فهم كما باقي الأقليات الدينية السورية من دروز واسماعيليين أصبحوا يعتبرون كجماعة أو طائفة من مؤيدي النظام القائم على غرار الشيعة والعلويين. ذلك بالرغم من بروز بعض الأسماء لشخصيات مسيحية، كجورج صبرا أو ميشال كيلو، وهم في صلب المعارضة السورية في الخارج الممثلة بالائتلاف أو بالمجلس الوطني. ويعود ذلك إلى عدم تمثيل هاتين الشخصيتين كما غيرها من شخصيات المعارضة المنتمية للأقليات الأخرى علوية كانت أم كردية، لحالة شعبية فاعلة على أرض الواقع السوري.

أراد النظام السوري، ومنذ بدء الأزمة، أن يعتمد وجها تعدديا وعلمانيا حاميا للأقليات، لطمأنتها ولكسب تأييدها في المعركة التي كانت قد بدأت ترتسم معالمها الطائفية. وبقي المسيحيون خارج نطاق الصراع طالما كان بعيدا عن مناطق تواجدهم، حتى أنهم استطاعوا أن يتناغموا مع أسياد مناطقهم الجدد كما في الطبقة ويبرود مثلا.

إلا أن التطورات الأخيرة دفعت بعدد متزايد من الشباب المسيحي إلى الانخراط في العمل العسكري أكثر فأكثر وبات حمل السلاح دفاعا عن النفس وليس عن النظام. وتبقى التجربة الأكبر للمسيحيين الذين انخرطوا في العمل العسكري في وادي النصارى في ريف حمص. ويقع وادي النصارى في وسط منطقة إستراتيجية ما بين مدينة حمص، والساحل السوري والحدود اللبنانية. أصبحت بعض القرى السنية في المنطقة وعدد من المرتفعات تحت سيطرة المعارضة المسلحة منذ أكثر من سنة، ومنها قلعة الحصن التاريخية الشهيرة.

حنا [إسم مستعار]، رجل في العقد الرابع من العمر، هو أحد قادة الدفاع الوطني وهو من مسيحيي وادي النصارى، وهو فصيل يعرف باسم "أسود الوادي"، كان يعمل في قطاع السياحة كما الكثير من أبناء المنطقة، وواحد من المشاركين الدؤوبين في العمل الاجتماعي ونشاطات رعيّته.

انخرط حنا في العمل العسكري منذ ما يناهز السنة والنصف، في بدايات الحراك المسلح، ذلك بسبب "أعمال القتل والنهب والسرقة والتعدي على الممتلكات" التي شهدتها منطقته حسب ما يقول. كما أنه يؤكد على وجود "طابور ثالث يخطف ويقتل ويقطع الطرقات في سياق أعمال إجرامية هدفها أولا وأخيرا المنفعة المادية، ما أثار الكثير من البلبلة في المنطقة. علما أن المثال الأكبر على ذلك يكمن في تصفية المدعو وليد البستاني من قبل الجيش الحر وهو لبناني كان يتحرك ومجموعته في منطقة الحصن. مجموعات أخرى دخلت على خط المجموعات المسلحة كذلك منها الفلسطيني من المخيمات في لبنان ومنها اللبناني من مدينة طرابلس، مجموعات سرعان ما وجدت حاضنة شعبية في قرى الحصن، الشويهد والزارة". ومع تمدد هذه المجموعات الطائفية وجد حنا نفسه "مضطرا لحمل السلاح خصوصا مع انهماك الجيش النظامي على عدة جبهات مترامية الأطراف وعلى مساحة الوطن".

مهمة "أسود الوادي" دفاعية بحتة، فهي تقتصر على الدفاع عن 42 قرية وبلدة منها 33 قرية مسيحية، ويؤكد حنا بأنه ليس على رأس "ميليشيا مسيحية" بل أنه يرأس مجموعة من المقاتلين "منهم المسيحي ومنهم العلوي ومنهم السني الذي يقاتل أهله وأقاربه في المقلب الآخر"، كما "أن سلاح المدفعية لديه يديره متطوعون سنة من قرية الحصن وهم من يقصفون مراكز المجموعات المسلحة في قريتهم".

عدد المقاتلين في صفوف مجموعة "أسود الوادي" لا يتعدى بضعة مئات وخبرتهم القتالية ليست بكبيرة، حتى وإن تم تدريبهم من قبل الجيش السوري النظامي، "مما لا يخول لهم القيام بعمليات هجومية" يقول حنا  أنه "يتم التركيز اليوم على النوعية وليس على العدد، فكل مقاتل هو متطوع يتقاضى راتبا من الدولة السورية وتتم معاملته ومعاملة عائلته كأي جندي أو ضابط في القوات المسلحة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 27/تشرين الاول/2013 - 22/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م