دورة السلام –الازدهار

ستيف كيليليا

 

يضع قادة العالم خلال الدورة الثامنة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة والتي بدأت في 17 سبتمبر الاسس لبرنامج عمل تنموي ليحل مكان اهداف التنمية للالفية والتي سوف تنتهي في سنة 2015. ان اهداف التنمية المستدامة القادمة سوف تكون مبنية على اساس الادراك بأن التنمية الاقتصادية هي المفتاح لتحسين حياة البشر وتأمين حقوق الناس الاكثر ضعفا ولكن من اجل تحقيق تقدم حقيقي يجب على صناع السياسة التعامل مع العوامل التي تقيد التنمية وخاصة العنف والصراع.

طبقا لمؤشر السلام العالمي فإن احتواء العنف بما في ذلك الصراعات الداخلية والخارجية بالاضافة الى الجرائم العنيفة وجرائم القتل كلف العالم حوالي 9،5 تريليون دولار امريكي او 11% من الناتج المحلي الاجمالي الدولي في العام الماضي وهذا المبلغ يساوي حجم مساعدة التنمية الخارجية الرسمية لسنة 2012 بمقدار 75 ضعف والتي وصلت الى 125،6 بليون دولار امريكي كما ان هذا المبلغ يساوي تقريبا ضعف قيمة الانتاج الزراعي السنوي للعالم علما ان الفترة التي جاءت بعد الازمة المالية العالمية لسنة 2008 تسببت في انخفاض الناتج المحلي الاجمالي بما نسبته 6،. %.

ان هذا يعني ان لو تمكن العالم من التخفيف من انفاقه على العنف بحوالي النصف تقريبا فإن بإمكانه سداد ديون العالم النامي (4،1 تريليون دولار امريكي ) وتوفير اموال كافية لآلية الاستقرار الاوروبية (900 بليون دولار امريكي ) وتمويل المبلغ الاضافي المطلوب لتحقيق اهداف التنمية للالفية ( 60 بليون دولار امريكي ).

ان تخفيض الانفاق على النشاطات المرتبطة بالعنف بما نسبته 10% فقط سوف يوفر 473 بليون دولار امريكي كما سيساهم في نمو الانتاج بما يساوي مبلغ 473 بليون دولار امريكي اضافي. ان هذه هي التقديرات المحافظة وهي لا تعكس النفقات المتعلقة بجرائم العقارات والسطو وسرقة السيارات والعنف المنزلي ومعدات الرقابة وخسارة الاجور والانتاجية الاقل نظرا لعدم توفر المعلومات الدقيقة في هذا الخصوص.

وكما ان التنمية الاقتصادية طويلة المدى تحتاج الى استقرار سياسي فإنه يمكن تحقيق السلام فقط في بيئة من النمو الاقتصادي والازدهار. ان الصدمات الخارجية مثل التقلبات المفاجئة لأسعار الغذاء يمكن ان تزيد من التوترات ضمن المجتمعات وخاصة تلك تفتقد الى شبكات امان اجتماعية كافية وحتى انها يمكن ان تؤدي الى صراعات وهذا حصل في كولومبيا في التسعينات عندما ادى الانخفاض غير المتوقع في اسعار القهوة الى تخفيض الاجور وتعزيز الصراع في المناطق التي تعتمد على القهوة.

ان انتشار البطالة وارتفاع معدلاتها يقوض السلام عن طريق تشجيع انتشار الشبكات الاجرامية والعصابات ومجموعات الثوار وفي الواقع طبقا لتقرير البنك الدولي " تقرير التنمية العالمي لسنة 2011" فإن الشباب في البلدان المتأثرة بالصراعات وضعوا البطالة والفراغ على قمة الاسباب التي جعلتهم ينضمون لمثل هذه المنظمات. اذا اخذنا ذلك بعين الاعتبار فإنه يتوجب على الحكومات تعزيز جهودها من اجل خلق الوظائف وتحسين فرص العمل بما في ذلك ايجاد وسائل لتمويل السياسات والبرامج ذات العلاقة.

ان بإمكان الحكومات البدء بتعزيز فعالية المصروفات المتعلقة بالعنف فعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة الامريكية وجد الباحثون في معهد الاقتصاد والسلام ان اكثر من واحد من كل عشرة دولارات يتم انفاقها – الاجمالي يصل لمبلغ 2،2تريليون دولار امريكي سنة 2010 و37% من الانفاق الفيدرالي لذلك العام –مخصص لمنع العنف والتعامل مع نتائجه أي بعبارة اخرى فإن الانفاق الامريكي المرتبط بالعنف يساوي تقريبا ناتج الاقتصاد البريطاني باكمله اي 2،4 تريليون دولار امريكي تقريبا وبينما يركز النقاش العام الحالي المتعلق بالرعاية الصحية على تخفيض النفقات مع تحسين النتائج فإنه يجب اطلاق نقاش عام يتعلق بتكاليف وفعالية برامج الوقاية من العنف والتعافي منه.

بوجود التحليل الشامل فإن بإمكان الحكومات ايجاد اموال فائضه يمكن اعادة توجيهها لغايات التنمية مما يعزز من الانتاجية ورفاهية البشر ويضع الاسس لمجتمع مسالم وعلى سبيل المثال فإن تخفيض الانفاق الفيدرالي على احتواء العنف في الولايات المتحدة الامريكية للسنوات الثلاث القادمة بنسبة 5% فقط يمكن ان يوفر المال اللازم من اجل تجديد البنية التحتية للمدارس في البلد بأكمله.

ان الدورة الحميدة والتي بموجبها يولد الازدهار السلام والذي بدوره يؤدي لمزيد من الازدهار واضح في الاستثمار التعليمي فالتعليم يعزز من مهارات العاملين ومعرفتهم وسلوكهم مما يعزز من انتاجياتهم. ان هذا يعزز من الاستقرار والتماسك الاجتماعي بينما يجعل المجتمعات اكثر مرونة في التعامل مع الكوارث الاقتصادية والجيوسياسية والطبيعية. ان الدول الاسكندنافية المسالمة والمزدهرة والتي يوجد فيها مستويات تعليم مرتفعة هي مثال جيد على ذلك.

لكن الدورة يمكن ان تذهب بالاتجاه المعاكس كذلك ففي اليونان على سبيل المثال فإن الانكماش الاقتصادي الاخير والذي تفاقم بسبب اجراءات التقشف الصارمة قد ادى لحدوث تظاهرات عنيفة كما ان طول امد الصراع كان له أثر مدمر على الاقتصاد العراقي وقبل ثلاثة عقود وبعد ان بدأت العراق بأعمال عدائية مع ايران انخفضت حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي في ايران من 5374 دولار امريكي سنة 1980 الى 1253 دولار امريكي سنة 1991.

ان من السهل الابقاء على الحلقة المفرغة بين الصعوبات الاقتصادية والصراع وفي الواقع فإن مثل هذه النتيجة تحتاج فقط ان لا يقوم صناع السياسة بعمل اي شيء. ان عكس هذه الدورة هي مهمة صعبة وهي مهمة تحتاج الى سياسات يتم صياغتها بعناية وبرامج فعالة واستثمار معتبر.

عندما يقوم قادة العالم بتحديد برنامج عمل التنمية لما بعد سنة 2015 فإنه يتوجب عليهم ان يقروا بقوة الدفع الكبيرة التي توفرها المجتمعات الاقل عنفا والاكثر تجانسا للتنمية الاقتصادية. ان بإمكان صناع السياسة المساهمة في تحسين حياة البشر في العالم عن طريق تحفيز دورة حميدة من السلام والرخاء وهو هدف يستحق السعي لتحقيقه.

* ستيف كيليليا هو الرئيس التنفيذي لمعهد الاقتصاد والسلام

http://www.project-syndicate.org

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 23/تشرين الاول/2013 - 18/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م