التزلف والتطرف والممالك الوهمية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: العراق على ابواب انتخابات نيابية جديدة – قديمة، جديدة من حيث بعض فقرات القانون الانتخابي الذي يتعارك على اقراره السياسيون، ومن حيث بعض الشعارات الانتخابية التي يرفعها المرشحون في شوارع المدن ويشوهون بها اوجه البنايات والمحال التجارية والساحات العامة، وهي قديمة من حيث وجود اكثر الوجوه التي صنعت الخراب الذي نعيشه ونتنفسه، ومن حيث الكتل والاحزاب والجماعات التي تحولت الى حيتان اكلت جميع ما في بحور العراق.

ترافق عملية الانتخابات او تسبقها، مجموعات عمل ترفع شعارات التزلف والتملق لتلك الجهة او لغيرها، وهي مجموعات لا يمكن لها ان توجد لولا قبول المتزلف اليه بوجودها..

يطلق على المتزلف في العراق تسمية (لوكي) وحسب تعريف الصفحات الالكترونية الخاصة ب (الحشاشين) هو الشخص المتملّق, يتكاثر في المناطق الرطبة (بيهة حتيت)..

وحتيت يمكن ان تكون مأخوذة من (حَتَّهُ أَي الشَّيْءَ عن الثَّوْب وغيرِه يَحُتُّهُ حَتًّا : فَرَكَهُ وقَشَرَهُ فانْحَتَّ وتَحَاتَّ). وهناك (الحاتة) اي الصبية الجميلة.

نعود الى التزلف والمتزلفين الذين ابتلينا بهم في كل مكان في عراقنا العظيم، وهم طبقة واسعة من المنتفعين الذين يهرولون من امام وخلف ذوي الشان، ولا يقتصر وجودهم على ميدان السياسة وحده، بل يتعدى ذلك الى كل ميدان فيه سلطة ونفوذ، وما اكثرها في اجتماعنا المعاصر.

لا يقتصر وجود هذه الطبقة عندنا، بل توجد في كل المجتمعات بدرجات واسماء واوصاف اخرى.. من ذلك وجودهم في الجزائر مثلا، حيث تحول فيها إلى ظاهرة سياسية تهدد عملية النقد البناء، وقد حذر خبراء وباحثون من خطورته على أركان الدولة وتطورها.

التزلف في الجزائر كما نقلت الي التقارير الصحفية ممارسة قائمة في واجهة الجزائر السياسية منذ ستينيات القرن الماضي، بيد أنّه تفاقم بشكل خاص في عهد الرئيس الحالي "عبد العزيز بوتفليقة"، وتنامى بشكل مقلق في السنوات الأخيرة حتى بات لا يعلو عليه صوت النقد البناء أو أي دعوة إلى الإصلاح.

ودفع زحف هذه الآفة وتموقعها كلحن قائد إلى ابتعاث منظمة افتراضية لمناهضة التزلف والمتزلفين، وهي ظاهرة تشتهر محليًا بمسمى (الشيتة والشياتين).

 في مقام خاص، خطف مؤيدو الرئيس بوتفليقة الأضواء على طريقتهم من خلال "تنافسهم بالمقلوب" حول من يظهر (تزلفه) بشكل أكبر إلى حاكم البلاد، وفرض تكاثر لجان "مساندة" الرئيس وتنافس عرّابيها على من يُظهر الولاء أكثر، إلى استحداث "تنسيقية" تشكّل بنظر مراقبين، منبرًا لاستقطاب المتزلفين ليس إلاّ، علمًا أنّ هذه التنسيقية تضم 10 آلاف لجنة مساندة (..) وما يربو على 7 آلاف جمعية، ترفع كلها شعارات مساندة لبرنامج الرئيس.

الكاتب والناقد الجزائري، محمد رابحي، يدعو إلى تصنيف التزلف كـ"رشوة" و"ارهاب"، قائلاً إنّ أقرب الحلول "الأولية" إلى العقل هي تصنيف هذه الظاهرة وتجريمها وفق تسويغ قانوني كما حدث دائماً مع الرشوة، وحدث لاحقاً مع الارهاب، مستطرداً: "بإمكاننا في وجود محامٍ حقيقي أن نرفع قضية ضد أي متزلف مع تكييفها كحالة رشوة أو كفعل ارهابي".

 والفعل الارهابي، يكون في بداية امره فكرة اولى ضد كل مايمكن ان يعتبر نقيضا للفكرة التي يعتنقها الارهابي، وتلك الفكرة لا ترضى باقل من الاقصاء والالغاء للافكار الاخرى، حتى لو كان ذلك عن طريق الغاء مجتمع باسره يعتنق فكرة معينة لا تتناغم وافكار هذا الارهابي.. ولاتهم الوسيلة في عملية الالغاء، فكل الوسائل تقود الى الافناء والموت..

ولا يقتصر الامر عند حدود الاحياء، بل يتعدى ذلك الى النصب والتماثيل التي تمثل افكارا ووجهات نظر مغايرة لصاحب الفكرة المتطرفة، والامثلة على ذلك كثيرة، واقربها الينا ما حدث في سوريا من تفجير قبور وتماثيل لشخصيات لها وجودها في الذاكرة الثقافية المجتمعية..

التطرف ينتج تطرفا مقابلا قد يميل الى ان يكون اكثر حدة وشذوذا، لا لشيء الا لمجرد الاعتراض والاحتجاج على هذا التطرف..

ويمكن لنا ان نضرب مثلا على ذلك وهو ما حدث اخيرا في مدينة السليمانية العراقية، حين اقدم مجهولون على حرق تمثال (العشق) في مدينة السليمانية، مما دفع بعض الشبان إلى الاحتجاج، بل أن أحدهم صعد إلى منصة التمثال المحروقة وأخذ يقبل حبيبته، في مشهد يعبر عن الرفض القاطع لمثل هذه الأفعال.

وهذه الحادثة امتداد لما حدث في المغرب من اعتصام تم تبادل القبل فيه بين الشباب والشابات بصورة علنية، وهو في حقيقة الامر رد متطرف لم يحترم التقاليد والاعراف الاجتماعية او التعاليم الدينية لتلك المدن، لكنه في سياقه الذي ظهر فيه، يمكن ان يؤشر لخلل في الخطابات الداعية الى التغيير، والتي تعتقد ان التطرف في طرح الافكار ومعالجة الانحرافات لا يكون الا متسما بهذه الصفة الالغائية والاقصائية.. لكننا نعرف بالمقابل ان جميع الدعوات المطالبة بالتغيير والاصلاح لا يمكن ان تنتشر في المجتمعات الا من خلال الرفق في الطرح والمعالجة، وتقديم الحلول للمشاكل قبل محاولة الغائها عبر الفراغ..

التطرف فكرة اولى، وهذه الفكرة هي نتاج الاوهام في عقول متوهمة للاصلاح.. لا ترتضي للاشياء الا ان تكون على مقاسات اوهامها، دون النظر الى سنن الاختلاف الطبيعية منها والمكتسبة.

الواهم لا يكتفي بالعيش في عالمه الوهمي، بل نراه يحاول ان يسحب العالم الواقعي الى افتراضات واوهام عالمه.. واقرب مثل الى ذلك، احد المواطنين الالمان وهو بيتر فيتزيك الذي انشأ دولته الخاصة ويلقب نفسه بملك المانيا. و المملكة التي يزعم فيتزيك تأسيسها مقامة على مساحة قدرها 9 هكتارات، ويوجد بها 3500 مواطن متطوع، ولديها عملتها الخاصة التي تعرف بـ "اينغل- غيلد". واللافت أيضاً هو أن فيتزيك قام كذلك بإصدار جوازات سفر خاصة بالمملكة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22/تشرين الاول/2013 - 17/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م